"قد يكون إنشاء شرق أوسط جديد أمراً ممكناً، ولكن هذا ليس هو الطريق الصحيح".. هكذا سلط مؤسس ورئيس معهد يوركتاون، سيث كروبسي، الضوء على مساعي الإدارة الأمريكية للتوصل إلى اتفاق لتطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل، مشيرا إلى أن الرئيس، جو بايدن، يحاول أن يسلك "طرقا مختصرة لا يستطيع تحملها".

وذكر كروبسي، في تحليل نشره بموقع "ذا هيل"، القريب من الكونجرس الأمريكي، وترجمه "الخليج الجديد"، أن الوضع الحالي يؤشر إلى أن الأمور لن تسير على ما يرام بالنسبة لجميع المعنيين بمفاوضات التطبيع، معتبرا أن "الاعتبارات الرصينة للمصلحة الوطنية، وليس الحلول السريعة، هي التي يجب أن توجه السياسة الأمريكية".

وأرجع كروبسي رأيه إلى خلفيات المشهد الإقليمي الحالي، والتي ترتبط باستخفاف بايدن علانية بولي العهد السعودي الأمير، محمد بن سلمان، بعد تورطه في اغتيال جمال خاشقجي، ورفضه التعامل مع السعودية وسعيه إلى إحياء الاتفاق النووي الإيراني الذي أبرمته إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق، باراك أوباما، والذي يهدد بتحويل ميزان القوى الإقليمي بعيدًا عن السعوديين.

لكن غزو روسيا، ثالث أكبر منتج للنفط في العالم، لأوكرانيا، دفع الولايات المتحدة إلى وضع الضغائن والالتزام بالمثالية جانباً والعمل مع السعوديين لزيادة إنتاج النفط، لإبقاء الأسعار منخفضة وحرمان روسيا من بعض الإيرادات على الأقل، خاصة أن بن سلمان سبق له خوض حرب أسعار النفط ضد روسيا في عام 2020، وليس لدى مملكته محبة خاصة تجاه الكرملين.

وكان بإمكان إدارة بايدن أن تتودد إلى السعودية اعتباراً من مارس/آذار 2022 فصاعداً، لتنشيط الشراكة الأمريكية مع مصدر حيوي للنفط في الوقت الذي كانت فيه أسواق الطاقة العالمية أكثر عرضة للتهديد، إلا أن الرئيس الأمريكي تردد في اتخاذ قراره، وعندما ذهب إلى المملكة، كان التنازل الوحيد الذي قدمه هو مصافحة بن سلمان بقبضة اليد.

وبحلول نهاية الصيف، كانت السعودية تشير إلى أنها تنوي بالفعل خفض إنتاج النفط، وكان رد إدارة بايدن من شقين: الأول هو الصمت بشأن تنازلات ملموسة للسعوديين، والثاني هو شن حملة ضغط قصوى، ليس ضد إيران، ولكن ضد إسرائيل، لإجبار حكومتها الضعيفة على قبول سيطرة حزب الله (وبالتبعية إيران) على احتياطيات الغاز الحيوية بلبنان، في الخريف الماضي.

وفي هذا السياق، لم يكن لدى بن سلمان سوى القليل من الخيارات المعقولة، حسبما يرى كروبسي، موضحا: "إذا تمكنت الولايات المتحدة من دفع الحكومة الإسرائيلية إلى اتخاذ خطوات واضحة تصب في مصلحة إيران، فما الذي كان يمكن أن تأمله السعودية، التي أصبحت "منبوذة"، حسب تعبير بايدن، في الحصول عليه من واشنطن؟".

وهكذا بدأت مغازلة بن سلمان للصين، ما أدى في مارس/آذار 2023 إلى تطبيع العلاقات السعودية الإيرانية بوساطة بكين، وهو ما لم يكن انفراجاً بقدر ما كان تأجيلاً لبرنامج إيران النووي، حسبما يرى كروبسي، لافتا إلى أن البرنامج كان قد تسارع وأصبح تسلح طهران النووي احتمالا.

اقرأ أيضاً

تحليل: حسابات معقدة للمفاوضات الثلاثية بين أمريكا والسعودية وإسرائيل

وإزاء ذلك، تسعى الولايات المتحدة إلى التوصل إلى اتفاق تطبيع بين إسرائيل والسعودية من شأنه أن يوفر للسعوديين برنامجًا مدنيًا للطاقة النووية، وضمانًا أمنيًا على غرار حلفاء حلف شمال الأطلسي (الناتو)، ووجودًا للقوات الأمريكية في البلاد واستحواذا على التكنولوجيا العسكرية الغربية المتقدمة، وفي الوقت نفسه، من المتوقع أن تزيد إسرائيل مرونتها بشأن القضية الفلسطينية.

وبينما يبدو الأمر تأسيس هكذا نظام أمني في الشرق الأوسط جذابا وقادرا على احتواء إيران وعزل الصين وروسيا، والحفاظ على مصالح الولايات المتحدة الإقليمية، إلا أن ما تحت السطح يكشف أن الوضع مختلف تماما، بحسب كروبسي.

حفظ ماء الوجه

ويوضح رئيس معهد يروكتاون أن إدارة بايدن تدرس التوصل إلى تفاهم لحفظ ماء الوجه مع طهران، يقضي بعدم إعلان الأخيرة صراحةً عن امتلاكها ترسانة نووية، حتى لو حصلت عليها، في مقابل تخفيف الولايات المتحدة عقوباتها على النفط الإيراني.

وفي هذا الإطار، دفعت إدارة بايدن لإيران 6 مليارات دولار، الأسبوع الماضي؛ لإطلاق سراح 5 رهائن يحملون الجنسية الأمريكية لديها، في محاولة "رشوة" كي تلتزم طهران الصمت بعد التسلح النووي، يرى كروبسي أنها "لن تضمن السلام، لكنها ستمنع إيران من الاستهزاء بالتردد الأمريكي".

ويشير كروبسي إلى أن صفقة التطبيع الإسرائيلية السعودية تتناسب مع الاستراتيجية الأمريكية، لكن يعيبها أنها تؤجل قضية العدوان الإيراني فقط دون معالجتها.

صحيح أن واشنطن ستكون قادرة على التحول نحو آسيا بعد هكذا تطبيع، ولكن فقط لأن إسرائيل والسعودية ستكونان مقيدتين إلى الحد الذي يجعل من توازن القوى ضد إيران مستحيلاً، حسبما يرى كروبسي.

ويضيف: "في ظل مثل هذه الصفقة، ستصبح إسرائيل ضعيفة بشكل استثنائي، حيث ستتحول مملكة بن سلمان إلى الانكفاء على الداخل"، مشيرا إلى أن "التحول التكنولوجي الذي يتصوره بن سلمان لبلاده لا ينطوي على زيادة في النشاط العسكري في الخارج، بل على خفضه، وتجنب المنافسات الإقليمية والأوراسية".

لذا، فقد توافق السعودية على منع الصين من الوصول العسكري إلى أراضيها، أو حتى إلغاء صفقتها مع شركة الاتصالات الصينية العملاقة (وأداة الاستخبارات) هواوي، لكن "هناك فرصة محدودة لأن ينخرط السعوديون في عملية توازن جيوسياسي كبيرة مع إيران".

والأرجح، بحسب كروبسي، أن السعودية ستتراجع للانكفاء الداخلي، وسيستفيد ابن سلمان استفادة كاملة من الضمانة الأمنية الأمريكية، بينما "ستكون إسرائيل عالقة مع حليف زائف فارغ يسعد كثيرًا بتجنب المواجهة".

وينوه كروبسي إلى أن تشكيل تحالف مهمة تتطلب من جميع أطرافها أن يكون لديها صورة ذاتية متسقة، لكن السعودية تفتقر إلى ذلك، ما يجعلها شريكاً غير مناسب.

وإزاء ذلك، يخلص كروبسي إلى أن "الخيار الأفضل، بالنسبة لإسرائيل والولايات المتحدة، هو الانتظار حتى تمتلك السعودية هوية ورؤية متماسكة (للأمن الإقليمي) ثم تحديد ما إذا كان من الممكن دمجها في اتفاق ثلاثي".

اقرأ أيضاً

وول ستريت جورنال: أمريكا اتفقت مع السعودية على الخطوط العريضة للتطبيع الإسرائيلي

المصدر | سيث كروبسي/ذا هيل - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: السعودية محمد بن سلمان جو بايدن الشرق الأوسط الولایات المتحدة إدارة بایدن بن سلمان إلى أن

إقرأ أيضاً:

مجلة أمريكية: هل تخلت السعودية عن أحلام تنويع الاقتصاد؟

تواجه المملكة العربية السعودية تحديات متزايدة في تنفيذ مشاريع "رؤية 2030"، مع تأجيل بعض المبادرات الكبرى وإعادة تقييم أولوياتها الاقتصادية، وذلك في ظل تراجع أسعار النفط وارتفاع التكاليف.

نشر موقع "نيو ريبابلك" مقالًا للكاتب مايك بيرل، أشار فيه إلى أن السعودية قد أعادت تسمية برنامج "رؤية 2030" بشكل غير رسمي إلى "رؤية 2034"، تيمّنًا بالعام الذي ستستضيف فيه السعودية كأس العالم.

أوضح بيرل أن انخفاض أسعار النفط وتكيّف المجتمع الدولي مع القيادة الأمريكية التي لا تُبالي بالمناخ أو البيئة، جعلا الرؤية التي أطلقت عام 2017 تبدو كأنها حلم بعيد المنال.

وأشار الزميل في معهد بيكر لشؤون الشرق الأوسط، كريستيان كوتس أولريشسن، إلى أن أهداف رؤية 2030 يجري تقليصها، مؤكدًا أنه "لن ترى مؤتمرا صحفيا مفاجئا في الإعلان يقولون فيه: حسنا، لقد ارتكبنا خطأ. ولكن سيتضح جليا أن هذه الأهداف يجري تقليصها".

ومن جانبه، صرّح ف. غريغوري غوس، الزميل الزائر في معهد الشرق الأوسط، بأن رؤية السعودية 2030 صُممت لبدء بعض التغييرات في الاقتصاد، وقد حققت نجاحًا بهذا المعنى، لكنه أضاف: "هل سيحققون الرؤية؟ لا، لن يفعلوا".


ولاحظت إيلين والد، مؤلفة كتاب "السعودية المحدودة"، نتائج إيجابية من رؤية 2030، لا سيما في طريقة عمل الوزارات، مشيرة إلى أن ذلك أثار حماس الشعب السعودي للمستقبل، وخاصة الشباب منهم.

في عام 2016، قال محمد بن سلمان إنه يعتقد أنه في عام 2020 يمكن للسعودية العيش بدون نفط. لكن في عام 2025، تستعد السعودية وأعضاء أوبك+ لإنهاء تخفيضات إنتاج النفط الطوعية التي كانت سارية منذ أكتوبر 2022، بإضافة 411 ألف برميل يوميًا بدءًا من مايو.

وأضاف الكاتب أن الزيادة أثّرت  سلبًا على توقعات أسعار برميل النفط، مما وضع السعودية في موقف حرج في وقت تحتاج فيه إلى المال. يقول صندوق النقد الدولي إنه مع استمرار السعودية في إهدار أموال رؤية 2030، ينبغي أن تتوقع مضاعفة عجز ميزانيتها إذا استمرت اتجاهات أسعار النفط. وتحتاج السعودية إلى تداول النفط عند 90 دولارًا للبرميل لتحقيق التعادل، لكنها بدلاً من ذلك تُتداول عند 60 دولارًا.

مع ذلك، تعتقد والد أن التركيز على سعر التعادل للنفط يرسم صورة خادعة، مشيرة إلى أن أرامكو تستطيع إنتاج النفط بأقل من 6 دولارات للبرميل، مقارنة بعمليات التكسير الهيدروليكي في الولايات المتحدة الأكثر تكلفة.

وتابع أن مشروع "نيوم"، واحة التقنية العالية والخيالية، أقال رئيسه التنفيذي العام الماضي بسبب الانتكاسات والتأخيرات، وتم تعيين بديل دائم في وقت سابق من هذا الأسبوع. وعلى الرغم من وجود سكان في نيوم، إلا أنهم يقضون معظم وقتهم في التنقل بالحافلات وعربات الجولف حول مجموعة من المباني السكنية غير المظللة في واحدة من أكثر صحاري العالم حرارة، وهو ما يبتعد عن المدينة العملاقة الداخلية المتلألئة والخالية من الانبعاثات الكربونية والخالية من السيارات التي وُعد بها.

يبدو للبعض أن تحول السعودية بمثابة إعادة معايرة محسوبة ومتعمدة. قال كوتس أولريشسن: "من الواضح أن معظم مناورات أوبك+ الأخيرة، في رأيي، مبنية على أخذ البيت الأبيض بالحسبان".



في هذا السياق، يسعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جاهدًا لخفض سعر النفط إلى 50 دولارًا قبل موسم قيادة السيارات الصيفي في الولايات المتحدة، وفي الوقت نفسه، يبدو أن السعودية تُهيئ نفسها للاستفادة من تعريفات ترامب المعتدلة نسبيًا.

وفقًا لتقرير نُشر هذا الأسبوع من Digitimes Asia، فإن شركات Lenovo وHP وDell تتقدم فجأة بخطط لتصنيع أجهزة الكمبيوتر في السعودية، ربما جزئيًا على الأقل لأن الرسوم الجمركية الأمريكية الجديدة التي فرضتها السعودية تبلغ 10%، مقارنة بـ 245% في الصين.

وأضاف كاتب المقال أن الدفع بالتصنيع يتماشى مع بعض العناصر الأقل جاذبية في رؤية السعودية 2030. في القائمة المنشورة للأهداف الاستراتيجية للبرنامج، يأتي "توطين الصناعات التحويلية الواعدة" في المرتبة الثانية. ولكن على الرغم من دخول مصنعي أجهزة الكمبيوتر إلى السعودية بمشاريع صغيرة نسبيًا، فلا يُتوقع أن تُرى عبارة "تم تجميعه في جدة" مطبوعة على هاتف آيفون في أي وقت قريب. فقد فكرت شركة التصنيع العملاقة Foxconn في إنشاء مصنع بقيمة 9 مليارات دولار في السعودية قبل ثلاث سنوات، ولكن يبدو أنها لم تشرع في التنفيذ.


بدلاً من ذلك، قد تدور ثورة التصنيع المحتملة الحقيقية في المملكة حول سلع عادية بالمقارنة: مشتقات البتروكيماويات والبلاستيك. تُعدّ الشركة السعودية للصناعات الأساسية (سابك)، المُصنّعة للبتروكيماويات والبلاستيك، من أنجح الأمثلة على مبادرات التنويع الاقتصادي السعودية. وأشار كوتس أولريشسن إلى أن مضاعفة الجهود في هذا المجال سيكون أكثر جدوى اقتصادية في أوقات الضيق من "التجارب الجديدة الضخمة وبناء مدن مستقبلية".

وأشار إلى أن الحفاظ على عائدات إنتاج البلاستيك يُمثّل أولوية. في أواخر العام الماضي، عقدت 170 دولة عضوًا في الأمم المتحدة مؤتمرًا في بوسان، كوريا الجنوبية، في محاولة لصياغة معاهدة مُلزمة للحد من النفايات البلاستيكية.

ووفقًا لتقارير صحيفة نيويورك تايمز، تباطأ الوفد السعودي وعرقل الإجراءات باعتراضات غير ضرورية. لم يتم التوصل إلى أي اتفاق، وهو خبر سار بالتأكيد لدولة تأمل في زيادة إنتاجها من البلاستيك.

قال كوتس أولريشسن: "يتخذ السعوديون قراراتهم بناءً على مصالحهم الذاتية، لكن أي دولة تفعل ذلك". في الوقت نفسه، بدأوا بهدوء "يُدركون أن خطر المبالغة في الوعود هو عدم الوفاء بها".

مع نجوم مثل كريستيانو رونالدو الذين يُحققون انتصارات دعائية للسعودية بإخبار العالم بمدى حبهم للعيش فيها، وارتفاع إيرادات الصيف الذي يُهيئ البلاد لنصر اقتصادي قصير الأجل، فمن يحتاج إلى قصص عن يوتوبيا جميلة؟ هناك الكثير من الأشياء البراقة هنا في العالم الحقيقي التي يُمكنها أن تُشتت انتباه المستثمرين عن مدى ضآلة وحزن الآمال المستقبلية.


مقالات مشابهة

  • مجمع الملك سلمان العالمي" يختتم مؤتمر "اللغة العربية وتعزيز الهوية الوطنية السعودية"
  • مجلة أمريكية: هل تخلت السعودية عن أحلام تنويع الاقتصاد؟
  • إيران ترد على تهديدات نتنياهو بتدمير مفاعلاتها النووية… عواقبه على إسرائيل لا يصدق
  • ترامب: كنا نخسر 5 مليارات دولار يوميًا في عهد بايدن
  • الولايات المتحدة: لا تطبيع للعلاقات مع سوريا في هذه المرحلة
  • الخارجية الأمريكية: لا نعتزم تطبيع العلاقات مع سوريا .. ونواصل تقييم سياستنا بحذر
  • السعودية وبريطانيا توسعان الاستجابة للكوليرا في اليمن
  • تحليل معمق-  40 يوماً من المواجهة: جردة حسابات وتقييم استراتيجي للحملة الأمريكية ضد الحوثيين
  • هندسة الانتصار الرمادي: صراع إيران والولايات المتحدة وإسرائيل
  • تحليل.. هكذا تغلب بوتين على عدد كبير من رؤساء أمريكا آخرهم ترامب