“هذه حكايتي” .. السقيفة
تاريخ النشر: 24th, August 2023 GMT
دمشق-سانا
في قصتها الواقعية التي حملت عنوان “السقيفة” والتي حازت من خلالها الشابة حنين نبيل القبة الجائزة الذهبية في مسابقة “هذه حكايتي” التي أطلقتها مؤسسة “وثيقة وطن” عام 2019، تناولت من خلالها وقائع عاشتها مع عائلتها في قريتها “المخرم الفوقاني” بريف حمص عام 2015.
شهدت حنين اقتراب الاشتباكات من قريتها ومع غياب والدها عن القرية قامت والدتها بترك رسالة تكشفها الكاتبة “الطفلة” ما شكل لديها صدمة قاسية فكانت المحفز لكتابة تفاصيل حكايتها.
شخصيات الحكاية كما قدمتها الكاتبة هي زوجة مقاتل في الجيش العربي السوري برتبة مقدم مظلي يدعى نبيل عيسى القبة يقود حاجز الغزل في مدينة إدلب وطفلة عمرها 8 سنوات وهي حنين وطفل عمره 6 سنوات يدعى عيسى.
واستعرضت حنين في بداية الحكاية تساؤلاتها كطفلة عن الحرب والقتل وحمل السلاح ليكون جواب والدها لها: “نحن ندافع عن أرضنا، هم الذين جاؤوا من كل البلدان للاعتداء علينا، لم نكن أبدا معتدين على أحد ولم ندخل أوطاناً غير أوطاننا، ولم نسرق حلم أطفالهم، جاؤوا ليقتلوا كل شيء جميل في وطننا لذلك نواجههم ونبذل دماءنا وأرواحنا في سبيل الحفاظ على عزة الوطن وكرامته”.
وتابعت حنين: “في لحظة ما أيقظتني دمعة والدتي سقطت من عينيها وهي تودع والدي للمرة الأخيرة وهو يهمس في أذنها استودعك أمانة عمري وحلم حياتي وظلي بينكم وروحي التي أدفعها بكل محبة لتبقى البسمة في عيونكم وتزهر أمانيكم”.
وتابعت حنين: “وعند الوداع قبلنا والدي ومسح دمعة أمي وتلاشى طيفه في الضباب، متجهاً إلى وحدته العسكرية في مدخل مدينة إدلب التي أصبحت جزءاً منا فكل ما يسعدها يسعدنا وكل ما يؤلمها يؤلمنا ويحرق قلوبنا، لأن فيها حلمنا وأملنا”.
خلال الأحداث التي تعرضت لها حمص وما تعرضت له قريتها كان له حيز من حكاية حنين، حيث قالت: “حز قلوبنا صوت الانفجارات القادمة من مكان تواجد المسلحين في جبل البلعاس وجب الجراح، لنعلم بعد حين أن القذائف استهدفت مدرستنا فلا دراسة بعد اليوم، وخاصة بعد أن علمنا أن بعض التلاميذ استشهدوا، وأصيب آخرون وفي تلك الأيام تداخل الزمن مع الأحداث ولم نعد نعرف البداية من النهاية”.
وأشارت حنين إلى أن فكرة الرحيل عن القرية راودت سكانها إلا أنه بعد العديد من المشاورات قرر الأهالي البقاء والصمود لأن هذه الأرض هي أرضهم ولن يتركوها للغربان وسيدافعون عنها للنهاية، على الرغم من اقتراب أصوات الانفجارات والرعب الذي انتشر بين الجميع الصغار والكبار.
تصاعدت وتيرة أحداث حكاية “السقيفة” عندما تحدثت حنين عن غياب والدتها زمناً متجهة إلى الصيدلية، لتعود بعلبتي حبوب خبأتهما أعلى الخزنة مع زجاجة عصير فتوقعت أنها تعد لها ولأخيها مفاجأة كعادتها في المناسبات ليحلم الصغيران بالعصير، لتمتلئ الشوارع في اليوم الثاني بسيارات المغادرين والمقاتلين، وتخرج والدتها لإحضار بعض الطعام المتوافر وإن كان قليلاً، وعندها كانت الطفلة الصغيرة تبحث عن بعض الملابس لتسقط بيدها ورقة كتبت بخط والدتها.
وقالت حنين: تلك الورقة كتب فيها “إذا وصل المسلحون إلى المنزل لن يدخلوا إلا على جثتي، أما الصغار فإني أعطيهم منوماً ستجدونهم في السقيفة خبأتهم بين الأمتعة والأغراض خوفا عليهم”، موضحة أنها كتبت رسالة على الهاتف الخليوي لوالدها أيضاً بالموضوع نفسه لكي يأتي وينقذهم.
حفرت عبارات الرسالة في أعماق ذاكرة حنين ما دفعها لكتابة حكايتها وتفاصيلها لتتابع: “عندما وصل خبر إصابة والدي على حاجز الغزل في محافظة إدلب بعدما هاجمها آلاف المرتزقة المدعومين من تركيا، استبسل رجال جيشنا البواسل المرابطون على الحواجز في الدفاع عن المحافظة ريثما يتم إخلاء ما تيسر ممن بقي في المحافظة من القوى الأمنية والمدنيين إلى قرية المسطومة، وتتالت الأخبار أن قائد المجموعة في حالة خطرة”.
وأشارت إلى أن جموع الزوار بدأت تزداد حول منزلهم وزاد الصخب واختلطت لديها الأمور ليكون ذلك تمهيدا لإعلان استشهاد والدها وجميع من كان معه من مقاتلين ليزف شيخ المسجد الخبر للقرية، ودخل إلى منزلهم صندوق خشبي ملفوف بعلم سورية يرقد فيه والدها مبتسماً، وكأنه يقول لها بحسب تعبيرها: “لقد دافعت في ادلب عن حمص وكل سورية لكي تعيشوا بسلام مرفوعي الرأس”.
وبينت حنين أنه لم يمض عام حتى تتالت قافلة الشهداء من عائلتها فاستشهد عمها المقدم نجد القبة وعمها الملازم رامي القبة، وأصبح جدها عيسى القبة ” أبو نبيل” أيقونة الشهادة وشيخ البطولة في المخرم حيث لقب ” أبو الشهداء”.
وختمت حنين حكايتها قائلة: “ولم نزل حتى اليوم عندما تطفأ الأنوار ويخلد الناس للنوم يبقى منزلنا مضاء بثلاث شموع تتلألأ على صوت “أبو نبيل” وهو يصلي ويدعو للشهداء وفي السماء ثلاث نجوم تنير دروب القرية إلى غد مشرق معمد بدماء الشهداء يخط درب أبنائها نحو النصر المؤزر”.
وعن سبب كتابة ما عاشته والمشاركة في جائزة “هذه حكايتي” بينت حنين في تصريح لسانا أنها أرادت توثيق معاناة الحرب وتبعاتها القاسية عليهم والتي لم تسمح لهم بعيش تفاصيل طفولتهم التي سرقت منهم عنوة، لافتة إلى أنها تمارس الكتابة منذ طفولتها حتى أنها تعمل على كتابة مذكراتها بشكل يومي.
شغفها بالكتابة مكنها أيضاً وبتشجيع من عائلتها من المشاركة في مسابقة أقامتها وزارة الثقافة لأبناء وبنات الشهداء عام 2022 لتحصل بذلك على الجائزة الأولى لفئتها العمرية عن قصة “بوح الأمواج”، كما حازت هذا العام الشهادة الثانوية بتفوق.
يذكر أن مؤسسة وثيقة وطن أطلقت جائزة “هذي حكايتي” لأول مرة في صيف عام 2019، لنشر الوعي بأهمية التأريخ الشفوي، وإغناء الأرشيف الوطني المعرفي بالروايات الشفوية الواقعية التي شهدها كتابها بأنفسهم، كما أن المؤسسة مستمرة في استقبال قصص الجائزة لعام 2023 إلى غاية الـ 31 من آب الحالي.
رشا محفوض
المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء
إقرأ أيضاً:
دفنوها سرا.. مقتل سيدة علي يد والدها وشقيقاتها بأطفيح
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
في بيت بسيط في قلب مركز ومدينة أطفيح جنوب محافظة الجيزة، وقعت جريمة قتل مأساوية نفذت في حق سيدة في منتصف الأربعينيات تُدعى "م م"، مطلقة وأم، علي يد والدها و شقيقاتها الثلاثة.
جريمة بشعة هزت أرجاء محافظة الجيزة، حيث، تجرد أب وثلاث من بناته من مشاعر الإنسانية، وأقدموا على قتل ابنتهم الرابعة بدم بارد، وذلك بعد اكتشافهم لعلاقتها غير الشرعية بأحد الأشخاص.
لم يكتفِ الجناة بفعلتهم الشنيعة، بل قاموا بدفن الضحية في صمت مطبق، وتلقوا العزاء من الأهالي وكأن شيئًا لم يحدث، محاولين طمس جريمتهم النكراء.
تفاصيل الجريمة تكشفها التحرياتكشفت التحريات المكثفة التي أجراها فريق البحث الجنائي بالجيزة عن هوية المتورطين في هذه الجريمة المروعة، حيث تبين أن العقل المدبر والمنفذ الرئيسي هو والد الضحية ويدعى "م. ي."، يبلغ من العمر 66 عامًا، وبناته الثلاث: "أ. م." (33 عامًا)، و"م. م." (38 عامًا)، و"ف. م." (23 عامًا).
وقد تمكنت الأجهزة الأمنية من ضبط المتهمين جميعًا، الذين لم يجدوا مفرًا من الاعتراف تفصيليًا بالجريمة خلال التحقيقات الأولية.
الدافع وراء الجريمة.. "غسل العار"
أوضح المتهمون في اعترافاتهم الصادمة أنهم أقدموا على قتل المجني عليها في شهر يناير الماضي، أي قبل نحو ثلاثة أشهر من كشف الجريمة، وذلك بعد أن ضبطوها برفقة رجل يدعى "م. أ."، يبلغ من العمر 46 عامًا، داخل منزلها في وضع مخل بالآداب.
وذكرت التحريات أن بعض الجيران قد شاركوا في التعدي على الشاب والفتاة حينها، وتم الاتفاق مع أسرة الشاب على مغادرته للقرية نهائيًا وقطع أي صلة له بالضحية.
إلا أن الرياح لم تجرِ كما اشتهت سفن الجناة، فبعد يومين فقط، اكتشف أفراد الأسرة أن العلاقة المحرمة بين الابنة والشاب لا تزال مستمرة، الأمر الذي دفعهم لاتخاذ قرارهم بالتخلص منها نهائيًا، ظنًا منهم أنهم بذلك يغسلون عارهم ويحافظون على سمعة العائلة.
خيوط الجريمة تتكشف بعد 90 يومًا
مرت قرابة الثلاثة أشهر على الجريمة البشعة ودفن الضحية في طي الكتمان، واعتقد الجناة أنهم نجحوا في الإفلات من العقاب، ولكن، كما يقال "حبل الكذب قصير"، فقد التقطت أذن المقدم محمد مختار، رئيس مباحث مركز أطفيح، معلومة صغيرة كانت بمثابة الشرارة التي أشعلت فتيل كشف هذه الجريمة المروعة.
معلومة في أُذن رئيس المباحث
بدأت القصة عندما وردت معلومة لرئيس المباحث تفيد بدفن سيدة ثلاثينية في مقابر العائلة دون استخراج تصريح من مفتش الصحة، وخلال الاستعلام عن ملابسات الوفاة.
أكد الأهالي أنها توفيت وفاة طبيعية؛ إلا أن جملة عابرة نطق بها أحد المصادر السرية لفتت انتباه رئيس المباحث، حيث ذكر أن المتوفاة كانت مطلقة وأن والدها ضبطها قبل يومين من وفاتها مع شاب، ليتحول الأمر من مجرد وفاة طبيعية إلى شبهة جنائية.
تحرك أمني لكشف الحقيقة
لم يتردد رئيس المباحث في إخطار قياداته الأمنية بشكوكه، وعلى الفور، وجه اللواء محمد الشرقاوي، مدير الإدارة العامة للمباحث، بتشكيل فريق بحث متخصص لتعقب هذه المعلومة الهامة، كان الهدف هو كشف الحقيقة كاملة، سواء كانت الوفاة طبيعية ليطمئن رجال الأمن، أو جنائية ليتم محاسبة المتورطين.
كشف المستور
على مدار الأيام التالية، توصلت تحريات مباحث الجيزة،'، إلى معلومات دقيقة أكدت الشكوك الأولية.
تبين أن السيدة كانت مطلقة وتقيم في منزل مجاور لمنزل أسرتها، وأن خبر علاقتها بشاب وصل إلى والدها الذي ثار غضبًا وقرر معاقبتها على ما اعتبره "سوء سلوك"، وتصاعد الأمر بشكل خطير عندما ضبطها الأب وبناته متلبسة مع الشاب في وضع مخل.
أوضحت التحريات أن الأب استعان ببناته الثلاث، شقيقات الضحية، اللاتي انهلن عليها ضربًا مبرحًا في جميع أنحاء جسدها، تعبيرًا عن غضبهن مما اعتبرنه "عارًا" لحق بالعائلة.
وذكرت التحريات أن إحدى الشقيقات قالت للضحية أثناء الاعتداء عليها: "جبتلنا العار وهنتفضح ونتطلق بسببك"، وشارك الأب والبنات في ضرب الضحية حتى لفظت أنفاسها الأخيرة بين أيديهم.
وبعد ارتكاب جريمتهم، لم يجدوا وسيلة للتخلص من الجثة سوى إعلان وفاتها طبيعيًا بين الجيران والأقارب، ودفنها في مقابر العائلة دون عرضها على مفتش الصحة أو استخراج تصريح بالدفن، محاولين بذلك إخفاء جريمتهم.
القبض على الجناة والنيابة تبدأ التحقيق
عقب التأكد من صحة المعلومات والتحريات، استأذنت مباحث أطفيح النيابة العامة، وتمكنت قوة أمنية من إلقاء القبض على الأب والشقيقات الثلاث.
وبمواجهتهم بالأدلة والتحريات، لم يجدوا بدًا من الاعتراف بارتكاب الجريمة تفصيليًا، تم اقتياد المتهمين إلى النيابة العامة التي باشرت التحقيقات لكشف كافة ملابسات الجريمة وتقديم الجناة للعدالة.
استخراج الجثمان لكشف الحقيقة
في خطوة حاسمة لكشف ملابسات الجريمة، استخرج فريق من النيابة العامة بجنوب الجيزة، برفقة قوة أمنية وطبيب شرعي، جثمان السيدة بعد مرور ثلاثة أشهر على دفنها.
جاء ذلك بعد ورود شكوك قوية حول وفاتها جنائيًا على يد والدها وأشقائها الثلاثة في منطقة أطفيح. ويهدف استخراج الجثمان إلى إجراء التشريح اللازم لتحديد سبب الوفاة الحقيقي، وما إذا كانت هناك آثار عنف تدل على وقوع جريمة قتل.
وهو ما سيساهم بشكل كبير في إظهار الحقيقة الكاملة وراء هذه الجريمة الأسرية المروعة، وقررت النيابة حبس المتهمين على ذمة التحقيقات مع مراعاة التجديد لهم في الموعد المحدد، وجاري استكمال التحقيقات.