مظاهر العيد.. عادات عمانية راسخة تعبّر عن القيم والأصالة
تاريخ النشر: 30th, March 2025 GMT
يحتفل العمانيون بعيد الفطر المبارك اليوم وسط أجواء مليئة بالفرح والتقاليد العريقة والأصيلة التي تعكس قيم الضيافة والترابط الأسري، وفيما تتغير بعض مظاهر الاحتفال مع تطور الزمن، تبقى روح العيد في سلطنة عمان محافظة على هُويتها الفريدة التي تمتزج فيها البهجة بالتراث الأصيل.
ويبدأ اليوم الأول للعيد بعد صلاة العيد في المساجد والمصليات، حيث يجتمع المصلون لتبادل التهاني والدعوات الصالحة، وبعدها تنطلق الاحتفالات العائلية التي تتميز بأطباق تقليدية شعبية توارثتها الأجيال، يغلب عليها طابع التميز مع إدخال أطباق وحلويات حديثة، ويجتمع عليها الصغار والكبار في مشهد عائلي مليء بالفرح والسرور، وتعتبر الأطعمة التقليدية جزءا أساسيا من احتفالات العيد في جميع المحافظات، حيث تتنوع الأطباق بين الحلوى والمأكولات الشهية التي يتم تحضيرها بمكونات محلية وأسلوب طهي يعكس التراث العماني، ومن أبرز الأطباق العمانية التي تقدم خلال العيد الحلوى العمانية، وهي واحدة من أشهر الحلويات التي لا يخلو منها أي بيت خلال الأعياد والمناسبات، وطريقة إعدادها تختلف من منطقة لأخرى، ولكن أغلب مكوناتها تتكون من السكر والزعفران والمكسرات وماء الورد، وتقدم مع القهوة العمانية كرمز للضيافة، كما يعد الشواء العماني من أهم الوجبات الحاضرة في موائد العيد، ويتم تحضيره ثاني أو ثالث أيام العيد حسب كل منطقة وعاداتها، كما تختلف طرق تحضيره من منطقة لأخرى، ومن الطرق الشائعة تتبيل اللحوم بتوابل عمانية خاصة، ثم يُلف في أوراق النخيل ويُدفن في حفرة تحت الأرض ليُطهى ببطء على الفحم الساخن لمدة يوم أو يومين، مما يكسبه نكهة مميزة ومتفردة، ويتفرد العيد بهذه الوجبة التي تعد خصيصا له.
وتعد مع اللحوم أنواع معينة من الرز كـ"القبولي"، وهو عبارة عن طبق أرز تقليدي يطهى مع اللحم أو الدجاج ويُنكه بالتوابل العمانية والهيل والزعفران، مما يجعله أحد الأطباق الرئيسية في وجبات العيد، و"المكبوس" يُعد من الأطباق الشهيرة في المناسبات، حيث يتم طهي الأرز مع اللحم أو الدجاج مع إضافة البهارات العمانية والليمون المجفف لإضفاء نكهة خاصة، كما يتم إعداد "القلية" و"المشاكيك" لثاني وثالث أيام العيد، وتتشارك جميع المحافظات في طريقة إعدادها وتقديمها.
ولا يقتصر الاحتفال بعيد الفطر في سلطنة عمان على الطعام فقط، بل يتجلى أيضا في العادات الاجتماعية التي تعزز الترابط الأسري والمجتمعي، وتظهر فيه القيم الأصيلة للأفراد، فتستهل العائلات يومها بزيارة كبار السن وتقديم التهاني والتبريكات، كما يتم تبادل الأطعمة بين الجيران في بادرة تعكس روح التعاون والتكافل والمحبة، ويحرص الأطفال على ارتداء الملابس الجديدة والخروج إلى الساحات العامة للمشاركة في الفعاليات الاحتفالية، متلهفين للحصول على العيدية والذهاب للعيود.
كما تنظم بعض المناطق عروضا تقليدية مثل الفنون الشعبية والرقصات العمانية، وتتنوع الفعاليات والأنشطة في مختلف المحافظات في جو يسوده الفرح والتآلف.
وبيّن عبدالرحمن المقبالي أن التواصل العائلي وكرم الضيافة من أساسيات العيد، فيجتمع جميع الأقارب والأرحام والجيران على موائد واحدة، ويحظى الأطفال بنصيب كبير من فرحة العيد، حيث يرتدون الملابس الجديدة ويتجولون بين البيوت لاستلام العيديات والحلوى، مشيرا إلى أنه بالرغم من التطورات العصرية، تظل روح العيد متجذّرة في العادات المتوارثة التي تعكس هُوية المجتمع العماني وتراثه العريق.
وترى جواهر الحراصية أن فرحة العيد تتمثل في إعداد الحلويات المختلفة قبيل صباح العيد، لكي تكون حاضرة في الموائد والضيافات، وتحرص مع أفراد أسرتها على الاهتمام بتقديم الوجبات الشعبية وتنظيم مكان معين في المنزل لعمل توزيعات مختلفة للأطفال.
وتوضح منار الهنائية أن أهم ما يميز أيام العيد هو الاجتماعات العائلية، وزيارة الأرحام، والاستمتاع بحضور الفعاليات الشعبية والفنون التقليدية الحاضرة في العيد مثل فن الرزحة والعازي، كما يتشارك الأطفال الهدايا والحلويات، موضحة أنها تقوم سنويا مع أطفالها بتجهيز العيديات التي تقدم للصغار وللأمهات والآباء، والاجتماع في بيت العائلة الكبير، وفرصة رائعة للخروج في نزهات جماعية للحدائق والمتنزهات لكسر الروتين، وتعميق معاني الحب بين أفراد العائلة.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
الدبلوماسية العمانية والمفاوضات النووية
كمراقب للشأن الوطني والإقليمي والدولي منذ عقود يمكن القول بأن الدبلوماسية العمانية ارتكزت على محددات أساسية منذ فجر نهضتها الحديثة التي قادها السلطان قابوس بن سعيد -طيب الله ثراه- يوم ٢٣ يوليو ١٩٧٠، حيث إن تحديد الأسس لأي سياسة خارجية ينتج عنه سلوك محدد واضح لا يتغير إلا في إطار الآليات التي تفرضها الأحداث ومع ذلك تبقى الثوابت راسخة وهو الأمر الذي أكد عليه السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- في خطابه الأول عند تسلمه مقاليد الحكم في البلاد في الحادي عشر من يناير 2020. ومن هنا فإن ثبات مرتكزات السياسة الخارجية لسلطنة عمان على مدى ٥٥ عامًا أعطى للمجتمع الدولي ثقة كبيرة في نزاهة ومصداقية تلك السياسة التي تقوم على آليات الحوار والمصداقية وعدم التدخل في شؤون الآخرين ومناصرة القضايا العادلة.
وخلال أكثر من خمسة عقود كانت هناك اختبارات حقيقية للسياسة الخارجية العمانية على الصعيد العربي والإقليمي والدولي وكمراقبين وصحفيين لسياسة بلادنا الخارجية، ومن خلال عشرات الحوارات مع القيادات السياسية من القارات الخمس هناك إجماع بأن السياسة الخارجية لسلطنة عمان هي الأعلى مصداقية وثباتًا، وهناك شعور بالارتياح للأطراف والفرقاء عندما لا تكون الدبلوماسية العمانية حاضرة لمساعدة الآخرين.
هذه المقدمة ضرورية والعالم شرقه وغربه تابع انطلاق المفاوضات الأمريكية الإيرانية في الثاني عشر من أبريل، حيث انطلاق الجولة الأولى في عاصمة السلام مسقط وبعدها الجولة الثانية في العاصمة الإيطالية روما وتحديدًا في مقر السفارة العمانية، وكانت الجولة الثالثة المهمة في مسقط، حيث دخلت المفاوضات غير المباشرة بين طهران وواشنطن مرحلة حاسمة من خلال الفرق الفنية والدخول مباشرة إلى قضايا أساسية في البرنامج النووي الإيراني علاوة على الموضوع الأساسي الذي يهم إيران وهو رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران وهي عقوبات قاسية منذ عقود، وكان لها تأثيرات سلبية على الاقتصاد الإيراني.
إنَّ جهود سلطنة عمان من خلال الدبلوماسية والحوار وتقريب وجهات النظر بين طهران وواشنطن ليست جديدة بل تعود إلى عام ٢٠٠٨ خلال وجود الرئيس الإيراني الأسبق أحمدي نجاد وتطورت الجهود الدبلوماسية العمانية حتى انطلاق المفاوضات السرية في مسقط وبعد ذلك علنية في عدد من العواصم الدولية ومنها الجولة قبل الأخيرة في مسقط التي تبعها توقيع الاتفاق النووي الإيراني مع مجموعة القوى الدولية وهي الدول الخمس في مجلس الأمن الدولي وهي: الولايات المتحدة الأمريكية، وبريطانيا، وفرنسا، وروسيا الاتحادية، والصين، وكانت جولة مسقط التي شهدنا أحداثها، حيث الحوار الأمريكي الإيراني وبقية الوفود ونجاح الدبلوماسية العمانية في خفض التصعيد وإنقاذ المنطقة من نشوب حرب كارثية، وعلى ضوء ذلك نشهد مجددًا عودة الجهود الدبلوماسية العمانية من خلال العودة إلى المفاوضات الأمريكية الإيرانية بهدف الوصول إلى اتفاق شامل وملزم بحيث يبقى الاتفاق ملزمًا لكلا الطرفين بغض النظر عن تغيير القيادات خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث انسحبت إدارة ترامب عام ٢٠١٨ من الاتفاق النووي الإيراني رغم التصديق عليه بقرار من مجلس الأمن الدولي ومن خلال تأييد المجتمع الدولي لإنهاء التوتر وعدم الاستقرار في المنطقة.
لقد تابع العالم انطلاق الجولة الأولى في مسقط وهو يترقب نتائج تلك الجولة الحاسمة لأن مسار أي مفاوضات يتحدد إيجابا أو سلبا من خلال الساعات الأولى لتلك المفاوضات وعند صدور البيانات الرسمية من مسقط وطهران وواشنطن جاء الارتياح الدولي من أن هناك فرصة تاريخية للاتفاق بين طهران وواشنطن وهو الأمر الذي دفع بالجولات الثانية والثالثة إلى تحقيق اختراق سياسي مهم.
كان للجهود الدبلوماسية لسلطنة عمان بقيادة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه - دور محوري في التوصل إلى النتائج الإيجابية من خلال الجهود المقدرة لمعالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية، حيث تصدرت جهود سلطنة عمان نشرات الأخبار العالمية ووكالات الأنباء والصحافة العالمية والسبب يعود إلى خطورة الملف النووي الإيراني والتهديدات الخطيرة من قبل الرئيس الأمريكي ترامب والتحريض المتواصل من قبل نتنياهو وحكومته المتطرفة في الكيان الصهيوني، وعلى ضوء ذلك تنفس العالم الصعداء من خلال البيانات الرسمية العمانية والأمريكية والإيرانية التي تصدر بعد انتهاء كل جولة من جولات المفاوضات وكانت تلك البيانات تتحدث عن تقدم إيجابي ومسار المفاوضات يسير بشكل مشجع بحيث ينتهي إلى التوافق والتوقيع على الاتفاق النووي الإيراني وإخراج المنطقة من جو التوتر والتهديدات إلى مناخ أكثر هدوءًا، وأن الحوار والمفاوضات هي الآلية الصحيحة للوصول إلى حلول سياسية واقعية.
الملف النووي الإيراني من الملفات المعقدة والصعبة، كما أن الخلاف وعدم الثقة بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والولايات المتحدة الأمريكية هو خلاف وعداء متواصل منذ قيام الثورة الإسلامية بقيادة الإمام الخميني عام ١٩٧٩ كما أن الكيان الصهيوني يصب الزيت على النار، ويسعى إلى إشعال حرب إقليمية كبرى قد تتدحرج إلى حرب عالمية تفتك بالملايين من البشر وتخلق حالة من العداء والكراهية بين الشرق والغرب.
إنَّ المفاوضات الأمريكية الإيرانية تسجل تقدمًا إيجابيًا ولعل ذلك يعود إلى عوامل موضوعية منها أن سلطنة عمان أوجدت المناخ المناسب عند عقد أي مفاوضات صعبة علاوة على أن الطرفين الإيراني والأمريكي لديهم ثقة كاملة بمصداقية وتوازن وموضوعية الموقف العماني، حيث تتحرك جهود الدبلوماسية العمانية بكل صدق ونزاهة لمساعدة الطرفين للوصول إلى حل لكل الخلافات والصراعات بينهما على مدى عقود.
إنَّ الدبلوماسية العمانية تسجل نجاحات متواصلة ليس للدعاية الإعلامية ولكن لإنقاذ المنطقة وشعوبها ومقدراتها وأيضا ترسيخ مبدأ السلام وإيجاد الحوار البناء، الذي يتم من خلاله حل الإشكالات والخلافات، خاصة وأن الخيار العسكري ومن خلال تجارب عديدة لن ينجح، وهناك نماذج عديدة في أفغانستان والعراق وفلسطين وحتى في اليمن وهذا يقودنا إلى أهمية استخدام القوة الناعمة في إيجاد الحلول السلمية، حيث إن القوة الصلبة لا تساعد في حل الخلافات كما هو الحال الآن بين الولايات المتحدة والجمهورية الإسلامية الإيرانية، ويبدو لي أن هناك قناعات مشتركة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران بأن الوصول إلى اتفاق هو الأفضل وأن إيجاد قواسم مشتركة والتطلع إلى إقامة علاقات طبيعية هو في مصلحة البلدين والشعبين وأيضا في صالح المنطقة والعالم.