رواية نجوم ورفاقها لصالح أبو أصبع.. الذاكرة المستعادة والبحث عن الخلاص
تاريخ النشر: 30th, March 2025 GMT
يستأنف الأديب الدكتور صالح أبو أصبع (مواليد سلمة، يافا، 1946) في روايته الجديدة (نجوم ورفاقها) تجربته القصصية والسردية التي بدأها منذ منتصف ستينيات القرن العشرين أثناء دراسته في القاهرة، واجتهد طوال السنين في توسيعها وتعميقها من خلال مجموعاته القصصية التي حرص على نشرها خلال العقود الخمسة السابقة، وهي المجموعات الآتية:
عراة على ضفة النهر، القاهرة، مطبعة المعرفة، 1972.محاكمة مديد القامة، بيروت، دار القدس، 1975. أميرة الماء، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1978. وجوه تعرف الحب، قبرص، دار الملتقى، 1992. قصص بلون الحب: أربع مجموعات قصصية (الأعمال القصصية)، عمان، 2001. دعوة عشاء وقصص أخرى، كتاب (دبي الثقافية)، 2016. في ظلال القضية الفلسطينية
وتأتي الرواية القصيرة التي تحمل عنوان (نجوم ورفاقها) المنشورة حديثا عن (دار أزمنة) في عمّان، في سياق هذه التجربة السردية المتميزة، وتبدو -لمن يعرف عالم القصة القصيرة عند صالح أبو أصبع- استئنافا وتوسيعا لكثير من الخيوط والفجوات التي تضمنها عالمه القصصي في مجموعاته القصصية التي أشرنا إليها، فهو ابتداء لم يبتعد عن تلك المنطقة الأثيرة التي اهتمت بها معظم قصصه.
وأعني الكتابة في ظلال القضية الفلسطينية وتجربة المقاومة بوصفها السبيل المتاح أمام الإنسان الفلسطيني لاستعادة وطنه، والمحافظة على هويته في طريق الصراع الطويل، ومعنى ذلك أن الكتابة الأدبية عند صالح أبو أصبع تكافئ التعبير عن فقدان الوطن، والاحتفاظ بفلسطين هوية ووجودا من خلال الذاكرة واللغة.
إعلانذلك أن الكتابة في مثل هذا الحال ضرب من التثبيت والأرشفة في مواجهة محاولات المحو والإزاحة، كما أنها تتخذ وظيفة المرآة التي يرى المرء فيها جانبا من ذاته، أو مما فقده، إلى جانب السعي إلى استعادته أو الاحتفاظ به ولو من خلال اللغة الأدبية التي تسمح بتمثيل الفردوس المفقود، مثلما تسمح للضحايا أن يُسمِعوا صوتهم للآخرين، ويرووا حكايتهم أمام محاولات الإسكات والتغييب.
تثير هذه الرواية مسألة أجناسيّة مما يتمثل في تحديد الجنس الأدبي الذي تنتمي إليه، وبالرغم من تجنيسها (وفق الغلاف) ضمن جنس (الرواية) فإننا نراها أقرب إلى جنس مجاوِر هو "النوفيلا" أو "الرواية القصيرة".
وهو جنس يقع في المنطقة التي تتوسط "القصة القصيرة" و"الرواية" ويختلف عن الجنسين المجاورين في عدة أمور، مثلما يرتبط معهما في الوقت نفسه، ذلك أن طول الشريط اللغوي مقارنة بالقصة القصيرة يخلّف آثارا على طريقة البناء واللغة السردية والتعامل مع مختلف العناصر المكوّنة للعمل السردي.
وكذلك فإن كثافة التعبير وقِصَر الشريط اللغوي مقارنة بالشكل المألوف للرواية يخلّف من جهة أخرى تأثيرات تؤدّي إلى التخلص من سمات الرواية التي تتيح الاستطراد والتوسّع والتفصيل، لصالح الكثافة والاجتزاء والاختصار مما يبدو أقرب إلى سمات القصة القصيرة.
رواية "نجوم ورفاقها" يحسُن أن تُقرأ بوصفها "رواية قصيرة" تقارب عالمها بتقنيات قصصية مكثفة ومختزلة كأنها قادمة من عالم القصة القصيرة، وهذه ظاهرة وجدناها في كثير من الروايات التي كتبها مبدعون لهم خبرة طويلة بفن القصة القصيرة، فتجد أنهم يميلون إلى الكثافة لا إلى الاستطراد والتوسع، وإلى التركيز والمعنى المختزل لا إلى الإطالة والتشتيت.
إعلانويمكن ملاحظة بعض ما نشير إليه في تصميم الفصول القصيرة وفي تجزئة مادة الرواية باقتضاب بين هذه الفصول، فالوحدة المكثفة من هذا النوع هي وحدة قصصية لا تسمح بالإطالة والتفصيل، وهو بناء معروف من أبنية الرواية القصيرة ذات الفصول والوحدات المترابطة.
يمكن وصف هذه النوفيلا بأنها ضرب من رواية الشخصية، ذلك أنها تركّز على الشخصيات وتتخذ منها مفاتيح أساسية للقول السردي، بدءا من الراوي (أحمد السلماوي) الذي يمثل شخصية كاتب وصحفي، وهو أيضا المؤلّف الضمني للرواية، إذ يتولى مهمة السرد عن نفسه وعن بقية الشخصيات في معظم الأحيان.
فهو إلى حدّ كبير قناع المؤلف الحقيقي أو الوسيط والصوت الفني الذي يَعهَد إليه بالسرد نيابة عنه، وتتيح له طبيعته الفنية وقربه من الشخصيات والأحداث المروية أن يقدمها من منظوره ويختار منها ما يلائم الأسلوب المكثف الذي مالت إليه الرواية، أي أنه لا يروي كل ما يعرف وإنما يختار ما يراه كافيا لإقامة بناء الرواية وإيصال الرسالة التي يعبر عنها.
وإذا انطلقنا من كشاف المحتويات فسنجد أن الرواية تميل إلى النظام الإطاري، من خلال وجود "مدخل: توضيح لا بد منه" و"خاتمة: كلمة الراوي الأخيرة" وهذان الإطاران (إطار الافتتاح وإطار الختام) من حصة "أحمد السلماوي" يضاف إليهما 3 فصول من الفصول الخمسة عشر (الأول، التاسع، الخامس عشر) وإلى جانب هذا الحضور المكثف فإن السلماوي لا يغيب عن بقية الفصول حتى لو سميت بأسماء شخصيات أخرى.
فهو يحضر فيها جميعا، بصفته شخصية مشاركة وبصفته راويا ومؤلفا ضمنيا من مهمته تنسيق الأحداث واختيار ما يلائم منها وفق المنظور الذي اختاره لبناء الرواية وتوجيهها.
إعلانفهو إذن أبرز الشخصيات من ناحية الحضور الكمي والنوعي ومن ناحية الدور الفني أيضا، حتى لو لم يكن له ذلك الدور الموسع من ناحية السيطرة على الأحداث.
تحمل بقية الفصول أسماء شخصيات الرواية التي يقدم الراوي/الكاتب أحمد السلماوي أطرافا من حكاياتها، وهي شخصيات متنوعة تمثل كل واحدة منها نمطا من الأنماط، ويمكننا عبر تحليلها معرفة بعض مرامي الرواية ومنظور مؤلفها الحقيقي المتخفّي وراء شخصية أحمد السلماوي.
وقد حضرت شخصية امرأة تحمل اسم "نجوم" على نحو كثيف نسبيا، وقد منحها حضورها في عنوان الرواية تمييزا وتفريدا عن بقية الشخصيات، ذلك أن عتبة العنوان أهم العتبات وأكثرها لفتا للانتباه.
كما حضرت في فصلين داخل الرواية سُمّيا باسمها، هما الفصل الأول والفصل الحادي عشر، وظل لها حضورها في بقية الفصول من خلال قوة ارتباطها بأحمد السلماوي، الراوي والمؤلف الضمني واتصالها بمعظم الشخصيات الأخرى.
وهناك شخصيتان هما "أسامة" "وعبد الغافر عمران" لهما حضور مكثّف من خلال دلالة الفصول، فقد جاء اسم كل واحد منهما عنوانا لفصلين من الفصول الخمسة عشر، وأما بقية الشخصيات فكان نصيبها فصلا واحدا (ريما، ليزا، أم محمد، زهراء، هاني، جورج الراعي).
وهناك شخصيات أخرى في الرواية لم يجر تسمية فصول باسمها ولكنها حاضرة في ثنايا السرد منها: شخصية الشهيد خالد الرماد، الذي ورد محكيا عنه في أكثر من موقف، وتبيّنت صلته تدريجيا ببقية الشخصيات.
وكذلك شخصية الصحفيين الأجنبيين اللذين تعرّف إليهما أحمد السلماوي عندما دعته "نجوم" لمقابلتهما في إطار التواصل مع الكتاب والصحفيين الأجانب الذين كانوا يتصلون بالثورة الفلسطينية وقياداتها ومؤسساتها.
الرواية والأنواع المتخللة
من طبيعة الرواية انفتاحها على الأنواع الأخرى وإمكانية أن تستوعب في نسيجها أنواعا متخللة، وقد لجأ المؤلف إلى تضمين الرواية رسالة طويلة نسبية من صديق الراوي (علي عشري) من مصر، لتمثل هذه الرسالة نموذجا مهما على تداخل الرواية مع الرسالة، وكيفية إدماجها في النسيج الروائي. وإلى جانب الرسالة وظف المؤلف قصيدة شعرية في موقع آخر، أيضا جاءت على قدر من الطول بحيث احتلت مساحة واضحة وأدت دورا ضمن بناء الرواية.
إعلانوهناك أيضا ما يمكن تسميته بالحكايات الفرعية التي ترد فيما يقرب من استطراد بعض الشخصيات في الانتقال من تجربتها إلى تجارب أخرى أثّرت فيها، فتندفع لتحكيها أو تسردها، مما يكشف عن بعض الإمكانات السردية التي تقتضي أن تنشَدّ هذه الأنواع وتلك الحكايات إلى البنية العامة ولا تبعد عنها بل تمضي في خدمة الصورة العامة للرواية.
برز الاهتمام بدور المرأة من خلال عدة شخصيات، في مقدمتها شخصية "نجوم" مديرة مدرسة الأشبال وأبناء الشهداء، تلك التي جدد الراوي التواصل معها بعدما تبين أنها رفيقة طفولته منذ زمن بعيد، وانتهى الأمر بزواجه منها في نهاية الرواية.
وهناك أيضا "ريما" التي ظهرت أول الأمر مدرّسة في مدرسة الأشبال، ولكنها غيرت طريقها فشاركت في عملية داخل الوطن المحتل، واستشهدت بعد أسرها، تاركة ذكريات حاضرة في قلوب من عرفوها.
وهناك أيضا زهراء وأم محمد، وكلهن يمثلن نساء فلسطين في نضالهن وفي مشاركتهن. وتقترب شخصية "أم محمد" من شخصية "أم سعد" في رواية غسان كنفاني المعروفة، فهي مثلها سيدة بسيطة في ظاهرها ولكنها شخصية غير هينة كما ترسمها الكتابة، إذ تضحّي دون حساب، وتقدم أبناءها بصبر وثبات في طريق التحرر.
كما أنها تتردد على الراوي وتساعده في أعمال بيته ويدير معها حوارات تتظاهر بالعفوية ولكنها تكشف عن عمق الأم الفلسطينية وعطائها اللامحدود، تشقى في سبيل لقمة العيش، وتصر على الإقامة في المخيم، تخرج منه لشؤون العمل ولكنها تؤوب إليه لأنه يجمع معارفها وجيرانها وأهلها، ويذكّرها بفلسطين وبعموم شعبها المشرد.
ولعل هذه الرواية بتركيزها على هذه الشخصيات النسوية تؤكد حضور المرأة في السياق الثوري والواقعي الفلسطيني، وتسمح للقارئ بأن يتساءل معها عن إسهام الثورة في تحرير المرأة من سياقها الاجتماعي المستبد. وهناك عدة مقاربات بحثية وأدبية لهذه المسألة، يمكن أن نعد مساهمة هذه الرواية واحدة منها.
إعلان قضية الهويةوفي تفصيل من تفاصيلها تقدم الرواية مقاربة لمسألة الهوية والجنسية، ذلك أن إحدى شخصياتها وهو "جورج الراعي" يمثل شخصية شاب فلسطيني مسيحي من الناصرة أصلا، ولكنه تجنس بالجنسية اللبنانية، ضمن ما أتيح للمسيحيين الفلسطينيين، في سياق صراع المكونات اللبنانية.
قاربت الرواية مسألة الهوية والجنسية من خلال هذه الشخصية، عبر انخراط الشاب في العمل من خلال التنظيم الفلسطيني الذي يقوده، ومع تقدير الفلسطيني لجنسيات الدول التي اضطر إلى حملها في طريق الهجرة ولواحقها فإن تلك الجنسية لا تسقط حقه الوطني وحقه في النضال والعودة.
الجنسية يمكنك التخلي عنها وهي تتعلق بأوراق وإثباتات مفيدة في الحياة العملية المعاصرة، ولكنها ليست مساوية أو بديلا عن الهوية حتى لو كانت مفقودة أو مهددة مثل الهوية الفلسطينية.
تجارب أجيالتعرض الرواية تجربة أكثر من جيل، جيل الآباء والأمهات قبل النكبة، وجيل ثان يمثل أبناء النكبة الذين شهدوا أحداثها أطفالا أو فتيانا، ثم جيل ما بعد النكبة الذي ولد في مخيمات اللجوء.
هذه الأجيال تتوارث تجاربها، وترى في احتلال وطنها وتهجيرها أساس مشكلتها وتحديها، وهي في كل ما تفعله مهما يكن عملها وتجربتها ومهنتها تعمل لتغيير واقع الاحتلال، بل إن "ريما" مثلًا (وهي أنموذج معبّر) تختار أن تترك التعليم في مدرسة الأشبال وأبناء الشهداء وتشارك مشاركة مباشرة في إحدى العمليات داخل الوطن المحتل، وتستشهد برضا مفضلة هذه النهاية وهي في شبابها وأمامها خيارات متعددة للنضال والمواجهة.
اختار المؤلف مجموعة من الشخصيات المتنوعة التي تمثل حلقة من حلقات تلك التجربة الفلسطينية التي احتكمت إلى الظروف التاريخية والجغرافية المحيطة بها آنذاك، وروى جانبا حيويا من تجاربهم وتطلعاتهم من خلال صوت الراوي (أحمد السلماوي) الذي يحدد في بدء الرواية منظوره وما سيرويه ويختاره:
"أنا أحمد السلماوي، أروي لكم حكاية بعض الذين التقوا في مخيمات اللجوء الفلسطينية في لبنان في سبعينيات القرن الماضي وتنتهي أول الثمانينيات عند الاجتياح الإسرائيلي للبنان".
يحكي الراوي هذه الحكاية بعد عقود من انتهائها وشتات أبطالها وشخصياتها لتكون الكتابة شاهدا على عطاء هذه الشخصيات وعلى ما قدمته في مسيرتها النضالية، وعلى تطلعاتها التي انكسرت ولم تتحقق تماما كما أرادت وحلمت، فقد انتهى ذلك بشتات جديد عاشته تلك الشخصيات بعد الخروج من بيروت.
قدمت الرواية إضاءات مركزة على عدد من الهواجس المهمة التي صاحبت الأدب المرتبط بفلسطين، وفي مقدمتها مسألة جدل الحياة والموت، وحضور الاستشهاد والتضحية في سبيل تحقيق حياة أفضل للأجيال القادمة، فمعظم الشخصيات تحتفظ بتجارب قاسية تتصل بما شهدته أثناء احتلال فلسطين في نكبة عام 1948، منها فقد الآباء والأمهات والأهل بصورة مؤلمة، ومنها فقد الأبناء في مسيرة المقاومة والقصف الإسرائيلي على المخيمات.
إعلانمما جعل الموت قريبا متداخلا مع الحياة، وإحدى شخصيات الرواية (نجوم الفاروقي) مثلت شخصية مديرة لمدرسة الأشبال من الأيتام وأبناء الشهداء، إلى جانب ما عاشته وعاشه معها الراوي أحمد السلماوي إبان احتلال قريتهما قبل راهن الرواية بسنوات.
ما من شخصية من شخصيات الرواية إلا ولها مأساتها الخاصة، وفقدها الخاص، حتى غدا هذا الفقد عاما يشمل الجماعة الفلسطينية بأسرها، نتج عنه هذا الوعي بمبدأ الموت من أجل الحياة، وأنك إذا لم تذهب إلى الموت/الاستشهاد فإنه سوف يأتي إليك، وكما تقول أم محمد، العاملة في مدرسة الشهداء التي فقدت زوجها وأبناءها شهداء وظلت متماسكة صامدة:
"إذا لم نضحّ نحن فمن يضحي؟ نحن مثل الشجرة كلما قلّمتها ازدادت نموا وقوة".
تبدو معظم هذه الشخصيات مسكونة بالذاكرة المتألمة المرتبطة بالنكبة، فكأن حياة الفلسطيني بأسرها وبكل أجيالها هي ردّ على ذلك الحدث القاسي، وفي حوارات الشخصيات وأحاديثها يحضر الماضي دوما إلى جانب الحاضر ويرسمان معا آفاق مستقبل غائم يشبه الحلم أكثر مما يبدو واقعيا أو ممكنا.
وليس من حلم لدى مثل هذه الشخصيات أكثر من التحرر وتحقيق أمل العودة إلى الوطن الذي انتزعت منه، أو انتزع جيل آبائها. وكل ما تقوم به هو الاستجابة الطبيعية للتهجير والشتات وما صاحبه من الترويع والقتل والإبادة.
تمثل الرواية بمجملها حلقة من حلقات تجربة الجماعة الفلسطينية في شتاتها وصمودها ومقاومتها للذوبان والضياع، ولذلك تطرح مشكلة الهوية وما تعرضت له من محاولات المحو والتغييب، وتدعو إلى الحفاظ عليها بكل صورها الموروثة وبضرورة نقلها إلى الأجيال الجديدة.
مما يبدو في مناهج التعليم التي طبقتها مدرسة الأشبال وأبناء الشهداء، ومما يبدو في حوارات الشخصيات وأحاديثها وتبادلها للخبرات والذكريات التي لا تبعد عن مكونات هذه الهوية وكيفية الحفاظ عليها وتناقلها بالقول والفعل، بالسلم أو الحرب.
إعلانوبالرغم من شتات الشخصيات في نهاية الرواية فقد أبقى الراوي في خاتمته النهاية مفتوحة على الاحتمالات، فلقد انطوت مرحلة من المراحل، وجولة من الجولات.
ولكن الصراع سيظل مفتوحا باقيا حتى يحقق الشعب الفلسطيني حريته وحقه في الوجود العادل على أرضه التي انتزع منها في واحدة من أقسى تجارب الشتات الجماعي في التاريخ الإنساني بأسره.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان وأبناء الشهداء القصة القصیرة هذه الشخصیات هذه الروایة مما یبدو إلى جانب أم محمد من خلال ذلک أن الذی ی
إقرأ أيضاً:
حياة كاملة .. تفتح طرق الحكي والتخييل وبناء الشخصيات
في تجربة تعد الأولى من نوعها في سلطنة عمان، جمعت ورشة "حياة كاملة" التي نظّمها النادي الثقافي وقدّمتها الكاتبة هدى حمد، ستة كتّاب ومسوداتهم الروائية في مساحة حميمة من التأمل والتعلم والكتابة ومشاركة العوالم الداخلية على الورق، في سعي للاقتراب أكثر من مشروع إبداعي متكامل، فتح خلاله أبواب كثيرة من تقنيات السرد وتطوير الشخصيات، وبناء الحبكة وطرائق الكتابة.
قالت هدى حمد عن الروايات التي عُرضت واصفة إياها بالـ"متنوعة": هناك رواية ذات بعد سياسي، وأخرى تاريخية، وثالثة تستمد شرارتها من الميثولوجيا العُمانية أو من قصص التراث الشفهي العُماني القديم. وهناك أيضًا رواية تقترب من الأوبئة، مثل أمراض الدم، وتحاول أن تقدم الحالة الإنسانية سرديا".
وعن الورشة التي تراقبُ عن كثب نمو ست روايات من لحظة تخلق أفكارها مرورا بالشخصيات والأحداث وصولا إلى ذروة الحدث والتأزم الذي يفتح بابا لرسم خطوط النهاية، قالت: "نحن في المرحلة ما قبل الأخيرة، بدأت الأعمال تكبر، وصارت تحتوي على تفاصيل كثيرة، فقررنا أن نناقش كل عمل على حدة، لكن في البداية كان النقاش مفتوحًا والجميع يُشارك في نقد أعمال الجميع".
وأضافت: "أتمنى أن تأخذ هذه التجربة حيزها من الاهتمام، وأن يثابر النادي الثقافي والجهات المعنية لدعمها، لأن هناك عددا كبيرا من الشباب لديهم الرغبة في الانتماء إلى جهة رسمية تتابع ما يكتبونه، ليعرفوا مواطن قوتهم وضعفهم وهشاشتهم، فالكتابة الفردية -رغم أهميتها- لا تمنحُ الكاتب الشاب فسحة التعرض للأفكار والنقد".
وفي حوارات متفرقة رصدنا التحولات الإبداعية والفكرية للمشاركين في علاقتهم بمشروعاتهم السردية. ووقفنا مع شريفة الرحبية وسالمة الراسبية وفاطمة حسن ووفاء المصلحية وأحمد المقبالي وحمد المخيني عند هذه التجربة التي صنعت الفرق في علاقتهم مع النص.
انطباعات أولى تتجدد بالعمق
جاءت الانطباعات الأولى للمشاركين مشحونة بالحماسة والتوق لما هو مختلف. شريفة الرحبي أدركت منذ اليوم الأول "مدى أهمية الورشة" بالنسبة لها، رغم دراستها السابقة للأدب الروائي. بينما وصفت سالمة الراسبية سعادتها بأنها "بالغة" لما وجدته من فرصة فريدة لتجويد روايتها، واعتبرتها "مبادرة هي الأولى من نوعها". فاطمة حسن شعرت منذ البداية بأنها أمام "فرصة لا تعوض"، لكنها لاحظت لاحقًا أهمية المتابعة المنتظمة لتعميق الأثر.
أما أحمد المقبالي، فدخل الورشة بتساؤلات كثيرة، قبل أن تتبدد شيئاً فشيئاً حين لمس أن الجهد المطلوب هو لمصلحة تطوير العمل الأدبي. حمد المخيني استقبل الورشة بحماسة بوصفها "أول ورشة روائية في السلطنة معنية بتطوير الأعمال الروائية من الصفر"، ولم تتراجع تلك الحماسة بفضل الدعم المستمر من المدربة. ووفاء المصلحية، التي طالما تأملت فرصة مماثلة، وجدت الورشة تجربة "مثرية ومفيدة"، مفعمة بالتوقعات العالية التي أثبتت حضورها مع الأيام.
بوصلة التوجيه .. من السرد إلى الحكاية المحكمة
لم تكن الورشة فقط محطة تدريب، بل كانت موجِّهاً حقيقياً لكل مشروع روائي. بالنسبة لشريفة الرحبية، فإن التعليقات الفنية طالت المضمون واللغة والأسلوب، وفتحت أمامها أبواب التخطيط السردي. وأشارت سالمة الراسبية إلى أن التوجيهات ساعدتها على "تجويد السرد الروائي" وتكثيف قراءاتها بما يخدم حبكة أكثر رصانة.
فاطمة حسن رأت أن الورشة علمتها "مواكبة الأحداث بأسلوب يُعطي لكل عنصر حقه"، فيما وصف أحمد المقبالي تحوّل روايته بأنه "بداية من جديد"، عبر إعادة صياغة الحوارات والشخصيات. حمد المخيني تخلص من تأثير القصة القصيرة على أسلوبه، متبنياً تدريجياً سرداً يتسع ويتنامى. ووفاء المصلحية اعتبرت أن العصف الذهني الجماعي وتعدد السيناريوهات وسّع رؤيتها للحبكة وأثْراها.
روايات تتشكل من جديد
أجمعت جميع التجارب على أن الروايات خرجت من الورشة بشكل جديد. شريفة الرحبية وصفت عملها بأنه أصبح "في حلة جديدة"، متجاوزاً الأساليب التقريرية، ومكرّساً لوصف المشاهد. الراسبية لاحظت الفرق في أسلوب السرد، بينما رأت فاطمة حسن أن التغييرات طالت "الحدث والأسلوب وكثافة اللغة".
المقبالي أكد أنه أحدث "تغييراً كبيراً في بناء الرواية"، أما المخيني، فوجد أن التشجيع على إعادة الكتابة "مرات ومرات" هو ما أظهر ملامح القصة فعلياً. ووفاء المصلحية تحدثت عن "نقلة نوعية" في فهم عناصر النص الأساسية، وضرورة التفكير في مدى ملاءمة الشخصيات مع الأفكار.
تحولات في العناصر الأساسية
لم يكن التغيير مقتصراً على الأسلوب فقط، بل طال البناء الروائي ككل. الرحبية أضافت شخصيات جديدة، وراجعت تفاصيل الزمان والمكان بدقة، حتى يكون "كل عنصر أكثر مصداقية وتأثيرًا". بالمقابل، لم تضف سالمة شخصيات، لكنها عمّقت معالجتها لها. فاطمة حسن أجرت تغييرات على الصراع، ما اعتبرته "إيقاظاً فنياً".
المقبالي بدوره أجرى "تغييرات جذرية" شملت الشخصيات والأماكن والصراع، أما المخيني فاستبعد شخصيات لم تخدم القصة، مما سمح بانسيابية أكبر. ووفاء المصلحية استعادت عناصر الرواية من زاوية نقدية، مخلصةً لما يخدم السياق العام للنص ومتخليةً عن كل ما لا يضيف قيمة.
نهايات أوضح ووجهات أكثر دقة
مع انتهاء الورشة، أصبح لدى المشاركين تصورا أوضح عن وجهات رواياتهم. شريفة ترى أن لديها الآن "مساراً واضحاً"، وكذلك الراسبية التي أجابت بكلمة واحدة: "نعم". فاطمة وصفت علاقتها الجديدة مع روايتها بأنها أكثر وعياً، والمقبالي استمتع بكتابة جديدة كلّياً. أما حمد، فلم يكن يملك تصوراً واضحاً قبل الورشة، لكن الآن بعد رسم الشخصيات ووضع مخطط للأحداث، باتت الأمور أكثر وضوحًا. ووفاء رأت أن تجنب الكليشيهات وتكثيف المشاهد أسهم في توسيع العدسة الروائية.
من التخطيط العفوي إلى البناء المدروس
تنوعت بدايات الروايات: شريفة كتبت سابقاً لكنها تعلمت أشياء لم تعرفها من قبل، وتقول إنها ستعيد صياغة رواية سابقة بعد الورشة. سالمة كانت قد كتبت مسودة سابقة قدمتها لمسابقة النادي الثقافي. فاطمة وضعت تخطيطاً مبدئياً لكن الورشة أضافت أبعاداً جديدة. أما أحمد، فكتب روايته قبل أربع سنوات ووجد نفسه يُجري تغييرات جذرية الآن. حمد بدأ بلا تخطيط واضح، لكنه تعلم أن الرواية "لا تُكتب فقط بالإلهام، بل تحتاج تخطيطاً فنياً". ووفاء اكتشفت الفرق بين أدوات القصة والرواية، وتعلمت أن لكل جنس أدبي أدواته الخاصة.
مهارات وأدوات جديدة
أجمعت الآراء على أن الورشة وفّرت مجموعة كبيرة من المهارات. شريفة تعلمت بناء الحدث، والابتعاد عن اللغة التقريرية، والتعمق في السرد. سالمة تعلمت مهارات الحبكة والانتقال في الزمن. أحمد اكتشف أهمية تحديد "من يروي القصة"، وحوارات الشخصيات. حمد ركّز على رسم الشخصيات "كما لو تراها أمامك"، ووفاء رأت أن التخلص من خصائص القصة القصيرة هو أول خطوة نحو الرواية.
في مواجهة التحديات أدوات للتغلب
التحديات لم تغب عن المشهد. شريفة تحدّثت عن صعوبة تخيّل المكان، فلجأت إلى استقصاء من يعيشون فيه. سالمة تغلبت على التقريرية باعتماد اللغة الجمالية. فاطمة رأت أن التحدي الأكبر هو وضع خطة للرواية، واعتبرت المدربة "حضنًا حاميًا للأفكار". أحمد بدأ فعلاً في بناء الرواية بشكل مختلف، والمخيني وجد أن "فقر الأفكار" يمكن تجاوزه بالقراءة والانتباه. ووفاء قالت إن قراءة روايات مشابهة لنمطها أسهم في صقل أدواتها.
ما الرواية الناجحة؟
بعد الورشة، تغيّرت نظرة المشاركين لماهية "الرواية الناجحة". شريفة قالت إنها "ليست مجرد حكاية تُروى بل فن له أدواته"، وفاطمة أضافت أنها يجب أن تكون مثيرة لاهتمام الكاتب نفسه أولاً. أحمد أكد أن "كل شخص لديه حكاية، لكن ليس كل شخص يكتب رواية"، بينما قال المخيني إن الرواية الجيدة "تعبر عن بيئة كاتبها". ووفاء وصفت الرواية الناجحة بأنها "تسكن ذهن القارئ لسنوات".
الإلهام الجماعي
رغم اختلاف طرق النقاش، اتفق المشاركون على أن الورشة كانت ساحة إلهام جماعي. شريفة تحدثت عن أهمية الأسئلة كمفاتيح للتفكير، وسالمة اعتبرت النقاش "مصدرًا لتحسين جودة الرواية". فاطمة قالت إن الملاحظات جنّبتها أخطاء، والمقبالي وجد فيها أفكارًا لأحداث جديدة. أما وفاء فرأت أن تنوع الأنماط الروائية المطروحة أغناها بشكل كبير، بينما المخيني أُعجب بتنوّع المواضيع وإن لم يُناقش النصوص مع الآخرين مباشرة.
أثر القراءة المتبادلة
حتى قراءة نصوص الزملاء كانت محفزًا إضافيًا. شريفة تحدثت عن التنوّع الملهم في الطرح، وسالمة وصفت بصمة كل كاتب بأنها "مؤثرة". فاطمة اعتبرت المشاركة مصدر "إلهام جماعي"، والمقبالي قال إن الاستماع لروايات الآخرين أحدث "نقلة نوعية". أما حمد، فأشار إلى أن اختلاف الأساليب ألهمه لإنتاج عمل متفرد. ووفاء أبدت إعجابها بـ"العمق الإنساني" في كثير من النصوص، مؤكدة أن جلسات النقد كانت دروسًا في حد ذاتها.