لجريدة عمان:
2025-01-31@02:01:04 GMT

تأملات قرآنية الزينة في كتاب الله

تاريخ النشر: 24th, August 2023 GMT

تأملات قرآنية الزينة في كتاب الله

من يمعن في كتاب الله تجده ناضحا بالرقي في الاهتمام بالتفاصيل العامة التي ينبغي أن يقوم بها البشر، حتى على مستوى المظهر العام، فالله تعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده ولكن وفقا لما يتناسب وأحكام الشريعة الإسلامية، فالله جميل يحب الجمال كما جاء في الحديث النبوي، ةكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إنه لن يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، فقال أحد الصحابة، إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا ونعله حسنا، فأجابه الرسول صلى الله عليه وسلم: «الكبر بطر الحق وغمط الناس»، فالمظهر الحسن والزينة مطلوبان حتى قبل تأدية العبادة، حيث يقول الله تعالى في سورة الأعراف: «يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ» فهنا ضبط الله المقياس في مقدار هذه الزينة، بحيث لا تدخل في المبالغة والإسراف سواء كان في المأكل والمشرب، أو في الزينة، لأن صفة الإسراف صفة مذمومة في جميع الأعمال.

فالله نفى حرمة ما كان كفار قريش يحرمونه وخاصة في الحج من لبس الثياب وتناول الطعام الطيب من اللحوم وغيرها، فقال تعالى في سورة الأعراف: «قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِيَ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالْطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِي لِلَّذِينَ آمَنُواْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ» فهذه الطيبات من الرزق هي حلال للذين آمنوا، وسوف تكون لهم خاصة وخالصة يوم القيامة.

ومن الزينة التي خلقها الله اتخاذ المركب الحسن، فالله تعالى كما أخبرنا في كتابه العزيز، أنه على الرغم من أن الناس يتخذون المراكب كوسيلة نقل إلا أنها زينة لراكبها فالخيل تزهو بصاحبها، وتأتي بعدها البغال فالحمير، فقال تعالى في سورة النحل: «وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ».

وهذه الزينة التي خلقها الله لعباده من الطيبات ألبسها أيضا عز وجل السماوات فزينها بالكواكب والنجوم فقال تعالى في سورة الصافات: «إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ» وقال تعالى في سورة الحجر: «وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاء بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ»، وقال ربنا في سورة ق: «أَفَلَمْ يَنظُرُوا إِلَى السَّمَاء فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِن فُرُوجٍ».

وقد وصف الله عز وجل المال والأبناء بأنهم زينة الحياة الدنيا، فقال تعالى في سورة الكهف: «الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ أَمَلاً» فهم زينة وتفاخر كما جاء في سورة الحديد في قوله تعالى: «اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ ۖ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا ۖ وَفِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌ مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٌ ۚ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ»، ولكن أعقب الله هذا الذكر للحياة الدنيا بمَثَل وهو سرعة اصفرار النبات النابت من نزول الغيث، وهذا هو حال الدنيا في سرعة زوالها وتبدل حالها.

وأكد الله على هذه الصورة للحياة الدنيا في سورة يونس في قوله تعالى: «إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ». وقد ذكر الله تعالى متاع الحياة الدنيا الذي زين للناس في سورة آل عمران: «زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ».

وزينة الحياة الدنيا أوجدها الله ووهبها لمن شاء من عباده ليبتليهم أيهم أحسن عملا، فمن شكر وأدى حقوق الله في زينته نجا وفاز، ومن غرته الحياة الدنيا بهذه الزينة واستمتع بها في ما لا يرضي الله عز وجل فقد خاب وخسر، فقال تعالى في سورة الكهف: «إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَّهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً». وقال ربنا في سورة القصص: «وَمَا أُوتِيتُم مِّن شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَزِينَتُهَا وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى أَفَلَا تَعْقِلُونَ». فمن يكون مطلبه هذه الحياة الدنيا ومفاتنها ومتاعها يعطيه الله إياها إن شاء، ولكن من أراد الآخرة وسعى لها سعيها فيعطيه الله إياها فقال تعالى في سورة هود: «مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ».

ولو أتينا إلى قصة سيدنا موسى عليه السلام مع فرعون، وما أعقبه من أحداث لقومه من بني إسرائيل، لوجدنا أن لفظة الزينة حاضرة، فالفراعنة كانوا يبالغون في بناء القصور والظهور بمظاهر الزينة والأُبهة والمُلك، فقال موسى عليه السلام داعيا ربه في سورة يونس: «وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ».

وفي موضع آخر نجد أن الموعد الذي ضربه موسى عليه السلام لتحدي السحرة كان يوم الزينة، أي يوم عيدهم الذي يتزينون فيه، فقال تعالى في سورة طه: «قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى»، وفي قصة موسى عليه السلام مع السامري فقد جمع بنو إسرائيل ما كانوا يحملونه ويلبسونه من زينة من الذهب فأعطوها السامري ليصنع لهم العجل الذي عبدوه، وقد سموا الذهب بالزينة، فقال تعالى في سورة طه: «قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِّن زِينَةِ الْقَوْمِ فَنبذَنَاهَا وكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ». وإذا ذهبنا إلى قصة قارون الذي هو من قوم موسى نجد أن القرآن الكريم وصفه بأنه خرج على قومه في زينته فقالت تعالى في سورة القصص: «فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ».

ومما يزيِّنه الله في قلوب المؤمنين الإيمانُ فقال تعالى في سورة الحجرات: «وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ».

ولو أتينا إلى الضوابط الشرعية للزينة التي تلبسها المرأة فهي مأمورة بالستر وعدم إبداء الزينة إلا لمحارمها، وقد فصل القرآن الكريم هؤلاء المحارم الذين يمكن أن تظهر المرأة بزينتها أمامهم فقال تعالى: «وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبَائِهِنَّ أَوْ آبَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاء بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاء وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.

فتاوى

ـ ما الفرق بين قوله تعالى في سورة طه: "أَنِ ٱقْذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ فَٱقْذِفِيهِ فِي ٱلْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ ٱلْيَمُّ بالساحل" وبين قوله تعالى في سورة القصص: "فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ" الفرق بين اقذفيه وألقيه؟

لنعرف أولا الفرق بين الإلقاء والقذف، ثم ننظر في السياق القرآني بين سورة القصص وسورة طه، فالقذف رمي بسرعة وشدة وإلى بعد، أما الإلقاء فهو رمي وطرح، لا يلزم منه الرمي بسرعة ولا بشدة ولا إلى مكان بعيد، هذا الفارق مهم لنفهم ما جاء في الموضعين من كتاب الله عز وجل، ولننظر لآيات سورة القصص يقول ربنا تبارك وتعالى: "وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّ مُوسَىٰ أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ" هنا استعمل ربنا تبارك وتعالى صيغة الإلقاء مما يعني أنه ليست هناك شدة ولا سرعة ولا معنى لبعد مكان الرمي، لأن السياق في الحقيقة سياق تهيئة لأم موسى لما سيحدث، ولذلك حشد بما يطمئنها ويبعث في نفسها السكينة فاستعمل من الألفاظ ما يدل على أقل المعاني المطلوبة، هذا هو السياق في سورة القصص، ومبتدأ ما أوحي إليها فسر بالإرضاع أولا، والإرضاع فيه سكون وشفقة وحب وحنان، ثم قال: فإذا خفت عليه، "إذا" تدل على أن هذا الأمر غالبا سيحصل، فالإيحاء إليها بأنه حينما يحصل هذا الأمر فألقيه في اليم، فورا قال "ولا تخافي ولا تحزني" لماذا " إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ" وفوق ذلك كله "وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ" فسورة القصص تهيئ أم موسى للحدث وتبعث في نفسها بهذه البشارات الطمأنينة والسكون، ولذلك استعمل القرآن الكريم صيغة "ألقيه" لأن هذه الصيغة تدل على أقل معاني الرمي.

ولننظر إلى سورة طه في قوله تعالى: " إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَىٰ أُمِّكَ مَا يُوحَىٰ * أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي" الآيات القرآنية تدل على أن وقت تنفيذ ما هيئت له قد حان، الآن هو وقت التنفيذ، ليس هناك ذكر للرضاع، والتابوت مهيأ معد، اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ، هنا ورد ذكر التابوت، فالقذف هنا الرمي بشدة وبسرعة لأن جنود فرعون منتشرون يبحثون عن الصبيان فجاءها الوحي أنه قد حان وقت التنفيذ " اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ" لقطات متسارعة لأن الحدث هو هكذا الآن ومع ذلك فيه قدر من التطمين، وهذه البشارات هي في الحقيقة لموسى عليه السلام "وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي".

كذلك الحقيقة أن سورة طه تكرر فيها الإلقاء مرتين، فناسب التنويع في الألفاظ، فقال: "ٱقْذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ فَٱقْذِفِيهِ فِي ٱلْيَمِّ" ثم " فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ" فورد الإلقاء هنا فنوعت صيغة المفردة المستعملة، ثم بعد ذلك قال: " وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي" فهذا الإلقاء ليس فيه شدة وليس فيه بعد، وإنما فيه معنى أنه طرح عليه محبة منه، فكما يقولون أن كل من رأى موسى عليه السلام أحبه، هذا أيضا من ضمن الفوارق بين الموضعين في القصص وفي طه، وهذا جملة ما يختلف فيه السياق القرآني الذي تبعا له اختلفت الصيغة المستعملة بين ما ورد في سورة طه وبين ما ورد في سورة القصص، والله تعالى أعلم.

ـ كيف نوفق بين قول الله تعالى: " وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ" وبين مخالطة الناس وأحيانا هذه المخالطة توقع المرء في غفلة يجد نفسه وسط بيئة تعيش الغفلة والجهل؟

الحقيقة أن هذه القضية ليست بالقضية اليسيرة، فما يسأل عنه السائل جدير بالوقوف عنده، لكن من حيث الحقيقة الشرعية فالأمر أهون من ذلك، فإن الأدلة الشرعية من كتاب الله عز وجل، ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلـم، دالة على أن مخالطة الناس ودعوتهم إلى الخير ونصحهم بالمعروف، وإرشادهم وتنبيههم وتذكيرهم والتعاون معهم على البر والتقوى خير من العزلة والانفراد، ونحن نجد أن الله تبارك وتعالى حكى لنا سير الأنبياء والمرسلين عليهم الصلاة والسلام، وحكى لنا سير طائفة من المؤمنين الذين كانوا مع أنبيائهم ورسلهم، دعاة للخير آمرين بالمعروف ناهين عن المنكر متعاونين على الخير والبر والتقوى لينصب لنا فيهم قدوات حسنة وليجعلهم أمثلة نقتدي بهم، لكن في المقابل نهانا عن الخوض في اللغو وفي الفسوق والجدال وفي الباطل من الأحاديث أو في إقرار منكرات والرضا بما يسخط الله تبارك وتعالى بما يمكن أن يدفع المسلم إلى أن يختار العزلة، فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلـم يقول: الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم، خير ممن لا يخالط الناس ولا يصبر على أذاهم، فإذا كثر الخبث ولم يتأتى بالمسلم أن يؤدي رسالته ناصحا آمرا بالمعروف ناهيا عن المنكر داعيا إلى الخير متعلما ومعلما ومتذكرا ومذكرا وطغى الفساد وانتشر اللغو والرذائل وما أمكن له أن يصلح في هذا المجتمع فحين إذ يكون انعزاله أفضل، لكن هذا لا يعني أن الحياة يمكن أن تستقيم للمسلم، وأنه سيجد من الأحوال ما يوافق المعاني السامية الكريمة وهو يخوض غمار هذه الحياة، لأن الحياة فيها الخير والشر والحق والباطل فإذا انعزل أصحاب الحق ودعاة الفضيلة وأهل المكارم والأخلاق فإن هذا سيسمح للشر والفساد والباطل بالفشو والانتشار، فعلى المسلم أن يؤدي رسالته في هذه الحياة وأن يحمل مشاعل الحق والنور للناس وأن يصبر على أذاهم، وأن يجتنب مجالس السوء إن لم يستطع إصلاحها ودعوتها إلى الخير وهدايتها إلى الحق، فلينسحب من مثل هذه المجالس وأن ينفرد عنهم، ومع ذلك أيضا لا بد للمسلم أن يجدد صلته بالله تبارك وتعالى وأن يزكي نفسه، وهذه تحتاج إلى قدر من الخلوات والأنس بالله تعالى والإكثار من ذكره، وأن يغتنم الفرص التي تتاح له كأن يكون له حظ من قيام الليل وأن يغتنم مواسم مثل موسم رمضان وأن يعتكف قدر ما يستطيع، وأن يخصص لنفسه الوقت الذي يتزود فيه بما يعينه على مواجهة الحياة وعلى هداية الناس إلى الخير، هذا هو المسلك الأرشد الذي يدعونا إليه ديننا الحنيف، نسأل الله تعالى أن يعيننا عليه.

ـ أنا طالب في الجامعة، ويصرف لنا علاوة شهرية، والجامعة توفر وجبة غداء لجميع الطلاب بالإضافة إلى وجبة في الصباح للطلاب الذين لا تصرف لهم العلاوة، هل يجوز لي أن آكل من وجبة الإفطار علما أنها توفر بكميات كبيرة، وماذا عليَّ في ما مضى إن كان لا ينبغي الأكل منها؟

أما إن كان القائمون على هذا الأمر يأذنون أو أن هناك عرفا مستقرا مقبولا، وهذا العرف علامته أنهم يغضون الطرف، ففي الأمر سعة، أما إن كان هناك ما كان ينص على المنع من ذلك، أو أنه يضطر إلى الاحتيال لأن العرف لا يقبل مثل هذا الصنيع، عليه أن يجتنب وأن يتوب، وأن ينظر هل يعذرونه فيما مضى أو يطالبونه بالضمان والله تعالى أعلم.

ـ في قوله تعالى: " وَإِذْ قُلْنَا لَكَ إِنَّ رَبَّكَ أَحَاطَ بِٱلنَّاسِ وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّءْيَا ٱلَّتِىٓ أَرَيْنَٰكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ فِى ٱلْقُرْءَانِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلَّا طُغْيَٰنًا كَبِيرًا" ما هي الشجرة الملعونة في القرآن؟

الجواب في معنى الشجرة الملعونة في القرآن المذكورة في هذه الآية في سورة الإسراء أقوال للمفسرين، وأظهرها دليلا أنها هي ذات شجرة الزقوم المذكورة في كتاب الله عز وجل، فالله تبارك وتعالى ذكرها في سورة الصافات حينما قال: " أَذَلِكَ خَيْرٌ نُزُلًا أَمْ شَجَرَةُ الزَّقُّومِ (62) إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ (63) إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ" وهذه الآية من سورة الصافات تقرب كثيرا المعنى الوارد في آية الإسراء في قوله تعالى: " وَمَا جَعَلْنَا ٱلرُّءْيَا ٱلَّتِىٓ أَرَيْنَٰكَ إِلَّا فِتْنَةً لِّلنَّاسِ وَٱلشَّجَرَةَ ٱلْمَلْعُونَةَ فِى ٱلْقُرْءَانِ" لأن هذا العطف يعني وما جعلنا الشجرة الملعونة في القرآن إلا فتنة للناس شأنها شأن الرؤيا التي أريناك، وآية الصافات تقول: "إِنَّا جَعَلْنَاهَا فِتْنَةً لِلظَّالِمِينَ" أيضا في قول الله تبارك وتعالى في سورة الدخان: " إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ* طَعَامُ الأَثِيمِ* كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ* كَغَلْيِ الْحَمِيمِ" يؤكد هذا المعنى، وهذه السور كلها تشترك في أنها سور مكية، وفائدة معرفة أنها سور مكية الرد على بعض الأقوال الواردة في تفسير شجرة الزقوم، فهنالك من قال بأن شجرة الزقوم هم اليهود، والحقيقة أن هذا القول موجود في الأثر عند قدامى المفسرين، لأن سورة الإسراء تتحدث عن بني إسرائيل وكيدهم وتاريخهم وما يحصل لهم، ونظر إلى أن أغلب اللعن في كتاب الله عز وجل ورد في سياق لعن بني إسرائيل أو اليهود، ورد في البقرة وآل عمران وفي غيرها من السور، لكن ذكر بني إسرائيل واليهود ورد في السور المدنية لا في السور المكية، وفي حمل المعنى على أن المقصود اليهود تكلف، ومن حجج هؤلاء القول بأن الشجر لا يوصف بأنه ملعون، وهذه خلق من خلق الله تبارك وتعالى فإن كان قد خلقها في النار فكيف يقال بأنها ملعونة فهي من خلق الله تبارك وتعالى ولذلك دفعهم إلى النظر في معنى آخر، لكن المعنى الذي وصلوا إليه بعيد، لأن السياق القرآني كما تقدم، والله تعالى أعلم.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: صلى الله علیه فی کتاب الله بنی إسرائیل الله تعالى إلى الخیر ف ی ال ی م ز ین ت ه ورد فی إن کان على أن

إقرأ أيضاً:

حكم الإيمان بالغيبيات بالشرع الشريف والسنة

قالت دار الإفتاء المصرية إن الإسلام هو كلمة الله الأخيرة للعالمين، وهو العهد الأخير الذي عهد به الله إلى خلقه، ولذلك فهو يصلح لكل الأسقف المعرفية، ويتناغم مع جميع الحقائق العلمية.

حكم الإيمان بالغيبيات

وأضافت الإفتاء أن المسلمون يعتقدون أن الوحي هو كتاب الله المسطور، وأن الكون هو كتابه المنظور، وكلاهما صدر من عند الله؛ الوحي من عالم الأمر، والكون من عالم الخلق، وما كان من عند الله تعالى لا يختلف ولا يتناقض؛ ولذلك قال الله تعالى: ﴿أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ﴾ [الأعراف: 54]، ومن هنا كان للمعرفة في الإسلام مصدران هما: الوحي، والوجود، وليس الوحي فقط.

وأوضحت أن الإسلام يقرر أن العلم لا يعرف الكلمة الأخيرة؛ حيث يقول تعالى: ﴿وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ﴾ [يوسف: 76]، ويقرر أن المؤمن بهذا الدين ينبغي أن يكون في بحث دائم عن الحقائق، وإذا وجدها فهو أحق الناس بها؛ حيث يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «الكَلِمَةُ الحِكْمَةُ ضَالَّةُ الْمُؤْمِنِ، فَحَيْثُ وَجَدَهَا فَهُوَ أَحَقُّ بِهَا» "سنن الترمذي".

كما أن الإسلام دين علمي يشتمل على قواعد الفهم وأسس الاستنباط ومناهج التطبيق، كما أنه يتسق مع المفاهيم العقلية؛ لأن العقل من خلق الله تعالى، فهو يؤمن بكل وسائل العلم المختلفة ما دام أنها توصل إلى اليقين، فإذا حصل اليقين فهو مقدم على النتائج الظنية، ولكنه في نفس الأمر لا يقصر العلم على التجريبيات فقط، بل يتعداها إلى كل ما من شأنه أن يؤدي إلى نتيجة صحيحة حتى لو لم تكن حسية، ويعتقد المسلمون أن الإيمان بالغيب لا يخالف العقل؛ لأنه جاء بما يفوق العقل، ولم يأتِ بما يستحيل في العقل.

وأكدت الإفتاء أن هناك فارقًا بين المستحيل العقلي وهو الجمع بين النقيضين، وبين الأمر الخارق للعادة وهو معجزات الرسل مثلًا.

فالإسلام يشكل منظومةً متكاملةً بين العلم والإيمان، تبدأ من دلالة هذا الكون على وجود الله تعالى، وأنه لم يخلقهم عبثًا، بل أرسل إليهم الرسل وأنزل عليهم الوحي الذي يطبقون به مراده من الخلق، ثم ختم هؤلاء الرسل بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم، وجعل لرسله من المعجزات والخوارق شديدة الوضوح ومن النصر والتأييد ما يقيم به الحجة والدليل على أنهم من عند الله.

 

مقالات مشابهة

  • فضل يوم الجمعة والأعمال المستحبة به.. سورة الكهف والصلاة على النبي
  • ” الحِكمة ” في مشروع الشهيد القائد
  • تأملات قرآنية
  • حكم قول "بلى" بعد قوله تعالى: ﴿أليس الله بأحكم الحاكمين﴾
  • حكم الإيمان بالغيبيات بالشرع الشريف والسنة
  • المقصود من الليلة في قوله تعالى: {فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}
  • آيات قرآنية عن شكر الله عز وجل
  • الفرق بين سجود الشكر وصلاة الشكر
  • ما هي أنواع الملائكة وحكم الإيمان بهم؟ علي جمعة يكشف
  • الإسراء والمعراج