الفرح في العيد من مظاهر المقاومة المعنوية
تاريخ النشر: 30th, March 2025 GMT
كان الشاعر أبو الطيب المتنبئ ينعى تدهور مكانته لدى حاكم مصر كافور الإخشيدي حين كتب أبياته الشهيرة: "عيدٌ بِأَيَّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ.. بما مَضى أَم بِأَمرٍ فيكَ تَجديدُ".
لم تعد هذه الأبيات تعكس الحالة الشخصية للمتنبئ، لكنها صارت شعارا يرفعه البعض عند كل عيد تعبيرا عن ألمهم الشخصي أيضا، لكن -وهذا هو الأهم- صارت تعبيرا عن دخول بعض الأعياد في لحظات ألم تمر بها شعوبنا الإسلامية أو بعضها على الأقل، كما هو الحال في فلسطين للعيد الثالث على التوالي (عيدان فطر وبينهما أضحى)، ومع ترديد هذه الأبيات ينقلب العيد إلى حزن بينما الأصل فيه الفرح فعن أنس -رضي الله عنه- قال: "قَدِم النبيّ صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: قد أبدلكم الله تعالى بهما خيراً منهما: يومَ الفطر والأضحى" (رواه أبو داود).
الفرح بالعيد لا يعني نسيان المآسي التي تمر بها الأمة، لكنه وقت مستقطع لتجديد الطاقة، وتأكيد القدرة على الانتصار على النفس والشيطان وهما أقوى من الأسلحة الذرية، فالمسلم الذي استجاب للأمر الإلهي بالصوم عن المباحات من مأكل ومشرب وخلافه خلال ثلاثين يوما، منتصرا بذلك على ضعفه البشري، وعلى الشيطان الذي يزين له المعصية، من حقه أن يفرح في نهاية الشهر بانتصاره على الشيطان، ومن ينتصر على شياطين الجن قادر إن شاء على الانتصار على شياطين الإنس.
نتألم بالأكيد لمآسي إخواننا في غزة وفي كل مكان آخر، ونتألم لوضع إخواننا المعتقلين، ولكننا نحوّل ألمنا من طاقة سلبية إلى طاقة إيجابية عبر المشاركة في معارك الدعم والإسناد بكل الوسائل الممكنة، حتى لو كانت مجرد كلمة لرفع الروح المعنوية، كما أن مظاهر الفرح (بدون مبالغة) في العيد هي جزء من حالة المقاومة المعنوية لما يريد العدو فرضه من إحباط وكسر للإرادة
نتألم بالأكيد لمآسي إخواننا في غزة وفي كل مكان آخر، ونتألم لوضع إخواننا المعتقلين، ولكننا نحوّل ألمنا من طاقة سلبية إلى طاقة إيجابية عبر المشاركة في معارك الدعم والإسناد بكل الوسائل الممكنة، حتى لو كانت مجرد كلمة لرفع الروح المعنوية، كما أن مظاهر الفرح (بدون مبالغة) في العيد هي جزء من حالة المقاومة المعنوية لما يريد العدو فرضه من إحباط وكسر للإرادة، وفرض مظاهر الحزن والأسى.
ومع تألمنا للمآسي فإن من حقنا أن نفرح أيضا لانتصارات تتحقق هنا وهناك، فالصورة حولنا ليست قاتمة على إطلاقها، ومعارك التحرر الوطني لا تنتهي بجولة واحدة، بل تأخذ جولات عديدة بين انتصارات وانتكاسات، ولنا في التاريخ قديمه وحديثه عبرة، حيث انتصرت شعوب وأمم بعد مقاومة استمرت قرون وليس فقط عقود قليلة.
القضية الفلسطينية التي تمر بلحظات عصيبة حاليا هي بحد ذاتها نموذج للصمود وانتصار الإرادة، هذه مؤامرة بدأت قبل أكثر من مائة عام مع وعد بلفور، وبلغت ذروتها بنكبة العام 1948 مع انتصار العصابات الصهيونية، وقدرتها -بدعم غربي كبير- على التهام جزء كبير من أرض فلسطين وإقامة كيانهم الغاصب عليه، ثم تمددهم لاحقا عقب حرب حزيران/ يونيو 1967 لالتهام بقية الأراضي الفلسطينية، لكن ذلك لم ينه القضية، ولم يكسر إرادة الشعب الفلسطيني ومن خلفه الشعوب العربية والإسلامية، فانطلقت المقاومة لهذا المشروع الصهيوني منذ وقت مبكر، واتخذت أشكالا عديدة، من العسكري إلى الثقافي، إلى الاقتصادي، إلى العلمي.. الخ، وكلما ضعف أو انهار أحد حصون المقاومة ظهرت مقاومة جديدة أشد باسا، وأكثر تصميما على تحقيق الحلم الفلسطيني في دولة مستقلة وعاصمتها القدس.
ومن المهم التنويه هنا إلى أن عيد الفطر هذا العام يواكب ذكرى يوم الأرض الذي يجسد تمسك الفلسطينيين بأرضهم مهما طال الزمن، ومهما كانت التحديات.
مائة عام من المقاومة لم يستسلم الشعب الفلسطيني، رغم كل التضحيات الجسام التي قدمها، ولم تستسلم الشعوب العربية والإسلامية رغم القمع الذي واجهته من حكامها ومن النظام الدولي، وهذا بحد ذاته انتصار، فالهزيمة تحدث حين يعترف بها المقاوم، أما وأنه لا يعترف بها، وأما وأنه لا يزال يملك إرادة المقاومة، ويتمسك بالحلم، ويحمل بندقيته، ويطلق صواريخه، وقذائفه، ويرفض عروض الذل والعار، فإنه في حالة انتصار معنوي مرحلي يكتمل بالتحرير وإقامة الوطن المستقل.
النظرة الشاملة لخارطة العالم الإسلامي كفيلة برسم صورة متوازنة بين انتصارات وانكسارات، وهذه إحدى السنن الكونية، وفي كل الأحوال يظل العيد يوما للفرح لا يوما للحزن والألم
هناك مآس أخرى للمسلمين في ميانمار وتركستان الشرقية وكشمير، وهي شعوب بدورها لم ترفع الراية البيضاء في مواجهة محاولات الإبادة والتطهير العرقي التي تواجهها، ولكن في المقابل لدينا نقاط مضيئة، وانتصارات مهمة، كما هو الحال في أفغانستان التي تحررت من الاحتلال الأمريكي بعد مقاومة استمرت عشرين عاما (2001-2021)، رغم عدم تكافؤ القدرات المادية والعسكرية والبشرية، ولدينا انتصار الشعب السوري على الحكم البعثي الاستبدادي بعد مقاومة استمرت خمسين عاما بلغت ذروتها في الثورة السورية (13 عاما) والتي انتهت بإسقاط نظام بشار، وحل جيشه وحزبه، ومخابراته.. الخ، ولدينا انتصار ثورة شعب بنغلاديش ضد الحكم الاستبدادي أيضا، أما أحدث الانتصارات ففي السودان مع تحرير الخرطوم من مليشيات الدعم السريع المدعومة من الإمارات.
النظرة الشاملة لخارطة العالم الإسلامي كفيلة برسم صورة متوازنة بين انتصارات وانكسارات، وهذه إحدى السنن الكونية، وفي كل الأحوال يظل العيد يوما للفرح لا يوما للحزن والألم.
كل عام وأنتم بخير..
كل عام وأنتم صامدون مقاومون متمسكون بالحلم في التحرر من الاحتلال والاستبداد والقمع والفقر.
x.com/kotbelaraby
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء عيد الفرح غزة سوريا غزة فرح عيد ماسي قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة وفی کل
إقرأ أيضاً:
وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان يهنئان الرئيس المشاط بعيد الفطر المبارك
الثورة نت/..
رفع وزير الدفاع والإنتاج الحربي اللواء الركن محمد العاطفي ورئيس هيئة الأركان العامة اللواء الركن محمد الغماري، برقية تهنئة إلى فخامة المشير الركن مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى- القائد الأعلى للقوات المسلحة وإلى أعضاء المجلس السياسي بحلول عيد الفطر المبارك 1446هـ جاء فيها:
يطيب لنا في هذه المناسبة الدينية المباركة التي نودع فيها شهر الله الفضيل شهر الصوم والعبادة والمرابطة والجهاد، ويحتفل فيها شعبنا اليمني المجاهد الصابر المحتسب وجميع شعوب الأمة العربية والإسلامية بمناسبة حلول عيد الفطر المبارك أن نرفع إلى مقامكم الكريم باسم قيادة وزارة الدفاع وكافة منتسبي قواتنا المسلحة الشجاعة المرابطين في كل المواقع والجبهات أسمى آيات التهاني وأطيب التمنيات، سائلين المولى عز وجل أن يعيده علينا وعليكم وعلى أمتنا العربية والإسلامية بالخير واليمن والبركات، وأن يجعله الله عيداً يحمل معه الفرج والنصر لبلدنا و لأمتنا، وأن يديم عليكم وعلى قيادتنا الثورية الحكيمة الصحة والعافية لتواصلوا مسيرتكم العظيمة في قيادة الوطن والأمة نحو العزة والكرامة، وتحمل المسؤولية الجسيمة التي ألقاها الله على عاتقكم بحكمة وإيمان.
في هذه المناسبة الدينية العظيمة لا يسعنا إلا أن نستحضر التحديات الجسيمة التي تواجه أمتنا خاصة ما يتعرض له إخواننا في غزة من عدوان وحشي وتآمر دولي وتخاذل بعض الأنظمة العربية والإسلامية التي وللأسف الشديد وقفت متفرجة على المأساة اليومية التي يعانيها إخواننا في فلسطين بشكل عام وفي غزة بشكل خاص.. إلا شعب الإيمان والحكمة بفضل الله تعالى وبفضل قيادته الربانية الحكيمة المتمثلة في السيد العلم المجاهد عبد الملك بدر الدين الحوثي حفظه الله ورعاه والذي قالها بمليء فاه بأننا لن نترك إخواننا في غزة ولبنان وحدهم لمواجهة بربرية وهمجية الكيان الصهيوني وسنساندهم وسنقف معهم بكل قوة وإصرار مهما كانت النتائج، ونحن في هذه المؤسسة الوطنية الشامخة نعدكم بأننا لتوجيهاتكم منفذين وأننا على العهد ثابتين في دعمهم ومساندتهم حتى يتحقق النصر بإذن الله تعالى ونرى أرض فلسطين حرة عربية من النهر إلى البحر، وإن كانت أمريكا تظن أنها بعدوانها على بلدنا سترهبنا أو تحرف مسار توجهاتنا فإنها بذلك تجهل حقائق التاريخ وأنها لم تعتبر من هزائمها وفرار بوارجها من مياهنا الإقليمية.
ونحن ومن منطلق المسؤولية الدينية والوطنية والعسكرية نقولها للأعداء بمختلف مسمياتهم وبكل وضوح أن ما شهدوه من صمودنا وإرادتنا وبأسنا حتى الآن هو مجرد غيض من فيض فاليمن بحول الله وقوته ستظل مقبرة لكل الطامعين، ولن تهنأ بوارج العدو وحاملات طائراته إلا بأن تكون أهدافاً مشروعة لقواتنا الباسلة، والكيان الصهيوني رغم كل الدعم الذي يتلقاه من قوى الاستكبار العالمي وعلى رأسهما أمريكا وبريطانيا لن يهنأ بالعيش على أراضينا المقدسة وسيبقى تحت طائلة ضرباتنا القوية والقاصمة حتى يوقف عدوانه و يسمح بدخول المساعدات الإنسانية لإخواننا في غزة ويلتزم بكل اتفاقيات الهدنة والتهدئة أو ينتظر الطوفان اليماني الذي سيجتثه من جذوره ويطهر الأرض من رجسه.
ختاماً نكرر التهنئة لسيادتكم ولقيادتنا الثورية الحكيمة بهذه المناسبة الدينية العطرة، معربين لكم عن عمق امتناننا وتقديرنا للدعم والرعاية الدائمة التي تولونها لقواتنا المسلحة مما يمكننا من تطوير قدراتنا العسكرية وأداء واجبنا الديني والوطني في الدفاع عن الوطن والأمة، مؤكدين لكم أننا بإذن الله تعالى سائرون على درب الشهداء ماضون في طريق الجهاد والمقاومة حتى نحقق النصر الذي وعدنا الله به ونكون عند حسن ظنكم بنا.
المجد للوطن والخلود للشهداء الأبرار..
كل عام وأنتم بألف خير.. وبلدنا وأمتنا في أمن وسلام وعزة ورفعة..
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،