تموج الحروب بقصص وحكايات يشيب لهولها الولدان، وكلما طال أمد الحرب كثرت الحكايات وتعددت المآسي. وهي كلها قصص من البؤس تدعو للتعاطف عند ذوي الفطرة السوية وليس من أفسدت العنصرية والمال فطرتهم. وحرب غزة الحالية ليست استثناء، فهناك عملية نزع أنسنة ممنهجة مستمرة على مستويات مختلفة، لا ترى في البشر الذين يعيشون في هذه البقعة كائنات من لحم ودم ومشاعر.
لا شك أن ما يمر به الفلسطينيون من سكان قطاع غزة يفوق في هوله أي هول آخر، وأن صمودهم الجماعي يفوق أي صمود آخر، لكنهم في النهاية بشر وليسوا مادة في صفقات تجارية كما يريد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن يصورهم، وليسوا أيضا حيوانات بشرية على حد تعبير وزير الدفاع الإسرائيلي.
تصف الموسوعة البريطانية مصطلح نزع الأنسنة (Dehumanization) بعملية تجريد للبشر من صفاتهم الإنسانية كمبرر لمعاملتهم معاملة غير آدمية، مثل ممارسة التعذيب ضدهم. فالإنسان السوي الطبيعي لا يقبل أن يقتل إنسانا من دون وجه حق ولا حتى أن يمنعه الطعام.
كل محاولات العقاب الجماعي ومنع الغذاء والدواء عن أهالي القطاع المحاصرين هي في جوهرها مبنية على فكرة نزع الإنسانية عن هؤلاء السكان، فمن يقوم بهذا الفعل الشنيع أو يؤيده لا يرى في البشر هناك سوى كتل صماء عليها أن تتماهي مع مقترحات سياسية معينة تحت ضغط القوة المطلقة، من دون أي اعتبار لحق أو كرامة أو دين
والإنسانية وفق هذا المفهوم هي مقابل الهمجية وفق رؤية المفكر الفلسطيني الأمريكي الدكتور إدوارد سعيد، والتي بلورها في آخر مقال لها قبل رحيله في صحيفة لوموند ديبلوماتيك الفرنسية عام 2003. وهي ليست الأنسنة بمعنى التمركز حول الذات، وهو المفهوم الذي ينتقده المفكر المصري الراحل الدكتور عبد الوهاب المسيري. وللمفارقة فإن آخر مقال للمسيري قبل رحيله كان بعنوان "الإنسان والشيء"، ينتقد فيه ما يصفه تشييء الإنسان أي جعل الإنسان مادة استهلاكية واستعمالية بالنظر إلى الجانب المادي فيه حصرا دون الجانب الروحي.
إن كل محاولات العقاب الجماعي ومنع الغذاء والدواء عن أهالي القطاع المحاصرين هي في جوهرها مبنية على فكرة نزع الإنسانية عن هؤلاء السكان، فمن يقوم بهذا الفعل الشنيع أو يؤيده لا يرى في البشر هناك سوى كتل صماء عليها أن تتماهي مع مقترحات سياسية معينة تحت ضغط القوة المطلقة، من دون أي اعتبار لحق أو كرامة أو دين.
وليس أدل على هذه النظرة من مقترح الرئيس الأمريكي لإيجاد مساكن لأهالي غزة خارجها والاستفادة من الموقع الجغرافي في مشاريع استثمارية. الأمر هنا لم يعد متعلقا بأمن إسرائيل بقدر ما هو بالعودة للنظرة الغربية الاستعمارية في جهورها للعالم العربي والإسلامي. وهي تجسيد سياسي حي وواضح لمقولة كارل ماركس التي افتتح فيها إدوارد سعيد كتابه الاستشراق: "إنهم لا يستطيعون تمثيل أنفسهم، لا بد وأن يمثلهم أحد"، وذلك في معرض حديثه عن الشرق والشرقيين.ظرة الدونية لا تستهدف أهالي غزة وحدهم، بل هي من بقايا الاستشراق الذميم من مخلفات العهود الاستعمارية في نظرتها العنصرية التي تستحل أراضي وممتلكات الغير باسم الحداثة والتقدم وبالتالي فإن كل نقاش سياسي واقتصادي للأوضاع في غزة على هذه الأرضية التي تنزع عن الأهالي صفاتهم الإنسانية هو أمر غير منطقي وغير عقلاني؛ لأنه مبني بالأساس على كون هؤلاء البشر أقل من غيرهم وليست لهم الصفات الإنسانية التي تجعلهم جديرين بالحياة.
ومن هنا نفهم منطلقات التضامن العالمي لبعض الحركات الشعبية والأفراد مع القضية الفلسطينية بشكل عام وقضية غزة بشكل خاص؛ أنها منطلقات من الضمير الإنساني البسيط في نسخته غير الملوثة بجشع المال والعنصرية. وهي تتعامل مع أهالي غزة كبشر لهم الحق في الحصول على مقوماتها الأساسية قبل الحديث عن أية قضايا سياسية أو عسكرية أخرى.
وهذه النظرة الدونية لا تستهدف أهالي غزة وحدهم، بل هي من بقايا الاستشراق الذميم من مخلفات العهود الاستعمارية في نظرتها العنصرية التي تستحل أراضي وممتلكات الغير باسم الحداثة والتقدم. وقدر أهل غزة الكرام أن يكونوا رأس حربة في مواجهة الوجهة الوحشي العسكري لهذا الإجرام.
x.com/HanyBeshr
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء غزة الفلسطينيون احتلال فلسطين غزة انسانية قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة اقتصاد سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة أهالی غزة
إقرأ أيضاً:
مطارات دبي تدعو أهالي ذوي التوحّد لمشاركة نصائحهم لسفر آمن
دبي: «الخليج»
بمناسبة شهر التوعية بالتوحّد، تضيء مطارات دبي على تجارب الذين يعيشون هذا التحدي يومياً، وهم أهالي ذوي التوحّد الذين يخوضون تحديات السفر الجوي بيقظة ومرونة وحكمة عملية.
وفي إطار التزامها بتوفير تجربة سفر سلسة وشاملة، وبعد تدريب 45 ألف موظف من كوادرها على كيفية التعامل الأمثل مع المسافرين من ذوي طيف التوحّد، تدعو مطارات دبي الأهالي إلى مشاركة تجاربهم الشخصية ونصائحهم العملية للسفر، وتطلعاتهم إلى ما يرغبون في أن يفهمه المسافرون.
وتستعرض الحملة مساهمات ملهمة من ثلاث شخصيات بارزة في مجتمع التوحّد بدولة الإمارات: ياسمين كاري، والدة إليس، وبيغ هاس، والد أحمد، وأمبرين صهيب، والدة التوأم محمد وهادي، حيث يقدمون معاً نصائح عملية، ورؤى فريدة عن التحديات التي يواجهها ذوو التوحّد أثناء السفر.
نصائح واقعية من أسر عاشت التجربة:
تقول ياسمين كاري: إن التخطيط والإعداد أساس كل شيء. ومن الضروري التواصل المسبق مع شركة الطيران، وطلب إضافة رمز DPNA إلى تذكرة الطيران عند الحجز. هذا الرمز يُنبه الموظفين ومقدمي الخدمات لتوفير دعم شخصي للمسافرين ذوي التحديات الذهنية وصعوبات النمو. ووضع جدول سفر مرئي، واختيار مواعيد رحلات تناسب يوميات الطفل، ويمكن ذلك بالرجوع إلى الموقع الإلكتروني لمطارات دبي، والاطلاع على مخطط السفر للحصول على تفاصيل شاملة ونصائح مفيدة حول الرحلة.
بالنسبة لبيغ هاس، يبدأ التحضير قبل أيام من السفر. ويوصي بالتحدث إلى الأطفال مسبقاً وتعريفهم بتفاصيل الرحلة بأكملها، مع توضيح كل المراحل لإثارة الحماسة معاً. كما يمكن للأسر التواصل مع مطارات دبي للاستفسار عن برنامج «سفاري السفر»، ويتيح للأطفال تجربة إجراءات السفر قبل رحلتهم الفعلية، ما يساعدهم على التأقلم والاستعداد. وفي يوم السفر، يؤكد بيغ هاس، أهمية تخصيص وقت كافٍ، وعدم التسرع لتجنب وضع أي ضغوط على الأطفال.
توصي أمبرين، بتجهيز حقيبة خاصة تحتوي على ألعاب حسية، وآيباد، ووجبات خفيفة، وسماعات رأس عازلة للضوضاء، وملابس احتياطية. وتنصح بطلب شريط عباد الشمس عند الوصول إلى المطار - حتى لو لم يرغب طفلك في ارتدائه، يُمكنك ارتداؤه بنفسك ومن ثم الحصول على الدعم. كما تقترح مراجعة خريطة المطار مُسبقاً، وتقسيم المسؤوليات إذا كنت مسافراً مع الأسرة، وإبلاغ الموظفين إذا كنت تُفضل الصعود إلى الطائرة في البداية، أو بعد جميع المسافرين. ابحثوا عن لافتة عباد الشمس عند أرتال الهجرة والجوازات والتفتيش، وهذا سيقودكم إلى مسارات الأولوية.