بغداد اليوم - خاص

لم يكن عيد الفطر لعام 1446هـ (2025م) مجرد مناسبة دينية، بل تحوّل إلى مرآة تعكس عمق الانقسام الفقهي والسياسي في العراق. من كردستان إلى النجف، مرورًا ببغداد، تباينت إعلانات العيد في وقت واحد، ليتحوّل الهلال إلى ساحة اختبار للفتوى والقرار والسيادة الدينية في دولة تعددية.

كردستان تعيّد أولاً.

.. رؤية الهلال من خارج الحدود

في وقت مبكر من مساء السبت (29 آذار 2025)، أعلن المجلس الأعلى للإفتاء في إقليم كردستان أن الأحد هو أول أيام عيد الفطر المبارك، مستندًا إلى ثبوت رؤية الهلال في دول إسلامية مجاورة، وتأكيدًا على رأي جمهور العلماء القائلين بوحدة المطالع.

واعتبر البيان أن تحديد المناسبات الشرعية "حق سيادي" من صلاحيات الدولة، داعيًا الناس للاحتفال "بثقة دون تردد"، في موقف يعكس استقلال المرجعية الدينية الكردية في القضايا الفقهية المصيرية.

الوقف السني والمجمع الفقهي... من إعلان العيد إلى التراجع تحت ضغط الرؤية

أما في بغداد، فقد مر ديوان الوقف السني والمجمع الفقهي العراقي بيوم عصيب؛ فبعد إعلان أولي أن الأحد هو أول أيام العيد، تراجع الديوان بعد أقل من ساعة ليؤكد أن "الهلال لم يُرَ في العراق"، وأن الاثنين هو أول أيام عيد الفطر.

التبدل المفاجئ في القرار الرسمي أثار تساؤلات عديدة، لا سيما مع الأنباء عن ضغوط سياسية مورست من أطراف حكومية ونيابية لدفع الوقف السني إلى توحيد الموقف مع الوقف الشيعي والمرجعية العليا في النجف، في محاولة لإظهار وحدة وطنية رمزية في مناسبة دينية جامعة.

ورغم تلك الضغوط، أصر الوقف السني على اعتماد رأي الشافعية في اختلاف المطالع، مؤكداً أن الفتوى يجب أن تستند إلى الرؤية الشرعية والفلكية داخل البلاد، لا إلى المجاملات أو المواءمات السياسية.

الحيدري يخالف السيستاني... فتوى العيد تخرج من عمامة النجف

في النجف، حافظ السيد علي السيستاني على منهجه المعروف، معلناً أن الأحد متمم لشهر رمضان وأن الاثنين هو أول أيام العيد، استنادًا إلى الرؤية المباشرة للهلال من داخل العراق.

لكن المرجع الشيعي البارز كمال الحيدري خالف هذا الاتجاه بشكل صريح، معلنًا أن عيد الفطر يحل الأحد، بالاعتماد على الحسابات الفلكية والرؤية المثبتة في الدول الإسلامية الأخرى.
 اعتبر الحيدري أن "الاجتهاد الفقهي المعاصر يجب أن يتكامل مع العلم"، وهو ما شكّل خروجًا واضحًا عن فتوى النجف التقليدية، ودخولًا في دائرة الفقه الحداثي المستقل.

الفتوى في مواجهة الدولة... من يقرر العيد؟

خلف هذا التباين، يختبئ سؤال أعمق: من يمتلك سلطة إعلان العيد في العراق؟ هل هو المرجع؟ أم ديوان الوقف؟ أم الحكومة؟

وماذا عن العلاقة بين "السياسة الشرعية" و"الاجتهاد الفردي" في بلد تتوزع فيه المرجعيات وتتداخل فيه السلطات؟

في كردستان، السلطة السياسية تسير مع المؤسسة الدينية بتناغم. في بغداد، الوقف السني يخضع للضغط لكنه يحاول الاحتفاظ بقدره من الاستقلال. وفي النجف، المرجعية تتخذ قرارها وفق أفقها الجغرافي فقط، حتى لو أدى إلى اختلافٍ واضح مع الدول المجاورة.

عيد بثلاث لغات... ما أثر ذلك على المجتمع؟

في الأحياء المختلطة والأسواق والمنازل، ساد الارتباك والارتجال. عائلات فرّقت أيام العيد بين الأب والأم، مواطنون في بغداد سيفطرون يوم الاثنين بينما أقاربهم في أربيل سيصلون العيد الأحد، وبلد واحد عجز عن الاتفاق على يوم يفطر فيه الناس معًا.

النتيجة؟ تآكل تدريجي في ثقة المواطن بالمؤسسات الدينية الرسمية، التي يراها متأثرة بالخلافات السياسية والولاءات المذهبية.


حتى المناسبة التي يفترض أن تكون جامعة، تحوّلت إلى علامة فارقة على الانقسام، لا على التوحد.

الهلال لا يكفي وحده... نحتاج إلى مرجعية وطنية

تُثبت تجربة عيد الفطر هذا العام أن الهلال لا يُرى فقط في السماء، بل في ميزان السياسة والفقه والإدارة.
وما لم تتفق الجهات الدينية في العراق على مرجعية موحدة علمية فقهية تنأى بنفسها عن الضغوط، فإن العيد سيبقى تائهًا بين فتوى وفتوى، وبين الأحد والاثنين... وربما بين المواطن والدولة.

المصدر: بغداد اليوم + بيانات رسمية

 

المصدر: وكالة بغداد اليوم

كلمات دلالية: الوقف السنی هو أول أیام فی العراق عید الفطر

إقرأ أيضاً:

غضب متبادل في بيروت وبغداد بعد تصريحات عون وردّ رجل دين عراقي

24 أبريل، 2025

بغداد/المسلة: ارتفعت حدة التوتر بين بيروت وبغداد بعد تصريحات الرئيس اللبناني جوزيف عون التي رفض فيها استنساخ تجربة الحشد الشعبي في لبنان، مشدداً على حصرية السلاح بيد الدولة، ومؤكداً أن عناصر حزب الله يمكنهم الالتحاق بالجيش عبر دورات استيعاب، دون تشكيل وحدة مستقلة.

واستدعت وزارة الخارجية العراقية السفير اللبناني في بغداد، معربة عن “عدم ارتياحها” لتصريحات عون، معتبرة أن الحشد الشعبي جزء مهم من المنظومة الأمنية العراقية، وأن إقحام العراق في الأزمة اللبنانية الداخلية لم يكن موفقاً.

وهاجم رجل الدين العراقي ياسين الموسوي الرئيس اللبناني، واصفاً إياه بـ”النكرة”، ما أثار غضباً في الأوساط اللبنانية، خاصة مع غياب رد رسمي من الحكومة اللبنانية على هذه الإهانات.

وانتقدت وسائل إعلام لبنانية، منها صحيفة النهار، صمت السلطات اللبنانية، معتبرة أنه كان من الأجدر استدعاء السفير العراقي في بيروت، كما فعلت بغداد مع السفير اللبناني، للتعبير عن رفضها للإهانات التي طالت رئيس الجمهورية.

وظهرت دعوات في العراق للانكفاء الذاتي ووقف المساعدات للدول المجاورة، بما فيها لبنان، معتبرين أن مواقف هذه الدول تنعكس سلباً على العراق، مما يزيد من التوترات في العلاقات الثنائية.

واعتبر النائب اللبناني إبراهيم الموسوي أن الحشد الشعبي فرض معادلة “الجيش والشعب والمقاومة” في الجنوب، مؤكداً أن المقاومة هي جزء من كرامة الأمة، وأن الشعب اللبناني سيبقى وفياً لدماء الشهداء.

وتأتي هذه الأزمة في ظل ضغوط دولية متزايدة على لبنان لنزع سلاح حزب الله، خاصة بعد الحرب الأخيرة مع إسرائيل، حيث تكبد الحزب خسائر فادحة، مما جعل مسألة نزع السلاح قابلة للتنفيذ أكثر من أي وقت مضى.

 

 

المسلة – متابعة – وكالات

النص الذي يتضمن اسم الكاتب او الجهة او الوكالة، لايعبّر بالضرورة عن وجهة نظر المسلة، والمصدر هو المسؤول عن المحتوى. ومسؤولية المسلة هو في نقل الأخبار بحيادية، والدفاع عن حرية الرأي بأعلى مستوياتها.

About Post Author Admin

See author's posts

مقالات مشابهة

  • كردستان العراق: ساحة صراع النفوذ بين تركيا وإيران
  • غضب متبادل في بيروت وبغداد بعد تصريحات عون وردّ رجل دين عراقي
  • نائب:السلك الدبلوماسي يمثل صوت العراق في الخارج وليس صوتاً للأحزاب
  • تزامناً مع العيد القومي لسيناء.. "بحوث الصحراء" يواصل دعم المزارعين ميدانيا
  • تزامناً مع العيد القومي لسيناء.. مركز بحوث الصحراء يواصل دعم المزارعين ميدانياً
  • العراق يترقب مصير مفاوضات إيران النووية: آمال ومخاوف
  • الأعرجي:العراق لن يستغني عن قوات التحالف الدولي
  • الانقسامات حول دعوة الشرع إلى بغداد تهدد الطموحات الدبلوماسية
  • سيناريوهات صعبة قبل الانتخابات البرلمانية في العراق
  • العراق: لا تهاون أمني رغم تعزيز العلاقات مع دمشق