رمضان.. بين فرحة الطاعة وهيبة الفراق
تاريخ النشر: 29th, March 2025 GMT
د. سالم بن عبدالله العامري
رمضان.. ذلك الضيف العزيز الذي حلَّ علينا بروحه الإيمانية، مضت أيامه سريعًا، وكأنها لم تكن سوى لحظات، وها هو الآن يرحل، تاركًا في القلوب أثرًا لا يُمحى، وذكريات لا تُنسى؛ فكيف هو شعور من أتم هذا الشهر المبارك بالطاعات، وأعرض عن المحرمات، وعاش أيامه ولياليه متزودًا من كنوز القرب من الله؟
ها نحن نودعه بقلوب يملؤها مزيجٌ عجيبٌ من الفرح والحزن، بين نشوة الطاعة وهيبة الفراق.
ومع آخر ليلة من رمضان، يقف المؤمن مُتأملًا رحلته خلال هذا الشهر العظيم، قلبه يفيض بمشاعر متناقضة، لكنه يدرك أن الغلبة للفرح، الفرح بأنه صام وقام، وازدان نهاره بالذكر وتلاوة القرآن، وسجدت جبهته في الليالي المضيئة بدموع الرجاء والخشوع.إنها فرحةٌ لا تشبه أي فرحة، فرحةٌ تشبه وقوف المسافر المتعب بعد رحلة شاقة، يضع أحماله ويستريح وهو يعلم أنه قد بلغ وجهته بسلام. هو الفرح بوعد الله لعباده الصائمين، الذين بشرهم بقوله تعالى: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم، فإنه لي وأنا أجزي به" (حديث قدسي)؛ فأيُّ مكافأة أسمى وأجل من أن يتولى الله بنفسه جزاء من أطاعه وصبر؟
إنها فرحة الإنجاز، فرحة من سار في رحلة إيمانية، كبح فيها جماح نفسه، وروض شهواته، وصنع من أيامه ولياليه أجنحةً تحلق به في سماء القرب من الله. كيف لا تشرق الروح سعادةً وقد نادى المنادي: "يا باغي الخير أقبل، ويا باغي الشر أقصر" فأقبلت النفس على ربها، وفتحت أبواب الجنة، وسُلسلت الشياطين، وخفَّت وطأة الدنيا عن القلب.
لكن مع هذه الفرحة الغامرة، يتسلل إلى القلب شعور مهيب، شعور الفراق الذي يأبى أن يكون هينًا، فكيف يفارق المؤمن هذا الشهر الذي كان فيه قريبًا من الله أكثر من أي وقت مضى؟ كيف تنطفئ تلك المشاعر الروحانية التي تعلقت بها الروح؟ كيف تهدأ تلك الجوارح التي اعتادت الخشوع والبكاء عند تلاوة القرآن؟ كيف تودع العين دموع التهجد، ويودع القلب سكينته، ويعود العبد إلى عاداته بعد أن عاش أيامًا كأنه في جنة من نور؟ إنه وداع ثقيل على النفس، يشبه وداع الأحبة، لكنه أشد، لأن المودَّع هنا ليس مجرد أيام، بل هو موسم نفيس من الرحمات والبركات، موسم تتمنى النفس لو أنها تستطيع إيقاف عقارب الزمن عنده، فتظل تتنفس نوره إلى الأبد. إنه شعور المهاجر الذي وجد واحة ظليلة في وسط صحراء محرقة، ثم أٌمر بالرحيل عنها، فتأخذه الرهبة والحسرة: كيف سيواصل رحلته دونها؟ لكنه يعلم أن الله أكرمه بهذه الاستراحة ليكمل طريقه بقوة، فلا يكون رمضان لحظة عابرة؛ بل محطة تُمده بالزاد طوال العام.
هنيئًا لمن غادره رمضان وقلبه عامر بالإيمان، وروحه متمسكة بطريق الطاعة، وجوارحه ممتلئة بعهدٍ مع الله، عهد لا ينقضي بانقضاء الشهر؛ بل يستمر حتى اللقاء به سبحانه. فمن وُفِّق للطاعة في شهر رمضان، فعليه ألا يتوقف؛ بل يجعل من كل يومٍ بعده رمضانًا جديدًا، فالطريق إلى الله لا يُغلق بانتهاء موسم؛ بل هو ممتد ما دامت الأنفاس تتردد في الصدور.هنيئًا لمن صام وقام وأحسن العمل.. وهنيئًا لمن جعل من رمضان نقطة انطلاق لا محطة توقف.
وداعًا رمضان.. لكن أثرك في قلوبنا باقٍ إلى الأبد.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
رمضان عبد المعز: القرآن أمرنا برعاية مشاعر اليتيم قبل دعمه ماليا
أكد الشيخ رمضان عبد المعز، الداعية الإسلامي، أن سورة “الماعون” تُعدُّ منهجًا حيويًا في حياة المؤمن، لافتا إلى أن "سورة الماعون، وهي السورة رقم 107 في ترتيب المصحف، تحتوي على رسالة عظيمة تعكس جوهر الإسلام، وتحثنا على السلوك الحسن والرحمة في التعامل مع الآخرين، خاصة اليتامى والمساكين.
وأشار الشيخ رمضان عبد المعز، خلال تصريحات تلفزيونية، اليوم الإثنين، إلى أن القرآن الكريم يبدأ بعض سوره بأساليب مختلفة مثل الاستفهام أو القسم، ومن ذلك سورة الماعون، حيث تبدأ الآية الأولى بآية استفهام: "أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ"، موضحا أن الآية تدعونا للتفكر في الأشخاص الذين يتعاطون مع الدين باستخفاف، فتكون النتيجة تجاهل حقوق اليتيم ورفض إطعام المسكين.
رمضان عبد المعز: منظومة الصدق في القرآن تشمل 5 مراتب رئيسية
رمضان عبد المعز: الأخوّة نعمة إلهية وأعظم سند وشفيع في الآخرة.. فيديو
وأوضح أن الآية في سورة الماعون "وَلا يَحُضُّ عَلَىٰ طَعَامِ الْمِسْكِينِ" تشدد على ضرورة تحفيز الآخرين على فعل الخير، مشيرًا إلى أن الإسلام لا يكتفي أن نكون فاعلين للخير فقط، بل يجب علينا أن نشجع الآخرين على القيام به أيضًا، ولا يكفي أن تُطعم المسكين، بل يجب أن تحث الآخرين على فعل الخير والتعاون معك في ذلك.
وأكد على أن القرآن لا يطلب منا فقط أن نرعى اليتيم ماديًا، بل أيضًا يجب أن نرعى مشاعره، حيث جاء في سورة الضحى: "فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ"، مما يوضح أهمية الإحسان للضعفاء.
وتابع: "المؤمن يجب أن يكون داعيًا إلى الخير، كما قال الله تعالى في سورة العصر: 'إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ'. يجب على المسلم أن يشجع الآخرين على الصلاح ويساعدهم في طريق الخير."
واستشهد بالحديث النبوي الشريف الذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال: "سل الله عز وجل فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين"، مشددًا على أن هذه الدعوة هي منهج النبي صلى الله عليه وسلم، ومنهج كل مؤمن حقيقي يتبع سنته.