وحيد شاوريه: شاعر فلسطين في المهجر وصوت النضال في تشيلي
تاريخ النشر: 29th, March 2025 GMT
في تشيلي، بات مصطلح "تشيليستينيان" دارجاً لكثرة ما في هذا البلد من فلسطينيين.. وبات لديهم مؤسسات كبرى وأندية اجتماعية ورياضية، ومهرجان تراثي سنوي بعنوان "مقلوبة"، وروابط سياسية واجتماعية واقتصادية وثقافية، كما أفادني الصديق الإعلامي زياد العالول..
على المستوى الثقافي، تأسست الندوة الأدبية العربية بتوافق بين عدد من أدباء العربية وشعرائها، وعلى رأسهم الشاعر وحيد شاوريه.
هذا الشاعر الذي اكتملت ثقافته العربية والقومية والوطنية في فلسطين، ونهضت وانتكبت قبل سفره إلى تشيلي، كما سنرى من سيرته الذاتية. فهو لم يهاجر باكراً كما هاجرت العائلة، وفق وثائق مؤسسة "هوية" للحفاظ على جذور العائلة الفلسطينية، التي أفادتني عند السؤال، أن هجرة عائلة شاوريه، وتحديداً عبد الله شاوريه، وهو من جيل شاعرنا، بدأت في مطلع القرن العشرين، غير أن شاعرنا لم يهاجر معهم. وفضل الاستمرار في فلسطين التي كانت تستبطن تغييرات مصيرية في تلك الفترة.
ترجمته
وحيد شاوريه، كاتب وصحفي وشاعر فلسطيني، ولد في بيت جالا قرب القدس عام 1890 وتعلم في مدرستها الابتدائية فيها، ثم تلقى معارفه وعلومه في كلية النهضة، والمدرسة الدستورية التي أسسها الأديب والتربوي الكبير خليل السكاكيني في القدس إثر إعلان الدستور العثماني عام 1908.
بعد تخرجه من المدرسة الدستورية عمل معلماً في فلسطين، وتنقل بين مدارسها.. ولا يخفى أن هذه الفترة شهدت نهضة شعرية وثقافية في فلسطين قادها شاعر فلسطين إبراهيم طوقان، ومعه الشاعر عبد الرحيم محمود والشاعر عبد الكريم الكرمي "أبو سلمى".. فكانت الساحة الفلسطينية في تلك الفترة تضج بالحراك الثقافي الذي كان مركّزاً بين نابلس والقدس، ويمتد أحياناً إلى صفد والجليل.
انكبّ شاعرنا على العمل الصحفي (وفي معظمه عمل ثقافي) في عدد من الصحف الفلسطينية مثل "المهماز" الأسبوعية الساخرة (حيفا 1946) و"الغد" السياسية الاشتراكية (رابطة المثقفين 1945 -1947) و"الأديب" الأدبية اللبنانية (1942 – 1983).
هاجر إلى دمشق بعد النكبة عام 1948، وهناك عمل في الصحافة عدة سنوات، ثم هاجر بعدها إلى تشيلي حيث مارس بعض الأعمال الحرة.. لكنه لم يترك العمل الوطني والأدبي، فكان من مؤسسي الندوة الأدبية العربية في تشيلي.
توفي شاعرنا في العاصمة التشيلية سانتياغو عام 1961.
إنتاجه الأدبي
للشاعر وحيد شاوريه عدد من المؤلفات منها:
ـ "دراسة عن برنارد شو".
ـ "المهاجر العربي".
ـ "نكبة فلسطين"، بالاشتراك مع الكاتب الموسوعي عارف العارف.
ـ قصص قصيرة نشرها في صحيفتي "المهماز" و"الغد"، منها قصة ذاع صيتها اسمها "مورينا.. من الأندلس".
ـ تعريب كتاب "ثمار الأرض" لأندريه جيد عن الإنجليزية.
في الشعر
أورد كتاب "الناطقون بالضاد في أمريكا الجنوبية" للشاعر وحيد شاوريه قصيدة واحدة، وهي ما أتيح من شعره، ونشرها أيضاً معجم البابطين الذي وصفها بأنها "طويلة نسبياً (48 بيتاً في اثنتي عشرة رباعية، من مجزوء الكامل مختلفة القوافي) عبّر من خلالها عن هموم وطنه فلسطين وحلمه في الاستقلال ونيل الحرية، وقد ضمنها حنينه إلى الأهل في القدس ونابلس وبيت جالا، وأرض فلسطين، وعرّض من خلالها بالخانعين من مستبيحي الحمى، وبائعي الأوطان. اتّسمت لغته بقوة في العبارة، وجهارة في الصوت، ونشاط في الخيال".
مختارات من قصيدة "نَسترجعُنَّ الدارَ"
قسماً بقدسك ـ موطني ـ وببحر يافا الزاخرِ
وببيت جالا والجبال وبالربيع الزاهر
قسماً بزهر البرتقال وبالشقيق الناضر
قسماً بتربتك الخصيبة، والجمال الساحر
قسماً بوالديَ الذي خلّفْتُهُ بالقريةِ
وبأميَ الطهر التي واريتُها بالتربة
قسماً بإخوتيَ الألى أفدي بحبّة مقلتي
وبأهلي اللائي أحبهمُ وتهوى مهجتي
قسماً بخلاّنٍ لفرقتهم أنوحُ وأصطلي
قسماً بأحرارِ الحِمى، بحُماةِ أقدسِ معقلِ
وبتربةٍ مرويّةٍ بدِما الشبابِ الأجللِ
قسماً بأبطالٍ بمثلهمُ النِّسا لم تحبلِ
نَسترجعُنَّ الدارَ، والوطنَ الذبيحَ المثخنا
وكرامةً دِيسَتْ، وأعراضاً، ومجداً كامِنا
ولنثأرنَّ من الألى باعوا الديارَ، وأرضَنا
ولَنمحُوَنَّ العارَ ألصقَهُ الألى غدروا بنا
البائعون ضميرَهم، والهازئونَ بوخزتِهْ
الساخرونَ بشعبِهِم، والشامتونَ ببلوتِهْ
مَن فضَّلوا الحكمَ الوضيعَ على كرامةِ وَثْبتِهْ
وجثَوْا على قَدَمِ الغَشومِ يطالبونَ بمنحتِهْ
الشاربونَ دمَ الشبابِ، وسالبو أعمارِهِم
البائعونَ نساءَهُم، ومفاخرونَ بعارِهِم
المُستبيحونَ الحِمى للأجنبِيْ أمَّارِهِم
مُستبدِلو العيشَ الرخيصَ بعِرضِهِم وذِمارِهِم
دخَلوا فِلسطينَ الحبيبةَ يومَ كانتْ لاهِبَه
النارُ فيها والدماءُ - دماءُ شعبي - الصاخبَه
لهبُ التحرُّرِ والنضالِ مشعِّلاتٍ لاغِبَه
أهلُ الحِمى حَطبٌ لثورتِهم، وأرضٌ خاضِبَه
حِممٌ بنابلسٍ وبركانٌ بيافا الباسلَهْ
ولَظى الكِفاحِ بقُدسِ عيسى كالصواعقِ شاعِلَهْ
شُعلُ النضالِ، على الجبالِ، تنير حيفا الثاكِلَهْ
وَطنٌ شَوَتهُ النارُ، وانقضَّتْ عليهِ النازلَهْ
دخلوا فلسطيناً، وقد هَزَّ الورى زلزالُها
حربٌ وثوراتٌ يفجِّرُها بِها أشبالُها
إمّا انعتاقُ الحُرِّ أو تؤتَى الفنا أطلالُها
إمّا انتصارُ الحقِّ أو تذوي لها آمالُها
أُجَراءُ للمستعمرينَ، وللأجانبِ هم عبيدْ
سنُعَلِّمُ التاريخَ كيف ذُرا القلاعِ بهم تبيدْ
ويُحقَّقُ الأملُ البعيدُ! ويُصرَعُ الخصمُ العنيدْ
ويحرَّرُ الشعبُ الأبيُّ، ويُحكمُ الجيلُ الجديدْ
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي تقارير فلسطينيين الشاعر هوية فلسطين مسيرة شاعر هوية سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی فلسطین
إقرأ أيضاً:
غارينشا الملاك ذو الساقين المنحنيتين الذي سحر العالم ومات فقيرا
لم يكن من المتوقع أن يصبح البرازيلي مانويل فرانسيسكو دوس سانتوس، المعروف باسم غارينشا، أحد أعظم لاعبي كرة القدم في التاريخ، لأنه وُلد بعيوب جسدية، جعلت الأطباء يشككون في قدرته على المشي بشكل طبيعي، ناهيك عن ممارسة الرياضة.
ووُلد غارينشا، في 28 أكتوبر/تشرين الأول 1933 بتشوهات جسدية واضحة، منها عمود فقري معوج وركبتان غير متناسقتين وساق يسرى أقصر من اليمنى، ورغم هذه التحديات، استطاع أن يسحر العالم بموهبته الفريدة ومهاراته الاستثنائية.
اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2"وصمة عار".. ليون المكسيكي يطالب بإعادة النظر باستبعاده من مونديال الأنديةlist 2 of 2ميسي ورونالدو في فريق واحد بكأس العالم للأندية.. حلم الجماهيرend of list بيئة فقيرةنشأ غارينشا في بيئة فقيرة، حيث كانت أسرته تكافح من أجل توفير احتياجاتها الأساسية، إذ كانت حياته اليومية مليئة بالصعوبات، ولم يكن لديه رفاهية الحصول على علاج طبي مناسب أو أحذية خاصة لمساعدته على المشي بشكل أفضل.
ومع ذلك، لم تكن تلك العيوب الجسدية عائقا أمامه، بل مجرد تفصيلة في قصته التي صاغها بنفسه.
وبدأ غارينشا مسيرته في شوارع مدينة باو غراندي، حيث أذهل الجميع بأسلوب لعبه غير التقليدي. ورغم تردد الأندية في ضمه، حصل أخيرا على فرصته مع بوتافوغو، حيث أثبت نفسه سريعا.
في أول مباراة احترافية له عام 1953، سجل غارينشا ثلاثية، ليبدأ رحلة من التألق والنجاح.
وعلى الرغم من موهبته، لم يكن غارينشا الخيار الأول للمنتخب البرازيلي في مونديال 1958، لكن بعد أداء متواضع "للسامبا" في بداية البطولة، قرر المدرب منحه الفرصة أمام الاتحاد السوفياتي.
إعلانوفي غضون 5 دقائق، قلب غارينشا المباراة رأسا على عقب بمراوغاته الساحرة، وأسهم في فوز البرازيل بالبطولة، وعندما لعب إلى جانب بيليه، لم تخسر البرازيل أي مباراة.
لحظة المجدجاءت لحظة المجد الكبرى بالنسبة لغارينشا في كأس العالم 1962، إذ أصبح النجم الأول للمنتخب البرازيلي بعد إصابة بيليه.
في تلك النسخة من المونديال سجل غارينشا أهدافا رائعة من جميع الزوايا، ومن الركلات الحرة والرأسيات والاختراقات الفردية، وقاد البرازيل للفوز باللقب الثاني.
وحظي غارينشا باستقبال حافل بعد عودته إلى البرازيل ومنحته الجماهير والصحافة في البلاد لقب "الملاك ذو الساقين المنحنيتين".
ورغم المجد الكروي، بدأت مسيرة غارينشا في التراجع سريعا، حيث عانى من الإصابات نتيجة أسلوب لعبه القائم على المراوغات السريعة، ولم تساعده بنيته الجسدية على الاستمرار طويلا.
إلى جانب ذلك، كان شغفه بالحياة الليلية وإدمانه للكحول سببا في تدهور مستواه.
وبحلول عام 1966، لم يعد قادرا على تقديم مثل ذلك الأداء المبهر، وخرج من حسابات المنتخب البرازيلي.
معاناة بعد الاعتزالبعد اعتزاله عام 1973، لم يتمكن غارينشا من التأقلم مع الحياة بعيدا عن الأضواء، إذ أنفق أمواله بسرعة، وأصبح يعتمد على مباريات استعراضية مقابل مبالغ زهيدة.
وبحلول الثمانينيات، كان يعاني من مشاكل صحية حادة بسبب إدمانه على الكحول.
وتوفي غارينشا عام 1983 عن عمر 49 عاما، بسبب معاناته من مرض الكبد، وكان مفلسا وبعيدا عن الأنظار، لكنّ البرازيليين لم ينسوه، وخرج الملايين إلى الشوارع لتوديعه، في مشهد يعكس الحب العميق الذي تكنه الجماهير له.
وحتى اليوم، يبقى غارينشا رمزا للموهبة الفطرية، واللاعب الذي تحدى المعاناة والعيوب الجسدية ليصبح أحد أعظم من لمسوا الكرة.