زادتها الحرب أضعافا.. معاناة لا مثيل لها لمرضى السرطان بالسودان
تاريخ النشر: 29th, March 2025 GMT
وتناولت الحلقة الـ27 من برنامج "عمران" واقع مرضى السرطان في السودان، وسلطت الضوء على معاناتهم على المستويين العلاجي والمالي، وغياب الدعم الحكومي وقلة المستشفيات المتخصصة في علاج الأورام.
ويبرز الطفل عامر من بين مرضى السرطان، إذ يعاني من ورم في الرأس تسبب له بشلل كامل، ويخضع إلى جلسات علاجية، لكن من دون أي تحسن على حالته بعد 29 جلسة متتالية.
تقول والدة الطفل إنها عانت الأمرين في رحلة تشخيص طفلها المصاب بالسرطان، ومروره على أطباء عدة، مشيرة إلى أنه أصبح لا يقدر على حركة أطرافه في غضون شهرين.
واسترجعت حالة ابنها، إذ كان يلعب بشكل طبيعي ويذهب إلى المسجد، ثم أصيب بالشلل تدريجيا، ولكن حالته تدهورت أكثر بعد الفشل في الحصول على حجز سريع لدى الطبيب.
وأوضحت أن طفلها كان يمشي على قدم واحدة ثم فقد القدرة كليا على المشي، وصولا إلى شكواه من ألم الرأس، مما أدى لاحقا إلى عدم قدرته على رفع رأسه.
وبشأن كيفية معرفة إصابته بالسرطان، قالت الوالدة إن صورة الأشعة أظهرت ورما في المخ، ليخضع بعدها إلى جلسات علاجية بعد تعذر إجراء العملية في مستشفى مروي للأورام.
ويبلغ عامر من العمر 10 سنوات، وهو في الصف الثاني، ويُمني النفس بأن يصبح معلما للغة العربية عندما يكبر، وفق حديثه مع مقدم البرنامج سوار الذهب.
إعلان رحلة عذاببدوره، قال رجل طاعن في السن إنه جاء من أقصى شمال دارفور، وقطع مسافة طويلة للوصول إلى مروي شمالي البلاد، في مشوار استغرق 6 أيام كاملة.
ووفق حديثه، فإن مرضى السرطان وأهاليهم يأتون من مناطق بعيدة إلى مروي بغرض العلاج، في رحلة قد تستغرق عاما ونصف العام، مما يضطرهم إلى الإقامة تحت الأشجار والاستظلال بها.
وأوضح أن الأهالي يفضلون الإقامة تحت الشجر بسبب غلاء الإيجار في مروي، إضافة إلى أنه لا يمكن تحمل تكاليف الإيجار والعلاج في آن واحد.
ويعد مستشفى مروي الوحيد المتخصص في علاج الأمراض المزمنة، ولكن قدرته الاستيعابية لا تمكنه من علاج هذا العدد من المرضى من كافة أنحاء البلاد.
وبسبب الحرب، تم إغلاق مركزي الأورام الكبيرين في الخرطوم وود مدني، عاصمة ولاية الجزيرة الجنوبية، ولم يتبق إلا جهاز واحد للعلاج الإشعاعي في مستشفى مروي شمالي السودان.
وسلطت الحلقة الضوء على حالة ثالثة، تعود إلى طفل قدم من ضواحي الفاشر، إذ يعاني من عدم نزول الأكل إلى بطنه منذ 5 أشهر، وكان يعتقد الأطباء بأنه مصاب بألم في المعدة، قبل اكتشاف إصابته السرطان.
ولا توجد إحصائية حديثة لأعداد مرضى السرطان في السودان، وأشارت آخر إحصائية -صدرت عن وزارة الصحة في أغسطس/آب 2022- إلى وجود 20 ألف حالة إصابة نشطة بالمرض، 8% منها لأطفال.
ويحذر أطباء سودانيون من أن "محدودية الوصول إلى خدمات علاج الأورام خلال الحرب الحالية يعرض حياة أكثر من 40 ألف مريض سوداني بالسرطان للخطر".
29/3/2025المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان مرضى السرطان
إقرأ أيضاً:
المجتمع الدولي وإدمان الفشل حول السودان
المجتمع الدولي وإدمان الفشل حول السودان
د. الشفيع خضر سعيد
كتبنا من قبل، أنه ولإطفاء نيران الحروب وإخماد بؤر التوتر وبسط السلام في مختلف بقاع العالم، ولأجل حماية حقوق الإنسان وصون كرامته، ولدرء مخاطر الكوارث الطبيعية ونقص الغذاء، ولتمتين التعاون والتنسيق والتكامل بين دول العالم في مجالات التنمية والصحة والتعليم وتطوير العلوم لصالح أمن وسلام وتقدم البشرية، توافقت بلدان العالم على مواثيق دولية وإقليمية يحميها القانون الدولي، وعلى مؤسسات ومنظمات دولية وإقليمية، كمنظمة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والجامعة العربية، يفترض أن تعمل على تحقيق المبادئ المضمنة في تلك المواثيق.
صحيح أن منظمة الأمم المتحدة تحتاج إلى إصلاحات جوهرية في إطار نظام عالمي جديد يحد من هيمنة القطبية ويحقق التكافؤية بين الدول، صغيرها وكبيرها، وعلى ذات المنوال ربما تحتاج المنظمات الإقليمية، وهذه مناقشة هامة ولكنها ليست موضوع هذا المقال. ونكتب اليوم، ما دامت حرب السودان دخلت عامها الثالث، ولاتزال مشتعلة تحرق وتدمر في البلد، وتهدد بنسف الأمن والإستقرار إقليميا ودوليا، خاصة في ظل ما يدور في محيطنا الجيوسياسي، وما دامت النخب السودانية، المدنية والعسكرية، لاتزال في قبضة الخلافات والتشرذم والعجز عن تقديم رؤية موحدة لوقف الحرب والانتقال إلى مربع السلام والتحول الديمقراطي، فإن المجتمع الدولي والإقليمي، محكوما بتلك المواثيق وبالقانون الدولي، كان لابد أن يواصل تدخله ومساهماته لوقف هذه الحرب اللعينة، والتي ابتدرها مباشرة بعد اندلاع الحرب بانتظام منبر جدة للتفاوض بين طرفي القتال في مايو/إيار 2023، وفي نفس الشهر خصص الاتحاد الأفريقي اجتماعا حول السودان خرج بخارطة طريق من ستة عناصر لوقف الحرب. ثم توالت بعد ذلك تحركات المجتمع الدولي، من إجتماعات ولقاءات هنا وهناك، كما حددت معظم الدول الأوروبية والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، مبعوثين مختصين بالتعامل مع حرب السودان، وعُقد مؤتمر باريس الدولي بعد مرور عام على الحرب، ومؤخرا عُقد مؤتمر لندن الدولي بعد مرور عامين، وكل الخوف أن يعقد مؤتمر دولي آخر في عاصمة أوروبية أخرى، بعد مرور ثلاثة أعوام على الحرب وهي لاتزال مشتعلة!
ومع تأكيدنا على قناعتنا التامة بأن قضية شعب السودان لا يمكن أن تحل من خارجه أو بالإنابة عنه،
افتقار تحرك المجتمع الدولي والإقليمي إلى استراتيجية قوية وشاملة، كان في إمكانها أن تعزز كتلة مدنية موحدة وقوية، مما قد يمنع إجراءات أحادية الجانب من قبل المتحاربين إلا أننا لا يمكن أن نرفض مساهمات المجتمع الدولي والإقليمي، أو نقلل من شأنها، بل نراها حتمية وموضوعية وضرورية. ولكن حتميتها وموضوعيتها وضرورتها هذه لا تستطيع أن تحجب عنا النتائج الضعيفة لهذه المساهمات والتي لم تتخط حاجز عبارات الشجب والإدانة حتى بتنا قاب قوسين أو أدنى من دمغها بإدمان الفشل. انظر إلى اجتماع لندن الدولي الذي عقد في الخامس عشر من هذا الشهر بمشاركة وزراء خارجية وممثلين لكل الدول الكبرى والدول المعنية بحرب السودان بالإضافة إلى الأمم المتحدة، والاتحاد الأفريقي، والاتحاد الأوروبي، وجامعة الدول العربية، ومنظمة الإيقاد، واللجنة الدولية للصليب الأحمر. فالمؤتمر فشل حتى في إصدار بيان ختامي، ولو تكرار لعبارات الشجب والإدانة، وذلك بسبب تضارب الرؤى بين المشاركين حول تفاصيل الأزمة في بلدنا. وأنظر إلى خطاب الاتحاد الأفريقي في المؤتمر والذي تضمن عبارات: لا حسم عسكري وعلى طرفي النزاع التوجه الى المفاوضات، ولن نقف مكتوفي الأيدي، ولا يمكن التسامح مع التداعيات الكارثية للحرب، ولن نسمح بتقسيم السودان، ودعوة كل الأطراف الخارجيه للتوقف عن التدخل في الشأن الداخلي للسودان، وكلها عبارات تكرر الجهر بها كثيرا منذ أن ضمنت في خارطة الطريق التي تبناها الاتحاد في مايو/إيار 2023. أما وسمنا للمجتمع الدولي والإقليمي بإدمان الفشل في التعاطي مع كارثة الحرب في السودان، فليس تحاملا أو تجنيا عليه في ظل اكتفائه، ولمدة عامين منذ اندلاع الحرب، بالخطب ورسم الخطط على الورق وعدم ترجمة ذلك إلى إجراءات عملية قوية لمنع تدفق الأسلحة والذخائر وأجهزة التجسس المتطورة إلى البلاد، ولحماية المدنيين، ولتكثيف المساعدات الإنسانية درءا للمجاعة والأوبئة.
لا أعتقد أن المجتمع الدولي والإقليمي نضب معين طاقته وتدابيره العملية لوقف الاقتتال في السودان. ولكن هناك كوابح عديدة تمنع تفجير هذه الطاقة وتفعيل هذه التدابير العملية، منها تضارب المصالح الذي يدفع الدول الكبرى، قائدة المجتمع الدولي والإقليمي، لإغماض أعينها عن مصدر تدفق الأسلحة ووقود الحرب إلى السودان، ومنها فقر المنهج الذي ظل يتبعه المجتمع الدولي والإقليمي تجاه قضية الحرب، والذي كان محدودًا وضيقًا ومفرطًا في تجنب المخاطر، وغالبًا ما كان خاضعا لنزوات المتحاربين الذين أيضا لاحظوا فقر المنهج هذا وتحايلوا لاحتوائه، ومنها افتقار تحرك المجتمع الدولي والإقليمي إلى استراتيجية قوية وشاملة، كان في إمكانها أن تعزز كتلة مدنية موحدة وقوية، مما قد يمنع إجراءات أحادية الجانب من قبل المتحاربين تضر بوحدة السودان المستقبلية، وذلك حسب ما نشرناه في مقالنا السابق على لسان أحد الخبراء الدوليين، والذي أشار إلى غياب التنسيق الاستراتيجي بين المنظمة الأممية والمؤسسات الإقليمية، باعتبارها تمثل منصات رئيسية لوساطة شفافة مصممة خصيصًا للسياق السوداني، كما أشار منتقدا غياب المشاركة الفعالة للمدنيين السودانيين في هذه الاستراتيجية، رافضا أن يكون هذا الإشراك عشوائيًا أو غير كامل، بل يجب أن يكون جزءًا لا يتجزأ من استراتيجية المجتمع الدولي والإقليمي الشاملة، وركنا أساسيا في أنشطته الأساسية، بما في ذلك تعيين فريق مخصص للتعامل مع السياسيين وقيادات المجتمع المدني.
أخيرا، وبدل أن تحتوي أجندة حراك المجتمع الدولي على عموميات، أو مناشدات وإدانات مكررة بدون أي ردود فعل إيجابية تجاهها، أو مجرد عناوين لما يجب أن يفعل دون توفير تدابير وآليات للشروع العملي في التنفيذ، أن تركز الأجندة على كيفية التنفيذ العملي لثلاث قضايا أساسية: وقف إطلاق النار بدءا بمنع تدفق الأسلحة، تكثيف وتوصيل المساعدات الإنسانية ومنع استغلالها من أي طرف، وحماية المدنيين.
* القدس العربي