موقع 24:
2025-03-31@23:14:22 GMT

أين ذهب الطيبون؟

تاريخ النشر: 29th, March 2025 GMT

أين ذهب الطيبون؟

أثناء قراءتي لكتاب الاعترافات للفيلسوف الفرنسي جان جاك روسو، استوقفني بشدّة تساؤله الموجع: "ألا أجد في كبري من الناس الطيبين الذين عرفتهم في صباي؟"، كان سؤالاً بسيطًا في لغته، لكنه عميق، موجع، ومشحون بحسرة عمرٍ تَبدّل فيه كل شيء، حتى ملامح الوجوه والقلوب.

روسو، في هذا المقطع من كتابه، لا يُعبّر فقط عن حنينٍ إلى الطفولة، بل يُجري تشريحًا نفسيًا واجتماعيًا لواقع الإنسان كلما تقدم به العمر.

يتساءل بألم: هل انقرض أولئك الناس الطيبون؟

ثم يجيب: لا، لم ينقرضوا، ولكنّ الطبقة التي اضطررت أن أعيش فيها اليوم، لم تعُد هي الطبقة التي كنت أجدهم فيها من قبل. وكأن الطيبة لا تختفي، لكنها تختنق في بيئات معينة، وتُمحى معالمها حين تُخضع للقياس الطبقي والاجتماعي.

يعتقد روسو أن الإنسان يُولد طيبًا، نقيًا، يحمل في داخله مشاعر فطرية صافية، لكن المجتمع، بطبقاته ومصالحه وأقنعته، هو ما يُفسد هذه الطبيعة. يقول في موضع آخر من اعترافاته: "لقد ولدتُ كما يولد الناس جميعاً، طيبًا، محبًا، مستعدًا للخير، ولكن الحياة التي عشتها هي التي جعلتني أرى العالم وقد تغيرت ألوانه".

بهذا المنظور، تصبح الطيبة حالة أولى، لا استثناء، لكنها مهددة بالذوبان في دوامات الطموح الاجتماعي، والارتقاء الزائف.

وما يلفت النظر في تأمل روسو، أنه لم يندب فقدان الطيبة بسبب الزمن، بل حمّل مسؤولية ذلك للطبقة الاجتماعية التي وجد نفسه فيها لاحقًا. ففيها، لم يَعُد يُسمع نداء الفطرة، بل يُسمع فقط أصوات المصلحة، والتفاخر، والتصنّع. يقول: "الأحاسيس الفطرية تختنق تمامًا، فلا يعلو سوى صوت المصلحة أو الغرور".  

هنا، يتجلّى العمق الفلسفي لروسو، إذ يرى أن البيئة الروحية للإنسان أهم من بيئته المادية، وأن القيم لا تزدهر في الفراغ، بل تحتاج إلى حاضنة. الطيبة لا تموت، لكنها تحتاج إلى فضاء تتنفس فيه، إلى أناس يُشبهونها ويُؤمنون بها. فإن لم تجدهم، تذبل، ثم تتوارى، وقد تنزوي حتى تنكر ذاتها.

هذا الطرح يُذكّرني بكلمات الأديب الروسي دوستويفسكي، الذي قال: "أطيب الناس هم أولئك الذين لا تُلاحظهم حين يدخلون، لكنك تشعر بفراغ كبير حين يغادرون"،  وكأن الطيبة صفة خفيّة لا تصرخ، لكنها تُحفر في الذاكرة بعمق.

لقد عرّى جان جاك روسو، في بضعة أسطر، وجعًا يعرفه كل من تقدم في العمر قليلاً، ونظر حوله باحثًا عن أولئك الذين كانت قلوبهم تُضيء الحياة بلا مقابل. لم يكونوا مثاليين، لكنهم كانوا حقيقيين، من يفرحون لفرحك، ويحزنون لحزنك، لا لأنهم ينتظرون منك شيئًا، بل لأنهم فقط هكذا… طيبون.

تُرى، هل غاب هؤلاء؟ أم نحن الذين لم نعد نراهم لأننا ارتقينا إلى طبقات لا تصل إليهم؟

هل تخلوا عنا؟ أم نحن من صعدنا في سُلّم الحياة حتى اختنقنا بعلوّنا، وتركناهم خلفنا حيث البراءة والعفوية؟

روسو لا يجيب بمرارة فقط، بل يُحذّرنا: إن أردت أن تظل إنسانًا طيبًا، فاختر بيئتك، واختر من تُصغي إليهم. لأن الطيبة تنجو بالرفقة، وتموت بالعزلة في عوالم المصلحة.

وفي زمنٍ أصبحت فيه الطيبة تُفسَّر على أنها سذاجة، والصدق يُقابَل بالريبة، تبدو كلمات روسو أكثر حضورًا من أي وقت مضى. وكأن صوته يأتي من الماضي ليهمس لنا اليوم بأن الطيبون لا يسكنون القمم ولا يسيرون تحت الأضواء، بل يختبئون في الأزقة الهادئة من الحياة، حيث يُزرع الحب بصمت، وتُسقى القلوب بنُبل لا يراه أحد.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: وقف الأب رمضان 2025 عام المجتمع اتفاق غزة إيران وإسرائيل عيد الفطر غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية

إقرأ أيضاً:

الرئيس عباس يوجه كلمة للشعب ويخص غزة فيها

وجه الرئيس الفلسطيني محمود عباس ، مساء السبت 29 مارس 2025 ، كلمة للشعب الفلسطيني بمناسبة حلول عيد الفطر المبارك ، وخص قطاع غزة فيها.

وخص الرئيس عباس في كلمته قطاع غزة قال فيها :" : صبرا أيها الأبطال.. صبرا أيها الصامدون المكلومون.. صبرا آل ياسر.. صوتكم يملأ الدنيا بأسرها.. صوتكم يملأ عقولنا وقلوبنا، ويشحذ هممنا نحو آفاق المستقبل الزاهي بإذن الله، وقريبا سنكون معا تحت راية دولتنا الواحدة الحرة الكريمة وعاصمتها القدس المباركة".

نص كلمة الرئيس عباس

بسم الله الرحمن الرحيم

"يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون".

يا أبناء شعبنا العظيم

أبها المرابطون في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس، أيها الفلسطينيون الأعزاء في كل مكان.

أتوجه إليكم في هذا اليوم، ونحن نستقبل عيد الفطر المبارك، الذي تختلط فيه مشاعر الفرح بأداء ركن الصيام بمشاعر الحزن والألم والغضب بسبب ما يتعرض له شعبنا وبلادنا من عدوان إسرائيلي همجي يستهدف اجتثاثنا من وطننا المقدس، وتصفية قضيتنا الوطنية التي تتخضب بدماء شهداء شعبنا من الأطفال والنساء والرجال الذين تغتالهم آلة العدوان الإسرائيلي، في قطاع غزة الحبيب، والضفة الغربية الصامدة، والقدس العاصمة الأبدية ومقدساتها الإسلامية والمسيحية.

إن قضيتنا الوطنية المقدسة التي مر عليها ما يزيد عن قرن من الزمان ستظل حية بصمود أبناء شعبنا العظيم في وجه مخططات الاحتلال وعدوانه المستمر، رغم كل ما نتكبده من خسائر وآلام ومعاناة، ونحن واثقون بأن الفصل الأخير في هذه المعاناة سوف تكتبه سواعد الصامدين الصابرين المرابطين في أرض الإسراء والمعراج المباركة، هذه الأرض التي كانت تسمى فلسطين، فصارت تسمى فلسطين، وستبقى تسمى فلسطين، شاء من شاء وأبى من أبى، "ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز".

أيها الشعب الفلسطيني العظيم

نحن لسنا طلاب حرب، ولا نعشق المعاناة والألم، نحن شعب يحب الحياة ويتوق إلى الحرية، ويدافع عن الكرامة والوطن.. كنا كذلك دائما.. وسنبقى كذلك أبدا، ولقد طرقنا كل الأبواب، وسلكنا كل السبل من أجل تحقيق سلام عادل وشامل، لكننا لا نجد شريكا نحقق معه هذه الغاية النبيلة المستندة إلى القانون الدولي والشرعية الدولية.

نعم، نحن نسعى للسلام ولكننا نرفض الاستسلام، وسنظل ثابتين في أرضنا، صامدين في وطننا، رغم كل الصعاب التي نعيشها.. رغم الحصار والعدوان والتجويع ومؤامرات التهجير، وسوف ننتصر بإذن الله، "ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريبا".

وأود في ختام حديثي هذا أن أوجه كلمة خاصة إلى غزة.. إلى أهلها الصامدين رغم الجراح والعدوان والإرهاب.. إلى أطفالها الذين أرى في عيونهم البريئة مستقبل فلسطين الحرة العزيزة، أقول لهم جميعا: صبرا أيها الأبطال.. صبرا أيها الصامدون المكلومون.. صبرا آل ياسر.. صوتكم يملأ الدنيا بأسرها.. صوتكم يملأ عقولنا وقلوبنا، ويشحذ هممنا نحو آفاق المستقبل الزاهي بإذن الله، وقريبا سنكون معا تحت راية دولتنا الواحدة الحرة الكريمة وعاصمتها القدس المباركة.

الغمة ستزول.. الدولة ستقوم.. الاحتلال سيرحل، "ويومئذ يفرح المؤمنون بنصر الله".

تحية لغزة العزيزة، تحية للقدس المباركة، تحية للضفة الصامدة، تحية لشعبنا في كل مكان.

وكل عام وأنتم بخير.

المصدر : وكالة سوا اشترك في القائمة البريدية ليصلك آخر الأخبار وكل ما هو جديد المزيد من آخر أخبار فلسطين الحية : حماس وافقت على مقترح جديد للتهدئة تسلمته من الوسطاء استشهاد شاب من طمون متأثرا بإصابته برصاص الاحتلال الرئيس عباس يهنئ الشعب الفلسطيني بحلول عيد الفطر الأكثر قراءة سعر صرف الدولار والدينار مقابل الشيكل اليوم الأحد بالفيديو: الجيش الإسرائيلي يعلن اعتراض صاروخ أطلق من اليمن إسرائيل تشنّ "موجة ثانية" من الضربات على لبنان رداً على إطلاق صواريخ الاحتلال يحاصر عددا من مركبات إسعاف الهلال الأحمر وفقدان الاتصال معهم برفح عاجل

جميع الحقوق محفوظة لوكالة سوا الإخبارية @ 2025

مقالات مشابهة

  • رئيس محكمة الجنايات ناعيا الأنبا باخوميوس مطران البحيرة: وداعا للروح الطيبة
  • وداعا للروح الطيبة.. المستشار سامح عبد الحكم ينعى نيافة الأنبا باخوميوس
  • أستاذة أرفود التي تعرضت لهجوم همجي بين الحياة والموت
  • هكذا يمكن مساعدة الفلسطينيين الذين يتحدون حماس
  • الرئيس عباس يوجه كلمة للشعب ويخص غزة فيها
  • أوقات منهي عن الصلاة فيها .. تعرف عليها
  • نقل الأسرى من أبناء الجزيرة الذين تم تحريرهم لمستشفيات القطينة
  • صحيفة أميركية: الجولة الأولى من ضربات ترامب أضعفت الحوثيين لكنها لم تدمرهم
  • وداعاً لإعادة الشحن.. بطارية نووية تعمل مدى الحياة