تحدد خيارات الجيش السوداني في المرحلة المقبلة حالة وطبيعة الصعاب التي يواجهها على الصعيدين العسكري والسياسي
ملخص
بطبيعة الحال ستستمر المعارك ذات الطابع الاستخباري بين الطرفين في المرحلة المقبلة، إذ سيسعى الجيش إلى تجريد "الدعم السريع" من مقدراته الاقتصادية وخصوصاً مناجم الذهب.
تشكل خطوة السيطرة على الخرطوم من جانب القوات المسلحة السودانية، خطوة مهمة تحدد في ما يبدو مسارات التفاعلات السودانية السياسية والعسكرية على المديين القصير والمتوسط، إذ ستكون المسارات المختارة لهذه التفاعلات هي ما سيشكل مستقبل ومصير الدولة السودانية.
طرح الوضع الميداني الراهن
ونجد أنه من المهم طرح الوضع الميداني الراهن، باعتباره مؤشراً لقدرات الطرفين على الصعيدين العسكري والاستخباري، وهي الأمور المحددة لاتجاهات المشهد السوداني خلال المرحلة المقبلة، ذلك أن من الأهمية بمكان رصد قدرة الجيش على تفخيخ مسارات "الدعم السريع"، خلال العام الماضي، عبر فتح شهية الأخيرة على التوسع الميداني في مناطق جديدة خصوصاً في شرق ووسط السودان، بعد أن كان انسحاب الحاميات العسكرية التابعة للجيش من هناك يثير عدداً من التساؤلات. وأسهمت هذه العملية الناجحة في الإخلال بسلسلة القيادة والسيطرة لدى "الدعم السريع"، وكذلك التوسع في ممارسة الانتهاكات ضد المدنيين، فتخلخلت النواة العسكرية الصلبة لـ"الدعم السريع" خصوصاً بعد تحول ولاءات بعض القادة العسكريين ضدها لصالح الجيش، كما تضخمت الحاضنة الشعبية للجيش باعتباره المنقذ.
ووفرت السيطرة على سلاح المدرعات والقيادة العامة وبقية وحدات الجيش وألويته بالخرطوم في تدفق الإمداد القتالي له، مما أسهم في تتويج نصر الجيش بالسيطرة على القصر الجمهوري والمطار وبقية مناطق العاصمة الخرطوم.
الانتصار أسهم في انسحاب "الدعم السريع" على عجل
هذا الانتصار أسهم في انسحاب "الدعم السريع" على عجل من غالبية الجيوب الباقية تحت سيطرتها في العاصمة السودانية، في مشهد لافت يحتمل عدداً من التأويلات.
وبطبيعة الحال ستستمر المعارك ذات الطابع الاستخباري بين الطرفين في المرحلة المقبلة، إذ سيسعى الجيش إلى تجريد "الدعم السريع" من مقدراته الاقتصادية وخصوصاً مناجم الذهب، وذلك لن يكون إلا بالتواصل مع دولة الإمارات، إذ تتم هندسته في إطار صفقة تبادل منافع، وقد يكون هذا التواصل عبر وسطاء في المرحلة الأولى في ضوء التصعيد الراهن من جانب وزير الخارجية السوداني ضد أبوظبي.
في المقابل فإن "الدعم السريع" ستسعى إلى استثمار التنوع وأوجه الخلاف في التحالف المساند للجيش من فصائل الحركات المسلحة، وكذلك التباين في صفوف الجيش نفسه بين من هم محسوبون على النظام السابق من الإسلاميين، وبين قادة الجيش من المهنيين والموالين غالباً لوزير الدفاع الفريق عبدالفتاح البرهان، على أن فرص الجيش في تحقيق نجاحات استخبارية ضد "الدعم السريع" ستكون أعلى بطبيعة القدرات المتراكمة لدى المؤسسة العسكرية من جهة، والدعم الذي يحصل عليه من المحيط الخارجي باعتباره ضامناً لعدم انهيار الدولة ذات الموقع الجيوليتيكي الحساس.
وعلى رغم هذا التمايز لصالح الجيش فإن تحرير الخرطوم العاصمة التاريخية والسياسية للسودان لا يعني انتهاء التحديات العسكرية على كامل التراب السوداني والماثلة أمام الجيش حالياً، ذلك أن سلاح المسيرات التابعة لـ"الدعم السريع" ما زال ناجعاً ومؤثراً على رغم تصدي الجيش له في معظم الحالات، إذ نجحت قوات "الدعم السريع" في إبراز أن فاعليتها العسكرية ما زالت باقية عبر نجاحها في شن هجوم بالطائرات المسيرة على مناطق في شمال البلاد بعد إعلان تحرير الخرطوم، كما سيطرت على مدينة المالحة الاستراتيجية في شمال إقليم دارفور، وعلى قلعة جبل عيسى بالمثلث الحدودي السوداني مع كل من ليبيا وتشاد.
وبسطت قوات "الدعم السريع" أيضاً سيطرتها على بلدة لقاوة الاستراتيجية في ولاية جنوب كردفان، وكبدت الجيش خسائر فادحة، واستولت على 11 مركبة قتالية بكامل عتادها الحربي بما يشكله ذلك من قدرة للسيطرة على إقليم كردفان، في ضوء التحالف مع عبدالعزيز الحلو المسيطر على جبال النوبة في جنوب كردفان.
ما التحديات أمام الجيش؟
تحدد خيارات الجيش السوداني في المرحلة المقبلة حالة وطبيعة التحديات التي يواجهها على الصعيدين العسكري والسياسي طبقاً للفرضيات التالية:
أولاً: إذا اتجه الجيش السوداني لفتح قنوات تواصل مع دولة الإمارات، وذلك بعد أن حقق نصراً يدعم وزنه على الصعد العسكرية والشعبية، فإن هذا الخيار يرجح التأويلات التي تشير إلى أن انسحاب قوات "الدعم السريع" جاء تطبيقاً لصفقة تمت تحت الطاولة، وبالتالي سيتم التفاوض على الحجم المسموح لـ"الدعم السريع" في إقليم دارفور، مما يمهد لصراعات مسلحة هناك ستؤثر في الفصائل الدارفورية المتحالفة مع الجيش من ناحية، كما ستؤثر في التفاعلات الداخلية في دولة تشاد من ناحية أخرى.
ثانياً: إذا اتجه الجيش السوداني إلى تأجيل خطوة إعلان حكومة مدنية، وسعت القوات المسلحة السودانية نحو بلورة مناهج المصالحة الوطنية، وإسقاط التهم عن كثيرين من الفاعلين السياسيين، وكذلك العمل على توسيع المجال لعملية سياسية تتضمن مختلف الأطراف السياسية، وبالتالي تكون خطوة إعلان الحكومة متوافقاً عليها، ومحل ترحيب واعتراف داخلي وخارجي، فإن هذه الخطوة من شأنها أن تحرم "الدعم السريع" من القدرة على تكوين حكومة موازية في دارفور، وتحجم من قدرات الفعل السياسي في المشهد السوداني للأطراف الخارجية خصوصاً الداعمة لـ"الدعم السريع".
فرص ومكاسب
تشكل سيطرة القوات المسلحة السودانية على الخرطوم في ظل حاضنة شعبية متنامية، ودعم إقليمي من جانب السعودية التي يزور وفد منها السودان حالياً، ومصر التي أعلن وزير خارجيتها بدر عبدالعاطي أنها تدعم مؤسسات الدولة السودانية، الفرص التالية على المستوى القصير، منها التخلص من الأعباء السياسية المترتبة على التحالفات العسكرية التي تمت من جانب الجيش خلال المعارك الماضية للحصول على نواقص سلاح المشاة، وكذلك القدرة على إدماج هؤلاء جميعاً في عملية سياسية شاملة تتضمن أطرافاً أخرى، مما يعني تراجع قدرة حلفاء الجيش على ابتزازه.
أما على المستوى المتوسط فإن هناك فرصاً لإعادة تشكيل الجيش القومي تحت مظلة الحاضنة الشعبية الموالية، عبر هندسة عمليات دمج للفصائل المسلحة من أنحاء السودان كافة تكون مدروسة وناتجة من حوارات مع أطرافها، فضلاً عن بروز فرص للقوى السياسية السودانية من مختلف الاتجاهات لإعادة بناء قدراتها وترميم انقساماتها، بما يؤهلها للعب دور في بلورة عملية سياسية شاملة تتيح مصالحة وطنية تدشن استقرار السودان، وتوفير بيئة سياسية عادلة ومتساوية لمختلف الأطراف تتيح عملية انتخابية نظيفة تكون فوق مستوى الشبهات وتؤسس لشرعية سياسية متوافق عليها.
أما على المستوى الاستراتيجي فإن رتق النسيج الاجتماعي السوداني المتهلهل الذي عمقت انقساماته المعروفة تاريخياً هذه الحرب، هو الهدف الضامن لاستمرار دولة السودان طبقاً لحدوده الحالية، عبر مداخل متعددة ومتوازية، منها المداخل التنموية والثقافية والإعلامية المقدرة لإنسانية البشر بغض النظر عن تنوعهم.
إجمالاً إن التحدي الوجودي الذي يواجه السودان حالياً يستدعي من القوات المسلحة السودانية إدراك أن لحظة النصر ليست فرصة لمغانم بقدر ما هي مسؤولية وطنية تاريخية، وعلى صعيد فإن هناك مسؤولية كبرى تقع على عاتق القوى السياسية السودانية في نبذ الحالة الثأرية والاستقطابية بين أطرافها، إذ لا بد أن يرتفع الجميع لمستوى التحدي الوجودي الراهن حتى لا يعود السودان للمربع صفر.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: القوات المسلحة السودانیة فی المرحلة المقبلة الجیش السودانی الدعم السریع من جانب
إقرأ أيضاً:
أم درمان تتنفس الصعداء.. أول عيد فطر بعد تحرير الجيش السوداني للعاصمة الخرطوم
احتفل السودانيون في أم درمان الأحد، بأول أيام عيد الفطر المبارك وسط مشاعر مختلطة بين الفرحة والأمل، وذلك بالتزامن مع تقدم الجيش السوداني وسيطرته على العاصمة الخرطوم وتحريرها من قبضة قوات الدعم السريع.
وأدى المصلون صلاة العيد قرب مسجد لا يزال يحمل ندوب المعارك، حيث ارتفعت هتافات "الله أكبر" في جو جمع بين الفرحة والأمل بعودة السلام.
وقال عماد الدين حسن أحد المصلين: "فرحتنا مضاعفة بنصر الجيش وإمكانية عودة النازحين لديارهم".
ووصف النازحون العيد هذا العام بأنه "استثنائي"، حيث قال صلاح مختار الذي نزح من الخرطوم: "جاء العيد ونحن نرى نور السلام بعد عامين من الظلام".
واحتفلت مناطق واسعة من العالم الإسلامي بانتهاء شهر رمضان وبداية عيد الفطر يوم الأحد، بينما تحتفل دول أخرى بالعيد يوم الاثنين.
يأتي العيد مصحوبا بمشاعر الفرح والسرور، حيث يحتفل به من خلال صلاة الجماعة ونشاطات تشمل غالبًا الزيارات العائلية، التجمعات، النزهات، وارتداء الملابس الجديدة.
Relatedهزائم متلاحقة لعناصر الدعم السريع في السودان.. أي مصير ينتظر قوات حميدتي؟انعطافة ميدانية في الصراع السوداني: الجيش يقترب من الحسم في العاصمةالجيش السوداني يعلن السيطرة على العاصمة الخرطومومن جانبه، قال صلاح مختار، النازح من مدينة الخرطوم إلى أم درمان: "جاء العيد هذا العام استثنائيًا، لا سيما بعد عامين من الحرب وتحرير الخرطوم".
ودمرت الحرب في السودان، التي اندلعت بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع عام 2023، العاصمة ومدنًا حضرية أخرى في جميع أنحاء البلاد. هذا وأودت بحياة أكثر من 28 ألف شخص وأجبرت الملايين على النزوح من ديارهم.
وعزز الجيش السوداني قبضته على العاصمة الأسبوع الماضي، واستعاد المزيد من المباني الحكومية الرئيسية، بعد يوم من سيطرته على القصر الجمهوري.
Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية رمضان في إندونيسيا: إقبال كثيف على الأسواق الشعبية قبيل العيد عيد الفطر على وقع الانقسام بين الدول: مواعيد متعددة والجدل يحتدم عيد بلا بهجة.. غزة تحيي عيد الفطر تحت القصف وبين الدمار والجوع قوات الدعم السريع - السودانعبد الفتاح البرهان صوم شهر رمضانعيد الفطر