موقع أمريكي: مصر وإثيوبيا والنيل.. الأزمة تتسع ويجب التدخل سريعا
تاريخ النشر: 24th, August 2023 GMT
أطلق موقع "بوليتيكس توداي" الأمريكي جرس إنذار متجدد من التصاعد المحتمل للتوترات في "الصراع المعقد" بين مصر وإثيوبيا على نهر النيل، كل منهما مدفوع باحتياجاته وتطلعاته، مطالبا العالم بالتحرك لأنه من غير المرجح أن تتزحزح القاهرة وأديس أبابا لأن كليهما يريدان الأفضل لمستقبلهما من النهر، لكنهما منفتحين على أي بديل مناسب لهذا المأزق.
ويقول التحليل الذي كتبته التركية شيمانور ملايم، المتخصصة في العلاقات الدولية، إن مصر وإثيوبيا لا تريدان تقاسم النيل بشكل حقيقي، فالمصريون لا يستطيعون العيش بدونه، والإثيوبيون يجتاجون سد النهضة بشدة من أجل التنمية.
وعلى مر التاريخ، كان لمصر ارتباط عميق بالنيل، حيث تتكون البلاد من أكثر من 90% من الصحراء، ويطلق على نهر النيل لقب "هبة الآلهة".
وفي الوقت نفسه، تحتاج إثيوبيا إلى مياه النيل لملء سد النهضة ومساعدة البلاد على تعزيز اقتصادها، لا سيما أن أكثر من 60% من إثيوبيا غير متصل بشبكة الكهرباء، وهو أمر تريد الحكومة تغييره عبر الانتهاء من تشييد سد النهضة الذي سيولد أكثر من 5000 ميجاوات من الكهرباء، مما يضاعف إنتاج البلاد من الكهرباء عند اكتماله بالكامل.
وفي مارس/آذار 2021، حذر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي من أنه ستكون هناك عواقب إقليمية وخيمة إذا تأثرت إمدادات المياه في مصر بسبب السد العملاق للطاقة الكهرومائية الذي بنته إثيوبيا.
اقرأ أيضاً
خبير: مصر ستفقد 12 مليار متر مكعب من حصتها بمياه النيل العام الجاري
وفي 12 أغسطس/آب 2022، أكملت إثيوبيا الملء الثالث للسد، وفي 9 يوليو/تموز 2023، أرجأت إثيوبيا المرحلة الرابعة إلى سبتمبر.
وفي الأصل، كان من المقرر إجراء الملء الرابع للسد في أوائل أغسطس، لكن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد قال إن "الملء هذا العام سيتم بشكل مختلف عن الجولات الثلاث السابقة من خلال إجراء الملء بطريقة تخفف مخاوف السكان المجاورين".
ما سبب أزمة مياه النيل؟وتعاني مصر من أزمة مياه ناجمة عن تزايد عدد السكان ومحدودية إمدادات المياه، حيث تمتلك البلاد كميات أقل من المياه للشخص الواحد كل عام، وهي بالفعل أقل من عتبة الفقر المائي التي حددتها الأمم المتحدة.
وبحلول عام 2025، تتوقع الأمم المتحدة أن تقترب مصر من "أزمة مياه مطلقة".
ويؤدي تغير المناخ، وسوء إدارة المياه، وحالات الجفاف المتكررة، والسد الإثيوبي الجديد للطاقة الكهرومائية على نهر النيل، إلى تفاقم أزمة المياه في البلاد.
ويمثل الاعتماد على نهر النيل فقط تحديًا متزايدًا في التخفيف من ندرة المياه في مصر.
ويبلغ عدد سكان مصر الآن أكثر من 109 ملايين نسمة، ومن المتوقع أن يتضاعف عدد سكان مصر في غضون 50 عامًا، ما فاقم الأزمة المائية، فلجأت القاهرة لحلول أخرى، مثل تقليل زراعة الأرز، الذي يستهلك كميات كبيرة من المياه، رغم أنه ضيف دائم على الموائد المصرية، لتتحول مصر من مصدر إلى مستورد له.
اقرأ أيضاً
من الصراع الدبلوماسي إلى التفاهم.. هل تصل مصر وإثيوبيا لاتفاق بشأن سد النهضة؟
تحلية مياه البحرأيضا بدأت مصر تشييد محطات لتحلية مياه البحر، وفي هذا الإطار، بدأت محطة تحلية مياه البحر في المنصورة الجديدة عملياتها مؤخرًا.
ويعد المشروع جزءًا من المرحلة الأولى من استراتيجية مصر التي تهدف إلى بناء 21 محطة لتحلية مياه البحر من شأنها تقليل استخراج المياه من نهر النيل.
وستكون محطات تحلية المياه المقترحة قادرة على تزويد الدولة التي تعاني من ضغوط مائية بكمية إضافية تبلغ 3.3 مليون متر مكعب في اليوم من المياه التي يمكن استخدامها لري المحاصيل أو لإمدادات المياه العامة.
وبمجرد الانتهاء من المرحلة الثانية، من المتوقع أن تزيد المحطات من قدرة تحلية المياه في البلاد بمقدار 8.8 مليون متر مكعب في اليوم بتكلفة إجمالية قدرها 8 مليارات دولار.
اقرأ أيضاً
زيادة غير مسبوقة في تجارة مصر مع دول حوض النيل.. هل هي استراتجية لاحتواء أزمة سد النهضة؟
نقص الكهرباءأما في إثيوبيا، فيعاني المواطنون من نقص الكهرباء، ويأملون في علاج ذلك بسد النهضة.
علاوة على ذلك، فإن استكمال سد النهضة سيعزز اقتصاد أديس أبابا من خلال تصدير الكهرباء.
ومع ذلك، فإن دولًا مثل مصر، التي تقع في نهاية المسار الذي تتلقى فيه المياه، تشعر بالقلق من عدم وجود ما يكفي من المياه للبقاء على قيد الحياة.
وتقول الكاتبة: لقد اعتمد المصريون دائمًا على النيل من أجل بقائهم، وفي الوقت نفسه، اكتمل بناء سد إثيوبيا حاليًا بنسبة 90%، وعقدت العديد من الاجتماعات والاتفاقيات والمناقشات بين إثيوبيا ومصر والسودان دون أي اتفاقات متبادلة.
وتختتم: من غير المرجح أن تتزحزح مصر وإثيوبيا لأن كلا البلدين يريدان الأفضل لمستقبلهما، ومن ناحية أخرى، يريد المصريون والإثيوبيون بديلاً مناسباً للمأزق، وكلما أسرعنا في ذلك المضمار كان ذلك أفضل.
المصدر | شيمانور ملايم / بوليتيكس توداي - ترجمة وتحرير الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: سد النهضة مصر إثيوبيا نهر النيل الجفاف تحلیة میاه البحر على نهر النیل مصر وإثیوبیا سد النهضة المیاه فی من المیاه أکثر من
إقرأ أيضاً:
كيف زيِّفت أوروبا ذاتها الحضارية؟!
••هل تنهض المجتمعات لخصائص ثقافية متأصلة فيها أم يعود الأمر لسبب آخر؟ إن هذا السؤال يحتل موقعاً مركزياً في البحوث الاجتماعية المعاصرة، ويراد به فحص الجدل الدائر حول أسباب النهضة والتقدم الاجتماعي، ولعل طرحه يعود لفترة أقدم حين اطمئن علماء الأنثروبولوجيا إلى فرضية علاقة القيم الثقافية بقضية النهضة في الحياة الاجتماعية من مناحيها كافة، فالبعض منهم وضع شرطاً أساسياً لتركيز عمليات النهضة، وهو تحصيل التعليم وبناء المؤسسات، ولكن أكبر انعطافة هددت وثوقيات الاجتماعيين حول دور القيم الثقافية واعتبارها المرتكز الأساس في نهضة الشعوب، كانت على يد جاك غودي (توفي 2015م) الأنثربولوجي الإنجليزي والمحاضر الأشهر في جامعة كمبريدج، وغودي ومنذ الستينيات حين أصدر كتابه «محو الأمية في المجتمعات التقليدية «1968م» استطاع هدم الأساس الذي تقوم عليه المركزية الأوروبية ابتداءً من عصر النهضة وحتى الآن، وهي فرضة تشدد على أن ثمة خصائص «أوروبية بالطبع» موروثة من الحضارات اليونانية واللاتينية ثم من الأديان يهودية ومسيحية كلها هي التي مكَّنت لهذا الغرب من إنجاز عمليات النهضة، وما أعاق هذه العمليات في المجتمعات الأخرى هو فقدانها هذه الخبرة الثقافية المستندة إلى العقلانية والتي تنتشي فيها روحانية الشرق، وبذا فإن العالم الغربي تقدم لأنه صنع تاريخاً علمياً تسنده قيم ثقافية مكتسبة من سياق معرفي خاص، هو سياق الذات الغربية من اليونان وحتى عصر التنوير لينتج نهضةً ثقافية شاملة، أما غودي فإنه يقف على النقيض من ذلك تماماً، ويرى أن هذه السردية معرضة دائماً إلى التزوير وطغيان الأنا أكثر منها حقيقة اجتماعية، ليقول في تحليله أن تقدم جزء من العالم في الوقت الذي يتزامن معه ركود في أجزاء أخرى لا يعود إلى الخصائص الثقافية المتأصلة في طرف وغائبة في آخر، بل إن مسألة التقدم خاضعة وباستمرار لديناميكيات يمكنها أن تتوفر وفق عمليات مستمرة من التحديث الذاتي.
•وغودي نشر في العام 2007م كتابه «سرقة التاريخ» وهو بيان متماسك عن الكيفية التي استطاعت بها أوروبا أن تنسب لنفسها تراثاً علمياً لا يخصها بالدرجة الأولى، بل الأمر يشبه «السرقة» وأنها بموجب هذا التراث المركب بعنف التدوين بنت عليه قيماً إنسانية، قالت أنها أوروبية، أوروبية فقط، ويشير غودي إلى أن هذه المركزية أجبرت بقية العالم على ارتداء أقنعة تفكير لا تبصر معالم للتقدم إلا من وجهة نظر غربية في الأساس، واستمراراً في مشروعه صدر كتابه «الشرق في الغرب» والذي يعد نظرية في فضح الإدعاء الغربي بامتلاك العالم وصناعته بل وصياغة قيمه بشكل أحادي ومطلق، وقد صدر هذا الكتاب في نسخته العربية بترجمة محمد الخولي، والحقيقة أنه لا عذر لمن يشتغلون في المسألة الاجتماعية متخصصون ومهتمون من الإطلاع عليه ودراسته ونقده، وذلك للفائدة العظمى، ليس فقط كونه يفضح عمليات التنهيب التي مارستها أوروبا على العالم، وكيف صنعت أقانيم خالدة تحط من قدر كل ما هو غير أوروبي، بل الفائدة الأكبر تعود إلى كونه منجز محكم التأسيس قوي الحجة، ولدقة أحكامه فإنه يطرح التساؤل حول، متى أصبح الأوروبيون على وعي بتفوقهم بالنسبة إلى سائر الأمم؟» وفي إجابته عن هذا السؤال يقدم لنا مادة تحليلية عميقة وذات تكوين متسق يفسر بها بعض المقولات التي صنعت هذا التمايز، بل ويقوم بتفكيكها بشكل منهجي عظيم. ويستمر الرجل في هدم التصورات الأوروبية حول مركزية الغرب ضد الشرق، ويرى أن حضارات أوروبا وآسيا نشأتا من أصل واحد، بل ويرى في منجزات الفكر السياسي الأوروبي المرتبط بتطور ظاهرته الاجتماعية كونها استندت على ترسانة فكرية هي أسس عمليات التطور الاقتصادي، فإنه يرى من ضمن مقولاته الهادمة لخديعة الغرب بأن الديموقراطية ليست صناعة غربية، فهو يرى أنه إذا كان القرن الخامس عشر هو بدايات هيمنة أوروبا على العالم، وهي هيمنة أفصحت عن نفسها بمقولة رئيسة وهي أن الشرق المتخلف يحتاج إلى النهضة، والتي لن تتم إلا على يد الغرب، فإن وسم الشرق بالتخلف لا يعدو إلا عملية احتيال ممتازة العرض، فالصين ظلت البلد الأقوى في صناعة البارود منذ زمن بعيد، وهي الصناعة التي مكنت لأوروبا التوسع وغزو العالم، ولولا البارود الصيني لما استطاعت القيام بهذا الكم من عمليات الغزو لعدد من البلدان، وهو هنا يشتبه بقوة في رواية التقدم الغربية تلك التي صنعت لنفسها مساراً خطياً يبدأ من بترارك «فرانشيسكو، أحد أعمدة التفكير الإنساني في عصر النهضة» وحتى ديكارت صاحب نظرية الشك وقواعد المنهج، ويرى الأمر مجرد خدعة، فكونها «أوروبا» اعتمدت في نهضتها على بناء أسطوريتها القومية، هي تلك التي استعادت اليوناني وأدمجته في ذاتها الاجتماعية لتقول بثبات عمليات النسب الحضاري فيها، والرجل محق فالأمر ليس إبداعاً أوروبياً فالحقيقة أن عمليات استثمار الماضي هي دينامية مستقرة في أي بناء اجتماعي متحرك.
•لقد تركز نقد غودي على «عصر النهضة» أو بالأدق على الجانب المظلم في هذه السردية، وأن الأمر ليس كما تعرضه المركزية الغربية وهي تبشر بحداثتها إبان عصر التنوير، وأنه لا صحة لهذه السردية القائلة بتواصل عمليات الانتقال الحضاري منذ اليونان وحتى إيطاليا النهضة، بل يرى أنها فترات عاشت فيها الذات الحضارية الأوروبية انقطاعاتها الكبرى، فسقوط الإمبراطورية الرومانية، وبدأ اعتناق شعوبها المسيحية، ثم ظهور عهد الإقطاع وما تلاه من تطور في الاقتصاد السياسي فإنه لا يمكن والحال كذلك أن نطمئن لوجود منظومة قيم ثقافية هي سبيل لأوروبا للحصول على التفوق الحضاري دون غيرها من الأمم..
•إن جملة المناقشات حول الغرب والشرق ظلت خامدة ودون تأثير إلى أن قام جاك غودي وبفضل قدراته استخدام مناهج التحليل التاريخية والتجريبية والمقارنة في علم الاجتماع من فتح مسارات جديدة لفهم هذه العلاقة، نعم هو يريد الذات الغربية محل للدرس، وليس الآخر، فالآخر يظل انعكاس لعمليات التحليل عنده، ولذا فإن سجالات النهضة العربية لن تفلح في بناء حقائقها دون الوقوف الجاد على جدل النهضة والتقدم في الكتابة الغربية، وغودي هو أحد أهم الأمثلة المنتجة لفهم جديد في سياق علاقات الغرب والشرق، بل إن حتى الفضاء السياسي الذي يصر على احتقاب نظرة متعالية ضد كل ما هو شرق، وبالتالي عربي هو الآخر فضاء يقوم على بنية معرفية أهم ملامحها الخديعة بوجود تفوق وامتياز غربي مطلق كونه عقلاني النزعة، ضد تخبط وتراجع مستمر لشرق عاطفي التوجه، والدعوة هنا أن نبنى فضاءً تداولياً بين المعرفي في الغرب والشرق، لا أن نكتفي بالصدى دون فهم حقيقي لجذور الوعي الغربي، حينها فقط ستكون أشغالنا مستقلة وليست مجرد ردود أفعال مكتومة.
غسان علي عثمان كاتب سوداني