عيد الفطر في مصر.. بين طقوس الاحتفال ومعادلات السياسة والمجتمع
تاريخ النشر: 29th, March 2025 GMT
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
يُعدّ العيد ظاهرة اجتماعية متجذرة في الوجدان المصري، حيث يمثل مساحة زمنية خاصة تحتفي فيها المجتمعات بالتواصل والتكافل وإعادة إحياء الروابط العائلية. في مصر، يأخذ عيد الفطر طابعًا احتفاليًا مشتركًا بين جميع الطبقات الاجتماعية، لكنه يعكس أيضًا الفوارق الطبقية من خلال أنماط الاحتفال المختلفة.
العيد ليس مجرد مناسبة دينية، بل هو مساحة زمنية لتعزيز التلاحم الاجتماعي. فمنذ العصور الإسلامية المبكرة، وحتى يومنا هذا، يشكل العيد فرصة استثنائية للتواصل العائلي، حيث تكثر الزيارات بين الأقارب، وتجتمع العائلات حول موائد الطعام في أجواء ودية. ووفقًا لما أشار إليه ابن خلدون في مقدمته، فإن المناسبات الاجتماعية الكبرى، مثل الأعياد، تسهم في تجديد روابط العصبية والتضامن بين الجماعات، حيث تخلق لحظات من التوافق والاحتفال الجماعي تُعيد إنتاج قيم المجتمع التقليدية (ابن خلدون، المقدمة، 1377م). وفي السياق المصري، يظل العيد وسيلة لإحياء الصلات العائلية حتى في ظل التفكك الذي تشهده بعض المجتمعات الحضرية الحديثة، حيث تصبح هذه المناسبات فرصة ضرورية لتعويض البعد الاجتماعي الناتج عن ضغوط الحياة المعاصرة.
شهدت الاحتفالات بالعيد في مصر تحولات اجتماعية كبيرة بين الماضي والحاضر، متأثرة بعوامل عدة، أبرزها التحضر والتغيرات الاقتصادية والتكنولوجيا. ففي الماضي، كانت الاحتفالات بالعيد تأخذ طابعًا أكثر تقليدية، حيث يخرج الجميع إلى المساجد والساحات الكبيرة لأداء الصلاة، ثم يتجمعون في البيوت لتناول الإفطار الجماعي وتوزيع العيديات. أما اليوم، فقد أصبحت المظاهر الاستهلاكية تهيمن على الاحتفال، حيث تحولت العيديات إلى تحويلات رقمية عبر التطبيقات البنكية، وبدأت العائلات في استبدال اللقاءات التقليدية بالخروج إلى المولات التجارية والمطاعم الفاخرة. ويرى عالم الاجتماع زيجمونت باومان أن هذه التغيرات تعكس ظاهرة "الحداثة السائلة"، حيث تتغير القيم والأنماط الاجتماعية بسرعة، مما يجعل العيد يتحول من مناسبة اجتماعية للتلاحم إلى موسم استهلاكي تُهيمن عليه الدعاية التجارية.
ورغم هذه التحولات، فإن بعض الطقوس العيدية التقليدية لا تزال صامدة، مما يعكس قدرة المجتمع المصري على الاحتفاظ بجذوره الثقافية مع التكيف مع المستجدات. فعلى سبيل المثال، لا يزال إعداد كعك العيد في المنازل طقسًا أساسيًا في كثير من العائلات، حتى مع انتشار المخابز التي توفره جاهزًا. كما أن ظاهرة توزيع العيديات للأطفال لا تزال مستمرة رغم تغير شكلها، مما يدل على أن العيد ليس مجرد مناسبة زمنية تتغير مع الزمن، بل هو جزء من "الذاكرة الجمعية"، وفقًا لما يصفه موريس هالبواكس، حيث يستمر المجتمع في إعادة إنتاج الطقوس والتقاليد بصيغ مختلفة ولكن بروحها الأصلية نفسها.
البعد التاريخي لاحتفالات العيد في مصراحتفلت مصر بعيد الفطر عبر العصور المختلفة بطقوس احتفالية مميزة، تتأثر بالسياقات السياسية والاجتماعية لكل عصر. في العصر الفاطمي (909-1171م)، اكتسب العيد طابعًا رسميًا وشعبيًا واسعًا، حيث كان الخليفة الفاطمي يخرج في موكب مهيب من قصره بالقاهرة إلى الجامع الأزهر أو جامع الحاكم بأمر الله، برفقة القضاة وكبار رجال الدولة، بينما تُوزَّع الهدايا والصلات على العامة. كما اهتم الفاطميون بإعداد موائد ضخمة وإضاءة الشوارع بالمشاعل والفوانيس، وهي طقوس تعكس سعي الدولة لتعزيز شعبيتها وسط الجماهير (المقريزي، "اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين"). أما في العصر المملوكي (1250-1517م)، فقد استمر الاحتفال بعيد الفطر بأسلوب مشابه، حيث أقيمت الاحتفالات الكبرى في القلعة، وشهدت الميادين العامة سباقات الخيل والعروض العسكرية، ما يعكس التداخل بين الطابع الاحتفالي وإظهار القوة السياسية (ابن إياس، "بدائع الزهور في وقائع الدهور").
لعبت السلطات الحاكمة في مصر دورًا رئيسيًا في صناعة الطقوس الاحتفالية للعيد وتوظيفها سياسيًا، حيث استخدم الحكام هذه المناسبات لتقوية شرعيتهم والتقرب من الشعب. خلال العصر العثماني (1517-1798م)، حرص الولاة العثمانيون على تنظيم احتفالات رسمية تتخللها مواكب ضخمة تجوب شوارع القاهرة، حيث كان العيد فرصة لاستعراض قوة السلطة والتأكيد على استقرار الحكم. كما استُخدمت الأعياد لإصدار قرارات العفو عن بعض المساجين وتوزيع الرواتب الإضافية على الجنود، وهو نهج استمر حتى العصر الحديث، حيث درجت الأنظمة الحاكمة على استغلال العيد لتعزيز شعبيتها عبر تقديم الإعفاءات والعطايا الرمزية (الجبرتي، "عجائب الآثار في التراجم والأخبار").
برزت خلال هذه العصور بعض العادات التي صارت أيقونية في الاحتفال بعيد الفطر، مثل إعداد "كعك العيد"، وهو تقليد يعود إلى العصر الفاطمي، حيث كانت الدولة تشرف على توزيعه على العامة، وكانت تُنقش عليه عبارات مثل "كل واشكر". كما أن الخروج إلى الصلاة في الساحات العامة ظل سمة أساسية للعيد منذ العصر الإسلامي المبكر، لكنه اكتسب أبعادًا سياسية في بعض الفترات، إذ كانت ساحات العيد مكانًا لإظهار الولاء للحاكم عبر الخطابات الرسمية والمواكب الاحتفالية (المقريزي، "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار"). أما إعطاء العيدية، فيعود أصلها إلى العصر المملوكي، حيث كان السلاطين يوزعون النقود والهدايا على الجنود وكبار المسؤولين، قبل أن تتحول العيدية إلى عادة اجتماعية متوارثة بين الأسر، تعبيرًا عن الفرح والتواصل بين الأجيال (ابن تغري بردي، "النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة").
ومع دخول مصر العصر الحديث، شهدت احتفالات العيد تحولات كبيرة متأثرة بالتغيرات الاقتصادية والاجتماعية. في عهد محمد علي باشا (1805-1848م)، أصبحت الاحتفالات أكثر تنظيمًا، مع إصدار قرارات خاصة بالعطلات الرسمية والمواكب السلطانية. ومع انتشار وسائل الإعلام في القرن العشرين، أصبح العيد مناسبة لترويج الخطابات السياسية، حيث استُخدمت الإذاعة والتلفزيون في بث خطب القادة وتحياتهم للمواطنين، كما ازدادت المظاهر التجارية المرتبطة بالعيد، مثل بيع الملابس الجديدة والحلويات، مما جعل العيد يتحول تدريجيًا من مناسبة دينية ذات طابع اجتماعي إلى موسم اقتصادي وثقافي واسع التأثير (رشيد، "التغيرات الاجتماعية في مصر الحديثة").
لطالما استغلت الأنظمة السياسية في مصر عيد الفطر لتعزيز شرعيتها أمام الشعب، حيث تحولت هذه المناسبة الدينية إلى فرصة لإظهار قرب السلطة من المواطنين وترسيخ مفهوم "الحاكم الأبوي". فمنذ العصر المملوكي، كان السلاطين يستغلون العيد لإقامة الاحتفالات الضخمة، والتي تضمنت توزيع الأموال والهدايا على العامة، في محاولة لضمان ولاء الشعب وإظهار سخاء الدولة (ابن إياس، بدائع الزهور في وقائع الدهور). ومع دخول العصر الحديث، استخدمت الدولة العيد كأداة لخلق حالة من التوافق الوطني، فعلى سبيل المثال، كان الملك فؤاد والملك فاروق يحرصان على حضور صلاة العيد وسط الجماهير، والتقاط الصور أثناء توزيع العيديات على الأيتام، وهو نهج استمر لاحقًا مع الرؤساء المصريين في فترات الجمهورية (الجبرتي، عجائب الآثار في التراجم والأخبار).
من أبرز ممارسات الدولة في توظيف العيد سياسيًا تنظيم مواكب العيد الرسمية، والتي بدأت منذ العصور الفاطمية واستمرت بأشكال مختلفة حتى اليوم. في العصر العثماني، كان والي مصر يخرج في موكب رسمي بعد صلاة العيد، ترافقه شخصيات الدولة وأمراء الجيش، كإشارة إلى استقرار السلطة وإظهار قوتها أمام العامة (المقريزي، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار). أما في العصر الحديث، فقد تحولت هذه المواكب إلى زيارات رسمية للمؤسسات الاجتماعية ودور الأيتام والمستشفيات، حيث يسعى القادة إلى تقديم أنفسهم على أنهم قريبون من الشعب، وهي ممارسة واضحة في احتفالات العيد التي تواكبها التغطية الإعلامية المكثفة.
كما يُعدّ الإفراج عن المساجين في العيد أحد أهم الإشارات الرمزية التي تستخدمها السلطة السياسية لإظهار التسامح والقوة في آنٍ واحد. هذه العادة ترجع جذورها إلى العصر الإسلامي المبكر، لكنها أصبحت ممارسة ثابتة في التاريخ المصري الحديث، حيث يصدر رئيس الجمهورية قرارات بالعفو عن بعض المسجونين بمناسبة العيد، خاصة في القضايا ذات الطابع غير السياسي. هذه الخطوة تُستخدم لتعزيز صورة النظام كجهة رحيمة، في محاولة لكسب تأييد فئات اجتماعية مختلفة (رشيد، السياسة والمجتمع في مصر الحديثة). إضافة إلى ذلك، فإن هذه القرارات غالبًا ما تُوظف سياسيًا، حيث تُستخدم لتهدئة الأوضاع الداخلية في فترات التوتر السياسي.
أما الإعلام الرسمي، فقد لعب دورًا محوريًا في إبراز صورة الحاكم القريب من الناس خلال العيد. فمنذ عهد الرئيس جمال عبد الناصر، أصبحت التهاني الرئاسية وبث خطب العيد عبر الإذاعة والتلفزيون تقليدًا ثابتًا، حيث ظهر عبد الناصر أكثر من مرة وهو يؤدي صلاة العيد وسط المواطنين، في رسالة رمزية إلى بساطة الحاكم وانتمائه للشعب. استمر هذا النهج في عهد السادات ومبارك، حيث ركزت وسائل الإعلام على تصوير زيارات المسؤولين لدور الأيتام والمستشفيات، في محاولة لإظهار تلاحم الدولة مع الفئات الأكثر احتياجًا (حسين أمين، الإعلام والسلطة في مصر). وفي العصر الرقمي، باتت وسائل التواصل الاجتماعي تلعب دورًا في إعادة إنتاج هذه الصورة، من خلال نشر صور القادة وهم يؤدون صلاة العيد، أو يهنئون الشعب عبر المنصات الإلكترونية، مما يعكس استمرار استخدام العيد كأداة للترويج السياسي.
تختلف مظاهر الاحتفال بعيد الفطر في مصر بين الريف والحضر، حيث لا تزال القرى تحتفظ بالكثير من العادات التقليدية التي تراجعت في المدن الكبرى. في الريف، يستمر التركيز على التجمعات العائلية الممتدة، وصلاة العيد في الساحات المفتوحة، وتحضير الأطعمة المنزلية مثل الفطير والمخبوزات التقليدية، بينما في المدن أصبح العيد أكثر فردية واستهلاكية، حيث يفضل الكثيرون قضاء العطلة في المولات التجارية أو السفر إلى المنتجعات الساحلية (غالي، التغيرات الاجتماعية في مصر المعاصرة). كما أن الأعياد في الريف لا تزال تحمل بعدًا مجتمعيًا قويًا، حيث تكثر الزيارات بين الجيران، ويتمسك الأهالي بتقاليد مثل زيارة المقابر صباح العيد، وهي طقوس تراجعت في المدن مع تسارع نمط الحياة الحديثة.
أثرت العولمة ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل ملحوظ على شكل الاحتفال بالعيد في مصر، حيث تحولت بعض العادات التقليدية إلى ممارسات رقمية. على سبيل المثال، حلت التهاني الإلكترونية ورسائل "واتساب" و"فيسبوك" محل الزيارات العائلية التقليدية، وأصبح تقديم العيديات يتم أحيانًا عبر التحويلات البنكية أو التطبيقات المالية بدلًا من تبادل العملات الورقية، وهو ما يعكس تحول العيد إلى تجربة أكثر رقمية (Castells، The Rise of the Network Society، 1996). كما لعبت وسائل الإعلام الحديثة دورًا في تصدير أنماط احتفالية جديدة، مثل السفر للخارج خلال العيد، أو إقامة حفلات ضخمة للفنانين، مما أوجد فجوة بين الاحتفال التقليدي والممارسات العصرية التي باتت أكثر انتشارًا بين الطبقات الشابة والميسورة.
في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة، تأثر الاحتفال بالعيد في مصر بشكل واضح، حيث أدى ارتفاع الأسعار إلى تقليص الإنفاق على الملابس الجديدة، والحلوى، والخروجات العائلية، وهو ما انعكس على طقوس العيد التقليدية. تقرير صادر عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء يشير إلى أن متوسط إنفاق الأسرة المصرية على الكعك وحلويات العيد انخفض بنسبة 30% في السنوات الأخيرة، بسبب ارتفاع تكلفة المواد الخام (التعبئة والإحصاء، تقرير 2024). كما أن ارتفاع أسعار وسائل الترفيه مثل السينما والملاهي جعل الكثير من الأسر تعتمد على الأنشطة الأقل تكلفة، مثل زيارة الحدائق العامة أو مشاهدة الأفلام في المنزل، مما غيّر شكل العيد خاصة لدى الطبقات المتوسطة والفقيرة.
في السياق السياسي، أصبح العيد ساحة للجدل حول دور الدولة في دعم المواطن في ظل الأزمة الاقتصادية. فبينما تُعلن الحكومة عن إجراءات مثل زيادة المرتبات أو تقديم معونات محدودة في هذه الفترة، يرى البعض أنها محاولات رمزية لا تعالج المشكلات الهيكلية في الاقتصاد (المصري اليوم، تقرير اقتصادي 2024). كما أن هناك انتقادات متزايدة لغياب الفعاليات العامة التي كانت تُنظم سابقًا خلال العيد، مثل الحفلات المجانية أو العروض في الميادين الكبرى، حيث يُنظر إلى ذلك على أنه تراجع في دور الدولة في خلق مناخ احتفالي مشترك (الشروق، مقال رأي 2023). وبينما تستمر بعض الأسر في الاحتفال رغم الضغوط، فإن الطابع الاقتصادي والسياسي للعيد بات أكثر حضورًا في النقاشات العامة، مما يعكس كيف أن هذه المناسبة لم تعد مجرد تقليد ديني واجتماعي، بل صارت مرآة للتحولات العميقة التي تمر بها مصر.
على مدار التاريخ، لم يكن العيد مجرد مناسبة دينية واجتماعية، بل تحوّل في بعض الفترات إلى ساحة لإظهار الاحتجاجات والتعبير عن التحولات السياسية، خاصة بعد الثورات أو التغيرات الكبرى في الحكم. في مصر، شهد عيد الفطر بعد ثورة 1919 احتفالات ممزوجة بروح الثورة، حيث خرجت المسيرات الاحتفالية حاملة صور سعد زغلول والهتافات ضد الاحتلال البريطاني، ما جعل العيد يتجاوز كونه مناسبة دينية ليصبح لحظة وطنية جامعة (طه، الحركات الوطنية في مصر الحديثة). بعد ثورة 25 يناير 2011، أخذ العيد بعدًا سياسيًا جديدًا، حيث تحوّلت صلاة العيد في بعض الساحات إلى تجمعات سياسية، رُفعت فيها لافتات تطالب باستكمال الثورة، كما استخدمت بعض القوى السياسية العيد كفرصة لإعادة الحشد الجماهيري (السيد، الثورات العربية: ديناميات التغيير).
لطالما كان العيد موسمًا لعودة الخطابات الوطنية والدينية، حيث تستغل الأنظمة الحاكمة ورجال الدين هذه المناسبة لتوجيه رسائل ذات طابع سياسي أو اجتماعي. في العصور الإسلامية المبكرة، كانت خطب العيد تحمل مضامين تعبوية تدعو للجهاد أو الطاعة للحاكم (المقريزي، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار). ومع تطور الدولة الحديثة، أصبح العيد فرصة لبث خطاب الوحدة الوطنية، ففي عهد الرئيس جمال عبد الناصر، كانت خطب العيد تركز على القومية العربية والصراع مع إسرائيل، بينما استخدم الرئيس السادات خطب العيد للترويج لسياساته، خاصة بعد انتصار أكتوبر 1973 (هيكل، سنوات الغليان). حتى اليوم، تستمر هذه الممارسة، حيث يُستخدم العيد لتوجيه رسائل سياسية، سواء عبر الخطب الرسمية أو البرامج الإعلامية، لتعزيز صورة السلطة وتعميق الشعور بالانتماء الوطني.
من جهة أخرى، أدركت القوى السياسية أهمية العيد كوسيلة لتجييش الشارع سياسيًا، خاصة جماعة الإخوان المسلمين التي استغلّت هذه المناسبة لحشد أنصارها وإظهار قوتها. ففي فترة حكم الجماعة لمصر (2012-2013)، نظّمت صلاة العيد في ميادين رئيسية مثل "رابعة العدوية"، حيث رُفعت شعارات دعم الرئيس محمد مرسي، ما أعطى العيد بُعدًا سياسيًا غير مسبوق (عز الدين، الإسلاميون والسلطة في مصر). كما استخدمت الأحزاب السياسية العيد لعقد لقاءات جماهيرية، أو تقديم مساعدات للأسر الفقيرة لتعزيز شعبيتها، وهي ممارسة استمرت حتى بعد سقوط حكم الإخوان، حيث لجأت الجماعة إلى استخدام العيد كفرصة لتنظيم تظاهرات صغيرة في بعض المناطق احتجاجًا على النظام الحاكم.
أما الأنظمة السياسية، فقد تعاملت مع هذه الظاهرة إما بالقمع أو الاحتواء، حيث شهدت بعض أعياد ما بعد الثورات تواجدًا أمنيًا مكثفًا لمنع أي تحركات احتجاجية. في عيد الفطر 2013، وبعد فضّ اعتصامي رابعة والنهضة، حاول أنصار الإخوان استغلال صلاة العيد لإعادة التظاهر، ما أدى إلى مواجهات أمنية في بعض المحافظات (الأهرام، تقرير عيد الفطر 2013). على الجانب الآخر، استخدمت الدولة العيد لإعادة توجيه المشهد السياسي، عبر بثّ مشاهد الاحتفالات الرسمية، وتنظيم فعاليات وطنية تهدف إلى تعزيز سردية الاستقرار، وهو ما يعكس كيف أن العيد لم يعد مجرد طقس ديني، بل أداة ضمن توازنات القوى في المجال العام المصري.
مع تصاعد الأزمات الاقتصادية، باتت قدرة المصريين على الاحتفال بالعيد كما كان سابقًا تتعرض لتحديات متزايدة. فالارتفاع المستمر في الأسعار أدى إلى تراجع مظاهر البذخ التي كانت تميز العيد، مثل شراء الملابس الجديدة، وصناعة كعك العيد في المنازل، والتنزه العائلي في الأماكن العامة. وفقًا لتقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء (2024)، فإن نسبة الإنفاق الأسري على مستلزمات العيد تراجعت بنسبة 25% مقارنة بالسنوات الماضية، ما يعكس ضغوطًا اقتصادية متزايدة تدفع الأسر إلى تقليص احتفالاتها (التعبئة والإحصاء، تقرير 2024). هذا التحول الاقتصادي لا يؤثر فقط على العادات، بل أيضًا على الشعور العام ببهجة العيد، حيث بات يُنظر إليه لدى بعض الفئات كعبء مالي أكثر من كونه مناسبة احتفالية.
ورغم التغيرات الاجتماعية والاقتصادية، فإن بعض العادات الأصيلة لا تزال صامدة في مواجهة التحولات الحديثة، مما يطرح التساؤل حول ما إذا كان العيد يفقد معناه التقليدي أم يتطور بشكل مختلف. العيدية، صلاة العيد، وزيارات الأقارب لا تزال قائمة، حتى لو تغيرت أشكال ممارستها. على سبيل المثال، في ظل الغلاء، لجأت بعض الأسر إلى استبدال الكعك الفاخر بالحلويات البسيطة، أو تقليل قيمة العيديات للأطفال، لكن المبدأ ذاته لم يختفِ (الشافعي، التحولات الثقافية في المجتمع المصري). ورغم انخفاض عدد الزيارات العائلية بسبب تسارع نمط الحياة، فإن المصريين لا يزالون يحرصون على لمّ الشمل خلال العيد، وإن كان ذلك عبر مكالمات الفيديو أو الرسائل النصية، مما يعكس قدرة التقاليد على التكيف مع التغيرات.
لكن في المقابل، هناك مؤشرات على أن العيد أصبح يتحول تدريجيًا إلى "موسم اقتصادي" أكثر من كونه ظاهرة اجتماعية. فمع توسع ثقافة الاستهلاك، باتت الشركات تستغل العيد كفرصة لزيادة المبيعات، من خلال حملات إعلانية مكثفة، وعروض خاصة على الملابس والحلويات والترفيه. وأصبح التركيز على الجانب الاستهلاكي للعيد، مثل التسوق والسفر، أكثر وضوحًا في المدن الكبرى، حيث تنتعش الأسواق والمولات التجارية خلال الأيام السابقة للعيد، مما يجعل الاحتفال بالمناسبة مرتبطًا بالقدرة الشرائية أكثر من ارتباطه بالروح الاجتماعية والتقليدية للعيد (Castells، The Rise of the Network Society، 1996).
في هذا السياق، لعب الإعلام الجديد دورًا رئيسيًا في إعادة صياغة صورة العيد، وتحويله من مناسبة روحية واجتماعية إلى منتج استهلاكي. وسائل التواصل الاجتماعي غيّرت طريقة تفاعل الناس مع العيد، حيث أصبح التركيز على نشر صور الاحتفال أكثر من معايشته فعليًا. فبدلًا من التجمعات العائلية الكبيرة، بات البعض يهتم بإظهار تجربته الشخصية في العيد عبر "إنستغرام" و"فيسبوك"، مما يعزز النزعة الفردية في الاحتفال (المصري اليوم، تقرير 2023). كما أن انتشار الإعلانات الرقمية والمحتوى الترويجي جعل العيد يُختزل أحيانًا في صورة عروض تسوق وسفر، بدلًا من كونه فرصة لتعزيز الروابط الاجتماعية، مما يثير التساؤل حول مستقبل العيد في ظل هذه التغيرات.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: العيد العيديات الكعك الطقوس الاحتفال بالعید على سبیل المثال مناسبة دینیة العصر الحدیث هذه المناسبة بعید الفطر خلال العید صلاة العید عید الفطر فی المدن فی العصر العید فی مما یعکس ا سیاسی لا تزال سیاسی ا من خلال حیث کان أکثر من ما یعکس موسم ا فی مصر فی بعض على أن کما أن طابع ا
إقرأ أيضاً:
خبير : إصلاح السياسة الضريبية ضرورة لتحقيق استدامة مالية ونمو اقتصادي
قال الخبير الاقتصادي كريم عادل إن قرار الرئيس السيسي بتحصيل ضريبة موحدة من صافي الربح بدلاً من الرسوم المتعددة، خطوة إيجابية نحو تبسيط هيكل الإيرادات الحكومية وخلق مناخ استثماري أكثر جاذبية وعدالة وتنافسية، شريطة سرعة التطبيق مع وضع آليات تقييم ومراجعة لحجم الأعمال ومدى تطابقه مع صافي الربح المُفصح عنه بما يضمن حقوق الدولة.
وأضاف عادل خلال تصريحاته لـ صدى البلد أن السياسة الضريبية أهم أدوات الحكومة لإدارة النشاط الاقتصادي، وهي ترتبط بحجم الحكومة ودورها في الحياة الاقتصادية وطبيعة هذا الدور، كما ترتبط بالنظام الاقتصادي المتبع والأيديولوجية التي يعتمد عليها.
وأوضح أن مسؤولية الحكومة تزايدت في السنوات الأخيرة بالتزامن مع مساعيها تجاه تطوير سياساتها الاقتصادية بكل مكوناتها في جانب الإيرادات والنفقات، وأيضاً سياساتها الاقتصادية بشكل عام حتى تتمكن من زيادة مواردها وترشيد وتعبئة الموارد وإنفاقها بكفاءة لضمان تحقيق الأهداف المخططة للسياسة المالية، وبالتالي أصبحت الحكومة مطالبة الآن بجانب وضع الأطر التنظيمية والقانونية التي تؤمن حقوق الأفراد والشركات وتضمن العقود وضبط الجودة وتوفير المعلومات وترقية الخدمات والبنية الأساسية، أن تنفذ سياسة مالية فعالة قادرة على تعبئة موارد مالية بشكل كافٍ لتمويل الخدمات العامة ومشاريع التنمية، وتمتلك القدرة على تخصيص هذه الموارد وإنفاقها حسب الأولويات الاستراتيجية وأهداف السياسة العامة، ووفقاً لمتطلبات الانضباط المالي وكفاءة الإنفاق الحكومي، وما يستلزم ذلك من نظم وترتيبات مؤسسية حكومية تحدد السبل المثلى لاستخدام الموارد الاقتصادية لتحقيق الأهداف العامة، وعلى رأسها أطر محفزة للموارد البشرية الحكومية لتنفيذ القوانين والمهام الموضوعة بكفاءة واقتدار لرفع كفاءة وإنتاجية الإنفاق الحكومي وتقديم خدمات عامة على أعلى مستوى.
وأضاف أن تطبيق سياسة ضريبية موحدة فاعلة، يستهدف ضمان تحقيق التنمية المالية والاستدامة الضريبية، وكافة الأهداف الاقتصادية والاجتماعية والتنموية.
قواعد للسياسة الضريبيةوشدد على أن السياسة الضريبية يجب أن ترتكز على مجموعة من القواعد أهمها: تكوين رأس المال، وسرعة التطور التكنولوجي، وتحقيق الاستقرار الاقتصادي، وتوجيه الاستهلاك، وتصحيح إخفاقات السوق، وزيادة تنافسية المشروعات، وتوجيه قرارات أصحاب العمل فيما يتعلق بالكميات التي يرغبون في إنتاجها، وإعادة توزيع الدخل، وتوجيه المعطيات الاجتماعية لتتحقق العدالة العمودية والعدالة الأفقية، ومن ثم مواجهة الفقر والحد منه.
ودعا إلى أن تحقيق سياسة ضريبية مستدامة يتطلب ضرورة دراسة الآثار الاقتصادية المتعلقة بالاستدامة الضريبية لجعل الضرائب تعمل لصالح أهداف التنمية المستدامة، بمعنى رفع سقف الضرائب المسؤولة عن مستقبل مستدام، كما يجب تضمين السياسة الضريبية وسائل لمكافحة اقتصاد الظل، وتطبيق الحوكمة المالية، والجاهزية للتكنولوجيا، مع مراعاة المعاملة الضريبية للمشروعات الصغيرة والمتوسطة، وكذلك تطوير وتحديث الإدارة الضريبية كمنظومة بشرية وإدارية وتكنولوجية متكاملة.
وأكد أن رفع كفاءة الإجراءات الضريبية يتطلب أهمية التحول الرقمي الضريبي، والتحديث المستمر للإدارة الضريبية، والخدمات الضريبية ما بعد تقديم الإقرار الضريبي، وتقديم الإيداع والدفع الإلكتروني، وتأسيس إدارة ضريبية فعالة من خلال عمليات تدقيق ضريبية قائمة على المخاطر، إضافةً إلى أهمية المراجعة الدورية للمعدلات الضريبية، وتحديث أنظمة الاسترداد في ضريبة القيمة المضافة، واعتماد قاعدة ضريبية واحدة كأدوات تيسير طرق سداد الضريبة.
وشدد على أن كل ما تقدم يتطلب أن يتم تضمينه في استراتيجية السياسة الضريبية، وأن تخضع لمعايير المتابعة والتقييم والقياس لمعالجة أخطاء التصور وتدارك سلبيات التطبيق أولاً بأول، ليتحقق أحد أهم أهداف التنمية المالية منها والمتمثل في تعبئة الإيرادات على المدى المتوسط والبعيد باعتبار أن الضرائب تمثل أحد أكبر إيرادات الموازنة العامة للدولة.
وأضاف أن سرعة إصلاح السياسة الضريبية ومعالجة أوجه القصور والتشوهات المالية بها، حتى وإن كان أحد شروط صندوق النقد الدولي وفق ما ورد في تقرير الخبراء حول المراجعتين ببرنامج الإصلاح الاقتصادي، والذي أوضح أن إصلاحات السياسة الضريبية المخطط لها تشمل إصلاح ضريبة القيمة المضافة، وإصدار قانون ضريبة الدخل الجديد، الذي تم إعداده بمساعدة فنية من صندوق النقد الدولي لتعزيز تحصيل ضريبة الدخل، إلا أن تحقيق انضباط وكفاءة السياسة الضريبية يأتي أيضاً استكمالاً للجهود المستمرة لإدارة وتحسين الضرائب، وزيادتها.
وأوضح أن السياسة الضريبية المخطط لها حال تنفيذها بكفاءة وفاعلية ستساهم في تحقيق التنمية المالية والاستدامة الاقتصادية، من خلال تحسين المناخ الضريبي، وهو ما يترتب عليه تحسن المناخ الاستثماري والاقتصادي للدولة المصرية، فاستقرار المنظومة الضريبية لتصبح أكثر عدالة وتحفيزاً تساهم في زيادة معدلات الاستثمار، ومن ثم زيادة معدلات التشغيل والإنتاج والتصدير، ومن ثم ارتفاع معدل النمو وتحقيق المستهدفات التنموية، ومزيد من الاستقرار في سعر الصرف، وخلق موارد دولارية جديدة ومستدامة تقلل من الاستدانة.
وأشار إلى أن تحسن الضريبة بصورة صحية ومستدامة يتحقق بالتوسع الأفقي وليس الرأسي، بمعنى زيادة عدد الممولين دون زيادة الأعباء والحصيلة الضريبية من الممولين الحاليين.
اختتم بالتأكيد على أنه من الجيد العمل على تدارك الأخطاء وتبني سياسات جديدة من شأنها تحقيق المستهدفات المالية والاقتصادية وتحسين بيئة الاستثمار والأعمال، ولكن يبقى تنفيذ السياسات ونجاح التطبيق، مسئولية مجتمعية مشتركة، تبدأ من وزارة المالية والجهات الحكومية ذات الصلة بالإدارة المالية للدولة، ومسئولية المؤسسات الإعلامية نحو التوعية بالتيسيرات والمحفزات الضريبية الجديدة لمعالجة الأمية الضريبية التي قد تكون التحدي الأكبر في التنفيذ لا سيما الاقتصاد غير الرسمي.