الشارقة: «الخليج»

تتميز إمارة الشارقة بتنوعها العمراني الفريد الذي يجسد حواراً بين الحضارات الإسلامية عبر العصور، وتبرز مساجد الإمارة كجوهرة معمارية تروي قصصاً تاريخيةً بطرزها المتنوعة بين العثماني والأندلسي والفاطمي والمملوكي والتراثي المحلي والحديث، مما يجعلها منارة ثقافية مميزة.

وتحتضن الإمارة ما يقرب من 3200 مسجد ومصلى تُجسد روعة التصميم الإسلامي، وتبرز رؤى وتطلعات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، في دعم بناء وتشييد وعمارة المساجد التي تخدم المجتمع، وتخلد إرث الإمارة الحضاري، حتى أصبحت أيقونات تحكي قصص الحضارات السابقة بعمارتها، وتُلامس قلوب المصلين بروحانيتها.

تُجسد مساجد الشارقة لوحةً فنية معمارية تزهو بتنوعها، ففي كل مسجدٍ نرى ملامح تراثية أصيلة ممزوجة بلمسات عصرية، تعكس عناية الإمارة بالهوية الإسلامية من جهة، واهتمامها بالتطوير الجمالي من جهة أخرى. ومع اختلاف أحجامها ومواقعها، تظل هذه المساجد مراكز إشعاع روحانية وثقافية مهمة، تعكس تاريخ الإمارة.

ولم تكن هذه المساجد مجرد أماكن للعبادة، بل متاحف حية تروي قصة الإسلام عبر فنون العمارة، وهذا التنوع يكرس مكانة الإمارة كجسر بين الماضي والحاضر، وشاهد على إرث إنساني متناغم، مما يجعلها وجهة جذب للزوار والمصلين على حد سواء.

تُمثِّل مساجد الخلفاء الأربعة الممتدة على طول شارع الاتحاد، أحد أبرز المعالم الدينية والعمرانية بالمنطقة، حيث تتضمن هذه المنارات العامرة كلاً من: مسجد الخليفة أبوبكر الصديق، ومسجد الخليفة عمر بن الخطاب، ومسجد الخليفة عثمان بن عفان، ومسجد الخليفة علي بن أبي طالب، ويربطها طراز معماري متجانس وموقع استراتيجي يجعلها مرئية بوضوح للقادمين إلى الإمارة أو المغادرين منها، حيث تُضفي مشهداً روحانياً وجمالياً يلفت الأنظار.

وتتّسم هذه المساجد بطرازٍ معماريٍّ مستوحى من العمارة الإسلامية الكلاسيكية، وخصوصاً الطراز العثماني والمملوكي، مع لمساتٍ حديثة في الإنارة والخامات، ويظهر الطراز العثماني في شكل القباب الكبيرة المركزية والمآذن الرفيعة متعددة الشرفات، أما اللمسة المملوكية فتتجلّى في استخدام العقود المدبّبة والزخارف الحجرية أو الجصية التي تحيط بالمداخل والنوافذ، وتبرز من خلال تقنيات الإضاءة الليلية التي تُسلِّط الضوء على تفاصيل الأقواس والمآذن والقباب.

وتبلغ السعة الإجمالية لكل مسجد 1300 مصلٍ ومصلية، وقد شيد كل منها على مساحة أرض إجمالية تبلغ 4353.6 متر مربع، منها 939.35 متر مربع لمساحة المصلى، ويستوعب 1170 مصلياً، بينما يستوعب مصلى النساء 130 مصلية.

وتتسم الواجهات بلونها الحجري الفاتح، ما يضفي هيبة ووقاراً على المباني ويعكس ضوء الشمس، لاسيما في الأجواء الحارة، وتنتشر القباب المشرقة والمآذن الشامخة التي تمتاز بارتفاعها الملحوظ وشكلها الأسطواني حيث يبلغ طولها 60 متراً، وتتكرر العناصر الزخرفية والهندسية على امتداد المآذن.

وتحتوي المساجد على قباب رئيسية كبيرة تحيط بها قباب أصغر حجماً، ما يمنح البناء تناغماً بصرياً، فيما يتسم المصلى بالاتساع والارتفاع، مع سقوف مزخرفة تجمع بين الأشكال الهندسية والنقوش الإسلامية، كما تم تزويد مساجد الخلفاء الأربعة بأنظمة صوتية وإضاءة حديثة، تُراعي وضوح التلاوة وتوزيع الصوت على جميع أرجاء المصلى، لتوفير أجواء مناسبة للمصلين، مع استخدام مواد بناء عالية الجودة تضمن استدامة المباني وجمالها على المدى الطويل.

مسجد الذيد

افتتح صاحب السمو، حاكم الشارقة، في شهر رمضان لعام 1445ه الموافق إبريل 2023م، مسجد الذيم الذي تستوعب مساحاته الداخلية والخارجية 7000 مصلٍ ومصلية، وهو واحد من أبرز المعالم في المنطقة الوسطى لإمارة الشارقة، حيث يتمتع بموقع استراتيجي ما يجعله مقصداً مهمّاً للمصلين والزائرين على حدٍّ سواء.

تبلغ مساحة المسجد الإجمالية 21994 متراً مربعاً، منها 2386 متراً مربعاً لمساحة المباني الكلية، فيما تم تخصيص مساحة 6800 متر مربع لمواقف المركبات و3100 متر مربع للمساحات الخضراء حول المسجد، ويضم المسجد مكتبة بمساحة 34 متراً مربعاً.

ويستمد المسجد ملامحه من العمارة الإسلامية التقليدية، حيث اعتمدت الواجهات الخارجية على اللون الأبيض والحجري الفاتح، بما يعكس حرارة الشمس ويُضفي طابعاً من السكينة والوقار، وتُحيط بالمبنى مجموعة من الأقواس المنحنية والنوافذ الطولية التي تسمح بدخول الإضاءة الطبيعية، فيما تتكامل مع عناصر زخرفية بسيطة مستوحاة من الفن الإسلامي الهندسي.

ويتزين المسجد بمنارة طولها 60 متراً، فترتفع شامخة على أحد جوانب المسجد، متخذةً شكلاً أسطوانيّاً، تُزيّنها شرفات صغيرة ونقوش هندسية، وتنتهي بقمة مخروطية تُجسّد الرمزية الروحية للمئذنة في العمارة الإسلامية.

كما يتميز المسجد بقبة رئيسية بارتفاع 32 متراً وعدد 4 قباب صغيرة بارتفاع 25 متراً دائرية الشكل موضوعة على قاعدة ثمانية الشكل تعطي المسجد طابعاً هندسياً مميزاً، وتُمثِّل الطابع الإسلامي في أبهى صوره، وتُضفي على البناء انسجاماً فنيّاً وجماليّاً.

وتتسم القاعة الداخلية للمسجد بالاتساع والارتفاع، مما يوفّر أجواءً روحانية هادئة، حيث تتوزع الأعمدة المزخرفة بأناقة لدعم سقف المسجد وتوفير مساحات رحبة تتيح دخول الضوء الطبيعي من النوافذ الكبيرة، فيما يحتل المحراب موقعاً مميزاً في منتصف الجدار الأمامي، مزخرفاً بآيات قرآنية تعكس الحرفية في تنفيذ التفاصيل.

ورغم ارتكاز التصميم على العناصر الإسلامية الأصيلة، أُدخلت في المسجد بعض التقنيات الحديثة لتلبية احتياجات المصلين، مثل أنظمة التكييف والإضاءة، وأنظمة الصوت المتطورة التي تضمن وصول الأذان والتلاوة إلى كل ركن من الأركان.

وتُبرز تفاصيل التصميم الداخلي والخارجي للمسجد عناية دائرة الشؤون الإسلامية بالشارقة بإبراز الوجه الحضاري للإمارة، مع الحفاظ على الموروث الإسلامي العريق، ما يجعل من مسجد الذيد منارة روحانية وعمرانية في المنطقة الوسطى من الإمارة.

مسجد السيدة خديجة

يُعد مسجد السيدة خديجة -رضي الله عنها- تحفةً معمارية بارزة بألوانه البيضاء الناصعة، وتصميمه الذي يجمع بين أصالة العمارة الإسلامية واللمسات العصرية المميّزة، ويقع المسجد في منطقة الواحة بضاحية الرويضات على طريق الذيد، حيث افتتحه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، في شهر يناير من العام الجاري.

شيد المسجد على مساحة أرض إجمالية تبلغ 49 ألفاً و383 متراً مربعاً، ويتسع المسجد في مصلاه الداخلي إلى 1400 مصل من الرجال أما الرواق الخارجي فيتسع إلى 1325 مصلياً، بينما تبلغ سعة مصلى النساء 140 مصلية.

كما يضم المسجد مجموعة من المرافق الخدمية منها من مكتبة ومبنى تغسيل الموتى وسقيا ماء وأماكن الوضوء ودورات المياه ومواقف للسيارات تبلغ 592 موقفاً، وسكن للإمام وآخر للمؤذن، ويعكس طرازاً إسلامياً تقليدياً من حيث توزيع القباب واستخدام الأقواس العالية في الواجهات، في حين تُضفي البساطة في التفاصيل والخطوط الواضحة مظهراً عصرياً وأنيقاً، وتظهر الملامح العثمانية في شكل القباب الكبيرة والمآذن الرفيعة متعددة الشرفات، إلى جانب اللمسات المملوكية التي تظهر في بعض الزخارف الهندسية أو النقوش على الواجهات والأعمدة.

ويتميز المسجد بتصميمه المعماري، حيث تتوسطه قبةٌ كبيرة بيضاء مستديرة بقطر 10 أمتار، ترتفع بشكلٍ مهيب فوق مستوى المسجد، لتشكِّل بؤرة بصرية جذابة، تتميز بانسيابية التصميم مع وجود زخارف أو حليات بسيطة حول قاعدتها، ما يضفي عليها لمسةً جمالية.

وتحيط بالقبة الرئيسية قبتان صغيرتان بقطر 4.5 متر، تُضيفان تناغماً وتناسقاً للمشهد العام، ويرتفع على جانبي المسجد مئذنتان متناظرتان باللون الأبيض بارتفاع 40 متراً، ما يعزّز من حضوره ويُسهّل رؤيته من مسافة بعيدة، وتأخذ المآذن شكلاً أسطوانياً وتنتهي برؤوس مخروطية بسيطة تتوافق مع روح التصميم الحديث.

وروعي في بناء المسجد استخدام أفضل المعايير الحديثة التي تسهم في الحفاظ على البيئة، حيث يعمل بأنظمة حديثة لترشيد استهلاك الطاقة والمياه، وتحيط بالمسجد مساحاتٌ خضراء وأحواض زهور ذات ألوان زاهية، تبرز جمال اللون الأبيض وتضفي حيوية على المشهد العام.

ويساعد التباين بين اللون الأبيض للمسجد وألوان الطبيعة المحيطة على إبراز التفاصيل المعمارية، ويُعطي اللون الأبيض النقي والقباب المرتفعة والمآذن الشاهقة شعوراً بالهيبة والوقار، في حين يضفي التناغم العام بين العناصر إحساساً بالسكينة والطمأنينة، وهي أجواءٌ تتوافق مع قدسية المكان.

ويعكس المسجد تصميماً مستوحى من الطرز الإسلامية العريقة، مع إضافة خطوط واضحة وبسيطة توحي بالحداثة، ما يجعل المبنى جذابًا لكلٍّ من محبي التراث ومتابعي التطور المعماري المعاصر.

مسجد الإمام النووي

لا تقف جهود دائرة الشؤون الإسلامية عند تشييد المساجد فقط بل تواصل جهودها في ترميم وإعادة صيانة المساجد وتحويلها إلى منارات معمارية بارزة، ومنها مسجد الإمام النووي الذي يقع في منطقة المناخ، وشيد عام 1980 على مساحة أرض إجمالية 5393 متراً مربعاً وكان يتسع حينها ل 580 مصلياً من الرجال والنساء وتم توسعته حالياً ليستوعب 1000 مصلٍ.

عكست عملية إعادة ترميم مسجد الإمام النووي رؤيةً معماريةً تزاوج بين الحفاظ على الهوية الإسلامية والابتكار في استخدام التقنيات الحديثة، وتُعد النتيجة النهائية تحفة معمارية تتيح للمصلين والزوار فرصة الاستمتاع بالأجواء الروحانية، في بيئة جمالية مُتقنة تجسد معاني التآلف والجمال في فن العمارة الإسلامية، وتظهر حرص القائمين عليه على إبراز قيم الجمال والروحانية في العمارة الإسلامية.

تم تعزيز الجوانب الجمالية والروحية للمسجد بما يتناسب مع مكانته كمركز ديني وثقافي، حيث أجرت الدائرة دراسات هندسية دقيقة لضمان استدامة المبنى وقدرته على استيعاب أعداد كبيرة من المصلين، واستُخدمت خلال إعادة ترميمه مواد بناء عالية الجودة تراعي الظروف المناخية للمنطقة، مع مراعاة الحفاظ على العناصر الإسلامية في التصميم.

يغلب اللون الأبيض الناصع على جدران المسجد الخارجية، وهو اختيار شائع في العمارة الإسلامية الحديثة، إذ يعكس حرارة الشمس ويُضفي شعوراً بالصفاء والسكينة، وتتزين الواجهات بأقواس نصف دائرية، مزخرفة بنقوش هندسية مستوحاة من الفن الإسلامي، ويضم الجزء العلوي من الواجهات حليات وزخارف عربية تقليدية.

تتوزع المآذن على أركان المسجد، متناسقة في حجمها وارتفاعها، ما يعكس الانسجام البصري ويضفي عظمة على البناء، وتشتمل كل مئذنة على شُرُفات وحواف دائرية، كانت تُستخدم في مراحل أولى من الحضارة الإسلامية لرفع الأذان.

وتتوسط المبنى قبة كبيرة تُعد محور التصميم، يحيط بها عدد من القباب الأصغر حجماً. وتُزيَّن حواف القبة الرئيسية بزخارف هندسية منقوشة بعناية، بينما يتوسطها أحياناً عنصر زخرفي يشكِّل بؤرة جمالية، كما تنتشر قباب أخرى صغيرة الحجم حول القبة المركزية، فتُكسب التصميم تناغماً بصرياً وتنوّعاً في الارتفاعات.

وتمتاز قاعة الصلاة بالاتساع والارتفاع، بما يسمح باستيعاب عدد كبير من المصلين، وتتشكل الأسقف على هيئة قباب داخلية مُزخرفة، تتخللها نوافذ أو فتحات علوية لإدخال الضوء الطبيعي.

وزُوِّد المسجد بأنظمة صوت متطورة تضمن وصول صوت الإمام والأذان إلى كل الأركان بوضوح، إضافةً إلى أنظمة تكييف وتهوية حديثة تتلاءم مع طبيعة المناخ الحار.

لوحة فريدة

تمثل مساجد الشارقة لوحة معمارية فريدة تتجسد فيها روح التراث الإسلامي ومعاصرة التطور الحديث، في مشهد حضاري يُبرز أهمية الحفاظ على الهوية الدينية والثقافية، ويظل دعم صاحب السمو حاكم الشارقة، لهذه المشاريع دليلاً على رؤية شاملة تسعى إلى بناء مجتمع متوازن يجمع بين الأصالة والابتكار، لتؤكد الشارقة مكانتها كمنارة حضارية ودينية تضيء درب الأجيال القادمة، وتبقى المساجد رمزاً للفخر والاعتزاز بالتراث الإسلامي.

المصدر: صحيفة الخليج

كلمات دلالية: فيديوهات الشارقة متاحف مساجد العمارة الإسلامیة مسجد الخلیفة اللون الأبیض صاحب السمو الحفاظ على متر مربع التی ت

إقرأ أيضاً:

مؤتمر مكة للدراسات الإسلامية.. فكر يبني وانسانية تخدم

في عالم تتلاطم فيه أمواج التحديات وتتصارع فيه المفاهيم، تظل القيم الإسلامية النقية صامدة، تمدّ الإنسان بالحكمة، وتدعوه للتفكر في معنى وجوده وعلاقته بالآخر، ومن هنا، يأتي مؤتمر مكة الدولي الرابع للدراسات الإسلامية ودورها في خدمة الإنسانية، كحدث عالمي لا يقتصر على الطرح العلمي، بل يتجاوز ذلك إلى إحياء الرسالة الإسلامية في بعدها الإنساني، هذا المؤتمر الذي بات إحدى العلامات الفارقة في الساحة الفكرية والعلمية، يأتي هذا العام ليؤكد أن الإسلام لم يكن يومًا معزولًا عن حياة الإنسان، بل كان دائمًا في قلب الأحداث، يوجه، ويهذب، ويدعو إلى الخير والسلام، وها هو يجمع اليوم نخبة من العلماء، الباحثين، الأكاديميين، وصناع القرار، في حوار مفتوح حول الدور الحقيقي للدراسات الإسلامية في خدمة الإنسان والمجتمع، بعيدًا عن التنظير الجاف، أو الانغلاق الفكري، وما يميز هذا المؤتمر في دورته الرابعة، هو وضوح الرؤية، وواقعية الطرح، فلم تعد الدراسات الإسلامية حبيسة الماضي، أو مقتصرة على الطرح التقليدي، بل باتت أداة حية لفهم الواقع والتفاعل معه، من خلال قيم التسامح، والعدل، والتكافل، والاحترام المتبادل.
انعقاد المؤتمر في مدينة جدة، لم يكن اختيارًا عابرًا، فهذه المدينة الساحلية التي تفتح ذراعيها للعالم منذ قرون، كانت ولا تزال بوابة حضارية تعكس انفتاح المملكة على العالم وتفاعلها الخلاق مع الثقافات، قيمة المؤتمر في رسالته، وهو ما يجعل هذا المؤتمر مختلفًا في مضمونه ليس فقط حجم المشاركة أو عدد الأبحاث المقدمة، بل جوهر ما يطرحه من أفكار تواكب التغيرات المتسارعة، فالمؤتمر لا يتعامل مع الدراسات الإسلامية كمعارف جامدة، بل يعيد تقديمها كأدوات حية قادرة على معالجة أزمات العصر من خطاب الكراهية، إلى التفكك الأسري، مرورًا بالتحديات البيئية، والصراعات الفكرية، كذلك رؤية شاملة لخدمة الإنسانية حيث يحمل المؤتمر رؤية واضحة أن الإسلام دين حياة، وأن رسالته الأساسية هي خدمة الإنسان ورفعته، وقد ظهر هذا المعنى جليًا في تعدد المحاور التي ستغطي الجوانب الفكرية، الاجتماعية، التربوية، والاقتصادية، بل إن تركيز المؤتمر على المفاهيم الإنسانية مثل السلام، العدالة، الرحمة، والتكافل، يجعل منه حدثًا يعكس الوجه المشرق للإسلام، في وقت يحتاج فيه العالم إلى صوت العقل والحكمة، أهداف المؤتمر تؤسس لتوجه علمي وإنساني واضح، يتمثل في، التأكيد على أن الدراسات الإسلامية ليست معزولة عن الواقع، بل لها دور أصيل في معالجة مشكلات الإنسان، كذلك إبراز قيم الإسلام الإنسانية، وتسليط الضوء على قدرته في بناء مجتمعات متماسكة ومتعايشة، وإعادة النظر في الخطاب الديني التقليدي وتطويره بما يتناسب مع لغة العصر واحتياجاته، وتشجيع البحوث الجادة التي تدمج بين الأصالة والمعاصرة، ودعم التواصل العلمي والثقافي بين المؤسسات الإسلامية حول العالم، لكنه تجديد لا يتصادم مع الأصالة. فمن أبرز ما يلفت النظر هو أن المؤتمر يتبنى منهج التجديد المسؤول، حيث تُطرح الأسئلة الكبرى دون تردد، ويُعاد النظر في الكثير من المفاهيم السائدة ولكن دون أن يتم المساس بثوابت العقيدة، أو جوهر الشريعة. هذا التوازن بين الأصالة والمعاصرة، هو ما يعطي للمؤتمر ثقله العلمي ومكانته الفكرية. وسيشهد المؤتمر مشاركة واسعة من أكاديميين، مفكرين، وعلماء شريعة من مختلف أنحاء العالم، مما يضفى عليه طابعًا عالميًا، ويحوّل جلساته إلى حوار ثقافات حقيقي، كما يتح فرصًا للشباب والباحثين الجدد لعرض أفكارهم ومناقشتها في أجواء علمية ونقاشات ثرية.
المؤتمر لا يكتفي بعرض الإنجازات، بل يُشكل ورشة تفكير جاد في مستقبل الفكر الإسلامي، ومدى قدرته على تحقيق التوازن بين الروح والمادة، بين الثابت والمتغير، وهو في حقيقته دعوة مفتوحة لإعادة قراءة الإسلام كقوة إصلاح، لا مجرد منظومة تقليدية.
إن مؤتمر مكة الدولي الرابع ليس مجرد حدث، بل هو خطوة جديدة في مشروع حضاري أوسع، تسعى من خلاله المملكة العربية السعودية لقيادة صحيحة للدور الريادي للفكر الإسلامي في بناء المجتمعات وخدمة الإنسان أينما كان.

NevenAbbass@

مقالات مشابهة

  • بالأسماء.. افتتاح 8 مساجد غدًا ضمن خطة الأوقاف لإعمار بيوت الله
  • غدًا.. الأوقاف تفتتح 8 مساجد ضمن خطتها لإعمار بيوت الله
  • بالأسماء .. الأوقاف تعلن افتتاح 8 مساجد غدًا الجمعة
  • «ماسكد وندرلاند» تروي حكايات الطبيعة في «الشارقة القرائي للطفل»
  • فيديو.. إمام مسجد يعيش لحظات رعب أثناء زلزال إسطنبول
  • بعد حديث السيسي عن المساجد.. هل تتخذ الأوقاف قرارات جديدة..المتحدث الرسمي يوضح
  • مؤتمر مكة للدراسات الإسلامية.. فكر يبني وانسانية تخدم
  • المتحدث باسم وزارة الأوقاف: المساجد لها دور كبير في خدمة المجتمع
  • حقيقة إقامة معرض مفروشات داخل مسجد بالشرقية
  • باحثون: العمارة التراثية تجسيد للهوية في الإمارات والمغرب