في الوقت الذي تشتعل فيه المواجهة في القطاع وتحتل صدارة المشهد الإعلامي والدبلوماسي، تنزوي القدس في الظل، كمدينة تُسرق بهدوء وتُغيَّب عن الواجهة تحت غطاء النسيان والانشغال. يعيش الفلسطينيون في القدس واقعا قاسيا لا يقل عنفا، لكنه غالبا ما يُختزل إلى الهامش في السردية الفلسطينية العامة.

تفرض السلطات الإسرائيلية قيودا مشددة على حركة المقدسيين، خاصة خلال شهر رمضان، ما يعيق وصولهم إلى المسجد الأقصى، ويحوّل ممارسة العبادة إلى معاناة يومية تتخللها الإهانات والمنع.

فهل تُمارس هذه القيود بدافع أمني حقيقي، أم أن وراءها بُعدا دينيا وسياسيا مقصودا؟ ولماذا تستهدف القدس بشكل متكرر بينما يُسمح للمستوطنين باقتحام ساحاتها بكل حرية؟

ومنذ احتلالها عام 1967، تبنّت إسرائيل نهجا ممنهجا لتغيير الطابع الديمغرافي للقدس الشرقية، من خلال سحب الهويات، وهدم المنازل، وتوسيع المستوطنات على حساب الأحياء الفلسطينية. فهل هي مجرد إجراءات إدارية وأمنية؟ أم أنها جزء من مشروع استراتيجي طويل الأمد لطمس الهوية الفلسطينية في المدينة؟

ما يُنفَّذ اليوم ليس سوى تسريع لهذه السياسات، بقيادة حكومة تُعد من الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل، وتضم شخصيات يمينية تتبنى خطابا إقصائيا لا يعترف بحقوق الفلسطينيين. وقد ترافق هذا التصعيد مع الحرب الإسرائيلية الشاملة على الضفة الغربية وقطاع غزة، ما وفّر بيئة مثالية لتكثيف مشاريع التهويد، في ظل انشغال العالم بساحات الصراع المفتوحة وغياب الاهتمام الدولي بما يجري في المدينة المقدسة
وما يُنفَّذ اليوم ليس سوى تسريع لهذه السياسات، بقيادة حكومة تُعد من الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل، وتضم شخصيات يمينية تتبنى خطابا إقصائيا لا يعترف بحقوق الفلسطينيين. وقد ترافق هذا التصعيد مع الحرب الإسرائيلية الشاملة على الضفة الغربية وقطاع غزة، ما وفّر بيئة مثالية لتكثيف مشاريع التهويد، في ظل انشغال العالم بساحات الصراع المفتوحة وغياب الاهتمام الدولي بما يجري في المدينة المقدسة.

سياسة المنع من الوصول إلى المسجد الأقصى: بين التضييق الديني والتأثير الاقتصادي

إن إحدى أخطر السياسات الإسرائيلية المستمرة في القدس هي إعاقة حرية العبادة للفلسطينيين، لا سيما في المسجد الأقصى، الذي يمثل أمرا عظيما بالنسبة للمسلمين. تُفرض قيود صارمة على دخول المصلين من الضفة الغربية، عبر نظام تصاريح تعجيزي، غالبا ما يُستخدم كأداة للعقاب الجماعي، ويُرفض دون أسباب واضحة، خاصة لفئات الشباب والنساء والنشطاء.

ولا يقتصر المنع على حرمان الفلسطينيين من ممارسة شعائرهم الدينية، بل يتعداه إلى تمييز واضح على أساس العمر والجغرافيا. فكثيرا ما يُمنع الشبان تحت سن الأربعين من دخول المسجد، حتى في المناسبات الدينية الكبرى، فيما يُسمح للمستوطنين اليهود من أقاصي البلاد باقتحام ساحاته، بحماية الشرطة الإسرائيلية.

أما سكان القدس أنفسهم، فلا يسلمون من التضييق اليومي، إذ تُغلق بوابات المسجد الأقصى بشكل مفاجئ، وتُمارس بحقهم إجراءات تفتيش مهينة على المداخل، وتقتحم قوات الاحتلال باحاته بشكل متكرر، مما يحوّل الحرم القدسي إلى ساحة أمنية تُقيّد فيها حرية العبادة وتسلب السكينة من المصلّين. وتصل هذه الانتهاكات إلى حدّ مصادرة وجبات السحور أو الإفطار من المصلّين، كما حصل قبل عدة أيام، حين داهمت القوات باحات المسجد، وصادرت الطعام من المعتكفين، في مشهد يمسّ بكرامتهم ويُنغّص عليهم أجواء الشهر الفضيل.

وإلى جانب الأبعاد الدينية والوطنية، ينعكس هذا الحصار سلبا على الحركة الاقتصادية في القدس. فعدم السماح لسكان الضفة الغربية بدخول المدينة يُعطّل النشاط التجاري والأسواق، ويؤثر بشكل مباشر على دخل مئات العائلات المقدسية التي تعتمد على الزوار والمصلين من خارج المدينة، خاصة خلال شهر رمضان والمواسم الدينية.

الوضع الاقتصادي في القدس

الوضع الاقتصادي في القدس ليس أقل مأساوية من الوضع السياسي، إذ يعيش السكان في حالة حصار اقتصادي دائم، تتجلى في ارتفاع معدلات البطالة وتراجع القدرة الشرائية. ووفقا للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، بلغت نسبة البطالة في القدس الشرقية نحو 5.2 في المئة في عام 2024، مقارنة بـ4.4 في المئة في عام 2021. وقد فاقمت جائحة كورونا، إلى جانب الحرب الشاملة على غزة والضفة الغربية، من حدة الأزمة، إذ أدت إلى فقدان نحو 35 ألف عامل لوظائفهم خلال عام 2024. كما أُغلق ما يقارب 450 محلا تجاريا، ما ساهم في تفاقم التدهور الاقتصادي وضاعف من معاناة السكان.

الاقتصاد في القدس يعتمد بشكل كبير على قطاع الخدمات والسياحة، حيث يشكل أكثر من 40 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي ويوظف قطاع الخدمات 41 في المئة من العاملين. ومع ذلك، تستمر السلطات الإسرائيلية في عرقلة أي نشاط اقتصادي فلسطيني داخل المدينة، من خلال فرض الضرائب الباهظة وإغلاق المحال التجارية بشكل متكرر.

النقص في الخدمات الأساسية مثل المياه والكهرباء ليس عرضا طارئا، بل جزء من سياسة ممنهجة لتقليص الوجود الفلسطيني وإضعاف قدرة السكان على البقاء. يعيش في محافظة القدس حوالي 451 ألف نسمة، يشكلون ما نسبته 9.1 في المئة من سكان فلسطين، ويعاني السكان من نقص حاد في الخدمات الأساسية، كالصحة والتعليم والبنية التحتية، مما يؤثر سلبا على جودة حياتهم اليومية. ويحاول الاحتلال، عبر هذه السياسات، أن يجعل من مدينة القدس بيئة طاردة لأهلها وليست جاذبة، في إطار مساعيه المستمرة لتفريغ المدينة من سكانها الفلسطينيين وتغيير طابعها الديمغرافي.

حين تعود إدارة ترامب.. تُفتح شهية التهويد من جديد

ولا يمكن الحديث عن واقع القدس دون الإشارة إلى عودة دونالد ترامب إلى السلطة، وهو الرئيس الأمريكي الذي منح إسرائيل خلال ولايته الأولى دعما غير مشروط، بدءا من اعترافه بالقدس عاصمة لها، وصولا إلى نقل السفارة الأمريكية إليها في خطوة غير مسبوقة. هذه السياسات لم تكن رمزية فحسب، بل أسهمت فعليا في تغيير ميزان القوى على الأرض، وتعزيز قبضة الاحتلال على المدينة.

عودة ترامب اليوم تمثّل رسالة طمأنة للتيار اليميني المتطرف في إسرائيل، لا سيما في حكومة بنيامين نتنياهو التي تضم شخصيات مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. ومما يعزز هذا التوجه أن الفريق المحيط بترامب لا يزال يضم وجوها بارزة من أشد المؤيدين لإسرائيل واليمين الديني القومي.

ويعزز هذا التوجه اليميني المتطرف المحيطون بترامب، الذين ما زال لهم تأثير واضح على ملامح السياسة الأمريكية تجاه القضية الفلسطينية. من أبرزهم: مايك بومبيو، وزير الخارجية السابق، المعروف بدعمه المطلق للمستوطنات ورفضه لحل الدولتين؛ وديفيد فريدمان، السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل، الذي نسّق بشكل مباشر مع قادة المستوطنين وساند ضم الأراضي الفلسطينية. ويبرز أيضا جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأسبق، الذي لطالما دعا إلى الحسم العسكري والتوسع الإسرائيلي، إلى جانب رون ديرمر، أحد أبرز مهندسي العلاقات بين نتنياهو والجمهوريين، والذي سبق أن وصف الضفة الغربية بأنها "أرض متنازع عليها". أما جاريد كوشنر، صهر ترامب ومهندس "صفقة القرن"،عودة ترامب اليوم تمثّل رسالة طمأنة للتيار اليميني المتطرف في إسرائيل، لا سيما في حكومة بنيامين نتنياهو التي تضم شخصيات مثل إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش. ومما يعزز هذا التوجه أن الفريق المحيط بترامب لا يزال يضم وجوها بارزة من أشد المؤيدين لإسرائيل واليمين الديني القومي فرغم غيابه عن الفريق الرسمي الحالي، إلا أن رؤيته لا تزال تترك أثرا عميقا في توجهات الحزب الجمهوري تجاه إسرائيل. هذا الطاقم المتماهي مع توجهات اليمين الإسرائيلي لا يبشر إلا بمزيد من الانحياز، ما يعني أن الفلسطينيين في القدس سيواجهون موجة جديدة من التضييق والتطهير الصامت، تحت غطاء أمريكي رسمي.

هشاشة المواقف العربية والإسلامية

وعلى الرغم من الدعم الذي يلقاه الشعب الفلسطيني من قبل الجماهير العربية والإسلامية، إلا أن المواقف الرسمية لبعض الحكومات العربية والإسلامية تظل هشة ولا ترتقي إلى مستوى التحديات التي يواجهها الفلسطينيون في القدس وغزة. وفي حين تستمر بعض الحكومات في تقديم الدعم السياسي والإنساني، فإن الخطوات الفعلية مثل اتخاذ مواقف قوية ضد السياسات الإسرائيلية أو اتخاذ إجراءات ملموسة مثل سحب السفراء أو إلغاء اتفاقيات التطبيع، ما تزال غائبة.

تساهم هذه الهشاشة الدبلوماسية في إضعاف الضغط الدولي على إسرائيل، مما يقلل من فاعلية التحركات الدولية في محاسبتها على انتهاكاتها المتواصلة. ورغم التحركات الشعبية المستمرة في بعض الدول، والتي تعكس رغبة حقيقية في الوقوف إلى جانب القضية الفلسطينية، فإن غياب التنسيق العربي والإسلامي الفعّال يؤثر على مصير القدس، ويترك الفلسطينيين في مواجهة احتلال متزايد. إن الحاجة إلى توحيد المواقف وتعزيز التعاون بين الدول العربية والإسلامية من أجل الضغط الفعّال على المجتمع الدولي تبقى ضرورية لحماية القدس من عملية تهويد شاملة.

القدس لا تنزف فقط من جراح الاحتلال، بل من صمت العالم، وتردد الشقيق، وغياب القرار. تُسرَق المدينة في وضح النهار، لكنها تُهمَّش في ليل الأخبار، وتذوب في زحمة عناوين الحروب. ومن حق القدس علينا أن نعيدها إلى الواجهة، لا كرمز ديني فحسب، بل كقضية سياسية وشعبية حيّة تستحق أن تكون حاضرة في الضمير العربي والدولي.

فلماذا تغيب القدس عن أولويات الإعلام، وتتراجع على أجندة الدبلوماسية؟ ولماذا تُترك وحدها في معركتها الوجودية؟ إن إعادة الاعتبار للقدس، إعلاميا ودبلوماسيا، لم تعد ترفا ولا خيارا، بل ضرورة وطنية وأخلاقية أمام مشروع الاحتلال الصامت، الذي لا يستهدف الأرض فقط، بل الذاكرة والهوية والإنسان.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه قضايا وآراء القدس الفلسطينيون التهويد الاحتلال القدس احتلال تهويد فلسطين قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء قضايا وآراء مقالات مقالات مقالات من هنا وهناك سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة العربیة والإسلامیة المسجد الأقصى الضفة الغربیة هذه السیاسات فی القدس إلى جانب فی المئة التی ت

إقرأ أيضاً:

هكذا تُموّل الامارات آلة الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين

 

الثورة نت/..

تشهد تجارة الألماس بين دولة الإمارات وإسرائيل انتعاشا كبيرا والتي تساهم بنحو مليار دولار سنويا في وزارة الجيش الإسرائيلي وهو ما يسام هم في تمويل آلة الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين.

وفي الوقت الذي لا تزال فيه غزة ترزح تحت القصف الإسرائيلي المتواصل، وتُسجل أعداد الشهداء من المدنيين أرقاماً مفجعة، تنشط خلف الكواليس شبكة علاقات تجارية تموّل بشكل مباشر وغير مباشر آلة الحرب الإسرائيلية والمستوطنات في الضفة الغربية.

وأبرز موقع (UAE71) المعارض، أن من بين هذه العلاقات، تبرز “تجارة الألماس” بين أبوظبي وإسرائيل، التي تمثل إحدى أبرز صور “التطبيع الاقتصادي المُربح” الذي يضخ مليارات الدولارات في خزينة الاحتلال، في وقت يعاني فيه قطاع غزة، وفلسطين عموماً، من حصار ودمار شامل.

ولطالما كان الألماس عنصراً رئيسياً في الاقتصاد الإسرائيلي، وتُشكّل تجارته جزءاً هاماً من اقتصاد اليهود تاريخياً، وتضاعف عقب احتلال فلسطين عام 1948. وتعد دولة الاحتلال لاعباً مهماً في إنتاج قطع الألماس بالجُملة، ولديه بورصة رئيسية لتجارته في مدينة رامات غان، والتي تعد مركزاً تجارياً عالمياً، وواحدة من أكبر بورصات الألماس وأكثرها نفوذاً في العالم.

ومثّلت تجارة الألماس إحدى أهم النقاط التي شكلت حلقة وصل بين أبوظبي والاحتلال الإسرائيلي، حيث شكلت خلال سنوات التطبيع الأولى أكثر من ثلثي إجمالي حجم التبادل التجاري، وتزايدت بشكل ملحوظ بتسهيل إماراتي كبير.

وارتفعت تجارة الإمارات من الألماس الخام خلال عامين ونصف فقط من توقيع اتفاقية التطبيع بنسبة 72٪، والألماس المصقولة بنسبة 50٪، حيث كان التطبيع أحد العوامل الرئيسية لهذا الارتفاع.

وتشير التقارير إلى أن تجارة الألماس بين أبوظبي والاحتلال الإسرائيلي ليست حديثة عهد تولّدت خلال السنوات الأخيرة، بل تنامت بشكل سري على مدى عقدين من الزمان قبل إعلان اتفاق التطبيع في سبتمبر 2020، حيث يقف وراء ذلك التواصل السري أحمد بن سليم، المدير التنفيذي لمركز دبي للسلع المتعددة، والرئيس التنفيذي لبورصة دبي للألماس، كما تفيد وسائل الإعلام العبرية.

وقبل التطبيع، كانت شركات الألماس الإسرائيلية تضطر إلى اتباع طرق غير مباشرة (مثل أوروبا أو آسيا) لتوصيله إلى الإمارات، لكن اتفاقية التطبيع فتحت الباب أمام الشحنات المباشرة من الألماس الخام والمصقول، مما قلل التكاليف والوقت على تجار الألماس الإسرائيليين.

إضافة إلى ذلك، أدت اتفاقية الشراكة الاقتصادية الشاملة بين أبوظبي والاحتلال الإسرائيلي، التي تم التوقيع عليها في مايو 2022، ودخلت حيز التنفيذ في أبريل 2023، إلى إلغاء الرسوم الجمركية على الألماس، لتجعل من أبوظبي من نفسها مركزاً لتسهيل عبوره إلى دولة الاحتلال.

عقب توقيع اتفاقية التطبيع، لم تتأخر أبوظبي كثيراً في إخراج تجارة الألماس مع الاحتلال إلى العلن، فقد وقعت اتفاقية لتعزيز التجارة بين بورصة الألماس الإسرائيلية وبورصة دبي للألماس، في 17 سبتمبر 2020، بعد يومين فقط من توقيع اتفاقية التطبيع.

وفي إطار هذه الاتفاقية، افتتحت بورصة دبي مكتبها في رامات غان في العام نفسه، بينما افتتحت بورصة الألماس الإسرائيلية مكتبها في دبي في فبراير 2022 وأعلن رسمياً عنه بحلول نهاية العام، لتصبح الإمارات بذلك بوابة رئيسية لتوريد الألماس الخام إلى “إسرائيل”، ومنفذاً إستراتيجياً لإدارة الألماس القادم من أفريقيا، بعيداً عن الرقابة الدولية.

عزز ذلك مكانة إسرائيل كواحدة من أكبر مراكز صناعة الألماس في العالم؛ ما ساهم بشكل مباشر في دعم الاقتصاد الإسرائيلي، إذ تُعتبر تجارة الألماس من المصادر الرئيسية للموارد المالية التي تُموَّل منها المؤسسات الحكومية الإسرائيلية، بما فيها المؤسسة العسكرية التي تفتك الأسلحة بأرواح الأطفال والنساء والرجال الفلسطينيين.

وحتى نهاية 2022، كانت هناك ٧٨ شركة إسرائيلية تتواجد في مركز دبي للسلع المتعددة، ثلثها يعمل في مجال الألماس، بحسب تصريحات رئيس بورصة دبي للألماس أحمد بن سليم، الذي كشف أنه ظل يتردد على إسرائيل منذ عام 2001 لتعزيز تجارة الألماس.

وفي ظل استمرار العدوان على غزة، تبدو تجارة الألماس بين أبوظبي والاحتلال أكثر من مجرد تجارة أحجار ثمينة، بل تُمثل نموذجاً واضحاً حول كيف يمكن أن تُستخدم العلاقات الاقتصادية في تغذية القتل وتمويل آلته.

وتُظهر البيانات المتاحة أن تجارة الألماس بين الجانبين ليست رمزية، بل ذات طابع استراتيجي؛ ففي عام 2021، صدّرت دولة الاحتلال ما قيمته 188 مليون دولار من الألماس الخام إلى الإمارات، بينما استوردت منها ما قيمته 244 مليون دولار، وهو ما يمثل 11.8% من إجمالي وارداتها من الماس الخام في ذلك العام.

أما في عام 2022، بلغت قيمة تجارة الألماس بين الجانبين 1.75 مليار دولار، بنسبة ارتفاع بلغت 163% عن العام السابق 2021، وفقا لإحصائيات أصدرها مركز دبي للسلع المتعددة.

ورغم انخفاض حجم تجارة الألماس الخام في إسرائيل عام 2023، إلا أن إحصائية إسرائيلية كشفت أن تجارة الألماس مع الإمارات خلال نفس العام كانت تمثل 27٪ من إجمالي واردات وصادرات الاحتلال الإسرائيلي.

وفي مارس 2024 لوحده، وفي خضم الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، والمقاطعة الاقتصادية الشديدة التي تلقاها الاحتلال الإسرائيلي، استوردت تل أبيب من الإمارات الماس خام بقيمة 57 مليون دولار، ما يُمثل 51% من وارداتها لذلك الشهر فقط، في الوقت الذي استوردت الإمارات ما قيمته 20 مليون دولار من الألماس الخام، يمثل 19% من الصادرات الإسرائيلية.

ويذهب جزء من الألماس الذي تستورده دولة الاحتلال الإسرائيلي إلى المؤسسة العسكرية للتصنيع العسكري، في حين يتم إعادة تصدير الجزء الآخر بعد قطعه وصقله في مراكز متخصصة في تجارة أهم الأحجار في العالم.

وتساهم صناعة الألماس بنحو مليار دولار سنويا في وزارة الجيش الإسرائيلية، مما يجعلها مصدرا ضخما لتمويل عمليات الاحتلال الوحشية في الأراضي الفلسطينية.

وتشير التقارير إلى أن نسبة كبيرة من المشاركين في هذه التجارة هم من الجنرالات السابقين في الجيش الإسرائيلي، وعملاء الموساد الذين انتقلوا إلى تجارة الأسلحة، واستخدموا أرباحهم لدعم الآلة العسكرية التدميرية للاحتلال، وتمويل بناء المستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية.

من بين هؤلاء بواز مولداوسكي رئيس بورصة الألماس الإسرائيلية الذي خدم كضابط في سلاح الجو الإسرائيلي، وافتتح المكتب في دبي عام 2022، وتفاخرت به مجلة “نيو جولري” الإماراتية الناطقة بالإنجليزية.

كما يبرز اسم الملياردير الإسرائيلي، وقطب الألماس البارز، ليف ليفيف، وهو مالك شركة “أفريقيا إسرائيل” للاستثمارات وشركتها التابعة دانيا سيبوس، المتورطتان في بناء مشاريع داخل المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية.

وقد أثار تورط شركات ليفيف في بناء المستوطنات انتقاداتٍ وتحركاتٍ دولية. على سبيل المثال، في عام 2008، ألغت الحكومة البريطانية خططاً لنقل سفارتها إلى مبنى تملكه شركة “أفريقيا إسرائيل” بسبب أنشطة الشركة الاستيطانية.

ورداً على هذه الأنشطة، نظمت جماعات مناصرة للقضية الفلسطينية حملاتٍ تحث على مقاطعة أعمال ليفيف، ما أدى إلى نأي العديد من المنظمات والشخصيات العامة بنفسها عنه؛ فعلى سبيل المثال رفضت منظمتا اليونيسف وأوكسفام علناً تبرعات ليفيف، بسبب مخاوف بشأن دور شركاته في بناء المستوطنات.

لذلك لا يقتصر أثر الألماس الإماراتي على الاقتصاد الإسرائيلي فحسب، بل إنه يُعيد تشكيل منظومة “التطبيع الاقتصادي غير المشروط”، التي تمنح إسرائيل المزيد من الموارد دون أي التزام بتغيير سياساته تجاه الفلسطينيين، فرغم وعود أبوظبي بوقف الاستيطان والعمل على إقامة دولة فلسطينية، إلا أن اتفاقيات التطبيع مع تل أبيب لا تتضمّن أي بنود تحفظ حقوق الفلسطينيين.

وفي الوقت الذي يعاني فيه الشعب الفلسطيني من الحصار والعدوان المستمر، تستمر هذه الشراكات الاقتصادية في تأمين إيرادات ضخمة للاحتلال، مما يساهم في تمويل الحروب ضد الفلسطينيين وزيادة معدلات العنف والدمار في الأراضي المحتلة.

والألماس الذي يتلألأ في متاجر تل أبيب هو في الحقيقة ليس مجرد زينة فاخرة يتسابق إليها الأثرياء، بل جزءاً من منظومة اقتصادية تغذّي آلة عسكرية لا تتوقف عن سحق جماجم الأطفال العرب في فلسطين.

وفي الوقت الذي تُحاصر فيه غزة، ويُقصف فيها كل شيء دون استثناء، تتدفق مليارات الدولارات في قطاع الألماس إلى خزائن الاحتلال، وتُضخ في ميزانيات تصنع القنابل والطائرات التي تفتك بأجساد الفلسطينيين.

مقالات مشابهة

  • أبو الغيط: الحرب الوحشية الإسرائيلية تتواصل يوميا ضد المدنيين في غزة
  • إسطنبول: المدينة التي حملت أكثر من 135 اسمًا عبر التاريخ
  • حياة بدائية مريرة خلفتها الحرب الإسرائيلية في قرى الجنوب اللبناني
  • القاهرة تؤكد ضرورة انسحاب إسرائيل بشكل كامل من جنوب لبنان
  • الحوثيون يتجاهلون ضربات حساسة إستهدفت مقاتليهم بشكل جماعي .. تفاصيل الضربات المنسية في الاعلام الحوثي .. عاجل
  • غزة.. أكثر من 160 ألف قتيل ومصاب منذ بدء الحرب الإسرائيلية
  • هكذا تُموّل الامارات آلة الحرب الإسرائيلية على الفلسطينيين
  • مصر والكويت تستنكران الدعوات الإسرائيلية لتفجير المسجد الأقصى
  • مصر تعلق على "الدعوات الإسرائيلية لتفجير المسجد الأقصى"
  • عودة الحياة إلى الخرطوم: من المدينة الرياضية بدأت الحرب… ومنها تعود الحياة