هل يحتكر شهر رمضان روحانيتنا؟
تاريخ النشر: 28th, March 2025 GMT
منذ أن كنتُ طفلًا، كنت أرى الناس يتدفقون إلى المسجد القريب من منزلنا بمجرد ما يأتي شهر رمضان، وجوه أراها للمرَّة الأولى، وأصدقاء أعرفهم لم يأتوا للصلاة في هذا المسجد من قبل، ربما باستثناء صلاة الجمعة. كنت دائمًا أتساءل عن هذا الأمر. لماذا يأتي هؤلاء الأشخاص للصلاة فقط في رمضان؟ ولماذا يعود المسجد للحالة المعتادة حين ينتهي الشهر؟ الآن أصبح بإمكاني وضع مقدمات لتفسير هذا الأمر وفق منظوري الاجتماعي، ذلك لأن هذه الظاهرة نالت انتباه الكثير مثلي، بل لنتعدى موقف السخرية والنكتة في ردّة فعلنا تجاهها.
وللإجابة عن التساؤلات أعلاه يستوجب طرح بعض نواتج هذه الظاهرة، ثم تحليل ما يمكن تحليله. مجرد التباين بين بقية الأشهر وشهر رمضان في هذا الموضوع يشير لوجود بعض من العوامل الإيجابية والسلبية التي تسبّب مثل هذه الظاهرة. فمن الجليّ أن زيادة العبادة والروحانية تستدعي أداء الصلوات في المساجد خلال الشهر الفضيل. كما أن التقارب بين العبد والمعبود يزداد، علاوة على أن الإفطار الجماعي الذي يقام في المساجد عامل قوي. بالرغم من كل هذه الإيجابيات ما زالت هذه المسألة تستثيرني. ففي الجانب الآخر هناك أسباب أخرى بديهية، مثل غياب الشهر ذاته، حيث تقلّ المحفّزات التي تدفع الناس للصلاة في المساجد والتهجد وغيرها من العبادات، تقلّ بغياب الأجواء الرمضانية. كما أن الروتين المعتاد قبل رمضان يعود بمجرد ما ينتهي الشهر، وهو ذاته الذي يجعل من الالتزام الديني بالصلاة في المساجد أمر أكثر صعوبة في الشهور الأخرى، وهذا يأخذنا إلى السبب التالي، وهو عدم وجود عادة دينية قوية تدفع الناس إلى عدم الاستمرار في العبادات بالحماس نفسه الذي يولونه في الشهر المبارك.
لكن العامل الأهم من وجهة نظري قد يُعزى إلى «التديُّن الموسمي»، أي تلك الزيادة الروحانية في شهر رمضان بشكل خاص، الروحانية المدفوعة بسبب الأجواء العامة في المجتمع، وبمجرد ما ينتهي الشهر ينتهي هذا الشعور الجمعي. بكل تأكيد لشهر رمضان خصوصيّته الدينية لدينا جميعًا، يكفي أن القرآن الكريم أُنزل في حضرته، لكن هذه تساؤلات مثيرة ترافق ظاهرة مثيرة أيضًا. على ما يبدو أننا نرى هنا بوادر انتقال التديُّن ليكون عادة أكثر منه التزام دائم. وقد تفيدنا دراسة أجريت في العام الماضي بجامعة برنستون أثبتت أن القيم الأخلاقية تتغير باختلاف المواسم.
لماذا يبدو وكأن شهر رمضان يحتكر روحانيتنا؟ خاصةً مع وجود ما يسمى الآن بالروحانية الجديدة التي تنطلق من روحانية إنسانية لا يكون شرطها التديُّن، لكنه جزء أساسي منها. إذن، الدين وفق هذا المنظور لا يشكِّل المصدر الوحيد للروحانية، بالتالي هذا يزحزح علَّة أن رمضان يزيد من روحانية الناس، بل هذه الروحانية متاحة للجميع طوال الوقت لمن ابتغاها. يقول الفيلسوف والمترجم فتحي المسكيني أن الإيمان الحرّ يرتبط بالروح مباشرة، بكينونة الروح. هذه الروحانية الجديدة فردية، بينما الروحانية الدينية فعلٌ جماعي متعارف عليه وقديم، وهو بالذات ما يحدث في رمضان، أي ما يثبت حدوث تغيُّر اجتماعي من نوعٍ ما.
سوسيولوجيًا، هناك عدّة عوامل تستنبَط من الواقع الاجتماعي. ويبدو العامل الأول واضحًا في الضغط الاجتماعي المُمارس على الناس من قِبل الناس، أعني أن شهر رمضان هو شهر الروحانيات والتعبد على مستوى المجتمعات الإسلامية، بناءً على ذلك يتوقع الجميع من الجميع أن يحضروا للمساجد، هذا يشكِّل عامل ضغط يدفع الجميع أو الأغلب في رمضان لتلبية هذه التوقعات، وهذا يتفق مع ما قاله عالم الاجتماع إرفينغ غوفمان وفق نظرته في التفاعلية الرمزية من أن جزءا من التفاعلات الاجتماعية قائمة على توقعات Expectations، أي أن الأفراد في المجتمع يؤدون أدوارًا مختلفة ويتكيفون مع المطلوب منهم اجتماعيًا، وذلك لتفادي الضريبة الاجتماعية.
إضافةً لما سبق، قد يكون شهر رمضان أكثر اجتماعيّة فيما يخص العبادات؛ إذ يكون الالتزام الديني في العلن أوضح وأكثر بروزًا في رمضان مقارنة بالشهور الأخرى، حيث يصبح الذهاب للمسجد فعلًا اجتماعيًا بتبعاته المختلفة. بينما تميل العبادات في الشهور الأخرى إلى الفردانية، أي تصبح ممارسة فردية أكثر من كونها جماعية.
كما لا ننسى ذلك الشعور الطاغي بالإنجاز الذي يرافق شهر رمضان، حيث يشعر الناس بأنهم قد أدُّوا واجبهم الديني عبر التعبُّد المكثف والصلاة في أوقاتها، لكن هذا الشعور يخفت بعد انتهاء الشهر، وتنتفي الحاجة إلى هذه السلوكيات بعد ذلك وينتهي الالتزام، بغض النظر إن كان هذا مقصودًا أم لا.
بعد هذا كله، هناك ما يدلُّ من القرآن الكريم على أن التدين والروحانية لا تقيَّد بمكان وزمان، كقوله تعالى في الآية 103 من سورة النساء: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا)، وكذلك الآية رقم 99 من سورة الحجرات: (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ).
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی المساجد شهر رمضان فی رمضان
إقرأ أيضاً:
الإفتاء حسمت الأمر.. ما حكم تداول رسائل توديع رمضان وتهنئة العيد؟
في الوقت الذي انتهى فيه شهر رمضان المبارك وبدأ عيد الفطر، يبدأ الكثيرون من المسلمين في البحث عن طرق للتعبير عن مشاعرهم تجاه العيد.
ومن بين هذه الوسائل، تداول رسائل توديع شهر رمضان عبر وسائل التواصل الاجتماعي والتهنئة بعيد الفطر. ولكن، هل يعتبر هذا الفعل بدعة في الدين الإسلامي أم هو أمر جائز شرعًا؟
حكم رسائل تهنئة العيدقامت دار الإفتاء المصرية بتوضيح حكم تداول رسائل توديع شهر رمضان وتهنئة العيد، حيث أكدت أنه لا ضرر شرعي في ذلك.
وجاء في بيان المفتي السابق، الدكتور شوقي علام، أنه من الجائز إرسال برقيات ورسائل تتعلق بتوديع هذا الشهر، لأن تلك الرسائل تعمل على تنبيه المسلمين بقرب انتهاء موسم الخيرات.
يأتي إقرار دار الإفتاء بأن تداول رسائل توديع رمضان وتهنئة العيد ليس بدعة، استنادًا إلى سلوك الصحابة الكرام، الذين كانوا يعبرون عن مشاعرهم تجاه هذا الشهر.
رسائل الصحابة في رمضان والعيدأشار الدكتور علام، إلى أن بعض الصحابة كانوا يتبادلون التهاني والمواساة في نهاية الشهر، مثلما كان يُروى عن علي بن أبي طالب وعبد الله بن مسعود، حيث كانوا ينادون في ليالي آخر شهر رمضان ويتمنون القبول للمستغفرين.
وبحسب دار الإفتاء، فإنه من المهم أن نذكر كيف أن التراث الإسلامي قد احتوى على أمثلة عديدة من سيرة الصحابة، الذين لم يترددوا في التعبير عن مشاعرهم المرتبطة بشهر رمضان.
وأورد ابن رجب الحنبلي في كتابه "لطائف المعارف" بعض هذه الأقوال، مما يدل على أن الفرح والضيق في نهاية هذا الشهر كان موضوعًا متداولاً بينهم.
صلاة عيد الفطر 2025جدير بالذكر أن دار الإفتاء، قد حددت اليوم الاثنين 31 مارس 2025، أول أيام شهر شوال وأول أيام عيد الفطر المبارك 1446 هجريًا، حيث كان الأحد هو المتمم لشهر رمضان المبارك.
وجاءت مواعيد صلاة عيد الفطر 2025، كالآتي:
مرسى مطروح 6:27 صباحًا
كفر الشيخ 6:13 صباحًا
سوهاج 6:11 صباحًا
الفيوم 6:14 صباحًا
الزقازيق 6:10 صباحًا
قنا 6:07 صباحًا
دمياط 6:09 صباحًا
شرم الشيخ 6:00 صباحًا
الطور 6:03 صباحًا
العريش 6:01 صباحًا
بني سويف 6:13 صباحًا
الإسماعيلية 6:07 صباحًا
بنها 6:12 صباحًا
المنصورة 6:11 صباحًا
الإسكندرية 6:16 صباحًا
دمنهور 6:14 صباحًا
القاهرة 6:13 صباحًا
الجيزة 6:12 صباحًا
المنيا 6:14 صباحًا
أسيوط 6:13 صباحًا
أسوان 6:07 صباحًا
أبوسمبل 6:13 صباحًا
الغردقة 6:03 صباحًا
الخارجة 6:17 صباحًا
نويبع 5:59 صباحًا
حلايب 5:53 صباحًا
شلاتين 5:57 صباحًا
الطور 6:03 صباحًا
شبين الكوم 6:13 صباحًا
بورسعيد 6:07 صباحًا
السلوم 6:35 صباحًا