وافق مجلس الوزراء الإسرائيلي في الأسبوع الماضي على إنشاء "هيئة لإدارة الهجرة الطوعية" للفلسطينيين "من غزة". تتألف هذه "الهيئة" من موظفين إسرائيليين من وزارات العدل، والخارجية، والداخلية، والمالية، والنقل، والشؤون الاستراتيجية، بالإضافة إلى ممثلين عن جيش "الدفاع" الإسرائيلي، ومنسق أعمال الحكومة في المناطق، وجهاز الأمن العام (الشاباك)، ومجلس الأمن القومي، وشرطة إسرائيل.
شبّه عضو الكنيست عوفر كاسيف لجنة التهجير الإسرائيلية الجديدة بما يعرف بـ"المكتب المركزي للهجرة اليهودية" النازي الذي أنشأه الألمان في شهر آب/ أغسطس 1938 لتشجيع الهجرة "الطوعية" لليهود من ألمانيا النازية والنمسا التي كانت ألمانيا قد ضمّتها آنذاك. وقد نشر كاسيف صورة على موقع إكس (تويتر) ليهود ألمان مصطفّين خارج مكتب الهجرة في برلين عام 1938. في المقابل، قدّم عضو الكنيست ألموغ كوهين، عضو الحزب اليميني الكاهاني "القوة اليهودية"، شكوى ضد كاسيف لدى لجنة الأخلاقيات في الكنيست، متهما إياه بـ"دعم الإرهاب"، ورافضا "مقارنته المشينة بين برنامج الهجرة الطوعية لسكان غزة والهجرة الطوعية لليهود من ألمانيا النازية".
يأتي الإعلان عن "الهيئة" الإسرائيلية الجديدة عقب تسريب أنباء عن تواصل الولايات المتحدة وإسرائيل مع السودان والصومال وجمهورية أرض الصومال الانفصالية كوجهات بديلة محتملة للفلسطينيين الذين تخطط إسرائيل لطردهم من غزة، في ضوء رفض مصر والأردن استقبالهم. ولم تكن هذه الوجهات الوحيدة المقترحة، فقد سبق أن أجرى الإسرائيليون محادثات منذ كانون الثاني/ يناير 2024 مع رواندا وتشاد لاستكشاف مدى استعدادهما لاستقبال الفلسطينيين الذين تخطط إسرائيل لطردهم من غزة. في الواقع، تعود أول خطة لطرد فلسطينيي غزة إلى الأسبوع الأول بعد اندلاع الحرب، حيث كشفت وثيقة أعدتها وزارة الاستخبارات الإسرائيلية، مؤرخة في 13 تشرين الأول/أكتوبر 2023، عن مقترح لطرد فلسطينيي غزة إلى سيناء، بالإضافة إلى إسبانيا واليونان وكندا. ولم تُعلن أي جهة حتى الآن قبولها استقبال الفلسطينيين.
ومن المثير للدهشة أن إنشاء هذه "الهيئة" الإسرائيلية الجديدة لتهجير الفلسطينيين قد أحدث صدمة كبيرة لدى الكثيرين، بما في ذلك دول عربية، رغم أن الحركة الصهيونية سبق أن أنشأت ثلاث لجان لطرد للفلسطينيين منذ ثلاثينيات القرن العشرين. والمفارقة أن أول "لجنة تهجير السكان" شكّلها الصهاينة كانت في تشرين الثاني/ نوفمبر 1937، وذلك تنفيذا لمقترحات تقرير لجنة بيل البريطانية الذي أوصى بطرد نحو ربع مليون فلسطيني من حدود الدولة اليهودية التي اقترحت بريطانيا إقامتها في فلسطين. أي أن هذه اللجنة الصهيونية كانت صاحبة الريادة في هذا المضمار، حيث سبقت إنشاء "المكتب المركزي للهجرة اليهودية" النازي بعشرة أشهر. وقد أنشأت الوكالة اليهودية "لجنة تهجير السكان" الثانية في عام 1941، وثالثة أيضا خلال الغزو الصهيوني لفلسطين في أيار/ مايو 1948. وقد قام الصهاينة والإسرائيليون بتهجير أكثر من ثلاثة أرباع مليون فلسطيني بين كانون الأول/ ديسمبر 1947 وكانون الثاني/ يناير 1949 وفق الخطط التي وضعتها هذه اللجان.
وقد شبّه آخرون الخطة الإسرائيلية- الأمريكية الجديدة بـ"خطة مدغشقر" النازية، التي وضعها النازيون قبل اتخاذهم قرار إبادة يهود أوروبا. إلا أن خطة مدغشقر لم تكن ابتكارا نازيا، بل كانت جزءا من خطط سابقة لمنظمة "رابطة فريلاند للاستعمار الإقليمي اليهودي"، وهي منظمة صهيونية إقليمية أسسها في لندن اليهودي الروسي المنفي المناهض للسوفييت إسحاق شتاينبرغ عام 1935، للبحث عن مواقع استيطانية لليهود حول العالم بالإضافة إلى فلسطين. وقد بحثت الرابطة عن عدة مواقع محتملة للمستعمرات اليهودية في أفريقيا وأوقيانوسيا وأمريكا الجنوبية. ومن بين خططها الأولى في عام 1936، كان اقتراح استعمار مدغشقر، التي كانت آنذاك مستعمرة فرنسية. من الأهمية بمكان مراجعة خطة مدغشقر التي يمكننا اعتبارها سابقة مثيرة للاهتمام للخطة الحالية لتهجير الفلسطينيين إلى سيناء أو دول أفريقية أخرى، لا سيما وأن صهاينة ومعادي السامية كانوا قد خططوا لها معا.
في عام 1936، تعاونت "رابطة فريلاند" (وتعني "الأرض الخالية") لأول مرة مع "جمعية الهجرة والاستعمار اليهودي الفرنسية"، التي أصبحت فرع رابطة فريلاند في باريس، ووزير المستعمرات الفرنسي، ماريوس موتيه الذي خدم في حكومة أول رئيس وزراء يهودي لفرنسا، ليون بلوم، لاستكشاف الاستعمار الاستيطاني اليهودي المحتمل لكاليدونيا الجديدة وغيانا الفرنسية، ولا سيما جزيرة مدغشقر. كما تعاونت الرابطة أيضا مع الحكومة البولندية، وخاصة وزير الخارجية البولندي المعادي للسامية الكولونيل بيك، الذي استشار بلوم بشأن خطة مدغشقر.
وقد قام المؤتمر اليهودي العالمي الأمريكي والمنظمة الخيرية اليهودية "لجنة التوزيع المشتركة الأمريكية" بالتنسيق مع موتيه بشأن جدوى الخطة. وقد كان الألماني المعادي للسامية بول دي لاغارد هو أول من اقترح مدغشقر في عام 1885 كمكان يجب ترحيل اليهود الأوروبيين إليه. وبتحريض من القادة اليهود في رابطة فريلاند، قام الكولونيل بيك المعادي للسامية ووزارة خارجيته في عام 1937 بالتنسيق مع موتيه المحب لليهود (كانت زوجة موتيه لاجئة يهودية من أوروبا الشرقية) لإرسال بعثة إلى مدغشقر ضمت يهوديين بولنديين (أحدهما سولومون ديك، وكان مستوطنا مستعمرا مسلحا في فلسطين، والآخر هو البولندي ليون ألتر) وضابطا عسكريا كاثوليكيا بولنديا يُدعى ميشيسلاف ليبيكي، للتحقق من مدى ملاءمة الجزيرة للاستعمار اليهودي. غادر الثلاثة في ربيع عام 1937 ومكثوا في الجزيرة لأكثر من ثلاثة أشهر، عادوا بعدها إلى باريس في أيلول/ سبتمبر من العام نفسه لإطلاع بيك على نتائجهم المتفائلة.
توقعت رابطة فريلاند أن تتعرض إلى دعاية سلبية من قبل اليهود، إذ سيُنظر إليها على أنها تعمل مع معادين للسامية، لكنها قررت أن الحملة فرصة "للترويج" لـ"النفوذ السياسي" للرابطة. وبينما لم يكن تقرير "لجنة التوزيع المشتركة الأمريكية" متفائلا بشأن الإمكانات الاستعمارية للجزيرة، إلا أنه أشار إلى التقييم الإيجابي لاستعمار مدغشقر من قبل اليهود البولنديين، وأنه "يمكن أن تكون مستعمرة للأوروبيين". وقد كتب ديك تقريره الشخصي وقدمه إلى المسؤول الاستعماري المتنفذ في المنظمة الصهيونية العالمية آرثر روبين. وفي عام 1938، شجعت الحكومة البولندية المعادية للسامية على إنشاء منظمات استعمارية من قبل صهاينة بولنديين لهذا الغرض، بما في ذلك "لجنة النهوض بالاستعمار اليهودي في مدغشقر وكينيا".
أعرب ألتر، العضو اليهودي البولندي الآخر في وفد مدغشقر، عن قلقه إزاء مقاومة السكان الأصليين للاستعمار اليهودي في مدغشقر وصعوبة إقناع اليهود البولنديين بالانتقال إلى هناك، وتوقع أن تكون معارضة السكان الأصليين في مدغشقر "أشد من معارضة العرب لليهود في فلسطين". في الواقع، كانت الصحف في مدغشقر قد نشرت مقالات في حينه تعارض فيها الاستعمار اليهودي، تخوفا من "غزو سامي". لكن رغم ذلك، واصلت الحكومة الفرنسية دعم المشروع، وانضمت إليها لاحقا وزارة الخارجية البريطانية التي دعمت أيضا فكرة مدغشقر كمستعمرة استيطانية يهودية.
لم يُبدِ النازيون اهتماما بالخطة إلا بعد غزوهم واحتلالهم لفرنسا في أيار/ مايو 1940. وقد تم تطوير المقترح النازي في صيف عام 1940 وأيده القائد النازي هاينريش هيملر وهتلر نفسه، وخططوا لإرسال اليهود المُهجّرين إلى مدغشقر. وبمجرد وصولهم، سيُمنح اليهود، بحسب الخطة، "حكما ذاتيا تحت إدارة الشرطة الألمانية"، وستكون لهم "إدارتهم الخاصة.. ورؤساء بلدياتهم، وشرطتهم، وخدماتهم البريدية، وخدمات السكك الحديدية". استُدعي أدولف أيخمان كمخطط رئيس، وقدّم خطة لإرسال أربعة ملايين يهودي على مدى أربع سنوات إلى "الدولة اليهودية" في مدغشقر. وتقرر استخدام الممتلكات اليهودية الأوروبية المُصادرة لدفع تكاليف الاستيطان. استمر العمل بالخطة حتى شتاء عامي 1941 و1942.
اقترحت الجماعة الإرهابية الصهيونية التصحيحية في فلسطين، عصابة شتيرن، على النازيين التعاون معهم بشأن خطة مدغشقر. ولم تنتهِ اتصالات الشتيرنيين بالنازيين حتى كانون الأول/ ديسمبر 1941، حيث اكتشفت الشرطة البريطانية عملاءهم وألقت القبض عليهم. وقد تم إلغاء الخطة النازية بمجرد غزو البريطانيين واحتلالهم لجزيرة مدغشقر التي كانت تحت سيطرة حكومة فيشي في منتصف عام 1942، وفي ذلك الوقت كان النازيون قد اتخذوا قرارهم النهائي بإبادة يهود أوروبا.
بالطبع، لا يختلف تاريخ النازيين وغيرهم من معادي السامية الأوروبيين عن تاريخ الأمريكيين البيض وتاريخ الولايات المتحدة الحافل بجرائم تهجير الأمريكيين الأصليين من أراضيهم. وما حدث في "درب الدموع" الذي شهد تهجير وموت آلاف الأمريكيين الأصليين بموجب "قانون ترحيل الهنود" بين عامي 1830 و1850 ليس سوى جزء من الفظائع العديدة التي تعرض لها الأمريكيون الأصليون. والأمثلة على التهجير القسري لمئات الآلاف من الناس في العالم المُستعمَر أكثر من أن تحصى، سواء ما قام به الفرنسيون في الجزائر ومستعمراتهم الأخرى، أو ما قام به البرتغاليون في أنغولا وموزمبيق.. إلخ.
لعل أهم الدروس التي يمكن تعلّمها من خطة مدغشقر أو قانون ترحيل الهنود، هي السهولة التي تُخطط بها الأنظمة الإبادية والعنصرية لطرد السكان، وسرقة أراضيهم وممتلكاتهم، بتجاهل وعدم مبالاة للمعاناة الإنسانية، وازدراء وتجاهل لمقاومة السكان الذين يُخططون لطردهم أو مقاومة سكان البلدان التي يُخططون لطردهم إليها.
تتعامل إسرائيل والولايات المتحدة مع دول مثل تشاد، والصومال، والسودان، ورواندا، وسيناء وكأنها أراضٍ خالية تنتظر وصول المرحَّلين الفلسطينيين. في المقابل، يواصل الخطاب الأوروبي الليبرالي الترويج لفكرة أن أوروبا تعلمت الدرس بعد المحرقة النازية وأصبحت "متحضرة"، في حين أن الواقع يُظهر أن السياسات الإسرائيلية والأمريكية الراهنة تجاه الفلسطينيين ليست إلا امتدادا لنفس الوحشية الأوروبية والأمريكية التي عانت منها الشعوب المستعمَرة عبر التاريخ.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه غزة الفلسطينيين التهجير اليهودية النازيين فلسطين غزة يهود تهجير نازيين مقالات مقالات مقالات من هنا وهناك سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی فلسطین فی مدغشقر فی عام
إقرأ أيضاً:
دعوات استيطانية لذبح “القرابين” داخل الأقصى بالتزامن مع عيد “الفصح” اليهودي
#سواليف
دعت منظمة “عائدون إلى الجبل/ #حوزريم_لهار”، الاستيطانية أنصارها إلى البدء بمحاولة #ذبح #قربان #عيد_الفصح اليهودي، داخل #المسجد_الأقصى المبارك أو على أعتابه، ابتداء من اليوم الأحد ، 6 أبريل/نيسان.
وخاطبت المنظمة – التي اشتُهرت بدعواتها السنوية لذبح القربان – أنصارها إلى القدوم إلى البلدة القديمة في مدينة #القدس_المحتلة، برفقة عنزة أو خاروف، ابتداء من اليوم الأحد، والمحاولة على مدار الأسبوع القادم، استعدادا لتقديم القربان في وقته، و”تحقيق وصايا التوراة في الوقت المناسب”، وفق تعبيرهم.
يذكر أن #عيد_الفصح اليهودي سيبدأ يوم الأحد، 13 أبريل/نيسان الجاري، وسيستمر لمدة أسبوع، ويحاول فيه المستوطنون ذبح قربان حيواني داخل المسجد الأقصى أو عند أبوابه.
مقالات ذات صلة خبير عسكري مصري: حماس أحيت القضية الفلسطينية رغم الخسائر الكبيرة في غزة 2025/04/06طقس تلمودي تهويدي
وتفترض ” #جماعات_الهيكل”الاستيطانية، بحسب النصوص التلمودية، ضرورة إدخال ماعز صغير على الأقل إلى المسجد الأقصى المبارك، وذبحه؛ “تقربًا إلى الله في عيد الفصح العبري كل عام، وتفترض الرواية التوراتية أن كل من يستطيع تقديم القرابين يجب عليه ذلك”.
وتمكنت “جماعات الهيكل” المتطرفة من إقامة عددٍ من الطقوس الدينية داخل الأقصى خلال السنوات الماضية، ومنها النفخ في البوق وتقديم القرابين النباتية، وأداء الصلوات، إلا أنهم فشلوا في إقامة طقس “ذبح الحيوانات”، إذ يعد طقس ذبح القرابين الحيوانية داخل المسجد الأقصى، هو الطقس الديني الوحيد الذي لم تتمكن تلك الجماعات المتطرفة من تنفيذه حتى الآن.
وبحسب زعمهم، فإن ذبح القربان تتويج لتلك الطقوس، وخاتمة لها، ويعد نجاحًا في تثبيت التأسيس المعنوي والمادي للهيكل المزعوم.
دعوات للتصدي
من جانبها، اعتبرت حركة حماس، دعوات جماعات “الهيكل المزعوم” الاستيطانية لإدخال القرابين وذبحها خلال “عيد الفصح” اليهودي داخل باحات المسجد الأقصى، “تصعيدا خطيرا في الحرب الدينية، واستمرارا في نهج إسرائيل لاستهداف وتهويد المقدسات الإسلامية.
جاء ذلك في بيان للحركة، حذرت فيه من “تداعيات هذه الدعوات المتطرفة” للمستوطنين الإسرائيليين.
وأكدت أن تلك الدعوات لن تغير من هوية المسجد الأقصى، ولن تمنح الاحتلال الإسرائيلي أي شرعية أو حق فيه.
وأردفت: “نهيب بجماهير أمتنا العربية والإسلامية للذود عن الأقصى ونصرته بكل السبل الممكنة، فهذا واجب الوقت، لا سيّما في هذه المرحلة الحساسة التي يصعّد فيها الاحتلال من مخططاته التهويدية الخطيرة”.
ودعت حماس الشعب الفلسطيني “في القدس والضفة والداخل المحتل إلى الحشد والنفير والرباط، والتواجد المكثف في باحات المسجد الأقصى، لإفشال مخططات المستوطنين، ومنع أي محاولة لإدخال القرابين أو أداء الطقوس التلمودية”.