شهدت سوريا تحولًا سياسيًا جوهريًا عقب سقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/ كانون الأول 2024، إثر معركة "ردع العدوان"، الأمر الذي فتح الباب واسعًا أمام انطلاق مرحلة انتقالية نحو إعادة بناء النظام السياسي السوري على أسس من التعددية السياسية، والمشاركة الشعبية، واحترام حقوق الإنسان.

وقد جاءت هذه المرحلة بعد إعلان "إدارة العمليات العسكرية" في 9 ديسمبر/ كانون الأول 2024 تشكيل حكومة تسيير أعمال كإجراء مؤقت، وتلاه اتفاق في 24 ديسمبر/ كانون الأول على حل جميع الفصائل العسكرية ودمجها تحت مظلة وزارة الدفاع، وصولًا إلى الإعلان الرسمي لـ "انتصار الثورة" في 30 يناير/ كانون الثاني 2025، وتعيين السيد أحمد الشرع رئيسًا مؤقتًا لسوريا.

شكلت هذه التطورات نقطة تحول جوهرية، ليس فقط لانتهاء حقبة استبداد طويلة امتدت لأكثر من نصف قرن، بل أيضًا لما تحمله من فرص حقيقية لتحقيق انتقال سياسي ديمقراطي يضع حدًا لنظام الحكم الأسدي المركزي والإقصائي، ويؤسس لنظام تعددي يكرّس المشاركة السياسية لجميع السوريين دون تمييز أو إقصاء.

ومع ذلك، تواجه المرحلة الانتقالية جملة من التحديات المعقدة، أبرزها ضعف مؤسسات الدولة، والانقسام المجتمعي العميق، وتدخلات القوى الخارجية، إلى جانب الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي خلّفتها سنوات النزاع الطويلة.

طرحت الشبكة السورية لحقوق الإنسان رؤية تهدف إلى تجاوز هذه التحديات من خلال وضع خارطة طريق متكاملة للانتقال السياسي، تبدأ بتشكيل هيئة حكم، مرورًا بصياغة إعلان دستوري مؤقت، وتشكيل حكومة انتقالية فعالة، وصولًا إلى صياغة دستور دائم وإجراء انتخابات حرة ونزيهة تؤسس لنظام حكم مستقر وديمقراطي.

إعلان

كما تؤكد الرؤية على ضرورة إنشاء هيئة وطنية للعدالة الانتقالية لمعالجة انتهاكات الماضي وتحقيق المصالحة الوطنية.

يسعى هذا المقال إلى تحليل هذه الرؤية، عبر تقديم إطار تفصيلي يوضح الخطوات العملية الواجب اتخاذها لضمان انتقال سياسي ناجح يحقق التعددية السياسية، والعدالة، والاستقرار، ويحمي سوريا من مخاطر العودة إلى الاستبداد أو الصراعات الداخلية، مع إبراز الدور المحوري لكل من القوى السياسية، وهيئات المجتمع المدني، والدعم الدولي في إنجاح هذه المرحلة المفصلية من تاريخ سوريا.

من الشرعية الثورية نحو التعددية السياسية

تُمثِّل الشرعية الثورية الإطار السياسي والقانوني الذي تستند إليه القوى التي أطاحت بالنظام القديم، وتنشأ أساسًا من حدوث قطيعة جذرية مع الحكم السابق.

في الحالة السورية، استمدَّت المرحلة الانتقالية شرعيتها الثورية من إسقاط نظام الأسد في ديسمبر/ كانون الأول 2024، ما منح القيادة الجديدة تفويضًا شعبيًا مؤقتًا لتسيير شؤون البلاد في هذه الفترة الحسَّاسة.

وعلى الرغم من أهمية هذه الشرعية في تثبيت أسس الحكم الانتقالي ومنع الفوضى السياسية، فإن استمرارها لفترة طويلة دون تحويلها إلى نظام تعددي، يحمل في طياته مخاطر جدية.

من أبرز هذه المخاطر تمركز السلطة بيد عدد محدود من الفاعلين السياسيين، مما قد يؤدي إلى إعادة إنتاج أنماط الحكم الاستبدادي القديم، وتقويض الأسس التي قامت عليها الثورة.

1 – تشكيل هيئة للحكم

تُعدُّ عملية تشكيل هيئة الحكم خطوة محورية لضمان الانتقال السياسي المنظَّم من الشرعية الثورية إلى نظام سياسي تعددي في سوريا. تبرز أهمية هذه الهيئة من خلال دورها في تعزيز التشاركية السياسية والاستقرار المجتمعي خلال المرحلة الانتقالية.

فوجود هيئة حكم تضم مختلف القوى السياسية والاجتماعية يُمثل ضمانة أساسية لإشراك كافة مكونات الشعب السوري، ما يعزز الشعور بالثقة في العملية السياسية ويمنع احتكار السلطة من قِبل فئة معينة، ويقلل من احتمالات ظهور صراعات جديدة.

إعلان

ولضمان نجاح هذه الهيئة وفاعليتها، ينبغي أن يتم اختيار أعضائها وفق معايير واضحة ومحددة، من أبرزها ضمان التمثيل الشامل لمختلف فئات المجتمع السوري، بما يشمل التنوع السياسي، والديني، والعرقي، والمناطقي، بهدف منع التهميش أو الإقصاء لأي مجموعة كانت.

كما يجب أن تتوفر لدى أعضاء الهيئة معايير الكفاءة المهنية والخبرة العملية في مجالات الحوكمة، والقانون، والإدارة، مع ضرورة الالتزام بالنزاهة الشخصية والابتعاد عن كل من تورّط في قضايا فساد أو انتهاكات حقوق الإنسان.

ولتحقيق قبول شعبي واسع للهيئة، يجب اختيار شخصيات ذات مصداقية تستند إلى الشرعية الثورية، ولديها التزام واضح بالتعددية واحترام حقوق الإنسان وسيادة القانون.

أما بالنسبة لآليات اختيار أعضاء هيئة الحكم، فينبغي اعتماد أسلوب التوافق الوطني، من خلال مشاورات واسعة تُجرى بين القوى السياسية ومنظمات المجتمع المدني وممثلي الفئات المجتمعية المختلفة، للوصول إلى قائمة من الأعضاء المقبولين على نطاق واسع.

ويمكن الاستعانة بلجان مستقلة ومحايدة تتولى التحقق من استيفاء المرشحين المعايير المتفق عليها، ما يعزز شفافية العملية ومصداقيتها أمام الرأي العام.

أما على صعيد هيكلة هيئة الحكم، فمن المهم توزيع الصلاحيات بشكل متوازن وواضح بين السلطات الثلاث: التنفيذية، والتشريعية، والقضائية. وفي هذا السياق، تتولى السلطة التنفيذية إدارة المرحلة الانتقالية وتنفيذ السياسات المتوافق عليها، بينما تمارس السلطة التشريعية دورها في إصدار التشريعات اللازمة، ومراقبة أداء الحكومة، وتضمن السلطة القضائية استقلالها الكامل في مراقبة تطبيق القوانين وحماية الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين، بما يضع أساسًا قانونيًا متينًا لعملية التحول الديمقراطي.

وأخيرًا، فإنّ الدور الدولي في دعم هيئة الحكم يجب أن يكون استشاريًا وتقنيًا فقط، بحيث يقتصر على تقديم المساعدة الفنية والاستشارات اللازمة دون التدخل في استقلالية القرار الوطني السوري.

إذ يمكن للجهات الدولية تقديم الخبرات التقنية، والتدريب، والوساطة في حال نشوب خلافات داخلية، مع التشديد على ضرورة احترام السيادة الوطنية لسوريا وعدم فرض حلول خارجية. يضمن هذا النهج التوازن بين الاستفادة من الدعم الدولي وبين الحفاظ على استقلالية العملية الانتقالية ومصداقيتها أمام السوريين.

إعلان 2 – إصدار إعلان دستوري مؤقت

في ظل الأوضاع الانتقالية المعقَّدة التي تعقب سقوط الأنظمة الاستبدادية، يوفِّر الإعلان الدستوري إطارًا قانونيًا واضحًا ومؤقتًا يحدِّد قواعد إدارة شؤون الدولة وصلاحيات المؤسسات الانتقالية، ما يساعد في تقليل مخاطر الفوضى السياسية وتفادي حدوث فراغ دستوري محتمل.

يتطلب إعداد هذا الإعلان الدستوري مشاركة واسعة وفاعلة من مختلف الأطراف الوطنية. وتبدأ العملية بتشكيل اللجنة التحضيرية ولجنة الصياغة، والتي يُفضَّل أن تضم قانونيين متخصصين في القانون الدستوري، وممثلين عن القوى السياسية الفاعلة، إضافةً إلى ممثلين عن المجتمع المدني السوري لضمان شمولية تمثيل مختلف أطياف المجتمع.

تعمل هذه اللجنة على تحديد القضايا الرئيسة التي يتوجب تضمينها في الإعلان الدستوري، وتُصيغ المسوّدة الأولية بما يعكس التوافق الوطني العام.

تقوم هيئة الحكم الانتقالية بدور محوري في الإشراف على هذه العملية، إذ تعمل على مراجعة مسوّدات الإعلان وتتبنّاها رسميًا بعد ضمان توافق وطني واسع حول بنودها. ويجب على الهيئة ضمان الشفافية الكاملة في جميع مراحل إعداد الإعلان الدستوري، وصولًا إلى مرحلة المصادقة النهائية عليه.

إلى جانب الأطراف السياسية والمؤسسية، تُعد مشاركة منظمات المجتمع المدني بالغة الأهمية. إذ تقوم هذه المنظمات بتقديم المقترحات التي تعكس تطلعات المواطنين، وتحرص على حماية الحقوق الأساسية وضمان تطبيق معايير العدالة الانتقالية.

كما تشرف منظمات المجتمع المدني على عقد جلسات تشاورية عامة لمناقشة بنود الإعلان وإتاحة الفرصة لأوسع مشاركة مجتمعية ممكنة.

أما على المستوى الدولي، فيقتصر دوره على تقديم الدعم الفني والاستشاري فقط، مع التأكيد على عدم تدخله في القرار السيادي السوري.

يمكن أن تقدم المنظمات الدولية مساعدات تقنية وقانونية تضمن توافق بنود الإعلان الدستوري مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، بالإضافة إلى توفير خبرات قانونية للمساعدة في عملية الصياغة والمشاورات، دون أي شكل من أشكال التدخل أو فرض أجندات خارجية.

إعلان

ويجب أن يتضمن الإعلان الدستوري عددًا من المكونات الأساسية، من أبرزها: المبادئ العامة للحكم التي تشمل السيادة الشعبية، وسيادة القانون، والتعددية السياسية، والوحدة الوطنية، والمصالحة الوطنية.

كما يتضمن هيكلًا واضحًا للحكم الانتقالي يحدِّد صلاحيات السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية، إضافةً إلى التأكيد على آليات واضحة ومستقلة للعدالة الانتقالية تهدف إلى تحقيق المحاسبة والمصالحة.

من الضروري أيضًا أن ينص الإعلان على إصلاح المؤسسات الأمنية وإخضاعها للرقابة المدنية بهدف تعزيز الاستقرار، ووضع جدول زمني محدد وآليات واضحة لتنظيم وإجراء الانتخابات العامة، بما يضمن انتقالًا سلسًا نحو نظام حكم ديمقراطي ومستقر.

3 – تشكيل الحكومة الانتقالية

تُعدّ عملية تشكيل الحكومة الانتقالية إحدى الخطوات الأكثر أهمية ودقة خلال المرحلة الانتقالية في سوريا، إذ تعكس هذه العملية مدى جدية هيئة الحكم في تحقيق التعددية السياسية وترسيخ الاستقرار.

يقع على عاتق رئيس المرحلة الانتقالية، السيد أحمد الشرع، بالتشاور الوثيق مع هيئة الحكم الانتقالي، مسؤولية اختيار أعضاء هذه الحكومة، حيث يقوم الرئيس باقتراح قائمة مرشحين لتولي المناصب الوزارية، وتُعرض هذه القائمة على هيئة الحكم لمراجعتها والموافقة عليها أو طلب تعديلها إذا اقتضت الضرورة، بما يضمن توافقًا وطنيًا واسع النطاق.

ولضمان نجاح الحكومة الانتقالية في القيام بدورها المحوري في إدارة شؤون البلاد خلال هذه المرحلة الحساسة، لا بدّ من الالتزام بمعايير واضحة وموضوعية عند اختيار الوزراء.

تتمثل هذه المعايير في المقام الأول في الكفاءة المهنية والعملية، إذ يتعين اختيار شخصيات تمتلك الخبرة اللازمة لإدارة ملفات وزارية دقيقة مثل الأمن، والقضاء، والاقتصاد، والتعليم، والصحة. كما يُشترط في أعضاء الحكومة الانتقالية التمتع بالنزاهة وعدم التورّط في أي من ملفات الفساد أو انتهاكات حقوق الإنسان.

إعلان

وإلى جانب ذلك، يجب أن تعكس الحكومة توازنًا تمثيليًا حقيقيًا لجميع مكونات المجتمع السوري من الناحية الجغرافية، والسياسية، والمجتمعية، مع الحرص على تجنب عسكرة الحكومة من خلال عدم تعيين قادة عسكريين أو شخصيات مثيرة للجدل في مناصب وزارية مدنية حساسة.

أما فيما يتعلق بأولويات عمل الحكومة الانتقالية، فتأتي مسألة تحقيق الأمن والاستقرار في صدارة هذه الأولويات، وهو ما يتطلب العمل بشكل عاجل على إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية والعسكرية، وإخضاعها لرقابة مدنية صارمة، ومنع استخدام هذه المؤسسات لأغراض سياسية أو حزبية.

كما يقع على عاتق الحكومة ضمان تأمين الخدمات الأساسية للمواطنين، والتي تشمل الوصول إلى الغذاء، والمياه النظيفة، والرعاية الصحية، بالإضافة إلى إعادة تأهيل البنية التحتية في القطاعات الحيوية مثل التعليم والصحة والنقل.

كذلك يجب أن تركز الحكومة الانتقالية على إدارة الملف الاقتصادي والتصدي للأزمة الإنسانية والاجتماعية الناتجة عن سنوات النزاع الطويلة.

ويتطلب ذلك تنفيذ سياسات اقتصادية عاجلة وقصيرة الأجل لتجنب الانهيار الاقتصادي، مع العمل على جذب الدعم الدولي والاستثمارات الخارجية اللازمة لتحقيق التعافي الاقتصادي.

كما يجب أن تشمل هذه السياسات برامج دعم إنسانية وإغاثية عاجلة تستهدف المجتمعات الأكثر تضررًا من النزاع، مع وضع آليات واضحة للمساءلة والشفافية لضمان إدارة الموارد بشكل فعّال وعادل خلال هذه المرحلة الانتقالية الحرجة.

4 – صياغة الدستور الدائم

تُشكّل مرحلة صياغة الدستور الدائم إحدى الخطوات الحاسمة في العملية الانتقالية في سوريا، إذ تنهي الوضع القانوني المؤقت الذي ينظمه الإعلان الدستوري، وتؤسس لإطار دائم ومستقر للحكم يرسخ قواعد الديمقراطية والتعددية السياسية.

فالدستور الدائم لا يقتصر على كونه مجرد وثيقة قانونية، بل هو ركيزة الشرعية السياسية للدولة، ويحدد المبادئ العليا والقيم الأساسية التي يرتكز عليها نظام الحكم الجديد، كما يرسم معالم الحقوق والحريات الأساسية، وآليات ضمان سيادة القانون وحماية حقوق المواطنين.

إعلان

تبدأ عملية صياغة الدستور الدائم من خلال تشكيل لجنة تأسيسية تتمتع بشرعية واسعة، وتكون مسؤولة بشكل رئيس عن إعداد مسوّدة الدستور.

ويمكن أن يتم اختيار أعضاء اللجنة عبر واحدة من ثلاث آليات: إما بانتخاب مباشر من الشعب (خيار مثالي، لكنه قد يكون صعب التطبيق في الظروف الانتقالية)، أو تعيين مباشر من قبل هيئة الحكم الانتقالية بالتشاور مع القوى السياسية والمجتمع المدني، أو مزيج من الآليتين لتحقيق التوازن بين الشرعية الشعبية والكفاءة العملية.

ويتوجب أن تعكس تركيبة اللجنة التأسيسية التنوع السوري بشكل واضح، بما يشمل تمثيل خبراء في القانون الدستوري، وممثلي الأحزاب السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، والنساء، والشباب، إلى جانب ممثلين عن المناطق المتضررة من النزاع، لضمان شمولية وتمثيل عادل لجميع الفئات الاجتماعية والسياسية.

تتولى اللجنة التأسيسية مهمة صياغة مسودة الدستور عبر عملية تشاركية واسعة تستند إلى المشاورات الوطنية المفتوحة، ما يعزز شرعية الدستور ويضمن تعبيره الحقيقي عن تطلعات الشعب السوري. وتتمثل هذه المشاورات في تنظيم جلسات حوارية موسعة في مختلف المناطق، وإجراء استبيانات واستطلاعات رأي لتمكين المواطنين من التعبير عن آرائهم ومقترحاتهم حول القضايا الأساسية التي يجب أن يتناولها الدستور.

أما من حيث المحتويات التي ينبغي تضمينها في الدستور، فمن الضروري تحديد شكل نظام الحكم (رئاسي أو برلماني أو مختلط)، مع تحديد واضح لعلاقة السلطات بعضها ببعض، وآليات الفصل والتوازن بينها لمنع تركّز السلطة ومنع الاستبداد. كما ينبغي للدستور أن يضمن الحقوق والحريات الأساسية للمواطنين بشكل واضح ودقيق، بما في ذلك حرية التعبير، والدين، والتجمع، وحقوق المرأة، وحقوق الأقليات، وضمان المساواة أمام القانون لجميع السوريين. ومن المهم أيضًا أن يكرّس الدستور الجديد مبدأ اللامركزية الإدارية، بما يتيح صلاحيات أوسع للمحافظات والإدارات المحلية في إطار وحدة الدولة السورية.

إعلان

بعد الانتهاء من صياغة المسودة الدستورية، تتم مراجعتها بشكل علني من قبل المجلس التشريعي الانتقالي، مع فتح المجال لنقاش وطني موسع حول محتواها. وعقب هذه المرحلة، تأتي مرحلة المصادقة النهائية، والتي يُفضّل أن تتم عبر الاستفتاء الشعبي لضمان أعلى مستوى من الشرعية الشعبية للدستور. وفي حال كانت الظروف الأمنية أو اللوجستية لا تسمح بإجراء استفتاء عام، يمكن اعتماد المسودة من قبل المجلس التشريعي الانتقالي، كخيار بديل ومؤقت، لضمان عدم تعطيل العملية السياسية والانتقال الديمقراطي.

5 – الانتخابات البرلمانية والرئاسية

تُشكّل الانتخابات البرلمانية والرئاسية المرحلة الأخيرة في خارطة الطريق للانتقال السياسي في سوريا، إذ تمثل هذه الانتخابات آلية جوهرية لانتقال السلطة بشكل ديمقراطي من الحكومة الانتقالية إلى حكومة شرعية منتخبة تُعبّر عن إرادة السوريين بشكل حر ونزيه. ولضمان نجاح هذه المرحلة الحساسة من عملية الانتقال السياسي، يتوجب توفير مجموعة من الشروط والمعايير الأساسية.

يأتي في مقدمة هذه الشروط تحقيق مستوى ملائم من الأمن والاستقرار في عموم البلاد، وذلك لضمان عدم تعرّض الناخبين والمرشحين لأي شكل من أشكال العنف أو التهديد أو الإكراه، مع تأمين مراكز الاقتراع في جميع المناطق السورية، بما فيها المناطق التي شهدت نزاعات مسلحة، وكذلك توفير ظروف آمنة لعودة اللاجئين والنازحين وتمكينهم من ممارسة حقهم في التصويت.

كما يستلزم نجاح الانتخابات وجود إطار قانوني ومؤسسي واضح، يتضمن اعتماد قانون انتخابي عادل ومنصف وفق المعايير الدولية، يحدّد آليات الترشح والتصويت وضوابط التمويل الانتخابي لضمان نزاهة المنافسة. ويرافق ذلك إنشاء لجنة انتخابية مستقلة تتمتع بصلاحيات كاملة، تُكلّف بتنظيم الانتخابات والإشراف عليها بشكل محايد، وتتألف من قضاة وخبراء قانونيين وممثلين عن المجتمع المدني، إلى جانب لجان مختصة في التعامل مع الطعون الانتخابية والشكاوى التي قد تظهر خلال أو بعد العملية الانتخابية.

إعلان

من جهة أخرى، يُعدّ ضمان المشاركة الشاملة والواسعة شرطًا محوريًا لنجاح الانتخابات. ويشمل ذلك توفير الظروف الملائمة لمشاركة جميع السوريين داخل وخارج البلاد، مع إيلاء اهتمام خاص بضمان مشاركة النازحين واللاجئين عبر إقامة مراكز انتخابية خاصة في بلدان اللجوء. كما يتطلب ضمان المشاركة تمثيلًا عادلًا ومنصفًا للأقليات والفئات المهمشة، بما في ذلك النساء والشباب، من خلال سياسات تشجّع وتسهّل مشاركتهم، ما يُسهم في تعزيز الشرعية السياسية والتمثيل الديمقراطي الحقيقي.

وعلى المستوى التنظيمي، ينبغي تشكيل لجنة انتخابية مستقلة تعمل على تسجيل الناخبين وفق آليات دقيقة تضمن شمولية القوائم الانتخابية، وتدير العملية الانتخابية كاملة بدءًا من مرحلة الترشيح، مرورًا بالحملات الانتخابية، وانتهاءً بعمليات الفرز وإعلان النتائج. ويجب أن تتمتع هذه اللجنة باستقلالية كاملة في اتخاذ قراراتها لمنع أي تدخل أو تأثير سياسي أو حزبي، مع إتاحة الفرصة للمرشحين لاستخدام وسائل الإعلام الرسمية والخاصة بشكل عادل ومتساوٍ، وإجراء مناظرات علنية تتيح للجمهور الاطلاع على برامج المرشحين بوضوح وشفافية.

وفيما يتعلق بالرقابة الدولية، فإن دورها يجب أن يكون استشاريًا ورقابيًا دون أن يمسّ السيادة الوطنية السورية. ومن المهم أن تقتصر مهمة الجهات الدولية، مثل الأمم المتحدة أو الاتحاد الأوروبي، على إرسال مراقبين دوليين لمتابعة ومراقبة الانتخابات، وتقديم الدعم الفني والتقني في مجالات التدريب وتأمين التصويت، دون التدخل في اختيار المرشحين أو فرض أجندات سياسية معينة. يساهم هذا الدور المحدود في تعزيز مصداقية الانتخابات وضمان نزاهتها دون الإخلال باستقلالية القرار السوري.

وبذلك، فإنّ الالتزام بهذه الشروط والإجراءات كفيل بضمان انتخابات برلمانية ورئاسية نزيهة، تقود إلى نظام سياسي تعددي ديمقراطي ومستقر، يُعبّر عن إرادة الشعب السوري، ويُشكّل أساسًا متينًا لبناء مستقبل الدولة السورية الجديدة.

إعلان خاتمة

إنّ تنفيذ الخطوات الواردة في هذه الرؤية يمثّل ضرورة ملحّة لضمان نجاح عملية الانتقال السياسي في سوريا، وتحقيق انتقال مستدام نحو الديمقراطية والتعددية السياسية. فالتزام هيئة الحكم الانتقالي والحكومة المؤقتة بمعايير التشاركية، والشفافية، والكفاءة، واستقلال القضاء، وإصدار إعلان دستوري واضح، وصياغة دستور دائم يعكس تطلعات جميع السوريين، وإجراء انتخابات حرة ونزيهة، هي شروط جوهرية لتحقيق الاستقرار السياسي، ومنع عودة الاستبداد أو الانزلاق إلى صراعات جديدة.

وفي هذا السياق، يظل التعاون البنّاء بين الفاعلين المحليين والدوليين عاملًا حاسمًا في إنجاح العملية الانتقالية. إذ إنّ التوافق الوطني، والدعم التقني والاستشاري من المجتمع الدولي مع الحفاظ الكامل على السيادة الوطنية، وتمكين المجتمع المدني السوري وتعزيز دوره الرقابي والتوعوي، كل ذلك يخلق بيئة سياسية واجتماعية ملائمة لإعادة بناء الدولة السورية على أسس من التعددية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان. إنّ مسؤولية نجاح الانتقال السياسي في سوريا تقع على عاتق الجميع، محليًا ودوليًا، من أجل مستقبل مستدام يضمن حقوق كافة السوريين دون تمييز أو إقصاء.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات رمضان المرحلة الانتقالیة الحکومة الانتقالیة التعددیة السیاسیة والحریات الأساسیة الانتقال السیاسی الإعلان الدستوری المجتمع المدنی القوى السیاسیة الدستور الدائم عملیة الانتقال جمیع السوریین حقوق الإنسان هذه المرحلة کانون الأول لضمان نجاح انتقال ا فی سوریا إلى جانب من خلال یجب أن مؤقت ا

إقرأ أيضاً:

الطريق إلى السلام في اليمن.. العدالة الانتقالية ضرورة وليست خياراً

أصدرت منظمات حقوقية محلية بالتعاون مع شركاء دوليين دراسة ميدانية موسعة سعت إلى استكشاف رؤية المجتمع المحلي حول العدالة الانتقالية وآلياتها وإمكانية تنفيذها، داعيةً إلى تبني مسار شامل للعدالة الانتقالية كضرورة أساسية لتحقيق سلام دائم ومصالحة مجتمعية حقيقية.

وبحسب دراسة "الطريق نحو السلام" الصادرة عن منظمة سام للحقوق والحريات ورابطة أمهات المختطفين، ضمن مشروع SPARK المدعوم من معهد دي تي، فإن اليمن يشهد منذ ما يقارب عقدًا من الزمن سلسلة انتهاكات جسيمة تطال المدنيين، في ظل ضعف الدولة، وتعدد أطراف النزاع المحلي والإقليمي، وانتشار الإفلات من العقاب. وأكد التقرير أن العدالة الانتقالية بما تمثله من مبادئ الإنصاف، والمساءلة، وجبر الضرر، وكشف الحقيقة، يجب أن تكون حجر الأساس لأي عملية سياسية أو اتفاق سلام قادم.

اعتمدت الدراسة على منهجية نوعية، شملت مقابلات فردية وجلسات بؤرية. حيث أجريت 122 مقابلة، منها 109 مع مواطنين من مختلف الفئات، و13 مع خبراء في العدالة الانتقالية. كما عقدت 20 جلسة بؤرية حضرها 203 مشاركًا من الذكور والإناث، موزعين على ست محافظات رئيسية: صنعاء، عدن، تعز، الحديدة، مأرب، وحضرموت. وتم جمع البيانات باستخدام أدوات إلكترونية مثل منصة Kobo Toolbox، وتحليلها عبر برنامج SPSS وMaxqda لضمان الموثوقية.

أنماط الانتهاكات وآثارها على الضحايا

وبيّنت الدراسة أن 79% من الضحايا الذين شملهم الاستطلاع أكدوا تعرضهم أو أحد أفراد أسرهم لانتهاك مباشر، والذي تراوح بين الاعتقال التعسفي، والاختفاء القسري، والتعذيب، ونهب الممتلكات، والتحرش الجنسي، والعنف الأسري، وتجنيد الأطفال، وقصف الأحياء السكنية، وانتهاكات داخل بيئات العمل،  بالإضافة إلى ممارسات الإقصاء والتمييز على أساس مناطقي أو سياسي. وأشار بعض المشاركين إلى أن النساء والفئات الضعيفة كالأقليات والنازحين والمهمشين هم الأكثر تضررًا من هذه الانتهاكات، حيث يواجهون تحديات مضاعفة في الوصول إلى العدالة.

مسارات العدالة الانتقالية المقترحة

وعن محاور العدالة الانتقالية الأنسب للسياق اليمني، رأى المشاركون ضرورة إنشاء آليات لتعويض الضحايا (82%)، وإجراء الإصلاحات في المؤسسات الحكومية (79%)، وإنشاء مبادرات وأنشطة لدعم المصالحة والتعايش السلمي (75%)، بالإضافة إلى كشف حقيقة الانتهاكات (75%)، وتعزيز الرقابة والمساعدة الدولية (70%)، فضلًا عن محاسبة المتورطين في الانتهاكات (70%).

تحديات تنفيذ التعويضات

بحسب المشاركين في الجلسات البؤرية، فإن تعويض ضحايا الانتهاكات يشكل أحد الأركان الأساسية في مسار العدالة الانتقالية، إلا أن هذه العملية تواجه تحديات كبيرة ومتعددة، حيث أشار 28.3% إلى غياب هيئة وطنية نزيهة مختصة بحصر وتقدير التعويضات كأبرز التحديات، بينما رأى 21.4% أن المحسوبية والتمييز والفساد تعيق تنفيذ التعويضات بعدالة، كما عزا 19.5% التحديات إلى نقص الموارد المالية، في حين أشار 11.3% إلى ضعف الوعي الرسمي والشعبي وعدم اهتمام المسؤولين. وعبّر 8.2% عن عدم اقتناع الضحايا بفكرة التعويض بسبب جسامة الانتهاكات، مثل القتل والاغتصاب والإخفاء القسري، بينما اعتبر 5.7% أن استمرار وجود المنتهكين في المشهد وعدم رفع الحصانة عنهم، إلى جانب استمرار الصراع، يمثلان عائقاً حقيقياً أمام تحقيق العدالة وجبر الضرر.

حلول مقترحة لمسار العدالة

عند مناقشة الحلول المقترحة لتحقيق العدالة الانتقالية، أشار المشاركون في الجلسات البؤرية إلى أهمية بناء مقاربة شاملة تعالج جذور الأزمة، حيث رأى 39.4% أن إنهاء الصراع وتفكيك الميليشيات وإقامة دولة موحدة وقادرة على فرض سيادتها القانونية والأمنية هو المدخل الأساسي. بينما دعا 21.1% إلى ضرورة حشد دعم المنظمات الدولية والدول المانحة، وتوفير الخبراء والموارد في إطار آلية شفافة ونزيهة. في حين اعتبر 18.3% أن التوعية المجتمعية بقيم العدالة الانتقالية وتجارب الماضي تُمثل ركيزة لمنع تكرار الانتهاكات، وأكد 9.9% على أهمية إنشاء صندوق وطني لتعويض الضحايا وجبر الضرر، فيما شدد 7% على ضرورة تكاتف الجهود الرسمية والشعبية. كما أشار 4.2% إلى أهمية إشراك الضحايا أنفسهم في إدارة هذه العملية، باعتبارهم الأدرى بتفاصيلها واحتياجاتها الفعلية.

الانقسام بين المصالحة والمحاسبة

وانقسمت آراء المشاركين بين من يرى أولوية المصالحة وإنهاء الحرب (64.3%)، ومن يفضل المحاسبة والمساءلة أولًا (35.7%). وأشار التقرير إلى أن هذا الانقسام يعكس الحاجة إلى نموذج مرن يوازن بين مطالب الضحايا بتحقيق العدالة والمصالحة وضمان عدم الإفلات من العقاب.

تمثيل الفئات المهمشة

وأظهرت الدراسة تأييدًا لافتًا لإشراك الفئات المهمشة في عمليات العدالة الانتقالية، حيث طالب غالبية المشاركين بضرورة تمثيل النساء، النازحين، والأقليات في اللجان المختصة، وتوفير مساحات آمنة لسماع أصواتهم، وبناء قدراتهم الحقوقية والقانونية، كما اقترح المشاركون تشكيل لجان مصالحة محلية تضم مختلف فئات المجتمع، وتوفير الدعم القانوني والمالي لهذه الفئات.

العقبات أمام سعي الضحايا للعدالة

في المقابل، أوضح المشاركون أن هناك عقبات تحول دون سعي الضحايا للعدالة، أهمها: الخوف من الجناة والانتقام (91%)، وعدم وجود ضمانات قانونية (76%)، ضعف الوعي القانوني (63%)، والافتقار إلى الموارد المالية (59%). بينما أشارت النساء على وجه الخصوص إلى أن العادات والتقاليد تشكل حاجزًا كبيرًا، حيث عبّرت مشاركات عن الخوف من العار والنبذ المجتمعي حال كشف الانتهاكات.

أدوار الفاعلين المحليين

وأجمع غالبية الخبراء المشاركين في المقابلات (13 خبيرًا) على أن دور الأحزاب السياسية في تنفيذ آليات العدالة الانتقالية يجب أن يتركز على صياغة التشريعات الداعمة، ودفع مسارات المصالحة الوطنية، وتيسير تعويض الضحايا. ومع ذلك، عبّر عدد من المشاركين في الجلسات البؤرية عن تشكيكهم في مدى استعداد الأحزاب لأداء هذا الدور، مشيرين إلى انحيازها لمصالحها الضيقة وافتقارها إلى الإرادة الجادة.

مشروع دعم السلام في اليمن من خلال المساءلة والمصالحة وتبادل المعرفة (SPARK)، يهدف إلى تعزيز المصالحة الوطنية والعدالة المستدامة، من خلال تقييم وعي وقدرات المجتمع المدني، واستكشاف تصورات المجتمع المحلي حول آليات العدالة الانتقالية. يعمل المشروع على ثلاث مراحل: التقييم الميداني، بناء القدرات، وتجريب مبادرات محلية للعدالة التصالحية، إلى جانب تبادل الخبرات والدعوة للاستثمار الدولي في مسار العدالة الانتقالية.وأكدت على أهمية دور المجتمع المدني في دعم العدالة الانتقالية، حيث دعا إلى تعزيز قدراته في مجالات التوثيق، والمناصرة، والدعم القانوني للضحايا، وتنظيم حملات توعية مجتمعية. كما شدد على ضرورة توفير تمويل مستدام وشراكات دولية لدعم منظمات المجتمع المدني، وضمان استقلاليتها وقدرتها على الوصول إلى المتضررين.

جماعة الحوثي.. بين الإقصاء والاحتواء

وحول مشاركة جماعة الحوثي في عملية العدالة الانتقالية، أظهرت الدراسة انقسامًا حادًا في الآراء، حيث اعتبر عدد من المشاركين ـ لا سيما من صنعاء ـ أن الجماعة تمثل عائقًا رئيسيًا أمام أي عملية مصالحة أو حوار، بسبب ما وصفوه بالنهج الأيديولوجي المتشدد، ورفضهم التام للشفافية والمساءلة. في المقابل، رأى آخرون أن استبعاد أي طرف رئيسي سيقود إلى اتفاقات هشة وغير شاملة، ودعوا إلى آليات ضغط دولية لدفع الجماعة للانخراط في حوار غير مشروط.

الجدل حول دور المشايخ والأعراف القبلية

وانقسمت آراء المشاركين حول دور المشايخ والأعراف القبلية في العدالة الانتقالية، حيث أيد 70% من العينة إشراكهم مقابل 30% عارضوا ذلك، واستند المؤيدون إلى مكانتهم المجتمعية وتأثيرهم الكبير، إذ اعتبر 30.4% أنهم يحظون بالاحترام، و26.8% رأوا أن قوتهم يمكن أن تساهم في تحقيق الأمن والسلام، فيما أكد 14.3% دورهم الفاعل والإيجابي. بالمقابل، رفض المعارضون دورهم لأسباب أبرزها أنهم مصدر للصراعات ويمتلكون نفوذاً خارج الدولة (43.8%)، ويعززون المناطقية ويقوضون سلطة القانون (18.8% لكل منهما). ورغم هذا التباين، أجمع 13 خبيراً على ضرورة إشراكهم، لما لهم من تأثير قوي (30%)، ولدورهم في تسهيل نجاح العدالة الانتقالية (15%)، خاصة في ظل غياب الدولة والطبيعة القبلية المتجذرة في المجتمع.

الفرص المتاحة والمرتكزات المستقبلية

وأشارت الدراسة إلى أنه ورغم التحديات الجسيمة التي تواجه مسار العدالة الانتقالية في اليمن، إلا أن هناك فرص واعدة يمكن البناء عليها، من أبرزها الإرث التوافقي لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني، الذي يرى فيه المشاركون إطارًا عامًا صالحًا للتحديث بما يتماشى مع المتغيرات السياسية الراهنة. كما أن وجود خبرات محلية في المصالحات المجتمعية يمثل رصيدًا عمليًا يمكن تفعيله على المستوى المحلي كنقطة انطلاق، إلى جانب ذلك، فإن استمرار اهتمام المجتمع الدولي ودعمه لآليات المساءلة والمصالحة يشكّل فرصة استراتيجية للضغط على الأطراف اليمنية للانخراط في عملية شاملة وعادلة، تُبنى على أسس محلية، وتُدار بتوافق وطني ورقابة مستقلة.

وشددت الدراسة على أن تجاهل العدالة الانتقالية يعني تكريس الإفلات من العقاب، وتعميق الانقسامات، وتهديد أي إمكانية لتحقيق السلام المستدام في اليمن، داعيًا إلى تحرك عاجل ومسؤول من كافة الفاعلين المحليين والدوليين لإنصاف الضحايا وبناء مستقبل أكثر عدالة وإنصافًا.

التوصيات النهائية للدراسة

واختتمت الدراسة الميدانية الصادرة عن سام ورابطة أمهات المختطفين بمجموعة من التوصيات المفصلة التي تهدف إلى دعم مسار العدالة الانتقالية في اليمن على نحو شامل وفعّال، بما في ذلك ضرورة تضمين مبادئ العدالة الانتقالية في أي اتفاقية سلام مستقبلية، مؤكدًة أن معالجة انتهاكات الماضي وكشف الحقيقة وجبر الضرر لا يمكن أن تكون قضايا مؤجلة، بل يجب أن تكون جزءًا لا يتجزأ من أي تسوية سياسية قادمة.

وشددت الدراسة على أهمية إنشاء محكمة وطنية متخصصة بجرائم الحرب والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، لضمان محاسبة المسؤولين ووقف حالة الإفلات من العقاب، مع التأكيد على ضرورة تقديم الدعم الفني والتقني من قبل الجهات الدولية الفاعلة.

كما دعت الدراسة إلى تمكين الضحايا والمجتمع المدني من قيادة مسار العدالة، عبر فتح المجال أمامهم للمشاركة الفعّالة في تصميم وتنفيذ آليات العدالة الانتقالية، وإشراكهم في النقاشات الوطنية حول مستقبل العدالة والمصالحة.

وأشارت إلى أهمية دعم المبادرات المحلية للمصالحة وربطها بهياكل وطنية، بحيث تتحول هذه المبادرات من جهود محدودة إلى مسارات مؤسسية قائمة على الشفافية والاستدامة. ويعد ذلك مفتاحًا لبناء الثقة بين المكونات المجتمعية والسياسية المختلفة.

وطالبت الدراسة الميدانية بضرورة توفير الدعم النفسي والمادي للضحايا وأسرهم، بما يشمل خدمات التأهيل الجسدي والعلاج النفسي والتمكين الاقتصادي، باعتبار ذلك جزءًا أصيلاً من جبر الضرر وضمان التماسك الاجتماعي.

وفيما يتعلق بالمجتمع المدني، حثت دراسة "الطريق نحو السلام" على أهمية بناء قدراته في مجالات الرصد والتوثيق والمناصرة، مع توفير التدريب والشراكات التي تعزز من حضوره وتأثيره في الميدان، خصوصًا في ظل التحديات التي تواجهه من ضعف الموارد وغياب الحماية القانونية.

يشار إلى أن مشروع دعم السلام في اليمن من خلال المساءلة والمصالحة وتبادل المعرفة (SPARK)، يهدف إلى تعزيز المصالحة الوطنية والعدالة المستدامة، من خلال تقييم وعي وقدرات المجتمع المدني، واستكشاف تصورات المجتمع المحلي حول آليات العدالة الانتقالية. يعمل المشروع على ثلاث مراحل: التقييم الميداني، بناء القدرات، وتجريب مبادرات محلية للعدالة التصالحية، إلى جانب تبادل الخبرات والدعوة للاستثمار الدولي في مسار العدالة الانتقالية.

مقالات مشابهة

  • سلامة الأطفال أولاً: خطة أيرلندا لبيئة رقمية أكثر أمانًا في 2025
  • دراسة جديدة تستكشف آراء المجتمع اليمني حول العدالة الانتقالية
  • الوزير الشيباني: أنا هنا اليوم لأمثل سوريا الجديدة وسنظل نعمل بلا كلل لتحقيق السلام والعدالة لكل متضرر من نظام الأسد
  • مجلس الأمن يجتمع بشأن التطورات السياسية والإنسانية في سوريا
  • الطريق إلى السلام في اليمن.. العدالة الانتقالية ضرورة وليست خياراً
  • بن زير: ليبيا أمام خيارين إما تسريع العملية السياسية أو مواجهة انفجار شعبي
  • مدير الأمانة العامة للشؤون السياسية يلتقي وفداً من الطائفة الإنجيلية في سوريا ولبنان
  • العدالة أم التصفيات السياسية؟.. ولد عبد العزيز يواجه الحكم بعد اتهامات بالفساد
  • تحوّل بفعل الناس.. طريق هيئة تحرير الشام إلى السلطة في سوريا
  • نيجيرفان بارزاني وعبدي يؤكدان أهمية مشاركة الكورد وجميع مكونات سوريا في الحكم