عملية خلط الوقائع بالأماني مستمرة في أغلب مقالات الكتاب العرب بمختلف المواقع، فكثير من الأقلام تنوي الحديث فيما هو كائن فتكتب في ما ينبغي أن يكون، لذلك نقع جميعا في حالة من التحفز لوضع جديد مريح بينما نحن ماكثون في حفرة السوء العربية المسماة دولة وطنية. دولة الكيان لن تنهار غدا ونصر العرب بسورة الأحزاب ليس حقيقة علمية (وهذا موضوع غالب على أقلام كثيرة)، ولذلك فإن تأمل دروس غزة يصير أولوية منهجية نرتب بها أفكارنا للمستقبل وربما تساعدنا على حركة سلمية في الزمن القادم.
أضع في مقدمة دروس غزة أن الدولة العربية المسماة وطنية هي مخفر شرطة صهيوني؛ مهمته قمع المواطن العربي وإهدار كرامته وبدون مقابل لصالح قوى الهيمنة وفي مقدمتها الكيان الصهيوني. أما الدرس الثاني (الدرس الأول في الحقيقة) فهو أن إزالة الوهم مقدم على بناء الحقيقة.
مجاملة الفلسطيني للتخلص منه
كانت هذه سيرة الدولة العربية منذ انطلاق حركة التحرر الفلسطيني ومرورها بمراحل مختلفة؛ شعارات تضامن وأغان ثورية ومقعد في الصف الأول للقيادة وتسمية شوارع بأسماء أبطال أو مواقع مقدسة وبعض الدولارات لخبز المخيمات. لكن ذلك كان في عمقه تخلصا من الفلسطيني الذي لا يريد أن يستسلم ويغلق الملف، وكان من يذِّكر الساسة العرب بأن معركة تحرير فلسطين ليست فلسطينية بل عربية وإسلامية، وأن وجود الخازوق الصهيوني في تلك البقعة ليس موجها للفلسطيني وحده،النتيجة بعد سبعين سنة من الدولة الوطنية: شعوب عربية فقيرة بل جائعة وعارية ومقهورة وفلسطيني مشرد، وكيان/خازوق مهيمن برا وبحرا وجوا وعلى غرف نوم القيادة العربية. تنادي غزة الدول فلا تستجيب وتنادي الشعوب فتحول شرطة الدولة الوطنية بين الشعوب وغزة. ويبارك الكيان قدرة الأنظمة على حماية الكيان من الشعوب ويطلب المزيد؛ التهجير لإغلاق الملف بل لأمة وتاريخ وثقافة يُدْمَغُ بخطاب أولوية تنمية الداخل الوطني استعداد للمعركة الحاسمة التي تجمع العرب الأقوياء (بلغة دولة البعث السوري، تحقيق التوازن الاستراتيجي مع العدو). لذلك يستوي في هذه الخطاب أنظمة قُطرية رجعية عميلة وأنظمة قومية ثورية صامدة ومتصدية.
النتيجة بعد سبعين سنة من الدولة الوطنية: شعوب عربية فقيرة بل جائعة وعارية ومقهورة وفلسطيني مشرد، وكيان/خازوق مهيمن برا وبحرا وجوا وعلى غرف نوم القيادة العربية. تنادي غزة الدول فلا تستجيب وتنادي الشعوب فتحول شرطة الدولة الوطنية بين الشعوب وغزة. ويبارك الكيان قدرة الأنظمة على حماية الكيان من الشعوب ويطلب المزيد؛ التهجير لإغلاق الملف. وتناور الدولة العربية لتمرير البرشام المر لشعوبها في الأخير: "الفلسطيني أخونا ومرحبا به ولنغلق الملف".
لم تطور الدولة العربية شعبها ولم تحرر فلسطين لكنها تطورت حتى صارت هي نقطة الحراسة المتقدمة للكيان. نحن هنا وهذه حقيقة صقلتها معركة طوفان الأقصى، نحن ممنوعون حتى من التضامن اللفظي في السوشيال ميديا مع غزة ومعركتها الشريفة.
هل ننسف المكاسب القُطرية؟
السؤال الصواب هنا والآن: كم كانت كلفة الكيان الصهيوني على تاريخ العرب الحديث وكم ستكون كلفته على مستقبلهم المنظور؟ ما نثمنه كمكاسب قُطرية نسميها تنمية اقتصادية واجتماعية ونسميها سيادة وطنية ومقعد بين الأمم (الخ)، هي قليل من كثير لم يتحقق لأن الكيان "يخوزق" الأمة منذ قرن. بإمكان المرء أن يحسب مقدار الخسارات قياسا إلى الإمكانات المتاحة (نظريا)، فالتقييم الحقيقي هو كم خسرنا مما كان متاحا لنا أن نكسب؟ فما كسبناه قليل قياسا إلى عمر الدولة العربية وأعمار شعوبها وإمكاناتها البشرية والطبيعية المتاحة.
نقول في الإمكانيات المهدرة لقد كان بالإمكان تحرير فلسطين باستعمال قناة السويس كورقة سياسية دون الإنفاق على قطعة سلاح واحدة، لكنني أسمع اللحظة تهمة المثاليات الرومانسية. ليكن الوجه الآخر لدرس غزة وكنا نعرفه ونغض الطرف حتى لا تنفجر مراراتنا، الدولة العربية تحتاج وجود الكيان لتعيش من وهم مقاومته.
نحن لا نستطيع السير في الشوارع متضامنين مجرد تضامن لفظي مع غزة لأن حكومتنا تمنعنا، وهي تفعل ذلك بمقابل من الصهاينة وداعميهم "اقمعوا شعوبكم لصالحنا سنحميكم من شعوبكم"، هكذا بمثل هذا التبسيط. أين الدولة الوطنية إذن؟ أين مكاسبها؟ وأين كرامة شعوبها؟ تتضح الصورة أكثر، تلازم التحرير مع بناء الديمقراطية في الأقطار.
لا مهرب لنا
توجد حقيقة بحجم التاريخ نفسه، هي ما كشف الطوفان خلال عشرين شهرا؛ الكيانات السياسية العربية التي نراها ونسميها دولا وطنية تعيش آخر أيامها، وهي تستشعر أن من يستخدمها يعرّيها أمام شعوبها وكل خطوة تهز أسسها المزيفة. تلك الجلسة الذليلة أمام مدفأة ترامب هي حقيقة الدولة العربية
نحن أيضا، أعني الشعوب الثرثارة، نحتاج الكيان ليقمع الفلسطيني فنثرثر بالتضامن، خاصة بعد أن مُنحنا وسائله الرخيصة فنحرر القدس في إكس وفيسبوك وأخواتهما. لكن فينا أمل أو نظنه، نحن ننظر إلى الدولة العربية (الوطنية) بوعي ما بعد الطوفان. ونجزم بأن أسباب بقائها قد انتهت، لقد انكشف الوهم فلا تنمية ولا تحرير ولا ديمقراطية. غير أن هذا الوعي لا يتحول حتى اللحظة إلى مشروع طوفان لأن هناك معركة أخرى محلية تقف دونه، هي المعركة ضد النخب التي وقف وعيها عند الدفاع عن الإدارة التي تمنحها رواتبها كل شهر.
النخب العربية أو نخب الرواتب هي التي ما زالت تبيع وهم الدولة الوطنية بعد حرب الطوفان، وقد عاينت في أكثر من مرة أنها ممنوعة حتى من مظاهرة رفع عتب في شارع ضيق. هناك أولوية تاريخية، خوض المعركة المحلية للتحرر من النخب الوطنية والتي ليست إلا أبواقا للأجهزة الأمنية المسماة دولة وطنية، وهي في حقيقتها مخفر شرطة صهيوني.
يوجد شيء من الأحلام العاجزة في ما نقول هنا، فهل يمكن إعادة تأسيس الدول؟ لكن توجد حقيقة بحجم التاريخ نفسه، هي ما كشف الطوفان خلال عشرين شهرا؛ الكيانات السياسية العربية التي نراها ونسميها دولا وطنية تعيش آخر أيامها، وهي تستشعر أن من يستخدمها يعرّيها أمام شعوبها وكل خطوة تهز أسسها المزيفة. تلك الجلسة الذليلة أمام مدفأة ترامب هي حقيقة الدولة العربية.
لحظة الانفلات الشعبي ضد مخافر الشرطة الصهيونية تلوح في الأفق، وعسى أن تبدأ بكنس النخب التي تحرص على إيهام الشعوب بوجود دول وطنية لتضمن رواتبها. هل خلطت الأماني بالوقائع؟ نعم، لكن الأمل في وصول الطوفان إلى أبعد من حدود غزة لم يفارقنا منذ الرصاصات الأولى، فلم نر الطوفان معركة غزاوية بل معركة إنسانية.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه العرب غزة تضامن طوفان غزة تضامن عرب طوفان مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة اقتصاد مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الدولة العربیة الدولة الوطنیة
إقرأ أيضاً:
«نافح» بطل كأس رئيس الدولة للخيول العربية في تونس
أبوظبي (الاتحاد)
شهد مضمار قصر السعيد الرملي في تونس انطلاقة مبهرة لأولى محطات سلسلة سباقات كأس صاحب السمو رئيس الدولة للخيول العربية الأصيلة بنسختها رقم 32، وسط حضور جماهيري كبير وكرنفال يحتفي بقيمة ومكانة الكأس الغالية.
ونجح الجواد «نافح» في الظفر بلقب كأس رئيس الدولة للخيول العربية، بعد أن خالف كل التوقعات، التي كانت ترشح «الثلاثي» حاتم ولاس فيجاس وخدّام، لتعلن المحطة التونسية عن ولادة بطل جديد، قدم عرضاً قوياً قاده إلى صدارة المجموعة المشاركة عن جدارة واستحقاق والفوز بالسباق الأغلى، الذي أقيم ضمن «الفئة الأولى» لمسافة 2000 متر، وسط مشاركة 15 خيلاً تمثل نخبة مرابط الخيل العربي في تونس وشمال أفريقيا، للخيول من عمر 4 سنوات فما فوق وتبلغ قيمة جوائز السباق «500 ألف دينار تونسي» هي الأغلى بتاريخ السباقات التونسية.
وينحدر البطل «نافح» من نسل «نوريسك الموري - منجادور بنت منجانيت» للمالك خالد بن عثمان، وتحت إشراف المدرب أيمن الجباري، وقيادة الفارس جوزيه سانتياغو، وقطع البطل مسافة السباق بزمن 2:23.03 دقيقة، وبفارق طولين عن لاس فيجاس «باسق الخالدية - عكرمية» لإسطبلات ذات الرمال، فيما جاء بالمركز الثالث حاتم «تي إم فريد تكساس X هيفاء بنت عامر».
وتقام سلسلة سباقات الكأس الغالية بدعم وتوجيهات سمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس الدولة، نائب رئيس مجلس الوزراء، رئيس ديوان الرئاسة، دعماً لخطط صناعة متطورة لسباقات الخيل العربية، ومواصلة دعم الملاك والمربين حول العالم، وتعزيز تربية واقتناء الخيل العربي للحفاظ على الإرث الأصيل.
حضر السباق وتوّج الفائزين، معالي عبدالله بن طوق المري، وزير الاقتصاد، ومعالي عز الدين بن الشيخ، وزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري في تونس، بجانب الدكتورة إيمان أحمد السلامي سفيرة الدولة لدى الجمهورية التونسية، وفيصل الرحماني، أمين عام اللجنة العليا المنظمة لسلسلة سباقات كأس رئيس الدولة للخيول العربية الأصيلة، إضافة إلى الحضور الدبلوماسي الرفيع.
من جانبها، قالت الدكتورة إيمان أحمد السلامي: «نتقدم بأسمى آيات الشكر والتقدير للقيادة الرشيدة، وحرصها الدائم على دعم ورعاية مسيرة الكأس الغالية، التي تسهم في تعزيز الدبلوماسية الناعمة، وتوطيد أواصر التعاون وروابط الصداقة مع مختلف الدول، ومن بينها الشقيقة تونس التي قدمت لوحة تنظيمية رائعة وكرنفالاً احتفالياً يعكس المكانة المميزة للحدث».
وأضافت: «فخورون بالنجاحات الكبيرة والأجواء الرائعة، التي شهدتها المحطة الافتتاحية للنسخة الـ32 لكأس رئيس الدولة للخيول العربية الأصيلة، ودورها الكبير في نقل الصورة الرائعة عن موروث الإمارات الأصيل لجماهير تونس، ولكافة الحضور الدبلوماسي، مشيدة بالفعاليات المصاحبة للحدث والمهرجان الرائع، الذي أبرز تراث وثقافة تونس الشقيقة للجميع، كما نُعرب عن سعادتنا بالمكتسبات المهمة، التي تحققها الكأس الغالية في كل عام في تونس، وشهدنا هذا العام تطورات جديدة لهذا المهرجان الكبير، الذي يقام لدعم ملاك ومربي الخيل العربي في تونس وكافة دول العالم».
من جهته، قال فيصل الرحماني: «بداية قوية وانطلاقة متميزة لسباقات الموسم الجديد، وسط تطورات كبيرة، واهتمام غير مسبوق من ملاك ومرابط الخيل العربي في تونس وشمال أفريقيا، في ظل الخطة الجديدة والجوائز التي تم رصدها لأبطال الموسم هذا العام».
وأضاف: «الرؤى السديدة لسمو الشيخ منصور بن زايد آل نهيان، نائب رئيس الدولة، نائب رئيس مجلس الوزراء، رئيس ديوان الرئاسة، ودوره الريادي الذي يقود مسيرة الخيل العربي للازدهار والنماء، نشهده ونلمسه لدى ملاك ومرابط الخيل العربي في كل عام، وفي كل محطة من سباقاتنا العالمية، مؤكداً أن مزاد الخيل الذي تم تنظيمه بتونس قبل الحدث كان خير دليل على ذلك، في ظل الإقبال الكبير على الخيول العربية بصورة غير مسبوقة وبأرقام متميزة، وهو ما يترجم مكانة خططنا التطويرية لسباقات الخيل العربية».
وقال: «تسرنا الأصداء الكبيرة والحضور الجماهيري والدبلوماسي المتميز، لأولى محطاتنا في تونس التي بهرت الجميع، متقدماً بالتهنئة إلى أبطال الكأس الغالية في تونس».