عربي21:
2025-04-26@12:30:51 GMT

هل يجب أن تخرج حماس من غزة؟

تاريخ النشر: 28th, March 2025 GMT

هذا سؤال ثقيل ومفصلي، يلامس أعماق المأزق الفلسطيني، ويستحق معالجة عميقة ومركبة.
إن صور المظاهرات التي تخرج منذ يومين في غزة تراها الفضائيات العربية وأجهزة السلطة وفوهات بنادق نتنياهو من مسافات متباينة ومقاربات مختلفة.
لنتفق مبدئيا أن أهل غزة هم الأدرى بشعاب قطاعهم، وهم المخولون بأن يعبروا عن آلامهم وآمالهم، فهم أهل الدم وأصحاب البنادق وآخر قلعة في أمة تداركها الله.


ففي قلب غزة المحطمة، وبين أنقاض المنازل المتهدمة وآمال القلوب المكلومة، يتردد سؤال وجودي يلامس أعمق المخاوف: هل يجب على حركة حماس أن تنسحب من القطاع، طمعًا في إنقاذ ما تبقى من أرواح؟ أم أن هذا الانسحاب قد يكون الشرارة التي تشعل فتيل مشروع أوسع، يهدف إلى إعادة رسم خريطة غزة وفقًا للمصالح الإسرائيلية والأميركية، ليُعلن عن فصل جديد من النكبة، هذه المرة تحت ستار "السلام"؟
في عالم السياسة المتقلب، ليس كل ما يلمع ذهبًا، وليس كل طريق مُعلن عنه كطريق للنجاة، يُفضي حتمًا إلى بر الأمان.
الطريق المفخخ
منذ أن اندلعت شرارة الحرب الأخيرة على غزة، عاد الحديث، تارةً همسًا خافتًا وتارةً علنًا صريحًا، عن "خيار إنقاذي" يُطرح على طاولة النقاش: أن تتخلى حركة حماس عن سلطتها في القطاع، وتفسح المجال لقوى إقليمية ودولية "لإعادة ترتيب الأوضاع"، وبالتالي وقف القتال الدائر وإطلاق عجلة إعادة الإعمار المتوقفة.
لكن، دعونا نتساءل بجدية: ما الذي ينتظر غزة فعليًا إذا ما غابت حماس عن المشهد السياسي والإداري؟
يروج البعض لهذا السيناريو على أنه الوصفة السحرية للخلاص: وقف فوري للغارات الجوية والقصف المدمر، فتح دائم للمعابر الحدودية، تدفق المساعدات الإنسانية الضرورية، وربما تشكيل "سلطة بديلة" تحظى بإشراف عربي أو دولي.
بيدَ أن هذا التصور الوردي، بكل ما يحمله من إغراء ظاهري، يتجاهل عمدًا سؤالًا محوريًا وجوهريًا: من هي الجهة التي ستملأ هذا الفراغ الهائل؟ وبأي مشروع سياسي؟ ولمصلحة من تحديدًا؟
ما بعد الانسحاب
في غياب قوة منظمة ومؤثرة كحركة حماس، من المؤكد أن إسرائيل لن تسمح بتولي أي قوة فلسطينية ذات سيادة حقيقية زمام الأمور في غزة. حتى السلطة الوطنية الفلسطينية، لو تسلمت رسميًا إدارة القطاع، فستجد نفسها مجرد وكيل إداري لا يملك من الأمر شيئًا في منطقة تم تجريدها من أي مقاومة حقيقية ومُنعت من امتلاك قرارها المستقل.
وحينها، سيبدأ السيناريو الأكثر خطورة: تحويل المناطق "الآمنة" المؤقتة في القطاع إلى تجمعات أشبه بدويلات صغيرة للاجئين، وسيتم منع عودة السكان إلى مناطقهم الأصلية في الشمال تحت ذرائع أمنية واهية، وربما تنفيذ مخطط تهجير صامت، وسيكون تهجيرًا تحرسه القوى الدولية، وتموّله دول عربية، ويُبرر إنسانيًا.
إن انسحاب حماس في هذا السياق، لن يؤدي إلى إنقاذ غزة، بل قد يُنقذ صورة إسرائيل مؤقتًا أمام العالم، لكنه سيترك غزة مكشوفة تمامًا أمام مشروع إعادة الهندسة الديمغرافية الذي يهدف إلى تغيير طبيعة القطاع وهُويته.
الاحتمال الآخر: بقاء المقاومة
على الجانب الآخر، يمثل بقاء حماس في غزة الخيار الأكثر كلفة إنسانيًا على المدى القصير، لكنه قد يكون السد الأخير الذي يحول دون تنفيذ مشروع التهجير القسري. إسرائيل -ومن خلفها واشنطن- تؤكد دائمًا أن بقاء حماس يعني استمرار حالة الحرب، وربما تفاقم الكارثة الإنسانية التي يعيشها السكان.
لكن في الحسابات الإستراتيجية للمصلحة الفلسطينية، فإن ثبات المقاومة يُبقي على جوهر القضية الفلسطينية حيًا: الحق الأصيل في المقاومة المشروعة، والرفض القاطع لمحاولات فرض حلول قسرية بالقوة.
في زمن تُشترى فيه "حقوق الشعوب" أحيانًا برغيف خبز أو شحنة دواء، فإن وجود مقاومة – بكل ما يحمله من جدل ونقاش – يصبح عنصر ردع أساسي أمام محاولات الاحتلال للانفراد بالشعب الفلسطيني وتغيير تاريخه وذاكرته وهويته.
المأزق الحقيقي
دعونا نواجه الحقيقة بوضوح: المعضلة الحقيقية لا تختزل في مسألة بقاء حماس أو رحيلها.
المأساة الأعمق تكمن في غياب المشروع الوطني الفلسطيني الجامع، وفي حالة الترهل التي تعاني منها المؤسسات الفلسطينية، وفي تحول القضية الفلسطينية من قضية تحرر وطني إلى مجرد ملف تفاوضي باهت وأجهزة أمن فلسطينية تتحدث العبرية وتأتمر بأوامر ضباط الشاباك الإسرائيلي.
الحقيقة أنه سواء بقيت حماس في غزة أو انسحبت منها، سيظل القطاع عالقًا في فم الوحش، ما لم يتم إعادة تعريف شامل لمفهوم القيادة الفلسطينية، وللهوية الوطنية، وللأهداف الإستراتيجية للقضية.
إن إنقاذ غزة الحقيقي لا يتحقق بتغيير اللافتة المعلقة على الباب، بل بتغيير جذري لقواعد اللعبة الظالمة التي فُرضت على الفلسطينيين منذ اتفاق أوسلو المشؤوم وحتى يومنا هذا.
الحذر من الأجوبة السهلة
في لحظات عصيبة كهذه، تبدو الأجوبة البسيطة والمباشرة مغرية للغاية: "لتخرج حماس.. ولينقذ الناس". لكن الحقيقة غالبًا ما تكون أكثر تعقيدًا ومرارة. قد يكون هذا "الخروج" أقرب إلى عملية طرد سياسي مبطنة، وقد تكون "النجاة" التي تُعرض على الفلسطينيين اليوم هي الوجه الناعم لعملية اقتلاع جماعي قادمة لا محالة.
السؤال الحقيقي ليس: "هل يجب على حماس أن تغادر غزة؟" بل هو: من هي القوة التي ستدخل بعدها؟ وبأي مشروع سياسي؟ ولمصلحة من تحديدًا؟ وربما، الأهم من كل ذلك: هل يملك الشعب الفلسطيني – بعد كل هذا الدم والتضحيات – رفاهية ارتكاب خطأ إستراتيجي آخر؟
إن خروج البنادق الفلسطينية من بيروت عام 1982 قد قاد سفينة منظمة التحرير إلى أوسلو و"النوم في عسل" دايتون والتنسيق الأمني، حيث تحوّلت البندقية إلى بطاقة "VIP" في المطارات، وتحول الحلم إلى توقيع على ورقة لا تنبت دولة حرة سيدة مستقلة. واليوم، يُراد لغزة أن تكرر المشهد نفسه، ولكن بثمن أكثر فداحة: الخروج من التاريخ.
فما يُراد ليس فقط تفكيك المقاومة، بل تجريد الفلسطيني من حقه في الوجود. لهذا، فإن السؤال لم يعد: هل تبقى غزة؟ بل: هل تبقى فلسطين إذا غابت غزة؟
هذا هو الامتحان الأخير.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه غزة حماس الاحتلال حماس غزة الاحتلال مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی غزة

إقرأ أيضاً:

حماس ترفض قرارات المركزي الفلسطيني.. وتدعو لإعادة بناء منظمة التحرير

أعلنت حركة "حماس"، مساء الخميس، رفضها لنتائج اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني، ولا سيما قراره استحداث منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، معتبرة ذلك خطوة تُكرّس "الهيمنة والانفراد بالقرار الوطني". 

وأكدت الحركة في بيان رسمي، أن هذا الاجتماع خيب آمال الفلسطينيين في تحقيق وحدة وطنية حقيقية، خاصة في ظل تصاعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة والضفة الغربية والقدس.

وأشارت "حماس" إلى أن الاجتماع جاء "منفصلًا عن الواقع الفلسطيني الملتهب"، حيث قاطعت معظم الفصائل الفاعلة جلساته، رفضًا لما وصفته بمحاولات "الانقلاب على روح الشراكة الوطنية"، وهو ما اعتبرته الحركة استمرارا لنهج الإقصاء السياسي الذي لا يخدم المصلحة الوطنية في ظل الظروف الحرجة التي يمر بها الشعب الفلسطيني.

وانتقد البيان بشدة ما وصفه بـ"الشتائم الفجة" التي أطلقها الرئيس محمود عباس بحق الحركة خلال كلمته، معتبرة أن هذه التصريحات لا تتناسب مع طبيعة المرحلة وتصب في مصلحة الاحتلال من خلال ضرب وحدة الصف الفلسطيني.

 وأكدت "حماس" أن المطلوب في هذه اللحظة الحساسة هو "الالتفاف حول الفصائل المقاومة لا الطعن بها أو تحميلها مسؤولية جرائم الاحتلال".

حماس: نتنياهو يقود واحدة من أفظع المحارق في العصر الحديثأول تعليق من حماس على استهداف مستشفى الشهيد محمد الدرة للأطفالبألفاظ قاسية وسباب .. عباس يهاجم حماس وأمريكا بلهجة غير مسبوقةرئيس الموساد السابق يدعو لوقف قتال حماس ولا قرارت في الكابينت حول غزةفتح تدعو حماس بالتوقف عن اللعب بمصير الشعب الفلسطيني وفقا لأجنداتها الخارجيةحماس تصرخ: قطاع غزة يواجه كارثةً إنسانيةً غير مسبوقة

وفي سياق متصل، جدّدت الحركة دعوتها إلى إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أسس ديمقراطية جامعة، تشمل كافة القوى والفصائل، وتفعيل الإطار القيادي المؤقت للمنظمة، باعتباره السبيل الوحيد لاستعادة الوحدة الوطنية. وشددت على أن الشعب الفلسطيني "يستحق قيادة موحدة تليق بتضحياته الجسيمة، لا قيادة تعيد إنتاج الفشل وتخضع للتنسيق الأمني والإملاءات الخارجية"، على حد تعبير البيان.

وكان المجلس المركزي الفلسطيني قد قرر، خلال اجتماعه الخميس في مدينة رام الله، استحداث منصب نائب رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، وهو منصب جديد يضاف إلى الهيكل التنظيمي، وصوّت على القرار بالأغلبية الساحقة. كما تناول الاجتماع أوضاع المنظمة الداخلية ومستجدات الوضع السياسي والأمني في الأراضي الفلسطينية.

طباعة شارك حماس حركة حماس غزة قطاع غزة فلسطين

مقالات مشابهة

  • محمود عباس في بيروت ودمشق لبحث السلاح الفلسطيني
  • المركزي الفلسطيني يطالب حماس بتسليم غزة .. والحركة ترد
  • لليوم الثانى على التوالى.. مشاريع تخرج وروبوتات ضمن ملتقى الصعيد للمبدعين بجامعة أسوان
  • 13 مشروع تخرج لطلاب الإذاعة والتلفزيون بآداب الزقازيق
  • الرئيس الفلسطيني: نثمن موقف مصر الرافض لتصفية القضية الفلسطينية
  • حماس ترفض قرارات المركزي الفلسطيني.. وتدعو لإعادة بناء منظمة التحرير
  • حماس تنتقد اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني وتصفه بـمحطة جديدة للتفرد والإقصاء
  • حركة فتح: مصر تتعامل مع القضية الفلسطينية بحرص تام والقرار الفلسطيني يجب أن يظل مستقلًا
  • فيديو. الرئيس الفلسطيني يهاجم حماس : اطلقوا سراح الرهائن يا اولاد الكلاب وخلصونا
  • عاجل - الرئيس الفلسطيني يشكر السيسي والملك عبد الله الثاني على مواقفهم في دعم القضية الفلسطينية