عربي21:
2025-03-31@01:14:14 GMT

هل يجب أن تخرج حماس من غزة؟

تاريخ النشر: 28th, March 2025 GMT

هذا سؤال ثقيل ومفصلي، يلامس أعماق المأزق الفلسطيني، ويستحق معالجة عميقة ومركبة.
إن صور المظاهرات التي تخرج منذ يومين في غزة تراها الفضائيات العربية وأجهزة السلطة وفوهات بنادق نتنياهو من مسافات متباينة ومقاربات مختلفة.
لنتفق مبدئيا أن أهل غزة هم الأدرى بشعاب قطاعهم، وهم المخولون بأن يعبروا عن آلامهم وآمالهم، فهم أهل الدم وأصحاب البنادق وآخر قلعة في أمة تداركها الله.


ففي قلب غزة المحطمة، وبين أنقاض المنازل المتهدمة وآمال القلوب المكلومة، يتردد سؤال وجودي يلامس أعمق المخاوف: هل يجب على حركة حماس أن تنسحب من القطاع، طمعًا في إنقاذ ما تبقى من أرواح؟ أم أن هذا الانسحاب قد يكون الشرارة التي تشعل فتيل مشروع أوسع، يهدف إلى إعادة رسم خريطة غزة وفقًا للمصالح الإسرائيلية والأميركية، ليُعلن عن فصل جديد من النكبة، هذه المرة تحت ستار "السلام"؟
في عالم السياسة المتقلب، ليس كل ما يلمع ذهبًا، وليس كل طريق مُعلن عنه كطريق للنجاة، يُفضي حتمًا إلى بر الأمان.
الطريق المفخخ
منذ أن اندلعت شرارة الحرب الأخيرة على غزة، عاد الحديث، تارةً همسًا خافتًا وتارةً علنًا صريحًا، عن "خيار إنقاذي" يُطرح على طاولة النقاش: أن تتخلى حركة حماس عن سلطتها في القطاع، وتفسح المجال لقوى إقليمية ودولية "لإعادة ترتيب الأوضاع"، وبالتالي وقف القتال الدائر وإطلاق عجلة إعادة الإعمار المتوقفة.
لكن، دعونا نتساءل بجدية: ما الذي ينتظر غزة فعليًا إذا ما غابت حماس عن المشهد السياسي والإداري؟
يروج البعض لهذا السيناريو على أنه الوصفة السحرية للخلاص: وقف فوري للغارات الجوية والقصف المدمر، فتح دائم للمعابر الحدودية، تدفق المساعدات الإنسانية الضرورية، وربما تشكيل "سلطة بديلة" تحظى بإشراف عربي أو دولي.
بيدَ أن هذا التصور الوردي، بكل ما يحمله من إغراء ظاهري، يتجاهل عمدًا سؤالًا محوريًا وجوهريًا: من هي الجهة التي ستملأ هذا الفراغ الهائل؟ وبأي مشروع سياسي؟ ولمصلحة من تحديدًا؟
ما بعد الانسحاب
في غياب قوة منظمة ومؤثرة كحركة حماس، من المؤكد أن إسرائيل لن تسمح بتولي أي قوة فلسطينية ذات سيادة حقيقية زمام الأمور في غزة. حتى السلطة الوطنية الفلسطينية، لو تسلمت رسميًا إدارة القطاع، فستجد نفسها مجرد وكيل إداري لا يملك من الأمر شيئًا في منطقة تم تجريدها من أي مقاومة حقيقية ومُنعت من امتلاك قرارها المستقل.
وحينها، سيبدأ السيناريو الأكثر خطورة: تحويل المناطق "الآمنة" المؤقتة في القطاع إلى تجمعات أشبه بدويلات صغيرة للاجئين، وسيتم منع عودة السكان إلى مناطقهم الأصلية في الشمال تحت ذرائع أمنية واهية، وربما تنفيذ مخطط تهجير صامت، وسيكون تهجيرًا تحرسه القوى الدولية، وتموّله دول عربية، ويُبرر إنسانيًا.
إن انسحاب حماس في هذا السياق، لن يؤدي إلى إنقاذ غزة، بل قد يُنقذ صورة إسرائيل مؤقتًا أمام العالم، لكنه سيترك غزة مكشوفة تمامًا أمام مشروع إعادة الهندسة الديمغرافية الذي يهدف إلى تغيير طبيعة القطاع وهُويته.
الاحتمال الآخر: بقاء المقاومة
على الجانب الآخر، يمثل بقاء حماس في غزة الخيار الأكثر كلفة إنسانيًا على المدى القصير، لكنه قد يكون السد الأخير الذي يحول دون تنفيذ مشروع التهجير القسري. إسرائيل -ومن خلفها واشنطن- تؤكد دائمًا أن بقاء حماس يعني استمرار حالة الحرب، وربما تفاقم الكارثة الإنسانية التي يعيشها السكان.
لكن في الحسابات الإستراتيجية للمصلحة الفلسطينية، فإن ثبات المقاومة يُبقي على جوهر القضية الفلسطينية حيًا: الحق الأصيل في المقاومة المشروعة، والرفض القاطع لمحاولات فرض حلول قسرية بالقوة.
في زمن تُشترى فيه "حقوق الشعوب" أحيانًا برغيف خبز أو شحنة دواء، فإن وجود مقاومة – بكل ما يحمله من جدل ونقاش – يصبح عنصر ردع أساسي أمام محاولات الاحتلال للانفراد بالشعب الفلسطيني وتغيير تاريخه وذاكرته وهويته.
المأزق الحقيقي
دعونا نواجه الحقيقة بوضوح: المعضلة الحقيقية لا تختزل في مسألة بقاء حماس أو رحيلها.
المأساة الأعمق تكمن في غياب المشروع الوطني الفلسطيني الجامع، وفي حالة الترهل التي تعاني منها المؤسسات الفلسطينية، وفي تحول القضية الفلسطينية من قضية تحرر وطني إلى مجرد ملف تفاوضي باهت وأجهزة أمن فلسطينية تتحدث العبرية وتأتمر بأوامر ضباط الشاباك الإسرائيلي.
الحقيقة أنه سواء بقيت حماس في غزة أو انسحبت منها، سيظل القطاع عالقًا في فم الوحش، ما لم يتم إعادة تعريف شامل لمفهوم القيادة الفلسطينية، وللهوية الوطنية، وللأهداف الإستراتيجية للقضية.
إن إنقاذ غزة الحقيقي لا يتحقق بتغيير اللافتة المعلقة على الباب، بل بتغيير جذري لقواعد اللعبة الظالمة التي فُرضت على الفلسطينيين منذ اتفاق أوسلو المشؤوم وحتى يومنا هذا.
الحذر من الأجوبة السهلة
في لحظات عصيبة كهذه، تبدو الأجوبة البسيطة والمباشرة مغرية للغاية: "لتخرج حماس.. ولينقذ الناس". لكن الحقيقة غالبًا ما تكون أكثر تعقيدًا ومرارة. قد يكون هذا "الخروج" أقرب إلى عملية طرد سياسي مبطنة، وقد تكون "النجاة" التي تُعرض على الفلسطينيين اليوم هي الوجه الناعم لعملية اقتلاع جماعي قادمة لا محالة.
السؤال الحقيقي ليس: "هل يجب على حماس أن تغادر غزة؟" بل هو: من هي القوة التي ستدخل بعدها؟ وبأي مشروع سياسي؟ ولمصلحة من تحديدًا؟ وربما، الأهم من كل ذلك: هل يملك الشعب الفلسطيني – بعد كل هذا الدم والتضحيات – رفاهية ارتكاب خطأ إستراتيجي آخر؟
إن خروج البنادق الفلسطينية من بيروت عام 1982 قد قاد سفينة منظمة التحرير إلى أوسلو و"النوم في عسل" دايتون والتنسيق الأمني، حيث تحوّلت البندقية إلى بطاقة "VIP" في المطارات، وتحول الحلم إلى توقيع على ورقة لا تنبت دولة حرة سيدة مستقلة. واليوم، يُراد لغزة أن تكرر المشهد نفسه، ولكن بثمن أكثر فداحة: الخروج من التاريخ.
فما يُراد ليس فقط تفكيك المقاومة، بل تجريد الفلسطيني من حقه في الوجود. لهذا، فإن السؤال لم يعد: هل تبقى غزة؟ بل: هل تبقى فلسطين إذا غابت غزة؟
هذا هو الامتحان الأخير.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه غزة حماس الاحتلال حماس غزة الاحتلال مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة فی غزة

إقرأ أيضاً:

تظاهرات متصاعدة في غزة.. ومقترح أميركي جديد لحماس

خرج المئات من سكان غزة إلى الشوارع لليوم الثالث على التوالي للاحتجاج على حكم حركة حماس والحرب المستمرة مع إسرائيل.

وأفاد سكان محليون لوكالة الأنباء الألمانية "د ب أ" بأن المتظاهرين طالبوا حركة حماس بمغادرة القطاع، حيث جرت مظاهرات في عدة مناطق من القطاع الساحلي الخميس.

وأظهرت منشورات تم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي متظاهرين يرفعون لافتات كتب عليها "حماس برا" و"حماس منظمة إرهابية".

وحذرت حماس سكان القطاع من مغبة "دعم المصالح الإسرائيلية".

مقترح أميركي جديد لحماس

كشف موقع "أكسيوس" الأميركي أن الولايات المتحدة عرضت على حماس مقترحا جديدا يقضي بالإفراج عن رهينة أميركي مقابل دعوة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى الهدنة في غزة واستئناف المفاوضات بشأن اتفاق أوسع لوقف إطلاق النار.

ونقل الموقع عن مسؤولين أميركيين وإسرائيليين قولهم إن المقترح قدمته واشنطن إلى الوسطاء القطريين ولم يتم التوصل إلى اتفاق بشأنه حتى الآن.

وأضافوا أن "الولايات المتحدة ضغطت على مصر وقطر خلال الأيام الماضية لإقناع حماس بالموافقة على إطلاق سراح بعض الرهائن بما يعيد الهدنة في غزة".

وفد مصري في الدوحة بشأن غزة

وصل وفد أمني مصري، الخميس، إلى العاصمة القطرية الدوحة لاستكمال المحادثات حول إدخال المساعدات إلى غزة وتبادل الرهائن بين إسرائيل وحماس.

وتتوسط قطر ومصر والولايات المتحدة بين حماس وإسرائيل للتوصل لاتفاق لتبادل الرهائن وإنهاء الحرب المستمرة في القطاع منذ أكتوبر 2023.

وتشهد مفاوضات وقف إطلاق النار جمودا منذ أسابيع بعدما انتهت في مارس المرحلة الأولى من الهدنة التي أعلنت بداية العام.

وتركز زيارة الوفد الأمني المصري على "إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة تمهيدا للانتقال إلى المرحلة الثانية لاتفاق وقف إطلاق النار الدائم"، حسب ما نقلت قناة القاهرة الإخبارية.

وأضافت أن المحادثات ستتطرق إلى "الإفراج عن الأسرى والرهائن في إطار مرحلة انتقالية للسعي لخفض التصعيد".

مقالات مشابهة

  • حركة حماس تحيي صمود أبناء الشعب الفلسطيني في غزة
  • حماس تدين مصادقة العدو الإسرائيلي على مشروع استيطاني جديد
  • عاجل| نتنياهو: مستعدون للحوار بشأن المرحلة النهائية للحرب التي يتم بموجبها نزع سلاح حماس وإخراج قادتها من غزة
  • معاريف: حكومة نتنياهو تشتبه في أن التظاهرات التي خرجت في غزة حيلة من حماس
  • معاريف: حكومة نتنياهو تشتبه أن التظاهرات التي خرجت في غزة حيلة من حماس
  • قاضية أمريكية تأمر بوقف ترحيل طالبة دكتوراه تركية مناصرة للشعب الفلسطيني
  • هل تؤسس ثورة غزة ضد حماس للسلام؟
  • الصحة الفلسطينية: استشهاد 24 مواطنا فى غارات إسرائيلية على قطاع غزة
  • الأونروا تُحذّر من مخاطر تراكم النفايات في غزة
  • تظاهرات متصاعدة في غزة.. ومقترح أميركي جديد لحماس