الشيخ الفقيه والأديب عبدالله بن أحمد بن حمود بن حميد الحسيني، ولد في سرور بولاية سمائل سنة 1929م. عاش في سمائل محبا للقراءة والاطلاع شغوفا بالمعرفة يقول الحسيني عن حبه للقراءة «كنت ذات يوم من أيام الشتاء أطالع بعض الكتب في بيتي بداخل حجرة لا نوافذ لها، وأغلقت على نفسي الباب، فمكثت طوال ليلي على هذه الحال، حتى إذا ما هممت بالخروج انصدمت بشروق الشمس، وأدركت أن ليلي قد ذهب كله دون أن أشعر».
تلقى الحسيني العلم على يد مجموعة من العلماء من بينهم الشيخ حمد بن عُبيد بن مسلم السليمي، وتعلم منه الفقه وعلوم الدين واللغة العربية وعلومها، ومما يرويه الحسيني عن الشيخ حمد السليمي: «كنت أسمع أن من عادة الشيخ حمد – إذا أخذ أحدهم يقرأ شئيا من العلوم- ألا يغير جلسته مهما طالت القراءة فأردت ذات مرة أن اختبر مقدرته تلك، فقرأت عليه من بعد صلاة المغرب حتى صلاة العشاء، ثم واصلت القراءة من بعد صلاة العشاء حتى الفجر، فما رأيته غير جلسته، في حين غيرت أنا جلستي مرارا واجتهدت كثيرا». وتعلم الحسيني على يد الشيخ خلفان بن جميّل بن حَرمل السيابي، ونسخ كتاب أستاذه بهجة المجالس، ومن الشيخ السيابي تعلم الحسيني علوم الدين وخاصة الفقه، أما الشعر فتعلمه على يد الشاعر عبد الله بن علي بن عبد الله الخليلي، الذي حرص على أن يطلعه كلما كتب قصيده ويناقشه فيها حتى يتعلم منه.
ومما يرويه الحسيني عن نظمه للشعر أن رهن كتب له بخمسة قروش؛ يتمكن من السفر لطلب العلم وحين علم بزيارة الإمام محمد بن عبدالله الخليلي لسمائل، قرر المثول أمامه وإلقاء أبيات يوضح من خلالها حاجته للمال، فألقى قائلا:
الله رازقنا ولكن إنما
وكلاؤه في أرضه أهل الغنى
وعياله الفقرا فمن أعطاهم
أدى أمانته كما قد أمنا
ووباله للباخلين بفضله
إذ إنهم خانوا الذي قد أمنا
فأعجب الإمام والحاضرون بالأبيات وأعطاه عنها خمسة قروش ليفك الرهن عن كتبه. حرص الشيخ الحسيني على أن يكون له دور إصلاحي في مجتمعه، فكان يقدم النصح والإرشاد ويلقي الخطب التي تهدف إلى توجيه الناس وتذكيرهم بالإحسان لبعضهم البعض، وكان يؤم الناس في الصلاة، ويسعى لإصلاح ذات البين.
عمل الشيخ عبد الله الحسيني كاتبا للصكوك الشرعية، فلقد امتلك الحسيني موهبة جمال الخط، وعمل أيضا معلما لطلبة العلم وفتح لهم مجلس بيته ليلقي عليهم الدروس.
للحسيني عدد من المؤلفات منها: تحفة الأحباب في إعراب ملحة الإعراب، وملخص في النحو، ومنظومة في المثلث على نهج القُطْرُبِيِّة لمؤلفها محمد بن المستنير الذي اشتهر بلقب قُطرُب، وكتب الحسيني أرجوزة في علم الميراث عنونها غاية البحث في علم الإرث، وله عدد من القصائد من بينها تقريظ لمؤلفات أستاذه خلفان بن جميل السيابي، وله عين التسنيم في إرشاد الشيخ إبراهيم، ونسخ الحسيني عدد من المخطوطات بخطه الجميل.
ومن أبرز مؤلفاته كتاب غاية الأمنية في القهوة البنية، يبدو جليا من عنوان الكتاب أن موضوعه الرئيس هو القهوة، والكتاب فريد من نوعه إذ تناول الأشعار التي قيلت في القهوة، وهو من الكتب المميزة في موضوعها، حيث لا نجد المؤلفات العمانية التي تتناول موضوعات شائقة ومختلفة إلا القليل منها. ضم الكتاب مقدمة وبابين، في المقدمة ذكر الحسيني أن سبب تأليفه للكتاب أنه في أحد الأيام شعر بالملل فقرر شرب القهوة، فأعجب بطعمها ورائحتها فكتب فيها شعرا، وعرض هذا الشعر على أصحابه الذين بدورهم أبدوا إعجابهم بالأبيات، فقرر الحسيني جمع الأبيات الشعرية التي نظمت في القهوة وجمال طمعها والانتعاش الذي تخلفه رائحتها في النفس. جمع الحسيني في الباب الأول والذي يحمل عنوان (ما قيل في القهوة من أشعار) فكانت تسع عشرة قصيدة كتبت في القهوة بدأ الفصل بقصيدته في القهوة البنية، التي قال فيها:
أنَ مُغرمٌ بقهيوةٍ بنيةٍ
قد أتقنت في القلي بالتمهيد
فالبن ينفخ مع إجادة قلية
كبخور عود أو كدهن العود
إن كان ينفخ فوق جمر لين
بتطلف وترفق ووؤود
هات اسقني يامن أجاد لصنعها
أوتيت حكمة صنعها المنشود
ثم بيتان من الشعر لخلفان بن جميل السيابي، الذي قال في القهوة:
إنني تعجبني
قهوة بنّ حسنة
أتقنها صانعها
تذهب نومي والسنة
وذكر قصائد مجموعة من علماء وأدباء عمان ممن نظموا شعرا في القهوة من بينهم حمدان بن خميس اليوسفي، والشيخ درويش بن جمعة المحروقي، والشيخ عامر بن سليمان الريامي والشيخ منصر بن ناصر الفارسي، والعالم المحقق سعيد بن خلفان الخليلي، والشيخ حماد بن محمد بن سالم البسط، والشيخ ماجد بن سعيد العبري وممن كتب الشعر في القهوة من غير العمانيين من أمثال الشاعر مَشعان بن ناصر النجدي، وزين العابدين بن عبدالقادر الطبري، ومحمد بن عراق الكناني. ويتناول الحسيني القصائد التي قيلت في موضوع تحريم القهوة، ويقدم بعض الروايات التي تؤكد على جواز شرب القهوة.
أما الباب الثاني فبعنوان (تاريخ اكتشاف القهوة) ونقل الحسيني هذا الباب من كتاب إرشاد السائل إلى معرفة الأوائل لسيف بن حمود البطاشي. وذكر أن هناك اختلافا في وقت بدء استخدام شراب القهوة، وأشار أن بداية استخدام القهوة كان بين القرنين العاشر والحادي عشر الهجريين، ثم يشير البطاشي إلى قصيدة قالها الشيخ نور الدين السالمي حول رأي السالمي الفقهي في شرب القهوة، ووردت هذه القصيدة في جوهر النظام وكتبها السالمي على بحر الرجز، وقال في مطلعها:
وقهوةُ البنِ التي تُستعملُ
فيها خلاف العلماء يُنقلُ
قد وردَ التحريمُ في الآثارِ
في ذاك عن ساداتنا الأخيارِ
وذكر الحسيني في هذا الفصل الباب القصير قصة اكتشاف القهوة التي نقلها عن الشيخ سيف بن حمود البطاشي من كتابه إرشاد السائل إلى معرفة الأوائل، على يد راع مسلم من اليمن وقيل من قرية كافا بالحبشة من كتاب شذرات الذهب يشير من خلالها إلى أن مبتكر القهوة هو أبو بكر بن عبدالله الشاذلي المعروف بالعيدروس الذي توفي سنة 909هـ، وأن العيدروس وجد في بعد أكله للبن نشاطا وقدرة على السهر، فقرر التحقق من الأمر فتوصل إلى صناعة مشروب القهوة. ثم انتشرت القهوة في اليمن والحجاز ومنها إلى بقية دول العالم.
ويشير الحسيني أن الشيخ سعيد بن بشير الصبحي هو أول علماء عمان الذي أفتى بعدم حرمة القهوة: «إن القهوة -المتخذة مع الجهال وطغام الناس من حب البن المقلي الممزوج بالماء المعمول بالنار- لا أقدر أن أحرمها ولا أقدم على تخطئة شاربها إذا لم يكن منه ما يخرجه من دين الله؛ لأن الحرمة لا تثبت إلا من كتاب أو سنة أو إجماع أهل الصواب، لوجود علة أو حدوث شدة متنقلة من طهارة إلى نجاسة ، ومن حلال إلى حرام».
انتقل الشيخ عبدالله الحسيني إلى جوار ربه الرحيم في 12صفر 1422هـ/ 6مايو 2001م ودفن في ولاية سمائل.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی القهوة من کتاب على ید
إقرأ أيضاً:
أفضل الصدقة التي أخبر عنها النبي .. اغتنمها
الصدقة، من أحبّ وأفضل الأعمال لله- عزّ وجلّ- هي الصدقة على المحتاجين والفقراء؛ لأنّ في إخراجها دليلٌ على صحة إيمان العبد بالله- تعالى-، ويقينه بأنّه هو الرزاق سبحانه.
وحثنا رسول -صلى الله عليه وسلم- على الصدقة، ورَغَّب بها جميع المسلمين حتى النساء.
أفضل الصدقةقَالَ رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ أَوْ خَيْرُ الصَّدَقَةِ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ». متفق عليه، (عن ظهر غنى) معناه أفضل الصدقة ما بقي صاحبها بعدها مستغنيا بما بقي معه.
وقال الدكتور علي جمعة مفتي الجمهورية السابق، في منشور له عبر الصفحة الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي فيس بوك: أن من الرحمة، وسلوك الرحمة، وجمال الرحمة، وحلاوة الرحمة أنها تجعل الإنسان يتكلم بالكلم الطيب، والكلمة الطيبة وصفها الله سبحانه وتعالى بأنها كلمة نامية تزيد من صاحبها، ولا تُنقصه في شيء.
قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ (24) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ} لعلهم يفكرون يعني لعلهم يتدبرون ويتأملون {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ (26) يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ}".
وتابع: "الكلمة الطيبة هذه صدقة، الكلمة الطيبة هي كشجرة، إذن ففيها النمو، ثابتة بجذورها في الأرض، وفروعها وصلت إلى عنان السماء، ثم إن ثمرتها تُؤكل وينتفع بها هكذا الكلمة الطيبة.
وعن النبي ﷺ كان يقول: «ورُبَّ الكلمة من رضوان الله لا يُلقي أحدكم إليها بالًا يُبنى له بها بيتٌ في الجنة، ورُبَّ كلمة من سخط الله لا يُلقي أحدكم إليها بالًا ... » أو كلمة يسخر بها « ... تهوي بصاحبها سبعين خريفًا في النار»".
واستشهد بما ورد عن عدي بن حاتم رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله ﷺ: «اتقوا النار، ثم أعرض وأشاح بوجهه هكذا، ثم قال: اتقوا النار، ثم أعرض وأشاح، وفعل هذا ثلاثًا حتى ظننا أنه ينظر إليها ... » يعني إلى النار ، قال: «اتقوا النار ولو بشق تمرة شق تمرة ... » شق تمرة يعني نصف تمرة تصدق بها فإن «الصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار».
وشدد عضو هيئة كبار العلماء على علو منزلة الكلمة الطيبة فقال :"انظر إلى العلو، انظر إلى النقاء، انظر إلى العموم يقول: « ... فمن لم يجد ... » فقير جدا ليس معه نصف التمرة ، هذا الفقير جدًا محروم يعني من الثواب أبدًا « ... فبكلمة طيبة» أخرجه البخاري.
فضل الصدقة للمريضورد عن ما فضل الصدقة للمريض أنه ينبغي على المعافين أن يحمدوا الله على العافية ، ولا يتعرضوا للبلاء ويتقوا أسباب العدوى والمرض وأماكن البلاء، ويهربون من المرض هروبهم من الأسد ، كما ورد في الأثر، كما ينبغي عليهم أن يسألوا الله الصحة والعافية والشفاء، ويتحصنوا بالأذكار والدعاء ، فرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أرشدنا إلى أن الصدقة دواء لكل الأمراض كما أن الدعاء يدفع البلاء، فقد ورد عن عن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه أنه قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «دَاوُوا مَرضاكُمْ بِالصَّدقةِ، وَأَعِدُّوا لِلْبَلاءِ الدُّعَاءَ ».
وقد ورد فيه كذلك أن الصدقة تمحو المعاصي والذنوب، التي تعد أحد أسباب المرض والبلاء، كما أن فيها دواء للأمراض البدنية وكذلك أمراض القلب، من ضغينة وغل وحسد وحقد كما أن الصدقة من أسباب انشراح الصدر وطمأنينة القلب، أي أنها تؤثر على الحالة النفسية للمريض، مما يساعده على الشفاء، فضلًا عن أن الصدقة تقي المريض ميتة السوء.