فتحي الضَّو
كأن مثار النقع فوق رؤوسنا…وأسيافنا ليلٌ تهاوى كواكبه. قال النُقاد إن هذا أعجب بيت شعر قيل في وصف معركة في حرب حامية الوطيس، في حين قال عنه آخرون بأنه أكذب بيت شعر صادق، هذا وذاك لسبب بسيط هو أن قائله بشار بن برد كان أعمى، ومع ذلك برع في استخدام تلك الصورة البصرية الرائعة بذلك التشبيه البليغ.
وبما أن الشيء بالشيء يذكر فقد انتهت (معركة القصر) دون أن يكون بشار بن برد أحد حاضريها. ولكن كانت هناك التقنية الحديثة
التي تصور دبيب النمل في الأجحار وبالطبع لن يكذبِّها أحد. وطبقاً لذلك يمكن القول أيضاً إنها خلقت وخلَّفت وراءها العديد من الأسئلة االغائبة في توصيف معركة حاضرة قبل أن ينجلي غبارها. واقع الأمر ذلك ما ينبغي الوقوف عنده طويلاً، لعله يكون فاتحة لمنهج المساءلة القادمً متى ما وضعت حرب البلهاء أوزارها، خاصةً وأنها تُعد الأكثر مأساوية منذ تأسيس الدولة السودانية، وقد صاحبتها كثير من البلايا والرزايا وتعددت فيها الأخطاء والخطايا ثمَّ طوت أعز ما يملكه السودانيون في أعرافهم أي ما عُرف بمنهج (التسامح السياسي). ولهذا فنحن نعلم وهم يعلمون كذلك بأنه لن يعود السودان
الذي كان: ولكن سيعود لمن أوتي كتابه بيمنه بصفحاته الناصعة البياض من غير سوء. وعندئذٍ تبت يد الجلاد وتب.. لهذا ليس من المنظور أن يذهب درساً قاسياً كهذا أدراج الرياح. يردد كثير من (الببغاوات) عبارة مضللة ويقولون عن
القصر الذي بناه غردون (رمز السيادة) ولا يدري المرء أية
سيادة يقصدها المرابون؟ فهل يمكن أن تكون هناك سيادة في وطنٍ انتهكها العسكر على مدى تسعة وستين عاماً ولم ينعم فيها الصابرون الكاظمون الغيظ إلا بنحو عشر سنوات لم تزد منذ الاستقلال؟ وأية سيادة هذه التي انتهك البرهان وثيقتها الدستورية بانقلاب ضلالي مزقها شر ممزق، لا لعوج في ثورتها المجيدة ولا لخللٍ في مسيرتها الديمقراطية الواعدة، ولكن لأنه أراد فقط أن يحقق حلم والده؟ وأية سيادة تلك التي يهرف فيها ياسر العطا بما لا يعلم؟ وأية سيادة تلك التي يرفع علمها جهلول يظن أن تاريخ السودان يصنعه أزلام الهوس الديني والمؤلفة قلوبهم؟ لكن على أية حال إذا أسلمنا جدلاً أن (القصر) الذي بناه غردون هو رمز السيادة، كما يقولون، وأن الطامحين لورثته كثر فنقول نحن: إن للسيادة استحقاقاتها. وللسيادة مطلوباتها وللسيادة دين مستحق. عندئذِ فليقل لنا الجنرالات الثلاثة ورابعهم الذي يكيد كيداً من وراء حجاب. ماذا أعددتم ليوم تشخص فيه الأبصار وترتعد فيه الفرائص. فأنتم المسؤولون أمام الله ومن ثم أمام أهل السودان عن كل نقطة دم أهرقت، وماذا تقولون لأرواح بريئة بأي ذنب قتلت؟ سيسائلكم الذين تشردوا من منازلهم والذين انتهكت عروضهم والذين توسدوا الأرض والتحفوا السماء لن نقول لكم حكموا ضمائركم لأنكم قبرتوموها مع ضحاياكم. نحن نعلم أن للعسكرية شرفاً فهي ليست نياشين ترصع الصدور ولا نجوم تزين الاكتاف، العسكرية شجاعة وبسالة والانحياز للشعب وللقيم الإنسانية النبيلة، فليقف من يجسدها في باحة هذا القصر ويعلن استعداده للمحاكمة العادلة. فليس الحديث عن القصر واسترداده إنما الحديث ابتداءً عن من الذي فرط في احتلاله وليكن هذا فاتحة البداية في المحاسبة. ما كان منظوراً أن تجد مثل تلك الأسئلة اهتماماً يذكر من قبل الجنرالات الثلاثة، الذين التفوا عليها وباتوا يشيعون أن هدف الوصول إلى القصر يُعد في صدارة أهدافهم، ليس من أجل السيادة المزعومة ولكن لأن ذلك يجعلهم يروجون بأن (لا صوت يعلو فوق صوت المعركة) ويحقق هدفاً استراتيجيا وهو تغييب الأسئئة الموضوعية التي ينبغي أن تشغل فكر الناس واهتماماتهم الوطنية. عوضاً عن ذلك راجت أسئلة الدعاية الرخيصة دون اكتراث لآلة الحرب التي تحصد في البشر ورافقتها البروبوجاندا المُضللة التي تقول بأن الوصول إلى القصر هو خاتمة المطاف وتمادياً في الخداع يقولون الوصول للقصر هو نهاية الحرب وهم يعلمون أنهم لكاذبون. بالمقابل زادت مليشيا الدعم السريع من وتيرة الحرب النفسية بالقول المخادع أيضاً بأنهم يسيطرون على القصر ومحيطه، وعندما يستمرئون الكذب يدعون بأن لا أحد يستطيع اقتحام القصر، ويزيدون بالقول إنها متحصنة بعتاد عسكري ولوجستي تنوء بحمله الجبال. وتمادت في إطلاق مزيد من الحرب النفسية بأنها تحتجز ما يفوق الثلاثمائة ضابط في سراديب القيادة العامة التي تقع على مقربة من القصر. الغريب في الأمر أنه في زمن التكنلوجيا والتقنية العالية، صعُب على جنرالات الحيرة التأكد من صحة معلومات القيادة والقصر معاً. وفي غياب مثل تلك المعلومات شطح الخيال الشعبي وطفق يتلذذ باستعراض الأرقام كافة. وكان ذلك يعني أن الجيش يحارب عدواً من الجن. جغرافياً يعلم أهل السودان أن قصر غردون ذاك يشغل حيزاً صغيراً على النيل واستبعد المنظرون حدوث الهروب/ الانسحاب التيكتيكي باعتبار أنه محاط من جهاته الثلاث ورابعها نهر النيل. ولم يفطن جنرالات تنابلة السطان بأن المليشيا غادرت القصر منذ زمن وحملت معها كل أغراضها ولم تترك وراءها سوى ذكريات منقوشة على الجدران فيما تركت القصر خالياً ينعق فيه البوم. اللهم أجرنا في مصيبتنا. تلك يقول عنها المكلومون: ميتة وخراب ديار!
آخر الكلام: لا بد من الديمقراطية وإن طال السفر!!
الوسومفتحي الضو
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية:
فتحي الضو
إقرأ أيضاً:
تراجع محتمل.. ترامب: الرسوم الجمركية على الصين ستنخفض ولكن..
(CNN)-- أشار الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، إلى تراجع محتمل في حربه التجارية مع الصين، قائلاً إن الرسوم الجمركية المرتفعة على السلع الصينية "ستنخفض بشكل كبير، لكنها لن تصل إلى الصفر".
وتبدو تصريحات ترامب، التي أدلى بها في فعالية إخبارية بالبيت الأبيض، الثلاثاء، بمثابة تراجع في موقفه بعد أسابيع من المواقف المتشددة والرد بالمثل، مما أدى إلى تجاوز الرسوم الجمركية على الصين نسبة 145%.
وقال ترامب: "145% نسبة مرتفعة للغاية، ولن تكون مرتفعة إلى هذا الحد. لن تكون قريبة من هذا الارتفاع. ستنخفض بشكل كبير. لكنها لن تصل إلى الصفر".
وأدلى ترامب بهذه التعليقات ردًا على سؤال حول تصريحات وزير الخزانة، سكوت بيسنت، في وقت سابق والتي قال فيها إن الرسوم الجمركية المرتفعة بين الولايات المتحدة والصين قد فرضت حظرًا فعليًا على التجارة بين الاقتصادين.
وأكد مصدر مطلع لشبكة CNN أن بيسنت صرّح خلال مؤتمر استثماري خاص استضافته جي بي مورغان تشيس بأن الحرب التجارية مع الصين غير مستدامة، متوقعًا أن تهدأ في المستقبل القريب.
وبدلًا من قطيعة تامة أو انفصال تام بين الولايات المتحدة والصين، أبلغ بيسنت المستثمرين أن الهدف هو إعادة التوازن التجاري، وفقًا لما ذكره المصدر لشبكة CNN.
وتبادل أكبر اقتصادين في العالم فرض رسوم جمركية قياسية في نزاع متصاعد بسرعة، هزّ الأسواق العالمية، وعطّل سلاسل التوريد، وأجج مخاوف الركود، وحتى الآن، اتخذت الصين موقفًا متحديًا ورفضت التراجع. بل ردّت برفع الرسوم الجمركية على السلع الأمريكية إلى 125%، وإضافة المزيد من الشركات الأمريكية إلى قائمة مراقبة الصادرات وقائمة الكيانات غير الموثوقة، وتقييد تصدير المعادن الأساسية المستخدمة في كل شيء من أجهزة آيفون إلى أنظمة الصواريخ.
كما عمدت بكين إلى الضغط على الصناعات الأمريكية الرئيسية، فحدّت من عدد أفلام هوليوود المعروضة في البلاد، وأعادت طائرتين بوينغ على الأقل كانتا مخصصتين للاستخدام من قبل شركات الطيران الصينية إلى الولايات المتحدة.
وخلال كل ذلك، أصرّ ترامب على أنه يتمتع "بعلاقة جيدة جدًا" مع الزعيم الصيني، شي جينبينغ، في انتظار تواصله - وأبلغ فريقه أن الولايات المتحدة لن تبادر، وفقًا لما ذكرته شبكة CNN في وقت سابق.
ولكن بدلًا من دعوة ترامب للتفاوض بشأن الرسوم الجمركية، شنّ شي حملةً دبلوماسيةً لكسب ود شركاء تجاريين آخرين للتصدي لجهود الولايات المتحدة الرامية إلى استغلال حرب الرسوم الجمركية لعزل الصين اقتصاديًا.
وأعرب ترام مجددًا، الثلاثاء، عن أمله في أن يجلس شي على طاولة المفاوضات، ووعد بأن يكون "لطيفًا للغاية"، وعندما سُئل عما إذا كانت الولايات المتحدة ستتعامل بحزم مع الصين أو شي جينبينغ للتوصل إلى اتفاق، أو ما إذا كان المسؤولون سيتطرقون إلى جائحة كوفيد-19، أجاب ترامب بسرعة: "لا".
وأوضح ترامب: "لا، لا، سنكون لطفاء للغاية. سيكونون لطفاء للغاية، وسنرى ما سيحدث. لكن في النهاية، عليهم إبرام اتفاق، وإلا فلن يتمكنوا من التعامل مع الولايات المتحدة، ونحن نريدهم أن يشاركوا.. أعتقد أننا سنعيش معًا بسعادة بالغة، ونعمل معًا بشكل مثالي، لذا أعتقد أن الأمور ستسير على ما يرام".