جريدة الرؤية العمانية:
2025-04-24@13:26:15 GMT

نقد التراث أم نقضه؟

تاريخ النشر: 27th, March 2025 GMT

نقد التراث أم نقضه؟

 

فوزي عمار

أغلبنا ينتقد التراث ويكيل له التهم، وهو أصلا لم يطلع على الكثير منه؛ فالتراث الإسلامي والعربي تقريبا كتب في مواضيع كثيرة من علم الاجتماع والجغرافيا والزراعة والرياضيات، وغيرها من مختلف العلوم.

ابن خلدون مؤسس علم الاجتماع والعمران الذي نُطلق عليه اليوم بالتنمية، والإدريسي الذي رسم خريطة لملك صقلية تعتبر الأكثر تقدما من خرائط العالم القديم، وابن بيطار إمام العشابين العرب والذي أدخل النبات في علوم الصيدلة.

وفي الرياضيات، اخترع المسلمون علم الجَبر وسُمي باسمهم واخترعوا الخوارزميات (نسبة إلى الخوارزمي) حديث الساعة الآن لما له أساس في وسائط التواصل الاجتماعي.

وغير بعيد عن هؤلاء، الجاحظ يكتب أدبًا وفلسفة نقلت عنه إلى عصرنا هذا بإعادة صياغة لطرحه؛ ففي كتابه "المحاسن والأضداد" يقول الجاحظ بأسلوبه البلاغي والفكاهي: "ومن العجائب أن ترى الرجل يمدح الصبر، ويذم الجزع، وهو إذا مسه الشر جزع، وإذا ناله الخير فرح. وتراه يمدح القناعة، ويذم الطمع، وهو لا يزال يجمع المال، ويحرص على الادخار. وتراه يمدح التواضع، ويذم الكبر، وهو لا يزال يحب أن يُعظم ويُكرم. فكأنما مدح هذه الخصال لغير نفسه، وذم أضدادها لغيره".

وهو من نقل عنه المفكر العراقي علي الوردي في كتابه "وُعَّاظ السلاطين"؛ إذ ينتقد الوردي دور الوُعَّاظ الذين يُروِّجون لقيم مثالية، بينما يعيشون هم أنفسهم في تناقض مع هذه القيم. ويضيف الوردي: "الواعظ يدعو الناس إلى الزهد في الدنيا، وهو يحرص على جمع المال والجاه، وكأنما الزهد للعامة والثراء للخاصة".

ولو بحثنا أكثر لوجدنا تشابهًا بين الجاحظ والفيلسوف الفرنسي إيمانويل كانط يصل لدرجة التناص في مواضيع عدة، ويبدو أن كانط قرأ الجاحظ جيدًا، فقد سبق الجاحظ كانط بتسعمائة عام.

أحد أبرز جوانب التراث الذي يتعرض للنقد هو الفقه الإسلامي، خاصة في ما يتعلق بالقضايا الاجتماعية مثل حقوق المرأة والعبودية والعقوبات الجنائية؛ فبعض الأحكام الفقهية التي كانت مناسبة لعصرها قد لا تكون ملائمة لعصرنا الحالي.

لذا نحن في حاجة لقراءة التراث العربي والإسلامي قراءة جيدة قبل نقده والطعن فيه بخبط عشواء، ونقضه بدلا من نقده، تحبط أجيالنا القادمة وتقوض ثقتهم في تاريخهم وبالتالي في أنفسهم.

إنَّ التراث العربي والإسلامي ثروة كبيرة، لكنه ليس معصومًا من النقد؛ فالنقد الموضوعي يساعدنا على فهم هذا التراث بشكل أفضل، واستخلاص الدروس منه لبناء حاضر ومستقبل أفضل. ويجب أن نتعامل مع التراث بوعي نقدي، ونفهم أنه جزء من مسيرة الإنسان الطويلة في البحث عن المعرفة والحقيقة.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

السمارة تدشّن رؤية استراتيجية جديدة لحماية وتثمين التراث الثقافي والطبيعي

زنقة20| علي التومي

في خطوة تعكس وعيًا متجددًا بأهمية التراث كأداة للتنمية ومجال للاستثمار في الرأسمال اللامادي، احتضنت عمالة إقليم السمارة، الاجتماع الأول للجنة الإقليمية لتدبير وحماية وتثمين التراث الثقافي والطبيعي، بحضور ممثلين عن القطاعات الحكومية، والمؤسسات العمومية، والمنتخبين، والمجتمع المدني، إلى جانب باحثين وفاعلين محليين.

وخلال كلمته الافتتاحية، أكد عامل الإقليم على الطابع التأسيسي لهذا الاجتماع، الذي يشكل محطة انطلاق لمسار استراتيجي يروم حماية وتثمين الموروث الثقافي والطبيعي للسمارة، من خلال مقاربة تشاركية، تراهن على التنسيق بين مختلف المتدخلين لضمان نجاعة واستدامة التدخلات.

وأشار ذات للمسؤول الترابي إلى أن إحداث هذه اللجنة يعكس إرادة جماعية لوضع التراث المحلي في صلب الدينامية التنموية، عبر جعله عنصر جذب للاستثمار ومجالًا واعدًا لتطوير السياحة الثقافية والبيئية.

وتخللت أشغال اللقاء عروض مؤطرة تمحورت حول الأبعاد القانونية والمؤسساتية لتدبير التراث، قدمها ممثلو عدد من المؤسسات، من بينها المديرية الجهوية للثقافة، المندوبية الجهوية للسياحة، المجلس الإقليمي، والوكالة الوطنية للمياه والغابات، إلى جانب مداخلات أكاديمية من الجامعة وممثلي المجتمع المدني.

وقد خلص الاجتماع إلى سلسلة من التوصيات العملية، همّت بالأساس ضرورة إرساء آليات للتوثيق والجرد العلمي للتراث، وتفعيل شراكات بحثية، وتشجيع الاستثمار في مشاريع السياحة الإيكولوجية والثقافية، مع التأكيد على أهمية التنسيق المؤسساتي في بلورة رؤية موحدة.

ويُنتظر أن تُشكل هذه اللجنة نواة لتجربة نموذجية على المستوى الوطني في مجال صون وتثمين التراث، وترسيخ الحكامة الثقافية المحلية.

مقالات مشابهة

  • قمة بالدوحة تدعو لدمج التراث والابتكار في مواجهة تغيّر المناخ
  • متحف قصر الأمير محمد علي بالمنيل يحتفل بـ يوم التراث
  • شرطة أبوظبي تنظّم «التراث الإماراتي» لمجندي الخدمة الوطنية
  • السمارة تدشّن رؤية استراتيجية جديدة لحماية وتثمين التراث الثقافي والطبيعي
  • الانتهاء من ترميم عدد من المواقع الأثرية بولاية شناص
  • نجم أرسنال يمدح ريال مدريد: "الفوز عليهم يمنحك ثقة"
  • قصور الثقافة: ملتقى سيناء لفنون البادية وسيلة لحفظ التراث
  • وزير الثقافة يلتقي مستشار الشؤون الثقافية القطري.. صور
  • مقاربات جديدة حول ضرورة نقد التراث العربي بمجلة "مراود"
  • زاهي حواس: اكتشاف نقش هيروغليفي بالأردن حدث غير مسبوق