الجزيرة:
2025-03-30@18:01:38 GMT

بعيون أهلها.. الجزيرة نت تجول في قرطبة

تاريخ النشر: 27th, March 2025 GMT

بعيون أهلها.. الجزيرة نت تجول في قرطبة

قرطبة– ليس أمرا مألوفا، إنه صوت الأذان يرتفع بصوت خافت خجول وسط مدينة قرطبة، رغم صخب المطاعم والأسواق وأفواج السائحين، الذين اعتادوا الوقوف في هذا الزقاق القديم الضيق ضمن جولاتهم السياحية، ليستمعوا لهذا الصوت الذي يبدو بالنسبة لهم غير مألوف في هذه المدينة الأندلسية القديمة، ويقرؤوا لافتة مكتوبا عليها باللغة الإسبانية ثم العربية فالإنجليزية: هنا "المسجد الأندلسي.

. النور الذي لم يغادر أبدا".

ليس المقصود هنا مسجد قرطبة الكبير، الشهير بأعمدته وأقواسه الحمراء والبيضاء، والذي تم تحويل جزء كبير منه إلى كاتدرائية كاثوليكية، وبات اليوم كما في الماضي، واحدا من أبرز معالم قرطبة الأندلسية، بل هذا مسجد صغير يحاول إيصال صوت الأذان لجاره الكبير الذي تمنع الصلاة فيه اليوم.

زارت الجزيرة نت "مسجد الأندلسيين"، ورغم أنه الأقرب لجامع قرطبة، والأكبر في المدينة حاليا، فإنه لا يتسع لأكثر من 60 شخصا، بينما لم يتجاوز عدد المصلين فيه في يوم الجمعة 10 أشخاص فقط، بمن فيهم خطيب المسجد الذي خطب الخطبة الأولى باللغة العربية لكن بصعوبة بالغة، ثم أتبعها بالخطبة الثانية باللغة الإسبانية مترجما ما قاله في الأولى.

الأذان يرفع من مسجد قرطبة 4 مرات في اليوم بينما يمنع رفع أذان صلاة الفجر (الجزيرة)

وبعد انتهاء الصلاة، كان لافتًا وجود شيخ كبير في السن ذي لحية بيضاء خفيفة في الصف الأول، يظهر عليه الوقار والخشوع، وبعد سؤاله عن هويته، أفصح أنه قرطبي من هذه المدينة، يدير شؤون المسجد، واسمه عبد الرحمن حافظ، وهو الاسم الذي اختاره لنفسه بعد أن اعتنق الإسلام متأثرا برؤيا سمع فيها خطابا مباشرا يدعوه لأن يسلم.

عرض حافظ للجزيرة نت تاريخ هذا المسجد، لكنه لم يكتف بذلك، فتوسع بالحديث عن تاريخ القرطبيين المسلمين في المدينة، وعن معالم إسلامية خفية فيها، نعرضها في هذا التقرير.

تصاميم البيوت القرطبية مرتبطة بعلاقة الجيران مع بعضهم وتعزز قربهم (الجزيرة) المسجد الرمز

يقول حافظ للجزيرة نت، إن القرطبيين المسلمين عثروا على موقع هذا المسجد بالصدفة في ثمانينيات القرن الماضي، على بعد 50 مترا من مسجد قرطبة الكبير، حيث سبق أن تم تحويله إلى منزل، فقاموا بشرائه، ثم بدأت عملية إعادة ترميمه، ومع دراسة حجارته، تبين لهم أنه مسجد يعود للقرن العاشر الميلادي، أي أنه بني بعد 200 سنة تقريبا من دخول المسلمين لقرطبة في عام 711.

إعلان

انتهت عمليات البناء والترميم في عام 1995، ليكون أول مسجد يرفع فيه الأذان وتقام الصلاة في قرطبة في العصر الحديث، يقول حافظ "نحن لا نؤمن بالصدفة، الله أراد أن نعثر على هذا المكان وأن نستعيده كمسجد" وأضاف "هذا المسجد الصغير يمثل قيمة رمزية كبيرة لنا كأبناء هذه المدينة".

يقارب عدد المسلمين الإسبان في قرطبة اليوم حوالي ألف شخص، ويضاف لهم حوالي 12 ألف مسلم من جنسيات أخرى، وهنا يتساءل حافظ "لماذا لا يوجد مسجد كبير في قرطبة يستوعب هذا العدد؟"، موضحا أن عدد المساجد في قرطبة لا يتجاوز 5 فقط، ويعد هذا المسجد الأكبر حجما بينها.

عبد الرحمن حافظ يتولى مسؤولية مسجد الأندلسيين ويحرص على رعاية شؤونه (الجزيرة)

وعن وضع المسلمين في المدينة اليوم، يقول حافظ "نحن نشعر بالتمييز ضدنا" موضحا أن البلدية لا تسمح لهم بالحصول على قطعة أرض يبنون عليها مسجدا، رغم أنهم قرطبيون من أبناء هذه المدينة أبا عن جد -كما يقول- ويضيف "هذه مدينة جميلة ومميزة، كانت حاضرة الإسلام وعاصمة الأندلس في السابق، وهي تنتمي للإسلام بشكل طبيعي".

وبكثير من الحنين الممزوج بالتفاؤل، يتحدث حافظ عن مدينته قرطبة التي كانت في أحد الأيام  أكبر مدينة في العالم الإسلامي، بعدد مسلمين يتجاوز 1.5 مليون، كما اشتهر عنها أنها مدينة الـ1400 مسجد، ويقول إنه يسعى لتحقيق هدف أن يجتمع آلاف المسلمين لصلاة الجمعة بحرية يوما ما في قرطبة.

وعن أبرز ما يحتاجه المسلمون اليوم في قرطبة، يقول حافظ إنهم يفتقرون إلى مسجد كبير يستوعب عددهم ويتمكنون من الصلاة فيه، ومدرسة يستطيعون فيها تعليم الدين الإسلامي.

تمثال لمحمد الغافقي الذي تخصص في طب وجراحة العيون في عصره (الجزيرة) معالم مهمشة

قرر حافظ اصطحاب الجزيرة نت في جولة بمدينة قرطبة، بين أزقتها ومعالمها الإسلامية القديمة التي لا يعرفها كثير من الناس، أو كما قال، "سأريكم قرطبة بأعيني أنا"، قاصدا بعيون ابن المدينة القرطبي، في جولة سريعة بين أزقتها المحيطة بالمسجد الكبير.

إعلان

فعلى مقربة من المسجد، يبرز مبنى كبير، يتبع حاليا لكلية الفلسفة في جامعة قرطبة، لكن هذا المبنى بني على أنقاض مستشفى أو "بيمارستان" أندلسي قديم، حيث أجرى فيه ابن رشد عملية جراحية للقلب، وأمام مدخل المستشفى، وُضع تمثال لمحمد الغافقي، أحد أشهر العلماء الأندلسيين في مجال طب العيون، وصاحب اختراع النظارة الطبية، ومؤلف كتاب "المرشد في الكحل".

واجهة مسجد القضاة وساحته تعاني الإهمال (الجزيرة)

وبالعودة باتجاه مسجد قرطبة الكبير، مررنا بمنزل الموسيقار زرياب، الذي استقبلته قرطبة بعد نفيه من بغداد، ودفن فيها، وعلى مقربة منه منزل ابن رشد، الفيلسوف والقاضي والطبيب الأندلسي الشهير، حيث حظي بفرصة السكن مقابل الباب الرئيسي لمسجد قرطبة تماما، إلى جانب قصر الخلفاء.

أما قصر الخلافة الذي يقع على الجانب الغربي لمسجد قرطبة الكبير، والذي كان يسكنه قرابة 25 ألف شخص في فترة ازدهار المدينة -كما يقول عبد الرحمن حافظ-، أي أنه كان أكبر من قصر الحمراء في غرناطة، لكن معظم معالمه اختفت، وبقيت قاعة العرش وقاعات الاستقبال الرسمية، وحديقة داخلية فاخرة باقية حتى اليوم.

وعلى المقابل في الجهة الشرقية للمسجد الكبير، يشير حافظ إلى باب أحد الفنادق، موضحا بأنه كان مدخل السوق القديم للمدينة المسمى بـ"القيصرية"، وهو سوق مسقوف ذو فناء داخلي محاط بـ8 أبواب.

منزل ابن رشد يقع مقابل مسجد قرطبة الكبير لكنه تحول إلى مطعم (الجزيرة)

وعلى مقربة من أحد أبواب السوق، يشير حافظ إلى مدخل فندق يتميز بتصميم أندلسي جميل مستوحى من أعمدة مسجد قرطبة الكبير، ويقول للجزيرة نت "هذا مدخل أول جامعة في العالم، جامعة قرطبة" ثم أكمل المسير حول محيطها، وهو يقول "هنا كان يدّرس الفقه المالكي".

وبعد إكمال نصف دورة حول "الجامعة"، يبرز مبنى كبير مهمل بابه مغلق بالسلاسل، يقول حافظ "هذا مدخل مسجد القضاة، حيث كان يطبق العدل والفصل في القضايا"، ويضيف "لم يكن مجرد مسجد، لقد كان محكمة أيضا".

إعلان

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات رمضان هذه المدینة هذا المسجد فی قرطبة

إقرأ أيضاً:

مساجد الشارقة.. متاحف تروي قصة الإسلام بفنون العمارة

الشارقة: «الخليج»

تتميز إمارة الشارقة بتنوعها العمراني الفريد الذي يجسد حواراً بين الحضارات الإسلامية عبر العصور، وتبرز مساجد الإمارة كجوهرة معمارية تروي قصصاً تاريخيةً بطرزها المتنوعة بين العثماني والأندلسي والفاطمي والمملوكي والتراثي المحلي والحديث، مما يجعلها منارة ثقافية مميزة.

وتحتضن الإمارة ما يقرب من 3200 مسجد ومصلى تُجسد روعة التصميم الإسلامي، وتبرز رؤى وتطلعات صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، في دعم بناء وتشييد وعمارة المساجد التي تخدم المجتمع، وتخلد إرث الإمارة الحضاري، حتى أصبحت أيقونات تحكي قصص الحضارات السابقة بعمارتها، وتُلامس قلوب المصلين بروحانيتها.

تُجسد مساجد الشارقة لوحةً فنية معمارية تزهو بتنوعها، ففي كل مسجدٍ نرى ملامح تراثية أصيلة ممزوجة بلمسات عصرية، تعكس عناية الإمارة بالهوية الإسلامية من جهة، واهتمامها بالتطوير الجمالي من جهة أخرى. ومع اختلاف أحجامها ومواقعها، تظل هذه المساجد مراكز إشعاع روحانية وثقافية مهمة، تعكس تاريخ الإمارة.

ولم تكن هذه المساجد مجرد أماكن للعبادة، بل متاحف حية تروي قصة الإسلام عبر فنون العمارة، وهذا التنوع يكرس مكانة الإمارة كجسر بين الماضي والحاضر، وشاهد على إرث إنساني متناغم، مما يجعلها وجهة جذب للزوار والمصلين على حد سواء.

تُمثِّل مساجد الخلفاء الأربعة الممتدة على طول شارع الاتحاد، أحد أبرز المعالم الدينية والعمرانية بالمنطقة، حيث تتضمن هذه المنارات العامرة كلاً من: مسجد الخليفة أبوبكر الصديق، ومسجد الخليفة عمر بن الخطاب، ومسجد الخليفة عثمان بن عفان، ومسجد الخليفة علي بن أبي طالب، ويربطها طراز معماري متجانس وموقع استراتيجي يجعلها مرئية بوضوح للقادمين إلى الإمارة أو المغادرين منها، حيث تُضفي مشهداً روحانياً وجمالياً يلفت الأنظار.

وتتّسم هذه المساجد بطرازٍ معماريٍّ مستوحى من العمارة الإسلامية الكلاسيكية، وخصوصاً الطراز العثماني والمملوكي، مع لمساتٍ حديثة في الإنارة والخامات، ويظهر الطراز العثماني في شكل القباب الكبيرة المركزية والمآذن الرفيعة متعددة الشرفات، أما اللمسة المملوكية فتتجلّى في استخدام العقود المدبّبة والزخارف الحجرية أو الجصية التي تحيط بالمداخل والنوافذ، وتبرز من خلال تقنيات الإضاءة الليلية التي تُسلِّط الضوء على تفاصيل الأقواس والمآذن والقباب.

وتبلغ السعة الإجمالية لكل مسجد 1300 مصلٍ ومصلية، وقد شيد كل منها على مساحة أرض إجمالية تبلغ 4353.6 متر مربع، منها 939.35 متر مربع لمساحة المصلى، ويستوعب 1170 مصلياً، بينما يستوعب مصلى النساء 130 مصلية.

وتتسم الواجهات بلونها الحجري الفاتح، ما يضفي هيبة ووقاراً على المباني ويعكس ضوء الشمس، لاسيما في الأجواء الحارة، وتنتشر القباب المشرقة والمآذن الشامخة التي تمتاز بارتفاعها الملحوظ وشكلها الأسطواني حيث يبلغ طولها 60 متراً، وتتكرر العناصر الزخرفية والهندسية على امتداد المآذن.

وتحتوي المساجد على قباب رئيسية كبيرة تحيط بها قباب أصغر حجماً، ما يمنح البناء تناغماً بصرياً، فيما يتسم المصلى بالاتساع والارتفاع، مع سقوف مزخرفة تجمع بين الأشكال الهندسية والنقوش الإسلامية، كما تم تزويد مساجد الخلفاء الأربعة بأنظمة صوتية وإضاءة حديثة، تُراعي وضوح التلاوة وتوزيع الصوت على جميع أرجاء المصلى، لتوفير أجواء مناسبة للمصلين، مع استخدام مواد بناء عالية الجودة تضمن استدامة المباني وجمالها على المدى الطويل.

مسجد الذيد

افتتح صاحب السمو، حاكم الشارقة، في شهر رمضان لعام 1445ه الموافق إبريل 2023م، مسجد الذيم الذي تستوعب مساحاته الداخلية والخارجية 7000 مصلٍ ومصلية، وهو واحد من أبرز المعالم في المنطقة الوسطى لإمارة الشارقة، حيث يتمتع بموقع استراتيجي ما يجعله مقصداً مهمّاً للمصلين والزائرين على حدٍّ سواء.

تبلغ مساحة المسجد الإجمالية 21994 متراً مربعاً، منها 2386 متراً مربعاً لمساحة المباني الكلية، فيما تم تخصيص مساحة 6800 متر مربع لمواقف المركبات و3100 متر مربع للمساحات الخضراء حول المسجد، ويضم المسجد مكتبة بمساحة 34 متراً مربعاً.

ويستمد المسجد ملامحه من العمارة الإسلامية التقليدية، حيث اعتمدت الواجهات الخارجية على اللون الأبيض والحجري الفاتح، بما يعكس حرارة الشمس ويُضفي طابعاً من السكينة والوقار، وتُحيط بالمبنى مجموعة من الأقواس المنحنية والنوافذ الطولية التي تسمح بدخول الإضاءة الطبيعية، فيما تتكامل مع عناصر زخرفية بسيطة مستوحاة من الفن الإسلامي الهندسي.

ويتزين المسجد بمنارة طولها 60 متراً، فترتفع شامخة على أحد جوانب المسجد، متخذةً شكلاً أسطوانيّاً، تُزيّنها شرفات صغيرة ونقوش هندسية، وتنتهي بقمة مخروطية تُجسّد الرمزية الروحية للمئذنة في العمارة الإسلامية.

كما يتميز المسجد بقبة رئيسية بارتفاع 32 متراً وعدد 4 قباب صغيرة بارتفاع 25 متراً دائرية الشكل موضوعة على قاعدة ثمانية الشكل تعطي المسجد طابعاً هندسياً مميزاً، وتُمثِّل الطابع الإسلامي في أبهى صوره، وتُضفي على البناء انسجاماً فنيّاً وجماليّاً.

وتتسم القاعة الداخلية للمسجد بالاتساع والارتفاع، مما يوفّر أجواءً روحانية هادئة، حيث تتوزع الأعمدة المزخرفة بأناقة لدعم سقف المسجد وتوفير مساحات رحبة تتيح دخول الضوء الطبيعي من النوافذ الكبيرة، فيما يحتل المحراب موقعاً مميزاً في منتصف الجدار الأمامي، مزخرفاً بآيات قرآنية تعكس الحرفية في تنفيذ التفاصيل.

ورغم ارتكاز التصميم على العناصر الإسلامية الأصيلة، أُدخلت في المسجد بعض التقنيات الحديثة لتلبية احتياجات المصلين، مثل أنظمة التكييف والإضاءة، وأنظمة الصوت المتطورة التي تضمن وصول الأذان والتلاوة إلى كل ركن من الأركان.

وتُبرز تفاصيل التصميم الداخلي والخارجي للمسجد عناية دائرة الشؤون الإسلامية بالشارقة بإبراز الوجه الحضاري للإمارة، مع الحفاظ على الموروث الإسلامي العريق، ما يجعل من مسجد الذيد منارة روحانية وعمرانية في المنطقة الوسطى من الإمارة.

مسجد السيدة خديجة

يُعد مسجد السيدة خديجة -رضي الله عنها- تحفةً معمارية بارزة بألوانه البيضاء الناصعة، وتصميمه الذي يجمع بين أصالة العمارة الإسلامية واللمسات العصرية المميّزة، ويقع المسجد في منطقة الواحة بضاحية الرويضات على طريق الذيد، حيث افتتحه صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي، في شهر يناير من العام الجاري.

شيد المسجد على مساحة أرض إجمالية تبلغ 49 ألفاً و383 متراً مربعاً، ويتسع المسجد في مصلاه الداخلي إلى 1400 مصل من الرجال أما الرواق الخارجي فيتسع إلى 1325 مصلياً، بينما تبلغ سعة مصلى النساء 140 مصلية.

كما يضم المسجد مجموعة من المرافق الخدمية منها من مكتبة ومبنى تغسيل الموتى وسقيا ماء وأماكن الوضوء ودورات المياه ومواقف للسيارات تبلغ 592 موقفاً، وسكن للإمام وآخر للمؤذن، ويعكس طرازاً إسلامياً تقليدياً من حيث توزيع القباب واستخدام الأقواس العالية في الواجهات، في حين تُضفي البساطة في التفاصيل والخطوط الواضحة مظهراً عصرياً وأنيقاً، وتظهر الملامح العثمانية في شكل القباب الكبيرة والمآذن الرفيعة متعددة الشرفات، إلى جانب اللمسات المملوكية التي تظهر في بعض الزخارف الهندسية أو النقوش على الواجهات والأعمدة.

ويتميز المسجد بتصميمه المعماري، حيث تتوسطه قبةٌ كبيرة بيضاء مستديرة بقطر 10 أمتار، ترتفع بشكلٍ مهيب فوق مستوى المسجد، لتشكِّل بؤرة بصرية جذابة، تتميز بانسيابية التصميم مع وجود زخارف أو حليات بسيطة حول قاعدتها، ما يضفي عليها لمسةً جمالية.

وتحيط بالقبة الرئيسية قبتان صغيرتان بقطر 4.5 متر، تُضيفان تناغماً وتناسقاً للمشهد العام، ويرتفع على جانبي المسجد مئذنتان متناظرتان باللون الأبيض بارتفاع 40 متراً، ما يعزّز من حضوره ويُسهّل رؤيته من مسافة بعيدة، وتأخذ المآذن شكلاً أسطوانياً وتنتهي برؤوس مخروطية بسيطة تتوافق مع روح التصميم الحديث.

وروعي في بناء المسجد استخدام أفضل المعايير الحديثة التي تسهم في الحفاظ على البيئة، حيث يعمل بأنظمة حديثة لترشيد استهلاك الطاقة والمياه، وتحيط بالمسجد مساحاتٌ خضراء وأحواض زهور ذات ألوان زاهية، تبرز جمال اللون الأبيض وتضفي حيوية على المشهد العام.

ويساعد التباين بين اللون الأبيض للمسجد وألوان الطبيعة المحيطة على إبراز التفاصيل المعمارية، ويُعطي اللون الأبيض النقي والقباب المرتفعة والمآذن الشاهقة شعوراً بالهيبة والوقار، في حين يضفي التناغم العام بين العناصر إحساساً بالسكينة والطمأنينة، وهي أجواءٌ تتوافق مع قدسية المكان.

ويعكس المسجد تصميماً مستوحى من الطرز الإسلامية العريقة، مع إضافة خطوط واضحة وبسيطة توحي بالحداثة، ما يجعل المبنى جذابًا لكلٍّ من محبي التراث ومتابعي التطور المعماري المعاصر.

مسجد الإمام النووي

لا تقف جهود دائرة الشؤون الإسلامية عند تشييد المساجد فقط بل تواصل جهودها في ترميم وإعادة صيانة المساجد وتحويلها إلى منارات معمارية بارزة، ومنها مسجد الإمام النووي الذي يقع في منطقة المناخ، وشيد عام 1980 على مساحة أرض إجمالية 5393 متراً مربعاً وكان يتسع حينها ل 580 مصلياً من الرجال والنساء وتم توسعته حالياً ليستوعب 1000 مصلٍ.

عكست عملية إعادة ترميم مسجد الإمام النووي رؤيةً معماريةً تزاوج بين الحفاظ على الهوية الإسلامية والابتكار في استخدام التقنيات الحديثة، وتُعد النتيجة النهائية تحفة معمارية تتيح للمصلين والزوار فرصة الاستمتاع بالأجواء الروحانية، في بيئة جمالية مُتقنة تجسد معاني التآلف والجمال في فن العمارة الإسلامية، وتظهر حرص القائمين عليه على إبراز قيم الجمال والروحانية في العمارة الإسلامية.

تم تعزيز الجوانب الجمالية والروحية للمسجد بما يتناسب مع مكانته كمركز ديني وثقافي، حيث أجرت الدائرة دراسات هندسية دقيقة لضمان استدامة المبنى وقدرته على استيعاب أعداد كبيرة من المصلين، واستُخدمت خلال إعادة ترميمه مواد بناء عالية الجودة تراعي الظروف المناخية للمنطقة، مع مراعاة الحفاظ على العناصر الإسلامية في التصميم.

يغلب اللون الأبيض الناصع على جدران المسجد الخارجية، وهو اختيار شائع في العمارة الإسلامية الحديثة، إذ يعكس حرارة الشمس ويُضفي شعوراً بالصفاء والسكينة، وتتزين الواجهات بأقواس نصف دائرية، مزخرفة بنقوش هندسية مستوحاة من الفن الإسلامي، ويضم الجزء العلوي من الواجهات حليات وزخارف عربية تقليدية.

تتوزع المآذن على أركان المسجد، متناسقة في حجمها وارتفاعها، ما يعكس الانسجام البصري ويضفي عظمة على البناء، وتشتمل كل مئذنة على شُرُفات وحواف دائرية، كانت تُستخدم في مراحل أولى من الحضارة الإسلامية لرفع الأذان.

وتتوسط المبنى قبة كبيرة تُعد محور التصميم، يحيط بها عدد من القباب الأصغر حجماً. وتُزيَّن حواف القبة الرئيسية بزخارف هندسية منقوشة بعناية، بينما يتوسطها أحياناً عنصر زخرفي يشكِّل بؤرة جمالية، كما تنتشر قباب أخرى صغيرة الحجم حول القبة المركزية، فتُكسب التصميم تناغماً بصرياً وتنوّعاً في الارتفاعات.

وتمتاز قاعة الصلاة بالاتساع والارتفاع، بما يسمح باستيعاب عدد كبير من المصلين، وتتشكل الأسقف على هيئة قباب داخلية مُزخرفة، تتخللها نوافذ أو فتحات علوية لإدخال الضوء الطبيعي.

وزُوِّد المسجد بأنظمة صوت متطورة تضمن وصول صوت الإمام والأذان إلى كل الأركان بوضوح، إضافةً إلى أنظمة تكييف وتهوية حديثة تتلاءم مع طبيعة المناخ الحار.

لوحة فريدة

تمثل مساجد الشارقة لوحة معمارية فريدة تتجسد فيها روح التراث الإسلامي ومعاصرة التطور الحديث، في مشهد حضاري يُبرز أهمية الحفاظ على الهوية الدينية والثقافية، ويظل دعم صاحب السمو حاكم الشارقة، لهذه المشاريع دليلاً على رؤية شاملة تسعى إلى بناء مجتمع متوازن يجمع بين الأصالة والابتكار، لتؤكد الشارقة مكانتها كمنارة حضارية ودينية تضيء درب الأجيال القادمة، وتبقى المساجد رمزاً للفخر والاعتزاز بالتراث الإسلامي.

مقالات مشابهة

  • حمدان بن محمد يؤدي صلاة عيد الفطر في مسجد زعبيل الكبير (فيديو)
  • حمدان بن محمد يؤدي صلاة عيد الفطر في مسجد زعبيل الكبير
  • حمدان بن محمد وإلى جانبه أحمد بن محمد يؤدي صلاة عيد الفطر في مسجد زعبيل الكبير (فيديو)
  • حمدان بن محمد وإلى جانبه أحمد بن محمد يؤدي صلاة عيد الفطر في مسجد زعبيل الكبير
  • "حافلات المدينة" تعلن عن مواعيد خدمة النقل الترددي لصلاة العيد
  • حافلات المدينة تحدد مواعيد خدمة النقل الترددي لصلاة العيد
  • عيد الفطر.. بدء تجهيز ساحة المسجد الكبير في بورفؤاد لاستقبال المصليين
  • الجزيرة ترصد الدمار الذي لحق بمقر إقامة عبد الفتاح البرهان في الخرطوم
  • مساجد الشارقة.. متاحف تروي قصة الإسلام بفنون العمارة
  • إمام مسجد روما الكبير ناهيا المحرصاوي: نشهد أنك من المخلصين لدينك ووطنك