تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
دخلت الأوضاع السياسية في جنوب السودان منعطفًا خطيرًا، بعد اعتقال النائب الأول لرئيس البلاد، رياك مشار، مساء الأربعاء على أيدي قوات موالية للرئيس سلفا كير، في خطوة اعتبرتها المعارضة نهاية لاتفاق السلام المبرم عام 2018، والذي أنهى حربًا أهلية دامية بين الطرفين.
المعارضة: الاتفاق "ملغى" والحكومة تنتهك التفاهمات السياسية
في بيان رسمي، اتهم حزب مشار الحكومة بخرق التفاهمات السياسية وتقويض جهود السلام، معتبرًا أن عملية اعتقاله تُظهر عدم احترام الاتفاق السياسي وانعدام الإرادة لتحقيق الاستقرار في البلاد.
الأمم المتحدة تحذر: جنوب السودان على شفا حرب أهلية جديدة
دعت الأمم المتحدة جميع الأطراف إلى الالتزام باتفاق السلام، محذرةً من أن البلاد قد تنزلق مجددًا إلى حرب أهلية، خاصة بعد الاشتباكات العنيفة بين جماعة مسلحة موالية لمشار والقوات الحكومية في شمال البلاد. وصرّح المتحدث باسم المعارضة، بال ماي دينق، أن مشار محتجز لدى الحكومة وأن حياته "في خطر".
تصعيد عسكري في الشمال والغارات الجوية تزيد التوتر
جاءت هذه الأزمة بعد تصاعد التوترات بين قوات سلفا كير ومشار في الأشهر الأخيرة، حيث شهد فبراير الماضي هجومًا من مجموعة "الجيش الأبيض" المسلحة، الموالية لمشار، على قاعدة عسكرية في ولاية أعالي النيل، مما دفع الحكومة إلى شن غارات جوية وتحذير المدنيين من البقاء في المناطق التي تتمركز فيها هذه القوات. وأسفرت تلك الغارات عن مقتل أكثر من 12 شخصًا منذ منتصف مارس، مما زاد المخاوف من تجدد الحرب الأهلية.
مستقبل الاتفاق والسلام على المحك
يُعتبر اتفاق السلام لعام 2018 أحد أهم المحاولات لإنهاء الصراع الذي استمر خمس سنوات وأسفر عن مقتل أكثر من 400 ألف شخص. إلا أن التوترات السياسية والعسكرية الأخيرة قد تطيح بهذا الاتفاق، ما لم تتدخل الوساطات الإقليمية والدولية بسرعة لاحتواء الأزمة.
المصدر: البوابة نيوز
كلمات دلالية: جنوب السودان البلاد
إقرأ أيضاً:
جنوب السودان على شفا الحرب الأهلية
ينسب للدكتور فرنسيس دينق، المثقف والدبلوماسي السوداني - الجنوب سوداني المعروف، أنه مَن اقترح فكرة «دولة واحدة بنظامين»... حلاً لإنهاء النزاع في السودان قبل انفصال جنوب السودان. ينتمي فرنسيس دينق إلى منطقة آبيي الحدودية المتنازع عليها بين الدولتين؛ ولأن أبناء هذه المنطقة نشأوا في أجواء التداخل بين البلدين، فقد كان حريصاً على بقاء السودان موحداً؛ لهذا طرح صيغة دولة واحدة كونفدرالية تُحكَم بنظامين لكل جزء من البلاد. وعندما انفصل جنوب السودان وصار دولة مستقلة تحمل كل أدواء الدولة السودانية القديمة من فساد ونزاعات وحرب أهلية، صار الشعار الجديد الذي يصف الأوضاع في البلدين... «دولتان بنظام واحد».
الآن، وبينما تمزّق الحرب الدولة السودانية، فإن دولة جنوب السودان تسير في الطريق نفسها، وتقف على شفا الحرب الأهلية بعد اعتقال الرئيس سلفا كير ميارديت نائبه الدكتور رياك مشار ومعه عدد من قادة حركته، بعد تجدد النزاع المسلح في منطقة الناصر.
الحقيقة أنه ومنذ استقلال دولة جنوب السودان في عام 2011، لم تتوقف النزاعات بين الرجلين، فقد بدأت مبكراً في عام 2013 باتهام الرئيس سلفا كير نائبه مشار بتدبير محاولة انقلاب ضده، وخرج مشار ليكوّن انشقاقاً من التنظيم الذي كان يجمعهما، الحركة الشعبية لتحرير السودان (SPLM)، وكوّن مشار تنظيم الحركة الشعبية في المعارضة (SPLM-IO).
وتكررت النزاعات أكثر من ثلاث مرات خلال الفترة من 2013 وحتى 2025، ودائماً ما تمر بمرحلة خروج رياك مشار أو عزله من جانب الرئيس، ثم تتوسط دول الجوار والمنظمات الإقليمية والدولية ليوقّع الرجلان على اتفاقية سلام، سرعان ما يتم خرقها. تكرر هذا أكثر من مرة، وتم التوقيع على اتفاق سلام في 2018، وتم تفعيله في عام 2020 وتشكيل الحكومة.
ولأن العامل القبلي هو الأكثر تأثيراً؛ فإن سلفا كير يعتمد على تأييد ودعم الدينكا، أكبر المجموعات القبلية في جنوب السودان، بينما ينتمي مشار إلى قبيلة النوير، ثاني أكبر القبائل التي تملك مقاتلين أشداء.
وقد تفجَّرت الأزمة الأخيرة بصدام عسكري في منطقة الناصر بين وحدات من قوة دفاع شعب جنوب السودان، الجيش الرسمي، ومجموعات من الجيش الأبيض، وهي ميليشيا من قبيلة النوير التي ينتمي إليها رياك مشار، وليست جزءاً من جيش مشار، لكنها تقاتل إلى جانبه في كل صدام مع الحكومة. وقد تصاعد القتال لدرجة اغتيال قائد حامية الناصر اللواء ماجور داك بإسقاط طائرة تابعة للأمم المتحدة كانت تحاول نقله خارج المنطقة المحاصرة.
رأى سلفا كير أن نائبه الأول مشار مسؤول عن هذه الحادثة، وأخضعه لاعتقال منزلي بحراسة مشددة، وقرر تقديمه للمحاكمة. وقد تقاطر الوسطاء من «الإيغاد» والاتحاد الأفريقي على العاصمة جوبا للتوسط لحل النزاع، لكن لم يُسمح لهم بمقابلة نائب الرئيس المعتقل مشار.
تزامن ذلك مع تغييرات أجراها الرئيس سلفا كير في طاقم نوابه الخمسة، المعينين طبقاً لاتفاق تقاسم السلطة في عام 2020؛ إذ أقال النائب الممثل لحزبه الحركة الشعبية، جيمس واني أيقا، وعيَّن مكانه الرجل الغامض والقادم بقوة بنيامين بول ميل، كما أقال حسين عبد الباقي، ممثل أحد فصائل المعارضة وعيَّن مكانه جوزفين لاقو.
ومن الواضح أن هناك ارتباطاً كبيراً بين هذه التعيينات والأوضاع السياسية في البلاد. فالسيد بول ميل الذي تقدم ليشغل منصب نائب الرئيس ليس من القيادات التاريخية المعروفة للحركة الشعبية، ومعظم نشاطه لم يكن سياسياً، وإنما في مجال الاقتصاد والاستثمار، وهو من المقربين للرئيس سلفا كير وموضع ثقته. وهناك اعتقاد شائع في جنوب السودان أن سلفا كير يؤهّله ليخلفه في منصب الرئيس؛ ولهذا فإن قرار إقالة ومحاكمة رياك مشار الغرض منه إزاحته من أي سباق محتمل على الرئاسة. ومشار، رغم أنه يقف في المعارضة، ولا ينتمي إلى قبيلة الدينكا التي غالباً سيأتي الرئيس من صفوفها، فإنه في حال ترشحه للرئاسة قد يضعف حظوظ بول ميل بحكم أنه من القيادات التاريخية للحركة الشعبية وله خبرات طويلة في العمل السياسي والتنفيذي.
يقف الجنوب الآن على شفا حرب أهلية، يبدو ظاهرها الصراع السياسي على السلطة، لكن بحكم الجذر القبلي القوي للسياسة في جنوب السودان فستتحول صراعاً إثنياً دموياً يهدّد وحدة جنوب السودان. وهو صراع لن تتحمله بنية الدولة الوليدة المثقلة بالصراعات والفقر والفساد والمهدَّدة بالمجاعات، وستتقاطع مع الحرب الدائرة في السودان، فتشتعل كل المنطقة.
فيصل محمد صالح
نقلا عن القدس العربي