الحرب في السودان.. صدمات نفسية تطارد الناجين وتهدد الأجيال
تاريخ النشر: 27th, March 2025 GMT
سكاي نيوز عربية – أبوظبي/ حذر خبراء ومختصون من ارتفاع كبير في معدلات الإصابة بالصدمات النفسية الناجمة عن الحرب في السودان التي أكملت عامها الثاني مخلفة نحو 150 ألف قتيل يعتقد أن سبب وفاة نسبة كبيرة منهم مرتبطة بأمراض لها علاقة بالتوتر والإحباط واليأس، إضافة إلى "الهستيريا" الجماعية الناجمة عن تأثيرات الشائعات التي انتشرت أكثر من نيران الحرب نفسها.
ووفقا لدراسة أجراها المركز الأميركي لأبحاث الصحة العامة، فإن 62 في المئة ممن بقوا أكثر من 30 يوما في مناطق القتال في السودان يتعرضون لاضطرابات نفسية بدرجات وأنواع متفاوتة من بينها الاكتئاب والقلق والأرق والخوف والإدمان.
وعلى الرغم من التفاوت النسبي في القدرة على تحمل الصدمات إلا أن التأثير كان شاملا وبدرجات مختلفة، وتتفاقم الأزمة أكثر لدى الإناث والأطفال وطلاب الجامعات.
وكشفت دراسة حالة على 443 طالبا أجراها 6 باحثين في كلية الطب بجامعة الخرطوم ونشرتها منصة "أبحاث الطب النفسي العالمية" عن معاناة أعداد كبيرة من طلاب الجامعات في المناطق التي مزقتها الحرب في السودان من مستويات عالية من التوتر والقلق والاكتئاب.
هستيريا الشائعات
ووفق تقرير نشرته جمعية علماء النفس السودانيين على صفحتها في "فيسبوك" فإن نشر الشائعات المرتبطة بأخبار الحرب والقتال زاد من معدلات الصدمات النفسية.
وذكر التقرير أن الشائعات المرتبطة بالتهديد كانت الأكثر تأثيرا وخطرا حيث تجعل المتلقي في حالة من الشك والخوف المستمر، مما يؤدي إلى الإصابة بقلق دائم. ويوضح "عادة تكون الشائعة في حالة الحرب أكثر خطرا من الطلقة لأنها تتسبب في زرع الخوف وتفقد الشخص ثقته في نفسه".
وتصف استشارية الصحة النفسية مواهب عبدالمنعم كمال الدين ما يحدث من ترديد واسع المستوى لنفس السلوكيات أو الأقوال أو تبني نفس المشاعر وإعادة ترديدها دون وعي حقيقي بـ"الهستيريا الجماعية".
وتقول لموقع "سكاي نيوز عربية": "زادت الحرب من معدلات الاضطراب السلوكي الذي يجعل مجموعة أو مجموعات متماسكة من المجتمع تتأثر بسبب انتقال مجموعة من المخاوف والأوهام والتهديدات من شخص لآخر بسرعة كبيرة".
وتتهم عبدالمنعم تنظيم الإخوان باستغلال هذا الوتر، مشيرة إلى أنهم قصدوا إشعال هذه الحرب ثم تركوا المدنيين عرضة للانتهاكات وبدؤوا في تغذية الفضاء بسيل من الشائعات لتحقيق أهدافهم والتي في مقدمتها قطع الطريق أمام التحول المدني.
وتوضح: "بعد أن نجح الإخوان في إشعال الحرب وتمكين المجموعات المقاتلة من المدنيين العزل أطلقوا الشائعات بربط الحرب وفظائعها بالمدنيين، ونجحوا مرة أخرى في استهداف الوعي الجماعي لتصديق رواياتهم بدون وعي رغم أن الجميع يعلم أن المدنيين لم يحملوا سلاحا وليسوا هم من قصدوا عمدا تطبيق تجربة دارفور عام 2003 على بقية مدن السودان من خلال الحرب الحالية".
وأضافت: "كل من لم يدخل في دائرة الهستيريا الجماعية ضد المدنيين أصبح في دائرة الاتهام".
يروي ناجون قصصا مروعة عن الظروف التي مروا بها قبل الفرار من مناطق القتال، خصوصا العاصمة الخرطوم التي كانت نقطة اندلاع الحرب في منتصف أبريل 2023.
وتقول فاطمة علي وهي أم لثلاث بنات وولدين، إنها وعلى الرغم من نجاحها في إخراج أسرتها من منطقة بشرق الخرطوم بعد أقل من 5 أسابيع على اندلاع القتال، إلا أنها فشلت حتى الآن في مساعدة أطفالها الخمسة على تخطي حالة الخوف والرهاب الشديد التي انتابتهم قبل الفرار إلى مدينة عطبرة شمال الخرطوم.
ووفقا لفاطمة، فإن علامات الاضطراب ظهرت بشكل أكبر عند طفلها الأصغر البالغ من العمر 8 سنوات حيث بات كثير التبول على ملابسه وسريع الانفعال وكثيرا ما تنتابه موجات صراخ أثناء النوم، كما تشير إلى أن أكبر أطفالها وهي بنت في الخامسة عشر من عمرها باتت أكثر ميلا للانعزال والصمت.
وتوضح لموقع "سكاي نيوز عربية": "لم يكن الأمر سهلا عليهم فقد شهدوا أسابيع من القصف الجوي وأصوات الرصاص المرعبة، كما مروا خلال رحلة فرارهم بمشاهد بشعة حيث رأوا بأعينهم جثامين في الشوارع وهالتهم مشاهد الدمار والحرائق التي قضت على الكثير من المعالم التي ارتبطت بذكريات جميلة منذ طفولتهم".
غياب الدعم
تتزايد المخاوف من حدوث مضاعفات نفسية أكبر لمئات الآلاف من الذين يعانون من اضطرابات الحرب، خصوصا في ظل النقص الحاد في مؤسسات الصحة النفسية والأطباء والأخصائيين النفسيين. وكان لدى السودان قبل اندلاع الحرب 60 طبيبا نفسيا، لم يتبق حاليا منهم سوى 20 فقط، أي ما يعادل طبيبا نفسيا واحدا لكل 2.5 مليون شخص، وهو رقم مفزع مقارنة بالمتوسط العالمي البالغ 25 لكل 100 ألف شخص بحسب تقديرات منظمة الصحة العالمية.
وتعرض القطاع الصحي لتدهور كبير، حيث أدت الحرب إلى خروج أكثر من 70 في المئة من مؤسسات القطاع عن الخدمة بما في ذلك جزء كبير من مؤسسات الرعاية النفسية.
وأشار 63 في المئة ممن شاركوا في استبيان أجراه المركز الكندي للأبحاث العلمية حول مستويات الاكتئاب والقلق واضطراب ما بعد صدمة الصراع في السودان، إلى أنهم لم يحصلوا على أي دعم نفسي بعد فرارهم من مناطق القتال رغم حاجتهم إلى ذلك.
وشددت الدراسة على أهمية التدخلات وأنظمة الدعم المصممة لتلبية الاحتياجات الفريدة للأفراد المتضررين من صدمات الحرب خصوصا في ظل التأثير الكبير للصدمة المرتبطة بالحرب على الصحة العقلية.
دلائل ومؤشرات
وفقا لمفوضية شؤون اللاجئين، فإن 71% من اللاجئين السودانيين الفارين من القتال تحدثوا عن نجاتهم من انتهاكات عرضتهم لمستويات من الصدمة النفسية المدمرة.
إضافة إلى البعد الأمني والسياسي، تزايدت الكلفة النفسية للحرب السودانية بسبب تداخلاتها العرقية والدينية، والسياسية وضخامة الخسائر البشرية والانتهاكات التي صاحبتها.
يؤكد خبراء الصحة النفسية أن فقدان الأقارب والأعزاء بشكل بشع كان واحدا من أكثر الأسباب شيوعا للاضطرابات النفسية التي يشتكي منها مرضاهم، إضافة إلى الاضطرار لترك الديار والفرار من البيوت وترك الذكريات المرتبطة بها وفقدان العمل والدخل والخوف على المستقبل.
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: فی السودان الحرب فی
إقرأ أيضاً:
جريمة “سفاح بن احمد” تدق ناقوس الخطر حول الصحة النفسية.. برلماني لوزير الصحة: هشاشة خطيرة تنذر بمآسي اجتماعية
زنقة 20 | الرباط
هزت قضية العثور على جثث مقطعة الأشلاء بمدينة ابن أحمد إقليم سطات ، وتورط شخص مسن يعاني من اضطرابات عقلية ونفسية، الرأي العام الوطني.
و أسفرت الأبحاث الميدانية والتقنية عن العثور على أشلاء بشرية في أماكن متفرقة كمراحيض ملحقة بالمسجد الأعظم، وحقول مجاورة لمدرسة الوحدة، ودورات المياه بمراحيض المسجد، ومنزل المشتبه فيه.
النائب البرلماني المهدي الفاطمي، وجه سؤالا إلى وزير الصحة والحماية الاجتماعية حول الصحة النفسية بالمغرب وأخطار الإهمال “سفاح بن أحمد نموذجا”،
وجاء في سؤال الفاطمي أن واقعة العثور على بقايا بشرية بمدينة بن أحمد، والتي يُشتبه في ارتباطها بشخص يُعاني من اضطرابات عقلية، أثارت صدمة عميقة في الرأي العام وأعادت إلى الواجهة إشكالية طالما تجرى تجاهلها أو التعامل معها بشكل هامشي وهي الصحة النفسية في المغرب.
هذه الحادثة، بما تسببت فيه من دلالات صادمة، ليست معزولة عن سياق أوسع يتسم بضعف كبير في البنية التحتية للصحة النفسية يقول الفاطمي ، وغياب رؤية سياسة عمومية شاملة.
النائب البرلماني قال في سؤاله أن الصحة النفسية في المغرب تعيش وضعا يثير الكثير من علامات الاستفهام حول مدى جدية التعاطي المؤسساتي مع هذا الجانب الحيوي من الصحة العامة.
و ذكر أنه مع تزايد الضغوط الاجتماعية والاقتصادية، وتنامي مؤشرات الاضطرابات النفسية في صفوف مختلف الفئات العمرية، تبرز الحاجة الملحة إلى مراجعة شاملة للسياسات العمومية المعتمدة في هذا المجال، والتي لا تزال تعاني من أعطاب هيكلية ونقص فادح في الموارد البشرية والتجهيزات.
وأضاف الفاطمي ان واقع الحال ، يُظهر هشاشة خطيرة في منظومة التكفل بالأمراض النفسية والعقلية ، مشيرا الى ان عدد الأطباء المتخصصي لان يوازي حجم الطلب المتزايد، والبنيات الاستشفافية المتوفرة تتركز في المدن الكبرى، مما يُقصي شرائح واسعة من المواطنين، خصوصا في المناطق القروية وشبه الحضرية، من الحق في العلاج والمتابعة.
كما أوضح أن ضعف التنسيق بين القطاعات المعنية وغياب رؤية مندمجة للتعامل مع المرضى النفسيين يُنتج حالات من الإهمال قد تتحول في بعض الأحيان إلى مآس اجتماعية أو تهديدات حققية للأمن العام وفاجعة بن أحمد نموذجا.