كتب- محمود مصطفى أبوطالب:

قال الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدور وهيئات الإفتاء في العالم: إننا أصبحنا أمام تحدٍّ كبير خاصة بعد الثورة التكنولوجية الحديثة وما واكبها من تطورات في مجال الاتصالات والمعلومات وانتشار أدوات التواصل الاجتماعية المختلفة، وأخيرًا ثورة الذكاء الاصطناعي التي قلبت الموازين في مجالات كثيرة.

وأضاف خلال كلمة رئيسية ألقاها ضمن فعاليات مؤتمر "تأطير الحريات وَفق القيم الإسلامية والقانون الدولي"، المنعقد بمقر منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو) في مدينة الرباط بالمملكة المغربية، أننا أصبحنا في عالم مفتوح معرفيًّا وفكريًّا، عالم يموج بالأفكار والرؤى والفلسفات والمفاهيم والتغيرات والتطورات المتلاحقة، ولا شك أن هذا التطور الهائل قد صاحبه خير كبير في مجالات كثيرة، لكنه حمل معه أيضًا كثيرًا من الأفكار الملتبسة والمفاهيم المغلوطة والرؤى المتضاربة التي أحدثت تشويشًا ولغطًا عند البعض.

وأوضح المفتي أنه على رأس هذه المفاهيم مفهوم ممارسة الحريات وما يتعلق بها من قضايا شائكة خاصة إذا وجدنا أن بعض الشذاذ يرى أن من حقه ومن ضمن إطار ممارسة حريته إهانة الأديان الإلهية والكتب السماوية والرسل والأنبياء والمقدسات الدينية بدعوى ممارسة الحرية، ولا يرى أية غضاضة أو حرج في جرح شعور ملايين المسلمين بل وغير المسلمين حينما يعتدي على دينهم ومقدساتهم بدعوى ممارسة الحرية.

وأشار إلى أننا لا نرفض الحرية مطلقًا ولا نصادر على الحريات أبدًا؛ لأن الله تعالى قد كفل الحرية للإنسان كفالة لا مرية فيها ولا شك حينما قال الله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ} [البقرة: 256]، لكننا بحاجة إلى أن نوضح للعالمين معنى حق الحرية ونزيل كثيرًا من اللغط واللبس حول هذا المفهوم. فإذا قررنا أن الحرية حق مكفول مضمون بموجب الشرع والقانون فلا بد أن نقرر أيضًا أنه ما من حق إلا ويقابله واجب، فجميع الحقوق مقيدة كلها بالواجبات، وهذا المعنى الذي يريد بعض الناس طمسه وتجاهله هو المعنى الذي قررته القوانين الدولية والأديان السماوية بل والقيم الإنسانية؛ ذلك لأن الحياة الإنسانية تقوم في أساسها على التعايش السلمي وتبادل المنافع والمصالح حتى يتحقق العمران ويعم الخير على بني الإنسان، وهذا يستدعي بالضرورة الحفاظ على النظام العام وتقييد تصرفات الإنسان بما يدرأ المفاسد والأضرار والشرور عن غيره من أبناء المجتمع. وإذا تصورنا أن لكل إنسان حقًّا في أن يمارس ما يشاء من الأقوال والأفعال دون أن نقيد ذلك بقيود تمنع وقوع الفساد والضرر فلا بد أن نتصور معه إبطال كل معاني الاجتماع الإنساني والعمراني؛ إذ لا معنى للحرية بهذا المفهوم المغلوط إلا النزاع والفساد.

في السياق ذاته قال المفتي، إن القرآن الكريم ناقش قضية حرية الاعتقاد وإبداء الرأي والتحاور حول كل الثوابت الدينية بالحكمة والموعظة الحسنة، وأمرنا أن نستمع إلى غيرنا مهما كان الاختلاف كبيرًا حتى لو كان في أمور العقائد والآراء، فقال تعالى: {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [العنكبوت: 46]، وإن من مقتضيات (التي هي أحسن) أن يكون الحوار عقلانيًّا يمضي على أساس من الحكمة والموعظة الحسنة، وأمرنا الله تعالى كذلك أن نعظم المشتركات بغيةَ الوصول إلى صيغ مشتركة للتعاون والاجتماع، قال تعالى: {وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} [العنكبوت: 46]، وقيد الله تعالى ذلك كله بالنهي عن السب والطعن والتشهير والنيل من مقدسات الغير على سبيل الاستثارة والاستفزاز؛ قال الله تعالى: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام: 108]؛ لأن السب والغمز واللمز فضلًا عن أنه قبيح في ذاته ويجافي مكارم الأخلاق، إلا أنه أيضًا ليس طريقًا من طرق البحث ولا الحوار المنهجي الذي يوصل صيغة كريمة للتعايش.

وأكد أن القرآن الكريم قد تناول قضية الحرية في أرفع مجالات الحياة وأغلاها على الإنسان وهو مجال الإيمان والعقيدة، وتناول أيضًا تقرير الواجب المقابل لحرية الاعتقاد والرأي وهو احترام الآخر وعدم الاعتداء عليه بالقول أو بالفعل وعدم استفزازه حتى لا يخرج من إطار الحوار العقلاني المنهجي إلى عكس ذلك. وعلينا أيضًا ألا نرضى من الآخرين إلا بذلك؛ أي باحترام عقائدنا ومقدساتنا.

ولفت إلى إن ممارسة الحريات وَفق الضوابط الشرعية والقانونية يضمن للمجتمعات أمنها وسلامتها، ويحافظ كذلك على الأمن والسلام النفسي للأفراد، ويضع حدودًا وقيودًا لهؤلاء العابثين الذي تصوروا الحرية على غير وجهها فنشروا بسبب ذلك القلاقل والفتن. ولا شك أن هناك إشكالات أخرى غير قضايا العقائد نحتاج إلى بحثها ووضع الضوابط لها، خاصة مع تطور وسائل الذكاء الاصطناعي التي سهلت كثيرًا من الأمور الإيجابية النافعة في مجالات عديدة لكنها أيضًا سهلت الانتحال والتزييف والتلفيق، ولا شك أن تطور هذه الوسائل مع ضعف منظومة الأخلاق والقيم يشعرنا جميعا بأننا أمام خطر كبير وتحدٍّ عظيم ، لأننا إذا جرَّدنا مفهوم التطور والتقدم عن منظومة القيم والأخلاق الحامية للمجتمع نكون قد جردنا التطور ذاته عن معناه الإنساني والحضاري وهو أن يستعمل ويسخر لخدمة الإنسان والعمران ونشر الخير بين الناس.

وأشار المفتي إلى إن الحديث عن هذه المعاني التي تتعلق بالحرية وضوابطها هو في حقيقته حديث عن النموذج المعرفي الذي ينبغي علينا أن نهتم بغرسه في نفوس شبابنا وأبنائنا قبل أن يصلوا إلى مرحلة التأثر بتلك المفاهيم المغلوطة، ومن ثم فإن قضية التربية وصناعة الوعي الصحيح لدى الأجيال الناشئة والاهتمام بتعميق الثوابت الدينية والأخلاقية لهو من أهم الوسائل المعينة على تنشئة تلك الأجيال على مفاهيم صحيحة واضحة غير ملتبسة بالمفاهيم المغلوطة وبخاصة فيما يتعلق بإشكالية الحريات في حياتنا المعاصرة وعالمنا المفتوح.

وفى ختام كلمته توجه المفتي بالشكر للدكتور سامي الشريف الأمين العام لرابطة الجامعات الإسلامية وللعلماء والباحثين المشاركين في هذا المؤتمر، مثنيًا على موضوع المؤتمر الذي يعالج قضية من أهم وأخطر القضايا الفكرية التي تشغل بال المشتغلين بحقول العلم والفكر والفلسفة والاجتماع والسياسة وهي قضية الحريات وما يتعلق بها من إشكالات وقضايا معقدة ومتشابكة.

المصدر: مصراوي

كلمات دلالية: قائد فاجنر متحور كورونا بريكس تنسيق الجامعات فانتازي سعر الذهب أمازون الطقس سعر الدولار الحوار الوطني تمرد فاجنر أحداث السودان سعر الفائدة الحرية ازدراء الأديان شوقي علام مفتي الجمهورية الله تعالى

إقرأ أيضاً:

تركيا.. اعتقال سيدة وجهت شتائم للرئيس

أنقرة (زمان التركية) -اعتقلت السلطات في تركيا سيدة تدعى ”ن. ك“ بتهمة ”إهانة الرئيس“ بسبب هجومها على الرئيس رجب طيب أردوغان خلال مقابلة في الشارع.

وأصدرت المديرية العامة للأمن بيانًا أعلنت فيه أن مواطنة تدعى (ن.ك) تم احتجازها واعتقالها بسبب ”إهانة وسب وقذف أردوغان وعائلته“ في مقابلة في الشارع نُشرت على وسائل التواصل الاجتماعي.

وجاء في البيان الذي نُشر على الحساب الرسمي لإدارة الشرطة على منصة ”إكس“: ”في مقابلة بالشارع نُشرت على أحد حسابات وسائل التواصل الاجتماعي، استخدمت (ن.ك) عبارات مهينة وسب وقذف ضد رئيسنا السيد رجب طيب أردوغان وعائلته. وبناءً على التعليمات الواردة من مكتب المدعي العام في إسطنبول، تم فتح تحقيق قضائي ضدها بتهمة إهانة رئيس الجمهورية وتم اعتقالها من قبل المحكمة التي أحيلت إليها“.

وقال نشطاء إن “ن.ك” زوجة عقيد خدم في الجيش التركي لمدة 35 عاماً.

Çok üzgünüm. Kahroldum. Bugüne dek 1000 röportaj videosu yayınladık. Röportajlarımızın tamamından suç unsuru sayılabilecek söylemleri çıkardık. 35 yıl türk ordusunda görev yapmış bir albayın eşi olan NK bu röportajdaki söylemleri üzerinden sosyal medya trollerinin hedef… pic.twitter.com/8uGZAfqTIn

— Sokak Kedisi (@sokakkedisitv) January 28, 2025

Tags: أردوغانإهانة أردوغاناسطنبولاعتقالتركيا

مقالات مشابهة

  • رئيس حماس في غزة: المعركة لم تنتهِ بعد وسنواصل الطريق حتى تحرير الأرض والمقدسات
  • تعرف إلى دعوى الطاعة وماذا تعني؟
  • المفتي: التعاون بين المؤسسات الدينية والإعلامية السبيل الأمثل لتحقيق وعي متزن
  • الإماء في الإسلام: مرآة الصراع بين الحرية والتقاليد وموروث الجاهلية الذي يثقل كاهل الإسلام
  • إعلام إسرائيلي: عودة النازحين لشمال غزة تعني فقدان أهم ورقة ضغط على حماس
  • تركيا.. اعتقال سيدة وجهت شتائم للرئيس
  • على خلفية إهانة مواطنيها.. البرازيل تستدعي مسؤولا أمريكا كبيرا
  • وزير الخارجية: ملف الحريات الدينية يشهد طفرة هائلة في مصر (فيديو)
  • وزير الخارجية: ملف الحريات الدينية يشهد طفرة هائلة في مصر
  • حماس تعني شهداء طولكرم: عملية الاغتيال محاولة بائسة لتصفية المقاومة