تطورات حاسمة: تشتيت كتل الغزاة الباغية.. مرحي أيها الجيش البطل!
تاريخ النشر: 27th, March 2025 GMT
في تطور تاريخي حاسم، تمكن الجيش السوداني من تحقيق نصر استراتيجي بتحرير القصر الجمهوري في قلب العاصمة و تحرير أحياء و مواقع إستراتيجية وسط الخرطوم موجهاً بذلك ضربات قاصمة للمليشيا الإرهابية التي ظلت تعيث في الأرض فساداً وتدميراً. هذه الانتصارات الكبيرة أسعدت السودانيين و جددت ثقتهم في جيشهم الوطني و ذكرت كل ناسي و متناسي قدرة الجيش على استعادة زمام المبادرة لتطرح تساؤلات عميقة حول مستقبل البلاد ومسارها السياسي في ظل هذا التحول الجذري.
عبر تاريخها الطويل، ظلت القوات المسلحة السودانية رمزاً للسيادة الوطنية، تحمل على عاتقها حماية الأرض والعرض، وتواجه المؤامرات التي تحاك ضد البلاد من الداخل والخارج. وعلى الرغم من التحديات الجسيمة والمخططات المعقدة التي استهدفت تفكيكها وتشويه سمعتها، ظلت شامخة وصامدة، تؤكد أن ما يتعرض له السودان ليس مجرد صراع داخلي عابر، بل هو امتداد لصراعات إقليمية ودولية أعمق.
المفارقة التاريخية الكبرى تكمن في أن الجيش الذي اتُهم في مرحلة ما بأنه واجهة للنظام السابق أو أداة في أيدي الفلول، استطاع في نهاية المطاف أن يكون الحصن الأخير الذي يتصدى للميليشيات الإرهابية ويمنع سقوط الدولة في مستنقع الفوضى. هذه المعادلة تضع القوى السياسية السودانية أمام سؤال مصيري: هل كان تحميل الجيش وزر النظام السابق قراراً استراتيجياً صحيحاً؟ وهل يدرك هؤلاء اليوم أن ما جرى كان تضحية غير مدروسة بمؤسسة وطنية لا غنى عنها؟
الخطاب السائد في أوساط القوى السياسية التي اختزلت الجيش في كونه مجرد أداة للنظام السابق كان قصير النظر، فقد كان من الأولى فهم الديناميات التي تحكم العلاقة بين الجيش والدولة، والتمييز بين المؤسسة وممارسات بعض القيادات السابقة. إن فشل تلك القوى في استيعاب هذه الحقائق أدى إلى تسليم الجيش على طبق من ذهب لما أسموه بـ”الفلول”، مما أسهم في تعقيد المشهد السياسي وزيادة هشاشة الدولة.
وإذ تتكشف الحقائق الآن عن قدرة الجيش على مواجهة الميليشيات المسلحة واستعادة السيطرة على المواقع الاستراتيجية، يصبح لزاماً على القوى الوطنية إعادة النظر في مواقفها وتقييم حساباتها بشكل جاد. فهل سيظل شعار معاداة الجيش هو العنوان الأبرز للمشهد السياسي، أم أن المصلحة الوطنية ستقتضي إعادة بناء الثقة معه والعمل على تعزيز دوره في حفظ الأمن والاستقرار؟
لا يمكن لأي مشروع وطني حقيقي أن يتجاهل دور الجيش، ولا يمكن لأي تحول سياسي مستدام أن يتم دون وضع استراتيجية واضحة لإعادة دمج القوات المسلحة في عملية بناء الدولة الحديثة. وما يحتاجه السودان اليوم هو مشروع نهضوي جامع يتجاوز عقلية التهميش والإقصاء، ويعترف بأن الجيش ليس مجرد طرف في معادلة الصراع، بل هو ركيزة لا يمكن تجاوزها في معركة استعادة الوطن من براثن التفكك.
إن الخطابات المزدوجة التي تتبناها بعض القوى السياسية، والتي تراوح بين رفض الجيش ككيان والتعويل عليه في الأزمات، تكشف عن حالة من التخبط الفكري وغياب الرؤية الاستراتيجية. إن المرحلة المقبلة تتطلب شجاعة في المراجعة، وجرأة في الاعتراف بالأخطاء، والبدء بحوار وطني شامل لا يقصي أحداً، يعيد للجيش مكانته كحامٍ للسيادة وضامن للاستقرار.
وبالنظر إلى النصر العسكري الأخير، يتعين علينا أن نتجاوز حالة التشكيك المزمنة، وأن ندرك أن السودان يحتاج اليوم إلى وقفة جادة تعيد بناء الثقة بين المؤسسة العسكرية والشعب، بعيداً عن الشعارات الجوفاء والمزايدات السياسية. فالتاريخ سيحكم على من حاولوا زعزعة تلك المؤسسة، كما سيحكم على من انحازوا للوطن في أصعب لحظاته.
habusin@yahoo.com
المصدر: سودانايل
إقرأ أيضاً:
دارفور: مقبرة الغزاة
تقع دارفور في مجال جيوبوليتكي هام وحاسم من جيرانها في الغرب (تشاد وأفريقيا الوسطى وجنوب السودان) ومن الشمال (ليبيا) ومن علاقتها بالسودان من الشمالية وكردفان. يعطي التكوين الإثني تحديد وضعها الجغرافي والتاريخي وتكوين السلطنة. من أقصى الشمال تحدد قبيلتي الميدوب في حدود دارفور مع الشمالية والزغاوة في الركن الشمالي الغربي ولها امتداد غربي في تشاد تسيطر على الدولة هناك. في الحدود الغربية هناك قبائل صغيرة من القمر والتاما والمساليت والبرنو والبرقو وكلها متداخلة مع تشاد. منها تمتد قبيلة الفور الكبرى من جبل مون وجبل مرة إلى وسط دارفور وجزء من جنوب دارفور حتى عاصمتهم الفاشر وزالنجي وكاس. من مناطق الميدوب والزغاوة تمتد قبيلة البرتي في سائر شمال دارفور وتعيش في كنفها قبيلتين عربيتين هما الزيادية والبني حسين وقبيلة التنجور في كتم وترجع للفور قديما فقدت لغتها وتتحدث العربية.
تحتل قبائل الزرقة ثلثي دارفور وتعيش القبائل العربية في الثلث الأخير قريبا من بحر العرب وتضم الرزيقات شرقا متداخلة مع المسيرية في كردفان والمعاليا والفلاتة العرب كما يسمون انفسهم في منطقة تلس والتعايشة على حدود إفريقيا الوسطى وحاضرتهم رهيد البردي والسلامات على الحدود مع تشاد وجزء منهم هناك متداخلين مع السودان. في الركن الجنوبي مع جبل مرة توجد قبائل الرزيقات الشمالية وهي قبائل ترعى الجمال وهي الهبانية والماهرية والنوايبة. تعيش هذه القبائل على حدود تشاد وهناك تداخل حدودي وهو ما يفسر جنسية حميدتي التشادية
بعكس كردفان والتي تجد قبائل البقارة طريق رحلتها الصيفية لمراعيها مفتوحة من بحر العرب وحتى حمرة الشيخ، فبقارة العرب وابالتهم في دارفور يجدون طريق رحلتهم مغلقة بالقبائل الزراعية المستقرة خاصة الفور لانتشارهم الواسع في منتصف دارفور، خاصة مع الرزيقات الشمالية الإيالة الذين يسلكون طريق جبل مرة في رحلتهم من اجل الكلأ. وشكلوا دائما توترات في رحلتهم.
كل قبائل الزرقة أصبحت مسلحة و مقاتلة مع حمل السلاح عبر الحركات المسلحة المتعددة. رغم الصراعات القديمة فقد أججت الإنقاذ هذه الصراعات اولا باعتمادها على الزرقة في بدء وصولها للحكم (أربعة من خمسة من مجلس الشوري كانو من الزرقة) وأعتقد ان الشيخ الترابي كان هو مهندس هذا الخيار. ومع تمرد بولاد في منتصف التسعينات بدات اعادة النظر في هذا التوجه.
بدأ التفكير الانقاذي جديا في التغيير الديمغرافي وإحلال عرب الشتات في مكان الفور خاصة وقام الجنجويد بهذا منذ ٢٠٠٣ وحدثت الكوارث الكبرى من القتل الذي بلغ ٣٠٠-٤٠٠ الف (حسب تقديرات دراسة الأمم المتحدة) وتهجير اكثر من ٣-٤ مليون وحرق القرى والاغتصابات وغيرها مما ادى لاتهام عمر البشير وثلاثة من معاونية لدي المحكمة الجنائية الدولية واجراءات عديدة متنوعة ودخول اليوناميد. لم يكن اعتداءات الجنجويد تشمل الزرقة فقط فقد امتدّت يدهم احيانا لعرب دارفور ومهاجمة قراهم والاعتداءات عليهم كما حدث في الهجوم على مرابض موسى هلال واعتقاله وغيرها.
ان قبائل الزرقة تختزن الكثير من الجرائم والقتل والاغتصابات وغيرها التي ارتكبت بحقهم، والان هم مسلحون والدولة من خلفهم في هزيمتهم وطرد المغتصبين من أراضيهم ومن حلالهم ومن كافة دارفور في معركة الجنجويد الأخيرة هناك. ان تحرك الجنجويد لغزو داخل السودان حيث القبائل المستقرة والسلميّة لم يكن عشوائيا لكن لأنها تعلم ان قبائل دارفور ستكون لها بالمرصاد وسوف تذيقها الهزيمة.
على القبائل العربية في دارفور، إذا كانت ترغب في ان تعيد علاقاتها مع جيرانها ومواصلة حياتها، اعباءاً كثيرة من توضيح موقفها وادانة الجنجويد وإعادة المسروقات والمنهوبات، وإعادة تثقيف الحكامات لإيقاف الاستفزاز والشحن، وإيقاف مثقفيها المتماهين مع الجنجويد والتنصل منهم وإخراسهم وجعلهم يعتذرون للشعب السوداني ( قال عنهم د. تكنة انهم يمتطون ظهور قبائلهم للحصول على مكاسب سياسية في المركز) وغيرها مما يعيد الثقة.
في المجال التنموى فإنني سوف أعالج كيفية استيعاب مجتمعات عرب دارفور عن طريق توطين الرحل وجعل مناطقهم ضمن المجال الحضري (التحضر بدل البداوة) وسوف أتناوله للحوار في مقال آخر.
Dr. Amr M A Mahgoub
omem99@gmail.com
whatsapp: +249911777842