في تطور تاريخي حاسم، تمكن الجيش السوداني من تحقيق نصر استراتيجي بتحرير القصر الجمهوري في قلب العاصمة و تحرير أحياء و مواقع إستراتيجية وسط الخرطوم موجهاً بذلك ضربات قاصمة للمليشيا الإرهابية التي ظلت تعيث في الأرض فساداً وتدميراً. هذه الانتصارات الكبيرة أسعدت السودانيين و جددت ثقتهم في جيشهم الوطني و ذكرت كل ناسي و متناسي قدرة الجيش على استعادة زمام المبادرة لتطرح تساؤلات عميقة حول مستقبل البلاد ومسارها السياسي في ظل هذا التحول الجذري.



عبر تاريخها الطويل، ظلت القوات المسلحة السودانية رمزاً للسيادة الوطنية، تحمل على عاتقها حماية الأرض والعرض، وتواجه المؤامرات التي تحاك ضد البلاد من الداخل والخارج. وعلى الرغم من التحديات الجسيمة والمخططات المعقدة التي استهدفت تفكيكها وتشويه سمعتها، ظلت شامخة وصامدة، تؤكد أن ما يتعرض له السودان ليس مجرد صراع داخلي عابر، بل هو امتداد لصراعات إقليمية ودولية أعمق.

المفارقة التاريخية الكبرى تكمن في أن الجيش الذي اتُهم في مرحلة ما بأنه واجهة للنظام السابق أو أداة في أيدي الفلول، استطاع في نهاية المطاف أن يكون الحصن الأخير الذي يتصدى للميليشيات الإرهابية ويمنع سقوط الدولة في مستنقع الفوضى. هذه المعادلة تضع القوى السياسية السودانية أمام سؤال مصيري: هل كان تحميل الجيش وزر النظام السابق قراراً استراتيجياً صحيحاً؟ وهل يدرك هؤلاء اليوم أن ما جرى كان تضحية غير مدروسة بمؤسسة وطنية لا غنى عنها؟

الخطاب السائد في أوساط القوى السياسية التي اختزلت الجيش في كونه مجرد أداة للنظام السابق كان قصير النظر، فقد كان من الأولى فهم الديناميات التي تحكم العلاقة بين الجيش والدولة، والتمييز بين المؤسسة وممارسات بعض القيادات السابقة. إن فشل تلك القوى في استيعاب هذه الحقائق أدى إلى تسليم الجيش على طبق من ذهب لما أسموه بـ”الفلول”، مما أسهم في تعقيد المشهد السياسي وزيادة هشاشة الدولة.

وإذ تتكشف الحقائق الآن عن قدرة الجيش على مواجهة الميليشيات المسلحة واستعادة السيطرة على المواقع الاستراتيجية، يصبح لزاماً على القوى الوطنية إعادة النظر في مواقفها وتقييم حساباتها بشكل جاد. فهل سيظل شعار معاداة الجيش هو العنوان الأبرز للمشهد السياسي، أم أن المصلحة الوطنية ستقتضي إعادة بناء الثقة معه والعمل على تعزيز دوره في حفظ الأمن والاستقرار؟

لا يمكن لأي مشروع وطني حقيقي أن يتجاهل دور الجيش، ولا يمكن لأي تحول سياسي مستدام أن يتم دون وضع استراتيجية واضحة لإعادة دمج القوات المسلحة في عملية بناء الدولة الحديثة. وما يحتاجه السودان اليوم هو مشروع نهضوي جامع يتجاوز عقلية التهميش والإقصاء، ويعترف بأن الجيش ليس مجرد طرف في معادلة الصراع، بل هو ركيزة لا يمكن تجاوزها في معركة استعادة الوطن من براثن التفكك.

إن الخطابات المزدوجة التي تتبناها بعض القوى السياسية، والتي تراوح بين رفض الجيش ككيان والتعويل عليه في الأزمات، تكشف عن حالة من التخبط الفكري وغياب الرؤية الاستراتيجية. إن المرحلة المقبلة تتطلب شجاعة في المراجعة، وجرأة في الاعتراف بالأخطاء، والبدء بحوار وطني شامل لا يقصي أحداً، يعيد للجيش مكانته كحامٍ للسيادة وضامن للاستقرار.

وبالنظر إلى النصر العسكري الأخير، يتعين علينا أن نتجاوز حالة التشكيك المزمنة، وأن ندرك أن السودان يحتاج اليوم إلى وقفة جادة تعيد بناء الثقة بين المؤسسة العسكرية والشعب، بعيداً عن الشعارات الجوفاء والمزايدات السياسية. فالتاريخ سيحكم على من حاولوا زعزعة تلك المؤسسة، كما سيحكم على من انحازوا للوطن في أصعب لحظاته.

habusin@yahoo.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

تدخل القيادة السياسية في حل أزمة الشركات يؤكد دعم الدولة لريادة الأعمال

أشاد الدكتور إسلام نصر الله، رائد الأعمال باهتمام القيادة السياسية بدعم بيئة ريادة الأعمال في مصر، مؤكدًا أن تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسي لحل أزمة شركة ناشئة يعكس التزام الدولة العميق بتعزيز الابتكار وتمكين المشروعات الشبابية.

وأكد نصر الله أن الدولة المصرية تولي اهتمامًا متزايدًا بتوفير المناخ الملائم لنمو الشركات الناشئة، من خلال تقديم التسهيلات التشريعية واللوجستية اللازمة، ما يسهم في تحفيز الاستثمار المحلي والأجنبي، ويدفع نحو تحقيق التنمية المستدامة ودعم الاقتصاد الوطني.

أسعار الذهب في الإمارات اليوم الأربعاء 23-4-2025المشاط: البنك الدولي شريك المعرفة للحكومة في إعداد السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية

وفي تعليقه على أزمة "الشركة الناشئة"، أوضح أن نجاح المشروع السريع وتوسعه الكبير كانا من الأسباب الرئيسية وراء بعض الإخفاقات الإدارية التي ظهرت، مشددًا على أهمية تعزيز نظم الحوكمة الداخلية في الشركات الناشئة لضمان جودة الخدمات ورضا العملاء، ومؤكدًا أن تدخل الجهات الرقابية الصحية جاء في إطار دورها الطبيعي لحماية صحة المواطنين، وليس بدافع التضييق كما يروّج البعض.

ونفى نصر الله ما تم تداوله بشأن مزاعم ممارسات غير قانونية داخل الشركة، ووصف تلك الاتهامات بـ"المغرضة"، مؤكدًا أن الأجهزة الرقابية المصرية، وعلى رأسها البنك المركزي، تطبق أنظمة صارمة تضمن الشفافية في جميع المعاملات المالية، داعيًا إلى عدم الانسياق وراء الشائعات التي تهدف إلى تشويه قصص النجاح الوطنية.

واختتم نصر الله تصريحاته بدعوة رواد الأعمال للالتزام بالمعايير القانونية والمهنية، والاستفادة من الدعم الكبير الذي تقدمه الدولة للمشروعات الناشئة، مشددًا على أن النجاح الحقيقي لا يتحقق إلا من خلال احترام القواعد وتقديم قيمة مضافة للمجتمع.

مقالات مشابهة

  • الجيش اللبناني يعلن اتخاذ تدابير أمنية لضبط الحدود مع سوريا
  • برلماني: الرقم القومي للعقار خطوة حاسمة نحو اقتصاد رقمي شفاف
  • العدالة أم التصفيات السياسية؟.. ولد عبد العزيز يواجه الحكم بعد اتهامات بالفساد
  • حزب المؤتمر: تحرير سيناء ذكرى خالدة تجسد بطولة الجيش المصري وحكمة القيادة السياسية
  • دارفور التي سيحررها أبناء الشعب السوداني من الجيش والبراءون والدراعة ستكون (..)
  • عضو بمجلس النواب الأردني: الدولة اتخذت قرارات حاسمة في التعامل مع جماعة الإخوان
  • بالفيديو.. برلماني أردني: الدولة اتخذت قرارات حاسمة في التعامل مع جماعة الإخوان
  • برلماني أردني: الدولة اتخذت قرارات حاسمة في التعامل مع جماعة الإخوان
  • تدخل القيادة السياسية في حل أزمة الشركات يؤكد دعم الدولة لريادة الأعمال
  • ‏⁧‫مناقشة مع قادة الطبقة السياسية‬⁩ في ⁧‫العراق‬⁩ :-