هل بدأت إسرائيل تنفيذ خطة احتلال غزة واستعادة الحكم العسكري؟
تاريخ النشر: 27th, March 2025 GMT
القدس المحتلة- يحمل استئناف إسرائيل الحرب على قطاع غزة في طياته رسائل مفادها أن حكومة بنيامين نتنياهو وجهتها إلى القتال، وترفض أي تسوية بشأن القطاع، حيث تستعد لاحتلاله واستعادة الحكم العسكري والسيطرة الكاملة على السكان، وتنفيذ خططها سواء بشأن الاستيطان أو التهجير.
وتنسجم هذه الرسائل مع الخطة الجديدة التي أعلن عنها رئيس هيئة الأركان العامة إيال زامير، والتي تقضي بشن هجوم بري واسع على قطاع غزة، عبر الدفع بعدة فرق عسكرية واستدعاء واسع لقوات الاحتياط، من أجل تحقيق الأهداف التي فشل الجيش الإسرائيلي بتحقيقها على مدار عام ونصف العام من القتال، وتتلخص بالقضاء على حكم حماس وتدمير قدراتها العسكرية.
وتناغمت خطة زامير مع قرار المجلس الوزاري للشؤون الأمنية والسياسية "الكابينت"، بإقامة مديرية خاصة لتنفيذ خطة "التهجير الطوعي" للفلسطينيين من غزة، والدعوات المتكررة لأحزاب اليمين المتطرف بالعودة للاستيطان في القطاع.
وفي مؤشر يعكس نوايا أحزاب اليمين بالحكومة من أجل تهجير الفلسطينيين وإعادة الاستيطان في القطاع، كتب مراسل شؤون الاستيطان في صحيفة "يسرائيل هيوم" حنان غرينفود مقالا بعنوان "الطاليت الممزق (شال الصلاة عند اليهود): العودة التدريجية للقتال هي السبيل الوحيد"، دعم من خلاله استئناف الحكومة القتال في غزة من أجل تحقيق أهداف الحرب التي فشل الجيش بتحقيقها في السابق.
وقال غرينفود إن "العودة إلى القتال ربما تكون السبيل الوحيد لمواصلة العمل لتحرير المختطفين في الوقت الراهن، حتى وإن لم يكن من السهل سماع ذلك لدى الكثير من الإسرائيليين".
ويرى أن استئناف الحرب لا يعني تحقيق النصر المطلق في المرحلة الراهنة، ولا يتعلق بهزيمة حماس عسكريا وسياسيا، بل إرسال رسالة واضحة إلى الحركة مفادها أن "إبقاء المختطفين بالأسر يضع قادتها في دائرة الاستهداف والاغتيال".
إعلانوفي تبريره لاستئناف حكومة نتنياهو القتال، زعم الصحفي الإسرائيلي أن حماس تفضل الاحتفاظ بالعديد من المختطفين الإسرائيليين على قيد الحياة لسنوات عديدة، وربما أكثر من عقد من الزمان، وذلك لضمان بقاء حكمها في القطاع، وعليه "يتعين على إسرائيل أن تحارب مرة أخرى حتى النهاية، لأن البديل هو الاستسلام لنظام إرهابي سينمو مرة أخرى بكامل قوته"، على حد تعبيره.
من وجهة نظر المحلل العسكري في صحيفة "معاريف" آفي أشكنازي، فإن الخطوة التكتيكية التي اعتمدها الجيش الإسرائيلي بالعودة إلى القتال في القطاع كشفت عن غياب الإستراتيجية في غزة، قائلا إن "إسرائيل شنت بالفعل هجوما قويا ومثيرا للإعجاب. وألحقت أضرارا بالقادة الكبار لحماس والأطر العسكرية والمدنية للحركة، لكن انتقلت إسرائيل بعد ذلك للعمل العسكري المتدرج".
وأوضح أن العملية العسكرية التي أسماها الجيش "الشجاعة والقوة" أشبه بلعبة البوكر، إذ تمارس إسرائيل ضغوطا متدرجة على حماس، ولكن مع غياب إستراتيجية واضحة وقوة كافية، وعليه، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هو "هل تملك إسرائيل أوراق الحسم؟".
وقال المحلل العسكري إن "المشكلة في إدارة إسرائيل للعبة البوكر ضد حماس تكمن في شقين، أولا، يُعتبر المختطفون الـ59 أوراقا قوية، ومع الأسف فإنهم في أيدي الجانب الآخر، حماس. الشق الثاني، وكل لاعب بوكر يعرف ذلك، هو صياغة إستراتيجية اللعبة، وهنا ليس من الواضح ما إذا كانت إسرائيل تمتلك الإستراتيجية".
وفي قراءة لتعامل حكومة نتنياهو مع ملف المختطفين وانتهاكها لاتفاق وقف إطلاق النار، قدر المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" عاموس هرئيل أن إسرائيل تستعد لاحتلال غزة، واستعادة الحكم العسكري والسيطرة الكاملة على السكان.
وعزز المحلل العسكري هذا التقديرات بالانطباعات التي تشكّلت لدى عائلات المختطفين الأميركيين خلال زيارتها إلى واشنطن، حيث أيقنت أن الرئيس دونالد ترامب لا ينوي وقف تحركات نتنياهو، في حين صرح زامير أن لديه خطة قادرة على تحقيق الهدف وهو القضاء على حركة حماس.
إعلانوفي استعراض للخطة يقول هرئيل "صحيح أن إسرائيل ركّزت على الغارات الجوية، إلى جانب توغلات برية محدودة في شمال القطاع، وفي الجزء الشرقي من ممر نتساريم وسطه، وفي منطقة رفح بالجنوب، لكن في الوقت نفسه لا تزال الاستعدادات جارية لتنفيذ الخطة الكبرى لرئيس الأركان الجديد، وهي شن هجوم بري واسع النطاق على القطاع".
ويرى أن إسرائيل لا تزال تترك مساحة للتوصل إلى اتفاق مؤقت يتم خلاله إطلاق سراح المختطفين، لكن نظرا للضغوط السياسية التي تمارسها الحكومة لتوسيع نطاق القتال، فيبدو أن الأمور ستتصاعد بالفعل في المستقبل دون التوصل إلى اتفاق، حسب كلامه.
وقال هرئيل إن "خطط نتنياهو طموحة للغاية، ولا تحظى بتحفظات كبيرة من جانب كبار المسؤولين في الجيش وجهاز الشاباك".
وأضاف "يبدو أن إسرائيل تتكتم حول النوايا الحقيقية للحكومة والجيش. وتناور بالمفاوضات التي قد تثمر على نتائج حاسمة، وتمهّد للتحرك الواسع لاحتلال القطاع واستعادة السيطرة الإسرائيلية الكاملة عليه. في وقت تدفع أحزاب اليمين نحو إعادة الاستيطان والطرد القسري للفلسطينيين، والذي سيتم تقديمه باعتباره هجرة طوعية، بدعم من ترامب".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان الجیش الإسرائیلی المحلل العسکری أن إسرائیل فی القطاع
إقرأ أيضاً:
هل يجب أن تخرج حماس من غزة؟
هذا سؤال ثقيل ومفصلي، يلامس أعماق المأزق الفلسطيني، ويستحق معالجة عميقة ومركبة.
إن صور المظاهرات التي تخرج منذ يومين في غزة تراها الفضائيات العربية وأجهزة السلطة وفوهات بنادق نتنياهو من مسافات متباينة ومقاربات مختلفة.
لنتفق مبدئيا أن أهل غزة هم الأدرى بشعاب قطاعهم، وهم المخولون بأن يعبروا عن آلامهم وآمالهم، فهم أهل الدم وأصحاب البنادق وآخر قلعة في أمة تداركها الله.
ففي قلب غزة المحطمة، وبين أنقاض المنازل المتهدمة وآمال القلوب المكلومة، يتردد سؤال وجودي يلامس أعمق المخاوف: هل يجب على حركة حماس أن تنسحب من القطاع، طمعًا في إنقاذ ما تبقى من أرواح؟ أم أن هذا الانسحاب قد يكون الشرارة التي تشعل فتيل مشروع أوسع، يهدف إلى إعادة رسم خريطة غزة وفقًا للمصالح الإسرائيلية والأمريكية، ليُعلن عن فصل جديد من النكبة، هذه المرة تحت ستار "السلام"؟
منذ أن اندلعت شرارة الحرب الأخيرة على غزة، عاد الحديث، تارةً همسًا خافتًا وتارةً علنًا صريحًا، عن "خيار إنقاذي" يُطرح على طاولة النقاش: أن تتخلى حركة حماس عن سلطتها في القطاع
في عالم السياسة المتقلب، ليس كل ما يلمع ذهبًا، وليس كل طريق مُعلن عنه كطريق للنجاة، يُفضي حتمًا إلى بر الأمان.
الطريق المفخخ
منذ أن اندلعت شرارة الحرب الأخيرة على غزة، عاد الحديث، تارةً همسًا خافتًا وتارةً علنًا صريحًا، عن "خيار إنقاذي" يُطرح على طاولة النقاش: أن تتخلى حركة حماس عن سلطتها في القطاع، وتفسح المجال لقوى إقليمية ودولية "لإعادة ترتيب الأوضاع"، وبالتالي وقف القتال الدائر وإطلاق عجلة إعادة الإعمار المتوقفة.
لكن، دعونا نتساءل بجدية: ما الذي ينتظر غزة فعليًا إذا ما غابت حماس عن المشهد السياسي والإداري؟
يروج البعض لهذا السيناريو على أنه الوصفة السحرية للخلاص: وقف فوري للغارات الجوية والقصف المدمر، فتح دائم للمعابر الحدودية، تدفق المساعدات الإنسانية الضرورية، وربما تشكيل "سلطة بديلة" تحظى بإشراف عربي أو دولي.
بيدَ أن هذا التصور الوردي، بكل ما يحمله من إغراء ظاهري، يتجاهل عمدًا سؤالًا محوريًا وجوهريًا: من هي الجهة التي ستملأ هذا الفراغ الهائل؟ وبأي مشروع سياسي؟ ولمصلحة من تحديدًا؟
ما بعد الانسحاب
في غياب قوة منظمة ومؤثرة كحركة حماس، من المؤكد أن إسرائيل لن تسمح بتولي أي قوة فلسطينية ذات سيادة حقيقية زمام الأمور في غزة. حتى السلطة الوطنية الفلسطينية، لو تسلمت رسميًا إدارة القطاع، فستجد نفسها مجرد وكيل إداري لا يملك من الأمر شيئًا في منطقة تم تجريدها من أي مقاومة حقيقية ومُنعت من امتلاك قرارها المستقل.
إن إنقاذ غزة الحقيقي لا يتحقق بتغيير اللافتة المعلقة على الباب، بل بتغيير جذري لقواعد اللعبة الظالمة التي فُرضت على الفلسطينيين منذ اتفاق أوسلو المشؤوم وحتى يومنا هذا المأزق الحقيقي
وحينها، سيبدأ السيناريو الأكثر خطورة: تحويل المناطق "الآمنة" المؤقتة في القطاع إلى تجمعات أشبه بدويلات صغيرة للاجئين، وسيتم منع عودة السكان إلى مناطقهم الأصلية في الشمال تحت ذرائع أمنية واهية، وربما تنفيذ مخطط تهجير صامت، وسيكون تهجيرًا تحرسه القوى الدولية، وتموّله دول عربية، ويُبرر إنسانيًا.
إن انسحاب حماس في هذا السياق، لن يؤدي إلى إنقاذ غزة، بل قد يُنقذ صورة إسرائيل مؤقتًا أمام العالم، لكنه سيترك غزة مكشوفة تمامًا أمام مشروع إعادة الهندسة الديمغرافية الذي يهدف إلى تغيير طبيعة القطاع وهُويته.
الاحتمال الآخر: بقاء المقاومة
على الجانب الآخر، يمثل بقاء حماس في غزة الخيار الأكثر كلفة إنسانيًا على المدى القصير، لكنه قد يكون السد الأخير الذي يحول دون تنفيذ مشروع التهجير القسري. إسرائيل -ومن خلفها واشنطن- تؤكد دائمًا أن بقاء حماس يعني استمرار حالة الحرب، وربما تفاقم الكارثة الإنسانية التي يعيشها السكان.
لكن في الحسابات الإستراتيجية للمصلحة الفلسطينية، فإن ثبات المقاومة يُبقي على جوهر القضية الفلسطينية حيًا: الحق الأصيل في المقاومة المشروعة، والرفض القاطع لمحاولات فرض حلول قسرية بالقوة.
في زمن تُشترى فيه "حقوق الشعوب" أحيانًا برغيف خبز أو شحنة دواء، فإن وجود مقاومة – بكل ما يحمله من جدل ونقاش – يصبح عنصر ردع أساسي أمام محاولات الاحتلال للانفراد بالشعب الفلسطيني وتغيير تاريخه وذاكرته وهويته.
دعونا نواجه الحقيقة بوضوح: المعضلة الحقيقية لا تختزل في مسألة بقاء حماس أو رحيلها.
المأساة الأعمق تكمن في غياب المشروع الوطني الفلسطيني الجامع، وفي حالة الترهل التي تعاني منها المؤسسات الفلسطينية، وفي تحول القضية الفلسطينية من قضية تحرر وطني إلى مجرد ملف تفاوضي باهت وأجهزة أمن فلسطينية تتحدث العبرية وتأتمر بأوامر ضباط الشاباك الإسرائيلي.
الحقيقة أنه سواء بقيت حماس في غزة أو انسحبت منها، سيظل القطاع عالقًا في فم الوحش، ما لم يتم إعادة تعريف شامل لمفهوم القيادة الفلسطينية، وللهوية الوطنية، وللأهداف الإستراتيجية للقضية.
إن إنقاذ غزة الحقيقي لا يتحقق بتغيير اللافتة المعلقة على الباب، بل بتغيير جذري لقواعد اللعبة الظالمة التي فُرضت على الفلسطينيين منذ اتفاق أوسلو المشؤوم وحتى يومنا هذا.
الحذر من الأجوبة السهلة
في لحظات عصيبة كهذه، تبدو الأجوبة البسيطة والمباشرة مغرية للغاية: "لتخرج حماس.. ولينقذ الناس". لكن الحقيقة غالبًا ما تكون أكثر تعقيدًا ومرارة. قد يكون هذا "الخروج" أقرب إلى عملية طرد سياسي مبطنة، وقد تكون "النجاة" التي تُعرض على الفلسطينيين اليوم هي الوجه الناعم لعملية اقتلاع جماعي قادمة لا محالة.
السؤال الحقيقي ليس: "هل يجب على حماس أن تغادر غزة؟" بل هو: من هي القوة التي ستدخل بعدها؟ وبأي مشروع سياسي؟ ولمصلحة من تحديدًا؟ وربما، الأهم من كل ذلك: هل يملك الشعب الفلسطيني – بعد كل هذا الدم والتضحيات – رفاهية ارتكاب خطأ إستراتيجي آخر؟