الجزيرة:
2025-03-30@10:34:44 GMT

هكذا يبدو شكل الغرب وهو خائف

تاريخ النشر: 27th, March 2025 GMT

هكذا يبدو شكل الغرب وهو خائف

في كتابه "انهيار الحضارة، التفكير بعد الهولوكوست" الصَّادر سنة 1988 صاغ المؤرّخ الألماني- اليهودي دان دينر مصطلح انهيار الحضارة Zivilisationsbruch كمفهوم تاريخي يشير إلى الأحداث التي تقوض، جذريًا، المعايير الحضارية وتهزُّ اليقين بالإنسانية والقانون والأخلاق. اتخذ الهولوكوست مثالًا للانهيار الحضاري، وتوصّل إلى أنها حالة فريدة في التاريخ غير قابلة للتَكرار.

لا يرى دان دينر في المأساة الفلسطينية، بما في ذلك جريمة الإبادة البشرية في غزة، انهيارًا في القيم الحضارية، ناهيك عن إمكانية مقارنتها بالهولوكوست. بالنسبة له فالصراع في الشرق الأوسط لا بدَّ من فهمه في سياق قومي وجيوبولتيكي.

إن أيّ محاولة لإجراء مقارنة بين ما يجري للفلسطينيين على يد جهاز الدولة الإسرائيلية مع ما جرى لليهود في القرن العشرين، هو "عمل غير أخلاقي" في تقدير دينر. في الواقع تستخدم كلمة "المذبحة" عند الحديث عن غزة للإشارة إلى ما حدث في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023.

أخذ المفهوم الذي طوّره دان دينر مكانه في الدراسات الثقافية وحتى الأدبية، وثمّة اتفاق ضمني على الصعيد الأكاديمي الغربي يفيد بأن القيم الإنسانية الحضارية لم تنهرْ سوى مرّة واحدة: في الجانب المتعلق بالمسألة اليهودية إبّان الحرب العالمية الثانية.

إعلان

الحرب تلك، بالتقويض الشامل الذي أحدثته، لا ترتقي إلى مستوى اعتبارها انهيارًا للحضارة. كانت معركة مدمرة في سياق حضاري علّمت الغربيين درسًا مهمًا: لا تفعلوها ثانية Nie Wieder.

وهي كلمة، أو درس، تقال عادة في سياق متصل بمشروع الدولة الإسرائيلية. من الممكن أن تقع مذبحة أخرى، بل حروب مدمّرة، شريطة ألا تنال من اليهودية. تحليل الخطاب السياسي الألماني، على سبيل المثال، لا يمكنه أن يأخذ مسألة "الدرس التاريخي" بعيدًا عن هذا الاستنتاج.

إن المقارنة بين ما يجري في غزّة راهنًا والمأساة اليهودية شأن محفوف بالمخاطر. في كتابه "الأمل لا يخيب أبدًا: الحجّاج في طريقهم إلى عالم أفضل"، الصادر مطلع هذا العام، تجرأ بابا الفاتيكان، الزعيم الروحي لما يداني مليارًا ونصف المليار مسيحي كاثوليكي، على القول إن ما يجري في غزة يتطلب تحقيقًا قانونيًا موسعًّا، إذ ربما يكون قد بلغ درجة الإبادة البشرية.

لم يجزم البابا فرانسيسكو بالقول إن غزة تقع تحت إبادة بشرية، غير أن إيراده مسألة الإبادة البشرية في سياق حديثه عن فعل تقوم به إسرائيل هو تجاوز للخطوط الحمراء.

كان ملاحظًا أن وعكته الأخيرة التي أقعدته لبعض الوقت في المستشفى لم تحظَ بالاهتمام الذي يستحقه الشأن البابوي، بل يمكننا القول إنه تعرّض للتجاهل وهو على مشارف التّسعين.

وليس من قبيل المبالغة أو التسرّع ربط ذلك التجاهل "الإعلامي" الغربي بما ورد في كتابه حيال الشأن الفلسطيني. كما لو أن المسيحي الغربي -لنأخذ ألمانيا مثالًا- بات مستعدًا لهدم داره فقط ليؤكد لنفسه ولسائر العالم أنه فهم الدرس التاريخي.

إدانة الفعل العسكري الإسرائيلي على طريقة البابا، أي ربطه بالإبادة البشرية، قد تشكل خطرًا على وجود دولة إسرائيل، كما يرى عالم اللاهوت النمساوي غريغور ماريا هوف.

تضع المؤسسات الديمقراطية الغربية إسرائيل في فقاعة لاهوتية حمراء، هي أهم ما في ذلك العالم الممتد من كندا حتى موسكو، ولا ينبغي المساس بها. وحتى في أوج الصراع الشيوعي- الرأسمالي الغربي بقيت موسكو وواشنطن راعيتين مخلصتين للمشروع الإسرائيلي، بل سبق الاتحاد السوفياتي خصمه الأميركي في الاعتراف بدولة إسرائيل.

إعلان

في "المفاوضات السرّية بين العرب وإسرائيل" يروي هيكل تجربته الفريدة مع الآباء المؤسسين لحركة فتح. إذ اقترح هيكل على عبدالناصر اصطحاب عرفات في زيارته إلى موسكو، أغسطس/ آب 1968، لتقديم المنظمة بحسبانها حركة تحرر وطني للشعب الفلسطيني تستحق التأييد إلى القيادة السوفياتية.

كان للسوفيات جهاز خاص تحت إشراف "الرفيق مازاروف" مسؤول عن دعم حركات التحرر الوطني في العالم. بحيلة مثيرة، غير رسمية، تمكن عبدالناصر من تقديم عرفات إلى الرئيس بريغنيف، والأخير أحاله إلى الرفيق مازاروف دون حتى أن يوجه إليه كلمة واحدة مباشرة، بل تجاهل النظر إلى وجهه.

لأكثر من ساعتين- كما يروي هيكل- راح مازاروف يحقق مع القائد الفلسطيني عن موقف جماعته من مستقبل إسرائيل ومن القرارات الدولية التي تعطيها الحق في الجزء الأكبر من فلسطين.

بعد أسابيع حصل القادة الفلسطينيون على شحنة صغيرة من الأسلحة تضمر من المعنى السياسي أكثر مما تحمله من الأهمية العسكرية. وما كان ذلك ليحدث لو لم تكن بعض التشكيلات الفلسطينية القومية قد تحوّلت إلى الماركسية، كما يذهب هيكل.

يبقى وجود إسرائيل في الحسابات كلها خارج الحسابات. ومن المثير ملاحظة أن جزءًا كبيرًا من اليهود الروس قد انتقلوا إلى فلسطين، منهم قرابة مليون فرد بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وأن جزء كبيرًا من يهود أوروبا الغربية قد انتقلوا إلى أميركا.

وصارت الأمور إلى أن شكل يهود أميركا قوى مؤثرة، سياسيًا وماليًا، هدفها دفع الولايات المتحدة إلى تقديم دعم غير محدود لدولة إسرائيل التي يشكل "اليهود السوفيات" غالبية سكانها البيض. جسّرت اليهودية الهوّة السحيقة بين العالمين المتصارعين.

أشعلت قضية غزة حربًا ثقافية في الداخل الغربي على مستويات معرفية وثقافية وأكاديمية مختلفة. فبينما تعاملت الديمقراطية الأوروبية مع "الخطوط الحمراء" بهدوء، كأن يخسر الإعلاميون والأكاديميون الذين ينتقدون العدوان على غزة وظائفهم دون ضجيج. فقد حدد نظام ترامب كودًا لغويًا في المراسلات الفدرالية يستبعد كلمة فلسطين، كما طالب بوضع قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة كولومبيا تحت إشراف قوات الأمن.

إعلان

علاوة على ذلك، فإن تجريم أي نشاط طلابي يدين أفعال الجيش الإسرائيلي يمثّل، بصلافته ولاقانونيته، تجريفًا خطرًا لأهم المبادئ الأخلاقية التي تستند إليها الديمقراطية: حرية التفكير، وحرية التعبير.

صارت قضية محمود خليل، الذي قاد نشاطًا طلابيًا مساندًا لغزة وصدر بحقه أمر ترحيل، إلى ما يشبه حكاية الضابط اليهودي- الفرنسي دريفيس، الذي اتهم بالتجسس لصالح الجيش الألماني في العقد الأخير من القرن التاسع عشر.

تستطيع الأكاديميا أن تختار مواضيعها لتتحدث عنها، وبمقدور الثقافة الشيء نفسه.

غير أن تلك الاستطاعة، في السياق الديمقراطي، محكومة بما كان تشومسكي يسمّيه "إطار الحديث" أو "مصنع الإجماع". أي حرية الحركة والقول داخل إطار محدد سلفًا. والتحديد هنا يكون أخلاقيًا وفلسفيًا وحتى لغويًا. الإطار المتعلق بالشأن الإسرائيلي لا يسمح باستخدام أكواد لغوية معينة مثل الهولوكوست والإبادة البشرية، ولا حتى استعارة مصطلح النكبة.

داخل المنظومة الليبرالية تبدو حرية التعبير، بما في ذلك التعبير العلمي الأكاديمي، محدودة وضيقة بطريقة لا تختلف كثيرًا عن نظيرتها في العالم "غير الليبرالي".

ففي العام 1900، قررت جامعة ستانفورد طرد عالم الاجتماع الشهير إدوارد روس؛ بسبب كتاباته الناقدة لأفعال وهيمنة شركة سكّة حديد أميركا، وكانت السكة تنفق أموالًا كثيرة على الجامعة التي يُدرّسُ فيها السيد روس. اختارت الجامعة الهبة المالية على حريّة التعبير.

بعد أكثر من قرن من الزمن، اختارت جامعة كولومبيا، ولفيف واسع من الجامعات المرموقة، الهبات المالية على حساب حريّة التعبير. فالجامعات، داخل السوق الليبرالية الكبرى، حرّة في عطائها الأكاديمي والمعرفي ما لم تقترب من الأسوار التي حددها المانحون "الخيّرون".

فقد وجدت جامعة كولومبيا نفسها أمام حقيقة تقول إنها، إن لم تكبح جماح الطلبة والأساتذة، فستخسر من فورها ما يقارب نصف مليار دولار هي في مسيس الحاجة إليها.

إعلان

في ديسمبر/ كانون الأول من العام الماضي، 2024، نشرت مؤسسة الحقوق الفردية وحرية التعبير FIRE نتائج استطلاعها الواسع تحت عنوان "الصمت في الفصول الدراسية". شمل الاستطلاع 55 مؤسسة أكاديمية أميركية، وما يداني سبعة آلاف أكاديمي أميركي.

يعد ذلك الاستطلاع الأكبر، والأهم، من نوعه حول حرية التعبير في الفضاء الأكاديمي.

من النتائج المثيرة التي كشفتها الدراسة أن 35% من الأكاديميين خففوا من كتاباتهم بسبب الخوف. هذه النسبة تساوي تقريبًا أربعة أضعاف النسبة التي ذكرها علماء الاجتماع عندما تم طرح عليهم السؤال نفسه في العام 1954، في الفترة المكارثية المعروفة بقمع كل أشكال حرية التعبير.

وفيما يخص المسألة الفلسطينية، قال 70% إنهم يمارسون رقابة ذاتية. في جامعة هارفارد، الشهيرة، قال 84% إن خوض نقاش حول الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني مسألة غاية في الصعوبة. وقال أحد أعضاء هيئة التدريس في جامعة كولومبيا لمؤسسة FIRE "لا يخاف المرء من العقاب بقدر ما يخاف من أن يتم حظره أو وضعه في قائمة سوداء. كل شيء يحدث من خلال النميمة والتواطؤ".

الليبرالية فكرة حول السوق، وهي فلسفة تذهب إلى تسليع كل شيء بما في ذلك حريّة التعبير والحقوق الفردية. وبما أن السوق الليبرالية صارت أكثر تعقيدًا مما كانت عليه في خمسينيات القرن الماضي، فإن القيم الليبرالية التي تقع على هامش السوق، مثل حرية التعبير، ومدونة الحقوق الفردية، صارت من التعقيد بمكان حتى إنه ليصعب تخيّل وجودها في أحيانٍ كثيرة.

رسم تشومسكي حرية الصحافة على نحو كاريكاتيري عامر بالدلالة. فالصحيفة تعيشُ على الإعلانات، كمصدر دخل مركزيّ، وليس بمقدورها أن تدّعي غير ذلك. من أجل أن تحصل على حقوق الإعلانات عليها أن تقنع المُعلن أنها تتمتع بمقروئية عالية، أي لديها ما يكفي من الجماهير. في النهاية فهي تبيع القراء إلى المُـعلن، ثم تبيع بضاعة المُعلن إلى القراء.

إعلان

داخل هذه العملية التبادلية النفعية يصعب تخيل الصحيفة كوسيلة لنقل الحقيقة. إنها تسالعٌ بين طرفين بعيدين كل البعد عن قيم التعبير والحقيقة. ثمّة أمثولة ألمانية تقول "حين تقرأ الصحيفة فأنت لا تعلم ما يدور في العالم، وإنما ما هو مكتوب في الصحيفة".

خلال عامي الحرب على غزة شوهد إعلاميون غربيون، على ضفتي الأطلسي، وهم يرتعدون لأن ضيفًا استخدم تعبيرًا لغويًا من خارج الإطار، بلغ الأمر حد طرد الضيف أو إهانته. كانت غزة اختبارًا صعبًا لكل الادعاءات الأخلاقية في الشمال العالمي.

مع عودة الحرب على غزة ذهبت حرية التعبير في الطريق الذي تفضله دائمًا: التجاهل. يعتبر التجاهل، أو الإهمال، وسيلة ليبرالية أصيلة لتجنب الوقوع في إرباك أخلاقي. فليس من حق حرية التعبير أن تتسبب في الإضرار بالمصالح.

تمثل الحرب على غزة مصلحة إسرائيلية، ومن أكثر من وجهٍ فإن إسرائيل هي مشروع غربي، بالمعنيين الديني والسياسي. تجاوز المشهد في غزة في فظاعته المستوى الذي لاحظته محكمة العدل الدولية قبل عام حين قالت في بيانها إنه يمثّل إبادة بشرية قيد التنفيذ.

نادرًا ما تجرؤ وسيلة إعلامية غربية على توضيح سبب انهيار وقف إطلاق النار، أو الاقتراب من حقيقة تقول إن إسرائيل قتلت أثناء الهدنة 150 مواطنًا فلسطينيًا، مقابل التزام فلسطيني شامل ببنود الهدنة.

عمدت المؤسسات الديمقراطية الغربية إلى قلب الحكاية رأسًا على عقب، وبذلك أنجزت هدفها الرئيسي: الصمت المطبق تجاه جريمة بمستوى تاريخي، كما لاحظ أوين جونس في مقالته على الغارديان. سأنهي هذه المقالة بتساؤل جونس في مقالته: "ماذا لو تحدث كل من يعلم أن شرًا مروعًا يُرتكب؟ سيستقيل الوزراء من الحكومات.

ستتصدّر جرائم إسرائيل عناوين الصحف والنشرات الإخبارية، وستُوصف بشكل صحيح على أنها جرائم شنيعة تستوجب تحركًا عاجلًا لإيقافها.

إعلان

ستصبح المطالب بفرض حظر على الأسلحة وعقوبات على إسرائيل أمرًا لا يمكن تجاهله. وبدلًا من أن يتعرض مناهضو الإبادة الجماعية للملاحقة والتشهير، سيكون المتواطئون فيها هم من يُقصَون من الحياة العامة".

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات رمضان الإبادة البشریة جامعة کولومبیا حریة التعبیر ة التعبیر ما فی ذلک انهیار ا فی سیاق على غزة

إقرأ أيضاً:

الصين أم الغرب.. من المسؤول الأكبر عن تغير المناخ؟

بين النظرة التاريخية للمسؤولية عن انبعاثات غازات الدفيئة وصعود قوى اقتصادية جديدة ودول صناعية ناشئة ودور الشركات والعامل الديمغرافي، تطرح مسألة المساهم الأكبر عن التغير المناخي على الكوكب، لكن العامل الأساسي يبدو مرتبطا بالثروة والاستهلاك والرفاهية.

أسهمت أغنى دول العالم تاريخيا بأكبر قدر في ظاهرة الاحتباس الحراري. وتتحمل 12 دولة فقط، بما في ذلك الولايات المتحدة وكندا واليابان وأستراليا ومعظم دول أوروبا الغربية، مسؤولية 50% من جميع الغازات التي تسبب الاحتباس الحراري والتي تنبعث من الوقود الأحفوري والصناعة منذ عام 1850م.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2تلوثه يسبب 7 ملايين وفاة.. كيف تقاس جودة الهواء؟list 2 of 2دراسة تؤكد: الطيور تتنفس جسيمات البلاستيكend of list

وخلال الـ170 عاما الماضية، ارتفعت درجة حرارة الأرض بنحو 1.1 درجة مئوية، وهذا أدى إلى موجات حر أشدّ فتكا، وفيضانات، وجفاف، وحرائق غابات. وقد طلبت الدول الأفقر والأكثر تضررا من الدول الغنية المزيد من الأموال لمساعدتها على التكيف مع هذه المخاطر.

منذ الثورة الصناعية التي قامت على الوقود الأحفوري زادت نسبة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون خصوصا في الدول الغربية (شترستوك) المقاربة التاريخية

ورغم أن هذه الدول تمثل 12% فقط من سكان العالم اليوم، إلا أنها بدأت التصنيع في وقت أبكر من معظم بقية العالم، وبالتالي فهي تحرق النفط والغاز والفحم للحصول على الطاقة لفترة أطول من أي دولة أخرى.

وباعتماد هذه المقاربة التاريخية في قياس المسؤولية عن الاحتباس الحراري الحالي، ينظر الخبراء إلى الانبعاثات طوال أكثر من قرن ونصف، لأنه بمجرد وجود ثاني أكسيد الكربون وغازات الدفيئة الأخرى في الهواء، يمكن أن يؤثر على الغلاف الجوي لقرون.

أما اليوم، فتعد الصين أكبر مصدر للانبعاثات في العالم بفارق كبير، حيث تمثل ثلث ثاني أكسيد الكربون للبشرية من الطاقة والصناعة في عام 2022. ومع ذلك، فهي مسؤولة عن 14% فقط من جميع انبعاثات الغازات التي تسبب الاحتباس الحراري منذ عام 1850.

إعلان

وهناك أيضا طرق أخرى للنظر إلى المسؤولية. فحتى داخل بلد واحد، تعتمد "البصمة الكربونية" للشخص، وهي كمية انبعاثات غازات الاحتباس الحراري الناتجة عن نمط حياته، عادة على الدخل والثروة والمستوى المعيشي.

ففي الولايات المتحدة، وفقا لأحد التحليلات، ينبعث من أعلى 10% من أصحاب الدخل ما يقرب من 75 طنا من ثاني أكسيد الكربون للشخص الواحد سنويا، بينما ينبعث من أدنى 50% من أصحاب الدخل حوالي 10 أطنان للشخص الواحد.

وعلى سبيل المقارنة، ينبعث من أعلى 10% من أصحاب أعلى الدخل في الصين حوالي 36 طنا للشخص الواحد، بينما يبلغ متوسط ​​النصف الأدنى من أصحاب الدخل 3 أطنان للشخص الواحد.

ولا تحسب المسؤولية عن الانبعاثات من منظور تاريخي فحسب. فهناك مقياس رئيسي آخر يتمثل في معدل الانبعاثات للفرد وعدد السكان. فعلى سبيل المثال، أنتجت الهند ككل حوالي 7% من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية عام 2021، وهو ما يعادل تقريبا ما أنتجته دول الاتحاد الأوروبي وحوالي نصف الولايات المتحدة.

وفي المقابل نجد أن عدد سكان الهند يفوق بكثير عدد سكان المنطقتين مجتمعتين، وهي أفقر بكثير، حيث يفتقر مئات الملايين من الناس إلى إمكانية الحصول على الكهرباء بشكل موثوق. ونتيجة لذلك، أصبحت انبعاثاتها للفرد أقل بكثير اليوم.

أدى التغير المناخي إلى زيادة الاحترار وانتشار الجفاف خصوصا في بلدان الجنوب (شترستوك) الجنوب يدفع الثمن

وغالبا ما يفضل دعاة حماية البيئة التركيز على الشركات الكبرى ومنتجي الوقود الأحفوري أنفسهم، إذ تجد أحدث البيانات أن أكثر من 70% من الانبعاثات العالمية منذ عام 1998 يمكن إرجاعها إلى النفط والغاز والفحم الذي باعته 100 شركة فقط.

وفي المقابل، يشير آخرون -معظمهم من المناهضين لنظرية التغير المناخي- إلى أن هذه الشركات لم تتصرف بمفردها، بل هي توفر حاجات المجتمع الاستهلاكي وقد اشترى العالم بالفعل منتجاتها وأحرقها.

إعلان

ورغم أن كل إنسان على كوكب الأرض يتحمل مسؤولية إلى حد ما تجاه ظاهرة الاحتباس الحراري، تشير المعطيات إلى أن أكبر الملوثين دولا وأفرادا ومستهلكين هم أقل من يعاني من مخاطر تغير المناخ، كما أن الأقل تلويثا لكوكب الأرض هم الأكثر تأثرا بعواقب عالمنا المتغير.

ويأتي انسحاب الولايات المتحدة من تمويل صندوق الخسائر والأضرار الذي تم الاتفاق عليه في مؤتمر المناخ للأمم المتحدة "كوب 28″ (Cop28) بالإمارات العربية المتحدة عام 2023 كتكريس لما بات يعرف بـ"اللاعدالة المناخية".

وضمن هذا الاتفاق تعهدت الدول المتقدمة، الأكثر مسؤولية عن أزمة المناخ، بتعويض الدول النامية جزئيا عن الأضرار التي لا رجعة فيها الناجمة عن الاحتباس الحراري العالمي، لكن الاتفاق تعثر أيضا ولم تسدد معظم تلك الدول مساهماتها المفترضة.

مقالات مشابهة

  • حملة مسعورة للإعلام الصهيوني على عُمان
  • إسرائيل تدمر مئات المنازل.. إعلان مخيم جنين غير صالح للسكن
  • تعرف على القنابل الخمسة التي تستخدمها إسرائيل في إبادة غزة
  • كيف نزع ترامب القناع عن عملية التغليف التي يقوم بها الغرب في غزة؟
  • خبير: إسرائيل تريد إرساء حرية العمل العسكري لها بلبنان
  • الحكومة البريطانية تؤكد حرية شركاتها في الاستثمار بالصحراء المغربية
  • بدر: يبدو ان خطة جعل موقع رئيس الحكومة برتبة وزير أول تسير بخطى ثابتة
  • شوقي علام: تصحيح صورة الإسلام في الغرب يتطلب الاعتدال في الفتوى
  • «الكتاب العرب» يرفض إعلان إسرائيل التهجير الطوعي لسكان غزة
  • الصين أم الغرب.. من المسؤول الأكبر عن تغير المناخ؟