سلط الباحث في الجامعة العسكرية الأمريكية، إيلان فوكس، الضوء على المفاوضات التي تجريها الولايات المتحدة الأمريكية مع السعودية وإيران وتداعياتها على الشرق الأوسط، في إطار استهداف الرئيس الأمريكي، جو بايدن، لتحقيق بعض الإنجازات في الشؤون الخارجية قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة.

وذكر فوكس، في تحليل نشره بموقع الجامعة وترجمه "الخليج الجديد"، أن المفاوضات تشير إلى أن البيت الأبيض أدرك أن الصين حققت تقدمًا في الشرق الأوسط، وأن تعاون الطرفين اقتصاديا بوابة لتعاون سياسي لاحق.

وأضاف أن العلاقات بين السعودية والولايات المتحدة توترت بعد اغتيال الصحفي، جمال خاشقجي، على يد المخابرات السعودية عام 2018 وإدانة بايدن العلنية للجريمة، وعدم وجود رد أمريكي على هجوم مسيرات حوثية، مدعوم من إيران، على حقول النفط السعودية، مشيرا إلى أن الرياض تعيد حسابات علاقتها مع الولايات المتحدة.

لكن اتفاق التطبيع الإيراني السعودي بوساطة صينية دفع ذلك بايدن إلى التراجع عن موقفه المناهض للمملكة، وأجبره على إعادة الانخراط بطريقة أكثر جدوى مع دول الشرق الأوسط.

وتأتي المفاوضات الأمريكية المكثفة بعد أن التقى ولي العهد السعودي الأمير، محمد بن سلمان، قبل أسبوعين، مع جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي الأمريكي، بجدة في محاولة لتسريع المحادثات حول تفاصيل المطالب السعودية من الولايات المتحدة نظير التطبيع مع إسرائيل، وعلى رأسها دعم تطوير برنامج نووي مدني وتقديم ضمانات أمنية صارمة.

وتركز هذه المفاوضات على التزام الولايات المتحدة بالأمن السعودي، وتريد الرياض أن تكون واشنطن واضحة بشأن هذا الالتزام، خاصة بعد الصمت الأمريكي تجاه الهجوم الحوثي على حقول النفط السعودية، والذي تم تنفيذه بدعم وموافقة إيرانية.

كما تتضمن المحادثات المساعدة الأمريكية في إنشاء برنامج نووي مدني وأخيراً التوصل إلى اتفاق سلام مع إسرائيل، على افتراض أن إسرائيل ستقدم تنازلات للسلطة الفلسطينية.

ويبدو أن هذا الطريق يكتسب زخما، حسبما يرى فوكس، مشيرا إلى أن موقع أكسيوس أورد أن بايدن يدرس عقد اجتماع مع بن سلمان خلال قمة مجموعة العشرين، التي ستعقد في نيودلهي الشهر المقبل.

اقرأ أيضاً

موقع: تقارب السعودية وإيران.. الصين انتصرت على أمريكا في غرب آسيا

تفاهم غير رسمي

وفي المقابل، ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن محادثات سرية جرت بين إيران والولايات المتحدة، مشيرة إلى الاقتراب من "تفاهم غير رسمي" بدلاً من الاتفاق النووي (خطة العمل الشاملة المشتركة) لعام 2015، الذي أعلن الرئيس الأمريكي السابق، دونالد ترامب، انسحابا أحاديا منه.

وبحسب الصحيفة الأمريكية، فإن التفاهم يشمل التسامح مع تخصيب إيران لليورانيوم بنسبة 60% وفك تجميد أموال عائدات النفط الإيرانية المجمدة في حسابات البنوك الكورية الجنوبية، وتبادل للمعتقلين، يتضمن إطلاق سراح عدد من الإيرانيين الأمريكيين المحتجزين بسبب اتهامات بالتجسس.

وتقوم قطر بتيسير المحادثات بين الولايات المتحدة وإيران، فيما بعثت إقالة روبرت مالي، المبعوث الأمريكي السابق لإيران، من هذه المحادثات، برسالة إلى طهران مفادها أن إدارة بايدن ستكون أقل ودية مع المطالب الإيرانية في المستقبل، بحسب فوكس.

وأسفرت النتيجة المباشرة للمناقشات عن إطلاق سراح 5 سجناء إيرانيين أمريكيين ووضعهم رهن الإقامة الجبرية. وبافتراض استمرار تقدم المحادثات، فقد يُسمح لهؤلاء السجناء بالعودة إلى الولايات المتحدة.

تجميد الأموال

وتصل قيمة الأموال الإيرانية المجمدة إلى 6 مليارات دولار، "كانت موجودة في حساب مقيد في كوريا الجنوبية"، وستصبح، حال إبرام التفاهم، متاحة بسهولة أكبر لـ"التجارة غير الخاضعة للعقوبات" لسلع مثل المواد الغذائية"، أو نقلها إلى "حساب مقيد في بلد آخر".

وسبق أن أوردت شبكة CNN  أن "مصدرا أمريكيا قال إن هذا لن يمنح أموالا جديدة لإيران، مشيرا إلى أن هذه الأموال موجودة حاليا في حسابات كوريا الجنوبية ويمكن استخدامها لأغراض إنسانية وتجارة غير خاضعة للعقوبات".

ومن المتوقع أن يكون هناك مقابل لتبادل المعتقلين في الصفقة المحتملة، على الرغم من أن المصدر الأمريكي قال إنه "لن يتم إطلاق سراح أي سجناء محتجزين في الولايات المتحدة مقابل انتقال المعتقلين الأمريكيين إلى الإقامة الجبرية".

اقرأ أيضاً

الوساطة الصينية الناجحة بين السعودية وإيران تضع أمريكا باختبار صعب

أهمية التفاوض

وهنا يشير فوكس إلى أن أحداث السنوات القليلة الماضية غيرت من مكانة الولايات المتحدة، وبعد الانهيار الكارثي للحكومة المدعومة من الغرب في أفغانستان واستمرار الخطاب الانعزالي الذي حظي بشعبية كبيرة في الخطاب السياسي الأمريكي، رأت روسيا والصين في هذا التغيير فرصة لاكتساب المزيد من النفوذ على الساحة العالمية.

وأضاف أن روسيا حاولت اكتساب المزيد من الهيمنة العالمية من خلال غزوها لأوكرانيا، ودفعت ثمنا باهظا مقابل ذلك.

وعلى النقيض، كانت الصين أكثر حذراً، وأصبحت بكين أكثر عدوانية، من الناحية السياسية، تجاه تايوان، ونشطت في ساحات إقليمية جديدة، بما في ذلك الشرق الأوسط.

لكن التوصل إلى حل مع كل من إيران والسعودية سيمنح البيت الأبيض العديد من الإنجازات قبل انتخابات عام 2024.

فمن شأن الاتفاق مع السعودية أن يوازي اتفاقيات إبراهيم، التي اعتبرها ترامب إنجازا لعهده، وربما يمنح بايدن جائزة نوبل للسلام، في توقيت مهم انتخابيا.

ومن شأن ذلك أن يُظهر للناخبين الأمريكيين أن الفشل النسبي للغرب في وقف حرب الاستنزاف في أوكرانيا سيقابله تهدئة التوترات في الشرق الأوسط من قبل الإدارة الحالية.

كما يرى فوكس أن التفاوض مع إيران والسعودية من شأنه أن يسمح للولايات المتحدة أيضا بالحفاظ على تدفق أرخص أكثر استقراراً للنفط الخليجي، كما أنه سيحد من نفوذ الصين المتزايد في المنطقة.

ومع ذلك، ينوه فوكس إلى أهمية فهم أي تفاهم غير رسمي مع إيران باعتباره "ذي صلاحية محدودة"، إذ يظل تردي الأوضاع في النظام الديني الإيراني محتملا، مشيرا إلى أن "هذا النظام أثبت أنه مستعد لمواصلة جهوده النووية وتجاهل التزاماته بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة".

ويخلص فوكس إلى أن الخطاب الشعبوي حول ضرورة انعزال الولايات المتحدة عن قضايا الشرق الأوسط لم يكن واقعيا، وأن استقرار الدولار، باعتباره الحاكم للاقتصاد العالمي، يعني أن الولايات المتحدة لديها مصالح عالمية ويجب عليها حتماً العمل المشترك مع دول أخرى مثل السعودية وإيران.

اقرأ أيضاً

تركي الفيصل: أمريكا ليست وسيطا نزيها لتأمين صفقة بين السعودية وإيران

المصدر | إيلان فوكس/الجامعة العسكرية الأمريكية - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

المصدر: الخليج الجديد

كلمات دلالية: السعودية إيران جو بايدن دونالد ترامب الاتفاق النووي الولایات المتحدة السعودیة وإیران الشرق الأوسط

إقرأ أيضاً:

الشرق الأوسط..تشكلٌ جديدٌ

التاريخ ليس صدفةً، وأحداثه ليست خبط عشواء، ولكنه بين رابح منتصر وخاسر مهزوم، وفي عام ونيفٍ تغير وجه منطقة الشرق الأوسط كلياً، فما بعد 2024 ليس كما قبلها على كل المستويات، خبت محاور إقليمية وصعدت محاور أخرى، سقط «اليسار الليبرالي» المتطرف في أمريكا والغرب، وصعد اليمين المحافظ، ورجع ترامب لقيادة أمريكا على الرغم من كل ما صنعه اليسار الليبرالي وآيديولوجيته العابرة للحدود.


مطلع الثمانينات، دولياً، حدثت حرب أفغانستان والاتحاد السوفياتي، ووقفت السعودية بقوةٍ مع حق الشعب الأفغاني ومع أمريكا حتى انتصر الشعب الأفغاني، وإقليمياً حدثت ثورة الخميني و«تصدير الثورة»، لكنها انطفأت الآن وتراجعت.
مطلع التسعينات حدث انفجارٌ سياسيٌ وعسكريٌ إقليمياً ودولياً، قاده صدام حسين باحتلاله الكويت، وشكلت السعودية تحالفاً دولياً مع أمريكا ألحق به هزيمةً منكرةً، فاضطر راغماً إلى الخروج من الكويت... وتجرع العراق مرارات الهزيمة والإذلال بفعل عنجهيةٍ حمقاء تنتمي لتاريخ مضى من خطابات القومية والبعث في التاريخ العربي الحديث.
في مطلع الألفية الجديدة، وبعد عقدٍ من الزمان تحركت خلايا «تنظيم القاعدة» ونفذت جريمة 11 سبتمبر (أيلول) في عام 2001 بأمريكا، واختارت القاعدة بوعيٍ من قياداتها وبتوجيه من الدول الداعمة لها إقليمياً أن تجعل غالبية المشاركين في العملية من السعوديين لإحداث شرخٍ في العلاقة التاريخية، ولكن البلدين استطاعا تجاوز الأزمة بالعقلانية والواقعية السياسية، وفشلت «القاعدة» وفشل داعموها.
وفي مطلع العشرية الثانية من الألفية الجديدة جرت أحداث الربيع العربي الأسود، ووقفت السعودية وحلفاؤها في وجهه ورفضته وسعت لاستعادة الدولة المصرية من خاطفيها وعادت مصر لشعبها وجيشها، وتحرك اليمن وكان علي عبد الله صالح مشهوراً بالرقص مع الأفاعي، ولكن رقصته الأخيرة أودت به، لأنه رقص مع الحوثي ضد عمقه العربي في السعودية ودول الخليج، والحوثي باع نفسه ووطنه ودولته وشعبه للأجنبي.
كانت السعودية دائماً مع حق الشعب الفلسطيني، حتى في أحلك الظروف، ولكن الشأن الفلسطيني شأن الشعب الفلسطيني نفسه، وإذا لم تنته «حماس» من حكم غزة ولم ينته «حزب الله» نهائياً من السيطرة على لبنان، ولم تنته «الحوثية» من حكم اليمن، نهائياً ودون مثنوية، فإن اللعبة الغربية الطويلة في الشرق الأوسط ستستمر، وإن بعناوين جديدةٍ ووجوهٍ مختلفة.
في السياسة، لكل بائع مشتر، وإذا كان ترامب مستعداً للبيع فالسعودية مستعدة للشراء، ومصالح البلدين تحكم كلًّا من الطرفين، وصفقات كبيرة وكثيرة في التاريخ والواقع تتم على مبدأ (الفوز للطرفين)، وهذه الصفقة المليارية الضخمة هي لخدمة أجندة السعودية ومشاريعها وقوتها ومستقبلها بعيداً عن أي مغامراتٍ غير محسوبة العواقب تتم في المنطقة، وخطابات المزايدات الشعاراتية رأت الشعوب العربية كيف أودت بدولها واستقرارها وأورثتها استقرار الفوضى.
القيادة السعودية الشابة، قيادةٌ استثنائية ومتحفزةٌ للعمل والإنجاز والنجاح، وهي تنجح في جميع المجالات بشهادة العالم بأسره، وأكثر من هذا؛ أنها تحسن التعامل السريع مع المتغيرات، فالتغيير السريع في السياسية مهارةٌ وفنٌ لا يتقنه إلا الساسة المحترفون وهو أصلٌ تحكمه الجدة وسرعة التفاعل والحيوية المستمرة، وهو شأن السياسيين لا شأن الباحثين والكتاب.
لا تكاد الأجيال السعودية الجديدة تملك نفسها من الفرح العارم الذي يسيطر عليها كل يومٍ، مع كل إنجازٍ ونجاحٍ وتفوّقٍ، داخلياً وتنموياً وإقليمياً ودولياً، بحيث لم تعد دولتهم وحلفاؤها بحاجة للاستمرار في عقودٍ من ردود الفعل، بل هي تشارك في صنع الأحداث وتشكيل الحاضر والمستقبل، وكل هذا نتيجة الرؤية الثاقبة والعمل الدؤوب والمتقن.
محورٌ إقليميٌ معادٍ للعرب دولاً وشعوباً تهاوى، ومحورٌ إقليميٌ آخر يعمل بإمرة الدول الغربية ولخدمتها يعيد تشكيل نفسه وبناء أولوياته، ولكن الذي يجب أن يفكر فيه الباحث والمحلل هو أن غالب الأحداث تصب في مصلحة الدول العربية المتوثبة للمستقبل، وهي بعد لم تستخدم كل عناصر قوتها وما كان لهذا أن يحدث لولا وحدة القرار وشمولية الرؤية وسرعة التفاعل.
أخيراً، فإن التوازن واحدٌ من أهم مفاهيم السياسة، يستطيع المحلل من خلاله إدراك الكثير من المتغيرات وعدم الانجراف معها يميناً أو شمالاً، وهو عاصمٌ في الفكر والسياسة من الحماسة والتهور، ومن التراخي والدعة في الآن نفسه.

مقالات مشابهة

  • 800 عارض من 40 دولة في «ميدلاب الشرق الأوسط»
  • الرئيس الشرع: سوريا في قلب العالم وهي دولة مهمة ولها مصالح متبادلة مع كل دول العالم
  • ترامب.. والذين معه!
  • فوكس نيوز: دعوات لإدارة ترامب بوقف تمويل الجيش اللبناني على خلفية تعاونه مع حزب الله
  • ترامب: هناك تقدم في المحادثات حول الشرق الأوسط
  • مفاجأة قطرية تقلب الموازين في غزة
  • ترامب: تقدم في المحادثات حول الشرق الأوسط
  • وفد كبير من حماس يزور روسيا غدا
  • وزير الدفاع الأمريكي يعقّب على نتائج الضربة في الشرق الأوسط بعد صدور أمر ترامب
  • الشرق الأوسط..تشكلٌ جديدٌ