مساجد مضاءة وموائد تلم الشمل.. رمضان في الشيشان صيام يجمع وفطر يوحد
تاريخ النشر: 27th, March 2025 GMT
في قلب جبال القوقاز الشمالية، حيث تتناغم الروحانيات الإسلامية مع نسيم الطبيعة الخلابة، يعيش مسلمو جمهورية الشيشان شهر رمضان المبارك بقلوب مفعمة بالخشوع والأمل، وفي الشهر الفضيل يتحول الزمن إلى لحظات من التأمل والتقرب إلى الله، حيث تتردد أصداء الأذان بين القمم الشاهقة، داعيةً المؤمنين إلى الصيام والصلاة وقراءة القرآن، وتتزين المساجد بأنوار خافتة تعكس السلام الداخلي، وتنبعث من البيوت روائح الخبز الطازج والأطباق التقليدية التي تحمل في طياتها عبق التاريخ والترابط الأسري.
في الشيشان يبدأ اليوم قبل الفجر بوجبة السحور التي تجمع العائلات حول موائد بسيطة تحمل الأطعمة المحلية مثل «تشيبلاك» وهي عبارة- فطائر محشوة بالجبن أو اللحم - وهي تعبير عن الوفرة والبركة، وعند الإفطار، تمتلئ الموائد بالشوربات الدافئة واللحوم المشوية، ولا تخلو من الحلويات التقليدية التي تُعد بعناية لتعكس روح الاحتفال. يحرص الشيشانيون على مساعدة الفقراء، حيث تُوزع الصدقات والطعام في الأحياء، تجسيدًا لقيم التكافل التي يعززها رمضان.
مع حلول العشر الأواخر، تشتد العبادة وتتضاعف الآمال في ليلة القدر، وتمتلئ المساجد بالمصلين الذين يقضون لياليهم في الدعاء والتسبيح، بينما يؤدي البعض طقوس «الذكر» الجماعي، وهي ممارسة صوفية متجذرة في التقاليد الشيشانية، تعكس ارتباطهم العميق بالإسلام السُني على المذهب الشافعي، ومع اقتراب عيد الفطر، تتحول الأجواء إلى استعدادات مبهجة؛ تشتري العائلات الملابس الجديدة، وتُزين البيوت بالأضواء والزهور، ويُعد الأطفال لاستقبال "العيدية" والهدايا.
في صباح العيد، يتجمع الشيشانيون في المساجد، وعلى رأسها مسجد «قلب الشيشان» في جروزني، لأداء صلاة العيد، حيث يرتدي الرجال الزي التقليدي «الشركسي» بينما تزدان النساء بالأوشحة الملونة، وبعد الصلاة، تمتلئ الشوارع بأصوات التهاني «عيد مبارك»، وتبدأ زيارات الأهل والأصدقاء، حيث تُقدم الحلويات مثل «الخلفا» والشاي الساخن، فالعيد في الشيشان ليس مجرد احتفال، بل هو تجسيد لروح المحبة والتسامح التي تميز هذا الشعب الذي عانى من ويلات الحروب، لكنه ظل متمسكًا بإيمانه وتقاليده.
تقع الشيشان في جنوب غرب روسيا، ضمن منطقة القوقاز الشمالي، وهي جمهورية ذات أغلبية مسلمة تتبع المذهب الشافعي مع تأثيرات صوفية قوية، خاصة من طريقتي القادرية والنقشبندية، يبلغ عدد سكانها حوالي 1.5 مليون نسمة، وتتميز بتاريخ طويل من المقاومة والصمود، خاصة خلال الحربين مع روسيا في التسعينيات وأوائل الألفية، يشكل نظام «التايب» (العشائر) العمود الفقري للمجتمع، حيث يعزز الترابط الاجتماعي والدعم المتبادل.
تتأثر عادات الشيشان بالإسلام والتقاليد القوقازية؛ ففي رمضان، يُحيون الليالي بجلسات «الذكر»، وهي طقوس صوفية فريدة تميزهم عن غيرهم من المسلمين، كما يُعرف الشيشانيون بكرم الضيافة، حيث يُعتبر استقبال الضيوف جزءًا من هويتهم، خاصة في المناسبات الدينية، أما في عيد الفطر، فتُعد الأطباق التقليدية مثل «هينغالاش» (فطائر بالقرع أو الجبن) رمزا للوحدة، وتُوزع على الجيران كتعبير عن المودة.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: جبال القوقاز الشيشان شهر رمضان المزيد
إقرأ أيضاً:
برامج رمضان إلى أين؟!
ماذا حدث لبرامج رمضان -وما بعد رمضان- بعد أن كانت في الماضي تتسم بالتسلية الخفيفة دونما ابتذال، والمعلومة المفيدة دونما تقعر ولا تحدب، وأكثر من هذا وذاك المهنية الرفيعة المستوى، يدعم هذا ويحققه كتيبة من المذيعين والمذيعات على مستوى رفيع المستوى.
وقد تحقق ذلك بالتلفزيون والإذاعة المصرية على حد سواء، فكان على سبيل المثال برنامج للمذيع اللامع طارق حبيب، أعتقد اسمه "نجوم على الهوا"، والطريف في هذا البرنامج أنه كان يعقد مقارنات بين النجوم وبعضها البعض، فوجدنا قامات بحجم زكي طليمات ويوسف وهبي يطرحون نفس السؤال على كل واحد منفصلا، ونرى الإجابات التي لم تكن مجرد إجابة بقدر ماهي موسوعة معرفية كاملة.
ونجد برنامجا لنفس المذيع بعنوان "أوتوجراف" وفكرته البسيطة والرائعة، هي استضافة أحد نجوم الحياة المصرية في كافة المجالات، وينتهي البرنامج بكتابة الضيف كلمة في أوتوجراف البرنامج، وهي غالبا لها سمت معرفي إنساني رفيع.
وهناك برنامج "يا رمسيس يا" الذي برغم تحفظنا عليه بعض الشيء لكنه بالقياس للغث والرديء الذي يبث الآن على مرأى ومسمع من الجميع؛ يصبح بمثابة أسطورة.
وهناك برنامج "مسابقات النجوم" الذي يساهم ولو بقدر بالمعرفة الفنية للمشاهد، فالبرنامج يقدم فريقين، كل فريق يختار اسم فيلم ويبدأ في تجسيده بالتمثيل الصامت، والفائز هو من يعرف أو يخمن اسمه.
هذه بعض من برامج بعد الإفطار، أما برامج قبل الإفطار، فكانت تتنوع بين الديني وفن الطبخ، فكان برنامج الشيخ الشعراوي قبل الإفطار الذي حقق جماهيرية جارفة على مدار سنين طويلة، وكذلك البرامج التقليدية عن فن الطبخ وإعداد طبق اليوم للمائدة الرمضانية، وكذلك برنامج "مسحراتي" الذي يأتي قرب أذان الفجر إيذانا بالسحور الرمضاني، كانت هذه البرامج برغم بساطتها البادية، إلا أنها كان لها عظيم الأثر في تكوين الوعى الجمعي لأجيال متلاحقة، لأنها كانت تحمل المعلومة مهما بلغت في إطار من التسلية والمتعة دونما افتعال ولا ركاكة ولا صريخ ولا عويل ولا ادعاء فج وثقل ظل لا يحتمل، لقد كانت مائدة رمضان في السابق عامرة ببرامج بسيطة في شكلها، لكنها دسمة في مذاقها.
أما الآن فنرى برامج ذات ميزانيات كبيرة مبالغ في تقديرها وإمكانات تقنية متطورة، ومع كل هذا نجد خواء بالمحتوى إلى حد السفه، وكأن أصحاب هذه البرامج شغلهم الشاغل جمع الأموال بأي حساب وعلى أي حساب، ولهذا نجد برامج هذه الأيام لا طعم لها ولا لون ويغلب عليها السطحية والارتجال الفج أو الاستسهال المعيبُ الذي لا نقبله أبدا والذي نشبهه بالوجبة السريعة الفاسدة المدمرة ذات المذاق البلاستيكي.
ولهذا نطمح أن تعود مائدة منوعات وبرامج رمضان -وما بعد رمضان- بكامل دسمها، فما أحوجنا وأحوج الأجيال الجديدة لها.