مفاوضات الرياض بين روسيا والولايات المتحدة خطوة مُبشرة الى الأمام
تاريخ النشر: 26th, March 2025 GMT
مارس 26, 2025آخر تحديث: مارس 26, 2025
رامي الشاعر
ما أعلن عنه الكرملين بأن التفاصيل “الفنية” للمحادثات الروسية الأمريكية لن تنشر، وأن نتائج المفاوضات بين الوفدين الروسي والأمريكي في الرياض لن تنشر. فأن السبب في ذلك يعود لأن الاتصالات بين الوفدين كانت تحمل “طابعا تفصيلياً فنياً”، ولن ينشر محتواها، وقد أعيدت التقارير الصادرة عن المحادثات التي استمرت زهاء 12 ساعة إلى العاصمتين موسكو وواشنطن، ويجري تحليلها، وعندها فقط “سيكون من الممكن الحديث عن بعض التفاهمات” الا انه يمكنني القول وبأختصار بأن العديد من القيود التي كانت مفروضة على روسيا قد تم الاتفاق على رفعها بل وتعهدت الولايات المتحدة بأنها سوف تساعد روسيا في أمور عديدة تتعلق برفع تلك القيود.
نقلت “بلومبرغ” كذلك، نقلا عن مصدر، أن وفدي الولايات المتحدة وأوكرانيا يناقشان الآن، بعد مغادرة الوفد الروسي مساء أمس عقب انتهاء المحادثات، وقف إطلاق النار في البحر الأسود.
بدوره صرح ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بأن المحادثات الروسية والأمريكية في الرياض ركّزت على قضية سلامة الملاحة في البحر الأسود، مؤكدا ضرورة وجود ضمانات واضحة لأي اتفاق جديد بشأنها، وقال، في حديثه للقناة الأولى الروسية، إن “ما تمت مناقشته في الرياض (الاثنين)، كان كما اتفق الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والأمريكي دونالد ترامب، قضايا الملاحة الآمنة في البحر الأسود في المقام الأول”.
وعاد لافروف للتذكير بأن ما أدى إلى فشل مبادرة البحر الأسود المرة السابقة كانت “ألاعيب الغرب”، الذي كان يستغل المبادرة لمصالحه الشخصية، دون اعتبار القضايا الملحة للأمن الغذائي لدول إفريقيا والجنوب والشرق العالميين. وأكد لافروف على رغبة روسيا في أن تكون سوق الحبوب والأسمدة “قابلة للتنبؤ”، و”ألا يحاول أحد إبعاد روسيا عن هذه الأسواق”.
في السابق كانت الموانئ الغربية ترفض استقبال السفن الروسية، وشركات التأمين ترفض التأمين على السفن الروسية، والبنوك ترفض التعامل مع البنوك الروسية لتسوية صفقات الحبوب. بالتالي كان الجزء الأول فقط من الصفقة، الخاص بتأمين صادرات أوكرانيا من الحبوب هو ما ينفض، أما ما يخص روسيا، فكان يتم إهماله وتجاهله والتسويف بشأنه.
إنها القصة المكررة مئات المرات بينما يقول الغرب شيئا، وما ينفذ على أرض الواقع شيء آخر، هو ذات الأمر في اتفاقيات مينسك التي اعترف بوروشينكو الرئيس الأوكراني السابق والمستشارة الألمانية السابقة ميركل والرئيس الفرنسي السابق هولاند بأن أحدا منهم لم يكن يعتزم تنفيذ هذه الاتفاقيات، وإنما كانت “مجرد ذريعة” لاكتساب الوقت لتسليح أوكرانيا، وإعدادها “للحرب”.
لهذا، لا ينبغي علينا أن نتوقع أن يكون الحوار بين موسكو وواشنطن من السهولة بحيث يمكن التوصل إلى توافق أو تناغم في غضون أسابيع أو حتى أشهر. فحتى لو تطورت العلاقات بين البلدين إلى أعلى مستوياتها من التعاون والتفاهم، وحتى الصداقة، فيجب أن يدرك الجميع أن جوهر المشكلة الأساسية تكمن في الجذور التاريخية للأزمة وانعكاساتها على الوضع الراهن.
لقد قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، في حديث سابق له مع مدونين أمريكيين، إنه من الصعب أن يتوافق شخصان بنسبة 100%، فما بالك بالعلاقات بين الدول، لكن، والحديث للافروف، يجب على الدول أن تبحث عن مناطق التطابق في بعض المصالح، وأن تبذل قصارى جهدها لتطوير هذه المساحات المشتركة، ووضع المشاريع الاقتصادية ومشاريع البنى التحتية موضع التنفيذ للبناء على التوافقات، وعندما لا تتطابق المصالح، يتعين على الدول المسؤولة، لا سيما النووية، ولا سيما القوى العظمى، أن تفعل كل ما بوسعها لمنع هذه التناقضات من التصعيد إلى مواجهة.
لذلك، فإنه من المفهوم والمعلوم والواضح أن المصالح بين روسيا والولايات المتحدة لا تتطابق من حيث المبدأ، ومن حيث رغبة الولايات المتحدة ونهجها الذي لم يتغير بعد في الإبقاء على الهيمنة الأحادية على العالم، أما روسيا فتسعى لحماية أمنها القومي من تمدد “الناتو”، الذي وصل إلى حدودها الغربية، التي كان هتلر ومن قبله نابليون قد تعدوا عليها، وكلنا نعرف بقية القصة ومصير قواتهما والحروب والمعارك التي يدرسها طلاب العلوم الاستراتيجية والعسكرية في جميع أنحاء العالم.
أساس الخلاف هو تلك الأوهام الأمريكية من جهة، والمخاوف الروسية المشروعة من جهة أخرى، وطالما لم تتنازل الولايات المتحدة عن أوهام الاستمرار في السعي نحو الهيمنة، وتهديد الأمن القومي الروسي، وإضعاف روسيا، ومحاولة الضغط عليها، أو إملاء إرادة تقف أمام مصالحها، بما في ذلك ما يتعلق بمسار مجموعة “بريكس” التي تضم دولا تبلغ قيمة الناتج المحلي الإجمالي لها أكبر من مجموعة الدول العشرين، فإن ترامب أو بايدن أو أي رئيس أمريكي سابق أو لاحق لن يصلوا إلى أي نتيجة من حوارهم مع موسكو.
ربما استوعب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فيما يبدو، استحالة هزيمة روسيا في أرض المعركة، وما يمكن أن تجلبه هذه المعركة من صدام نووي مرعب للجميع، وأتمنى أن يكون قد استوعب بالتزامن استحالة الاستمرار في سياسات الهيمنة على العالم، كما واستحالة إيقاف مسيرة التاريخ الحتمية نحو نظام عالمي متعدد الأقطاب، وحق الشعوب والدول في تقرير مصيرها واستقلاليتها واستخدام ثرواتها ونظام تطورها وأمانها من أي تهديد خارجي أو تلاعبات استخباراتية داخلية من خلال عناصر أمنية مزروعة.
لهذا، فقد يكون ما يحدث من استعادة المسار الدبلوماسي بين روسيا والولايات المتحدة هو أمر إيجابي، وبالفعل فإن طريق الألف ميل يبدأ بخطوة، إلا أن الطريق طويل وصعب وشاق، ويتطلب الاتفاق ليس فقط التقاط الصور التذكارية والابتسامات الصفراء أمام عدسات الإعلام في المؤتمرات الصحفية، وإنما اتباع نهج عقلاني ومنطقي في المفاوضات الشاقة (مثل تلك التي استمرت 12 ساعة في الرياض!)، بحيث يتفهم الجانب الأمريكي أن ميثاق الأمم المتحدة كتب بدماء الشعوب، ودفعت البشرية من أجله أرواح عشرات الملايين من المحاربين والمدنيين في حرب ضروس، نشأت على أنقاضها هيئة الأمم المتحدة، وأن مبادئ حق وحرية الشعوب في تقرير مصيرها، واحترام السيادة والأمن للدول بصرف النظر عن موقعها الجغرافي أو حجمها أو ناتجها المحلي الإجمالي هي أسس ذلك الميثاق الذي يتعين على العالم أجمع احترامه والانصياع له.
ولهذا السبب يطرح السؤال نفسه بشأن معنى وجود حلف مثل حلف “الناتو” عقب تفكك حلف “وارسو”، لا سيما أن عقيدة “الناتو” وفقاً لما تقوله المستندات هي عقيدة “دفاعية” لا هجومية. بصيغة أخرى: أي تهديد تمثله روسيا بالنسبة لأوروبا يجعل من السيدة أورسولا فون دير لاين، رئيسة المفوضية الأوروبية تقترح خطة “طموحة” بمبلغ 800 مليار يورو، ورفع ميزانية الدفاع للدول حتى 5% من الناتج المحلي الإجمالي، أليست تلك عسكرة واضحة للقارة الأوروبية، في الوقت الذي لا تملك فيه روسيا أي نوايا، وهو الواضح من جميع البيانات الاستخباراتية وبيانات الأقمار الصناعية العسكرية لحلف “الناتو”، للهجوم أو تهديد أي من دول أوروبا؟
إن الفارق بين حقيقة البيانات والمعلومات التي يمتلكها الغرب، وتحديداً ما يعرفه الخبراء العسكريون المحترفون، وبين تصريحات السياسيين المتهورين أمثال السيدين ماكرون وستارمر، هو تحديداً ما ينبغي على الولايات المتحدة أن تتحرك ضده، وإلا فإن ما نفهمه هو أن ترامب ليس سوى امتداد لبايدن، ولكن تحت لافتة وشعارات براقة مختلفة. على أرض الواقع، التصعيد مستمر، وأوكرانيا ماضية على خط العدوان، وأوروبا من ورائها، ولا نعلم لماذا لا تتحرك القيادة في واشنطن لوقف أوكرانيا ومن ورائها أوروبا عند حدودها، والجلوس حقا إلى طاولة المفاوضات على أسس ومبادئ واضحة وشفافة.
لقد جرى الحديث في الرياض بين الوفدين الروسي والأمريكي، ثم الأوكراني الأمريكي حول أمن الملاحة في البحر الأسود. لا بأس، إذا تمكنت الأطراف من التوصل إلى اتفاق ما يضمن للأطراف مصالحها دون تلاعب أو مراوغات، ما يمكن أن يشكل أساسا لمفاوضات مستقبلية بشأن تسوية ما، أو وقف إطلاق نار ما. لكن ما يحدث على الأرض حتى الآن لا يدفع إلا نحو حذر مشوب بالقلق.
لسان الحال الروسي يقول: “خدعنا مراراً، ولن نخدع هذه المرة أيضاً”.
المصدر: وكالة الصحافة المستقلة
كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی البحر الأسود فی الریاض
إقرأ أيضاً:
"المعتقلون الأشباح" في روسيا: التحقيقات التي كلفت فيكتوريا روشينا حياتها
فينياس رويكرت مع تيتيانا برييماتشوك
أعلنت السلطات الأوكرانية عن وفاة الصحفية فيكتوريا روشينا أثناء احتجازها لدى روسيا في أكتوبر 2024، وذلك بعد أشهر من الاعتقال السري أولاً في المناطق الأوكرانية الخاضعة للاحتلال الروسي، ثم في أحد السجون الروسية، وفي فبراير 2025، أعيد جثمانها إلى وطنها.
أجرى فريق « فوربيدن ستوريز » (قصص محظورة) تحقيقاً موسعاً في ظروف احتجاز روشينا وملابسات وفاتها، والتي جاءت في أعقاب رحلتها الصحفية إلى منطقة زابوريجيا، حيث كانت تسعى إلى توثيق شهادات المدنيين الأوكرانيين المحتجزين بشكل غير قانوني من قبل القوات الروسية.
النتائج الرئيسيّة:* أعيدت جثة روشينا إلى أوكرانيا في فبراير 2025؛ وقد ظهرت على الجثة آثار تعذيب وأعيدت من دون بعض الأعضاء.
* نجح فريق « فوربيدن ستوريز » (قصص محظورة) في التواصل مع مصدرين في قضية روشينا داخل المناطق الأوكرانية الخاضعة لسيطرة روسيا، إضافة إلى مديرتها التي أكدت أنها سافرت إلى زابوريجيا للتحقيق في عمليات تعذيب المدنيين في مراكز احتجاز غير رسمية.
* باشرت روشينا بإعداد قائمة بأسماء المسؤولين الروس عن عمليات الاعتقال والتعذيب، بما في ذلك عملاء جهاز الأمن الفيدرالي الروسي.
في فبراير 2025، أعادت روسيا إلى أوكرانيا 757 جثة عبر شاحنات إلى مشارح مختلفة لفحصها الجنائي. في الـ 25 من الشهر نفسه، بدأ محققو الطب الشرعي في مشرحة مدينة فينيتسا (غرب وسط أوكرانيا) بفحص عشرات الجثث التي تسلموها من الجانب الروسي. من بين تلك الجثث كانت هناك واحدة مختلفة.
جاءت آخر جثة في كيس طبي أبيض، كتب عليها بخط يدوي عبارة « NM SPAS 757″، وهو اختصار روسي مشفر بمعنى (ذكر لم يُذكر اسمه، تلف شديد في الشرايين التاجية، جثة رقم 757). وعند فتح الكيس، وجدوا كيسا أسود يحوي جثة امرأة شابة. ورغم الحالة السيئة للرفات، تمكّن المحققون من العثور على علامة صغيرة مثبتة في قصبة الساق اليمنى، مكتوب عليها « روشينا، ف. ف ».
بعد أشهر من عدم اليقين لدى عائلتها والتعتيم الذي مارسه الجانب الروسي، أُعيد جثمان الصحفية الأوكرانية فيكتوريا روشينا. لا ينبغي أن يُفاجئنا إدراج جثة روشينا كونها امرأة، في عملية تبادل أسرى الحرب التي كان معظم المشاركين فيها من الذكور، فقد كان مسارها استثنائياً بعيداً عن المألوف.
في صيف عام 2023، سافرت روشينا إلى منطقة زابوريجيا الأوكرانية الخاضعة للاحتلال الروسي، لإعداد تقرير عن ظروف احتجاز الأوكرانيين في السجون الروسية. ولكن تفاصيل ما جرى في الأشهر التالية بقيت غامضة رغم الجهود المضنية لعائلتها لكشفها. فقد اختفت في غشت 2023، وأُودعت لأكثر من عام في مركزين للاحتجاز ، قبل الإعلان عن وفاتها داخل الأسر في أكتوبر 2024.
تمثّل إعادة رفات روشينا إلى أوكرانيا نهاية سلسلة طويلة من التساؤلات والآمال الزائفة حول الصحفية الأوكرانية الوحيدة المعروفة حتى الآن التي فارقت الحياة في الأسر الروسي.
وفي رسالة موجهة إلى « فوربيدن ستوريز » (قصص محظورة)، أكد المدعي العام الأوكراني بأن رفات روشينا عاد إلى أوكرانيا، مستنداً في تأكيده إلى تطابق الحمض النووي بنسبة 99.9 في المئة مع عينات مأخوذة من أفراد مقربين من أسرتها، وكشف عن وجود علامات تعذيب واضحة على الجثمان.
وبحسب يوري بيلوسوف، رئيس وحدة جرائم الحرب في مكتب المدعي العام الأوكراني، فإن فحص الطب الشرعي كشف وجود علامات متعددة للتعذيب وسوء المعاملة على جسد روشينا، شملت سحجات ونزيفاً في مناطق مختلفة من الجسم، وكسور أضلاع، وإصابات في الرقبة، إلى جانب ما قد تكون علامات لتعذيب بصدمات كهربائية على قدميها.
وأضاف بيلوسوف أن الجثة أعيدت وعليها آثار تشريح أُجري قبل وصولها إلى أوكرانيا، وكانت تفتقد بعض الأعضاء، ما قد يشير إلى محاولة إخفاء سبب الوفاة، وقد يرقى ذلك إلى جريمة حرب إضافية.
وفي اتصالنا بوالد فيكتوريا ومحاميها، قالا إنهما ينتظران تحاليل إضافية من الطب الشرعي، ولا يعترفان بالتحليل الأولي.
عاملون في اللجنة الدولية للصليب الأحمر يساعدون في إعادة جثث 757 جندياً أوكرانياً في صورة نُشرت في 14 شباط/فبراير 2025 (مصدر الصورة: مقر تنسيق معاملة أسرى الحرب، تيليغرام)
شكل إعلان وفاة فيكتوريا روشينا في أكتوبر 2024 نقطة انطلاق مشروع « فيكتوريا »، إذ قام فريق « فوربيدن ستوريز » (قصص محظورة) برحلتين إلى أوكرانيا على مدى ثلاثة أشهر، متعاوناً مع 45 صحفيا/ة من 13 وسيلة إعلامية، لتتبّع مسار روشينا داخل الأراضي الأوكرانية المحتلة وداخل روسيا. كما تابع فريق « فوربيدن ستوريز » -الذي يكرّس جهوده لمتابعة عمل الصحفيين الذين يتعرضون للقتل أو السجن أو التهديد- عمل روشينا غير المكتمل حول « المعتقلين الأشباح » في روسيا، والذين يُقدّر عددهم بين 16,000 و20,000 مدني زُجّوا في شبكة من مراكز الاحتجاز والسجون غير الرسمية.
وبحسب سيفجيل موساييفا، رئيسة تحرير صحيفة « أوكراينسكا برافدا » الإلكترونية التي تعمل فيها روشينا، فإنها كانت المراسلة الوحيدة التي غطت أخبار المناطق الأوكرانية المحتلة، وكان عملها بالنسبة لها مهما: « كانت الجسر الذي يربط بين أوكرانيا وتلك الأراضي وقدمت معلومات هامة عن الحياة هناك. بعد اختفائها، لا توجد تغطية لما يحدث ».
كانت روشينا قد توجهت إلى الأراضي الأوكرانية الخاضعة للاحتلال الروسي لتوثيق قصص هؤلاء « المعتقلين الأشباح »، لكنها سرعان ما أصبحت واحدة منهم.
لا يمكن سرد قصة اختفاء روشينا الأخيرة إلا من خلال ومضات متفرقة، وشهادات غير مباشرة، وتخمينات مبنية على عدد من المعارف؛ شخص يعرف آخر، الذي بدوره يعرف ثالثاً. كلمات ترددت عبر جدران السجون، وذكريات ضبابية لمصادر مجهولة، وأب يائس.
تبدأ قصة روشينا في قلب المنطقة الصناعية جنوب شرقي أوكرانيا، في زابوريجيا.
تمتد هذه المنطقة على مساحة 27 ألفاً و183 كيلومتراً مربعاً، من بحر آزوف حتى ضفاف نهر دنيبر. عام 2022، ضمّت القوات الروسية نحو ثلثي هذه المساحة بشكل غير قانوني. اليوم، تقع زابوريجيا المحتلة خلف ضباب كثيف من خط جبهة راكد، مع قيود مشددة على تدفق المعلومات.
خريطة منطقة زابوريجيا، توضح مناطق الاحتلال خلال الهجوم الجنوبي للغزو الروسي لأوكرانيا، اعتباراً من غشت 2022.
تحتفظ أوكرانيا بالسيطرة على الجزء الشمالي من الإقليم، بما في ذلك المناطق المحيطة بمدينة زابوريجيا، فيما يمتد الاحتلال الروسي عبر كامل الجزء الجنوبي، بما يشمل مدينتي ميليتوبول وبرديانسك الرئيسيتين.
وُلدت فيكا -كما يناديها أهلها وزملاؤها- عام 1996 في مدينة زابوريجيا، عاصمة المحافظة التي تحمل الاسم ذاته، بعد نحو خمس سنوات من انتهاء حقبة الاتحاد السوفييتي. وخلال إحدى رحلاتها الصحفية التأسيسية قبل الغزو الروسي، تناولت قضية جنائية بارزة في مدينة بيرديانسك الساحلية، التي أصبحت تحت الاحتلال الروسي. وبحسب رئيسة تحريرها، سيفجيل موساييفا، كانت فيكا منجذبة بشكل خاص للتغطية في الأراضي المحتلة.
مبنى سكني يضم مركزاً للخدمات الإدارية في زابوريجيا بعد القصف الروسي في شتنبر 2022. (المصدر: المديرية الرئيسية لخدمة الطوارئ الحكومية في منطقة زابوريجيا أوبلاست/ zp.dsns.gov.ua)
مبنى سكني بعد الهجوم الروسي في أكتوبر 2022 (المصدر: الشرطة الوطنية الأوكرانية/ npu.gov.ua)
ربما كان هذا هو الدافع وراء استمرارها في السفر، حتى بعد الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا عام 2022. ففي الفترة بين فبراير 2022 يوليو 2023، سافرت إلى الأراضي -التي تسيطر عليها روسيا في جنوب شرق أوكرانيا- أربع مرات على الأقل، وفقاً لموساييفا. وخلال إحدى هذه الرحلات، في مارس 2022، اعتقلتها أجهزة الاستخبارات الروسية واحتجزتها في بيرديانسك لمدة أسبوع.
عند عودتها من تلك الرحلة، ناشدها محرروها وزملاؤها وأفراد عائلتها بالتوقف وعدم السفر إلى هناك، لكنها أصرت على الاستمرار. في يوليو 2023، وبعد نحو عام ونصف من اندلاع الحرب، شرعت فيكا -التي كانت حينها في السادسة والعشرين- في الإعداد لرحلة صحفية أخرى، وبحلول ذلك الوقت، كانت رؤيتها قد اتضحت تماماً.
تقول موساييفا: « ناقشنا الأماكن التي قد يتعرض فيها الأوكرانيون للتعذيب، وأعطتني رؤيتها الخاصة للموضوع، أرادت العثور على تلك الأماكن والأشخاص المعنيين. »
مصدر الصورة: courtesy of hromadske
أكد مصدران التقيا فيكا في تلك الفترة أنها كانت تنوي التحقيق في آليات الاحتجاز الروسية عبر عدة مدن في زابوريجيا. يروي أحدهما، الذي التقاها مرتين في 2023، أنها كانت متوترة بشأن تحقيقها. ويقول « ميكولا » -تم تغيير اسمه لأنه لا يزال يعيش في المنطقة- لفوربيدن ستوريز: « كانت منغلقة. لم تقل الكثير. لا أعرف ما الذي كانت تخشاه، ربما من أن تلتقطها كاميرات الفيديو أو شيء من هذا القبيل ».
قام « ميكولا » بتوصيل « فيكا » في جولة حول مدينة « بيرديانسك » الساحلية، بما في ذلك إلى مطعم على شاطئ البحر حيث كانت تعتقد أن عملاء وضباط جهاز الأمن الفيدرالي الروسي يقصودنه. وعندما كانت فيكا تخطط للعودة إلى المنطقة، أرسلت له رسالة نصية تطلب منه أن يوصلها إلى إنرهودار، على بعد أكثر من 200 كيلومتر شمال بيرديانسك. لكنه رفض هذه المرة متذرعاً بعدم امتلاكه جواز سفر روسياً.
أولغا، مصدر آخر تمكنت فوربيدن ستوريز من التحدث إليها، وقدمت لنا المزيد من التفاصيل. وفي شهادة حصرية، أكدت السيدة -البالغة 59 عاماً من بلدة صغيرة على شواطئ بحر آزوف، وطلبت أن يُكتفى بذكر اسمها الأول فقط- التقدم الذي أحرزته فيكا في التحقيق. ووفقاً لرواية أولغا، بدأت فيكا في جمع قائمة بأسماء عملاء جهاز الأمن الفيدرالي الروسي.
تقول أولغا: « كانت تخبرني عن تجربتها في الأسر، وتسألني عن كل شيء، وأدركت أن لديها الكثير من المعلومات، وقاعدة بيانات خاصة بها، عن عملاء جهاز الأمن الفيدرالي الروسي ».
التقت أولغا بالصحفية فيكا للمرة الأولى في عام 2019. وبعد الغزو، ورغم المخاطرة الكبيرة، بدأت أولغا بإرسال صور لفيكا من الأراضي المحتلة. التقتا مرة واحدة وجهاً لوجه في صيف 2022 عند محطة الحافلات في بيرديانسك، ثم خططتا للقاء ثانٍ في نونبر من نفس العام، إلا أن فيكا اضطرت فجأة للعودة إلى أوكرانيا لأسباب أمنية.
ورغم فشل لقائهما، ظلّت فيكا وأولغا على اتصال حتى عام 2023. وفي صيف ذلك العام، تواصلت فيكا مع أولغا مجدداً، طالبة مساعدتها في التواصل مع بعض المصادر داخل الأراضي المحتلة.
وبحلول أواخر يوليوز بدأت فيكا بتنفيذ خطتها، متجهة من كييف إلى بولندا عبر حافلة صغيرة، حيث التقط هاتفها إشارة برج اتصالات تابع لشركة بولندية بعد الساعة الثانية ظهراً.
وفي اليوم التالي، 26 يوليوز، عبرت الحدود إلى روسيا من خلال نقطة تفتيش لودونكا، وفقاً لسجلات عبور الحدود التي اطلع عليها فريق « فوربيدن ستوريز ».
مصدر الصورة: courtesy of hromadske
من تلك اللحظة، بات تتبع مسار فيكا أكثر صعوبة. يُرجح أنها توجهت جنوبا عبر الأراضي الروسية للوصول إلى زابوريجيا المحتلة. ووفقاً لوثائق عبور الحدود التي ملأتها عند دخولها روسيا، كانت ميليتوبول هي وجهتها المعلنة.
لكنها سافرت أولا إلى إنرهودار عن طريق ماريوبول، بحسب تحقيق مصوّر نشرته في مارس وسائل إعلام أوكرانية من بينها « سليدستفو إنفو »، و »سوسبيلني »، و »غراتي »، بالشراكة مع « مراسلون بلا حدود ».
في أوائل غشت، بعثت فيكا رسالة أخرى إلى ميكولا أثناء تواجدها في بيرديانسك، أخبرته فيها بنيتها العودة إلى المدينة الساحلية خلال أسبوعين. ثم انقطعت اتصالاتها تماماً، وتوقفت عن الرد على أي رسائل.
في 12 غشت، أعلنت السلطات الأوكرانية عن اختفاء فيكا. وفي الشهر التالي، تقدمت عائلتها ببلاغ رسمي إلى الشرطة ومكتب أمين المظالم. بدأت أجهزة الاستخبارات الأوكرانية التحقيق، لم يتم تحديد مكان فيكا مجدداً إلا في أبريل 2024 أي بعد مرور ثمانية أشهر. كانت آنذاك محتجزة داخل روسيا، بحسب بيان صادر عن وزارة الدفاع الروسية تم إرساله إلى والدها.
التفاصيل حول ما جرى لفيكا منذ آخر رسالة نصية أرسلتها في غشت 2023 شحيحة ومتناقضة أحياناً. ومع ذلك، تشير الأدلة أولاً إلى أن فيكا كانت تخطط لإجراء تحقيق حول مراكز التعذيب الروسية في مدينة إنرهودار المحتلة. هذه المدينة صغيرة، لكنها بالغة الأهمية الاستراتيجية بفضل احتضانها محطة الطاقة النووية، وبحسب ما أفادت به أولغا. لا يبدو أن فيكا تمكنت من التقدم كثيراً في تحقيقها.
وبحسب إفادة رسمية أدلت بها إحدى زميلات الزنزانة لاحقاً، كانت فيكا تعتقد أن طائرة من دون طيار رصدتها في إنرهودار بعد أن تركت حقيبة ظهرها في الشقة التي استأجرتها. وأخبرت رفيقتها في الزنزانة بأنها احتُجزت « لعدة أيام » في مركز شرطة إنرهودار، الذي كان يُستخدم آنذاك « لتصفية » المدنيين الأوكرانيين المشتبه بمقاومتهم للاحتلال.
لم تتمكن « فوربيدن ستوريز » من التأكد بشكل مستقل من تفاصيل الاعتقال. وتواصلنا مع رفيقة الزنزانة السابقة، لكنها لم ترغب في الرد على أسئلتنا.
يقول ديمتري أورلوف، عمدة إنرهودار السابق، الذي يعيش الآن في المنفى، لـ « فوربيدن ستوريز » إنه من غير المرجح أن تكون فيكا قد رُصدت بواسطة طائرة من دون طيار. وأشار إلى أن المراقبة بالفيديو التي تديرها قوات الاحتلال الروسية قد تكون هي الوسيلة التي تم من خلالها التعرف عليها، لكنه لا يملك أي دليل على ذلك.
ما هو مؤكد بدرجة أكبر هو أن فيكا نُقلت من إنرهودار إلى ميليتوبول، المدينة التي تزعم روسيا أنها عاصمتها الإقليمية منذ ضم المنطقة بشكل غير قانوني في عام 2022. هناك، تفيد شهادتان بأن فيكا احتُجزت في مركز تعذيب واحتجاز غير رسمي يُعرف محليا باسم « المرائب ».
يقع « المرائب » في منطقة صناعية تحت جسر يربط بين الجزء القديم والجديد من مدينة ميليتوبول، وأصبح « المرائب » سيئ السمعة بسبب المعاملة اللاإنسانية التي يتعرض لها المحتجزون فيه. يقول أحد السكان، وهو قريب لأحد السجناء، إن معظم سكان ميليتوبول يعرفون شخصاً كان محتجزاً في تلك الأماكن وتعذب هناك. ويضيف أن « صرخات الرجال والنساء على حد سواء » يمكن سماعها من ذلك الجزء من المدينة.
من المرجح أن فيكا لم تسلم من التعذيب، وربما تعرضت للأشغال الشاقة القسرية أثناء احتجازها، بحسب يفغيني ماركيفيتش، وهو أسير حرب أوكراني التقى فيكا لاحقاً. يقول ماركيفيتش لأحد أعضاء فريق فوربيدن ستوريز، مُتكهنا بما يمكن أن تكون قد تعرضت له، رغم أنه لم يكن محتجزاً في نفس المكان: « لقد تم جلدها وتعذيبها على قدم المساواة مع الجميع هناك في ميليتوبول ».
وفي شهادتها للسلطات الأوكرانية، أكدت رفيقة فيكا السابقة في الزنزانة هذا الأمر، قائلة إن فيكا كانت تعاني من ندوب تبدو كجروح سكين على يديها وإصابات أخرى.
لم تكن ميليتوبول سوى مرحلة واحدة في مسار دخول فيكا متاهة نظام السجون الروسية. ففي نهاية شتنبر، تم نقلها إلى الشرق، إلى مدينة روسية على ضفاف بحر آزوف، أصبحت في ذلك الوقت مرادفاً لأعنف أنواع المعاملة التي يمكن تخيلها: تاغانروغ.
مصدر الصورة: courtesy of hromadske
بعد أشهر من الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا، في ماي 2022، فتح مركز احتجاز سابق للأحداث أبوابه أمام أسرى الحرب الأوكرانيين. هذه القلعة المسوّرة في تاغانروغ، التي تم طلاء جدرانها بلون أخضر قرمزي، هو مركز احتجاز الأحداث (SIZO-2).
في SIZO-2، يتعرض الجنود الأوكرانيون للضرب المبرح عند وصولهم، وهي عملية تعرف باسم « الاستقبال »، لدرجة أن أربعة منهم سقطوا قتلى على الفور، بحسب معلومات قدمها مصدر في الاستخبارات الأوكرانية. ويزعم أنه حتى خريف 2024، لقي 15 سجيناً أوكرانياً حتفهم في هذا المركز.
هنا قضت فيكا، ما يقرب من تسعة أشهر، من أواخر دجنبر 2023 حتى أوائل شتنبر 2024. كانت تتقاسم زنزانة صغيرة مع ثلاث مدنيات أخريات، وفقاً لماركيفيتش، التي كانت زنزانته تقع على بعد بابين فقط من زنزانتها. يتذكر ماركيفيتش أنه كان يسمع صوت فيكا أثناء التفتيش اليومي للغرف، وغالباً ما كانت تصرخ في وجه الحراس. يقول ماركيفيتش: « كانت تصفهم بـ (الجلادين والقتلة). شخصيا، كنت معجباً بها. لم يكن أحد منا هكذا. لم يكن بإمكان أي شخص أعرفه أن يفعل ذلك بنفسه. لم تكن تخشى الموت ».
يفغيني ماركيفيتش، أسير حرب سابق في تاغانروغ مع فيكتوريا، (مصدر الصورة: مقر تنسيق معاملة أسرى الحرب).
في تاغانروغ، يمتلك السجانون تفويضاً مطلقا لتنفيذ جميع أشكال سوء المعاملة والقسوة، وهو ما لم تفلت منه فيكتوريا روشينا على الأرجح. وصف عشرة معتقلين سابقين لـ »فوربيدن ستوريز » المنشأة التي تم فيها إضفاء الطابع المؤسسي على التعذيب، إذ رووا ما تعرضوا له من ضرب وصعق بالكهرباء وتعليقهم رأساً على عقب لفترات طويلة، وغيره من أشكال المعاملة العنيفة والمهينة.
وبحسب ميخائيلو شابليا، وهو أسير حرب كان محتجزاً في تاغانروغ وأُطلق سراحه في شتنبر 2024، فقد طُلب من المحققين أن يتمادوا في تعذيب السجناء إلى أقصى حدود الألم لدرجة قد تؤدي إلى قتلهم. وعندما تعلق الأمر بفيكا، أشار إلى أنهم بالغوا في تعذيبها. ويقول: « أنهم مهتمون بأن يكون السجناء على قيد الحياة، ولكن في حالة سيئة للغاية، إبقاء السجين على قيد الحياة، هو وسيلة لإجراء عملية تبادل ».
بحلول صيف 2024، كانت صحة فيكا تتدهور، ولم تكن تأكل. في تلك المرحلة، نُقلت إلى المستشفى. وقالت رفيقتها في الزنزانة في إفادة للسلطات الأوكرانية: « كانت في حالة صحية سيئة لدرجة أنها لم تستطع حتى رفع رأسها عن الوسادة ».
وأكد ذلك معتقل سابق آخر قابل فيكا في تاغانروغ. يقول: « لم يكترثوا بها حتى شعرت بحالة سيئة تماماً، وعندها أخرجوها بطريقة ما ». ويضيف: « جاء طبيب وفحصها وأدخلوها إلى المستشفى. لا أحد يعرف أين. عادت وأجبروها على تناول الطعام عبر الحقن الوريدي ».
في أواخر غشت 2024، بعد أشهر عدة على دخول فيكا المستشفى، رن هاتف فولوديمير روشين من رقم روسي. عندما فتح الخط، سمع صوت ابنته فيكا للمرة الأولى منذ أكثر من عام.
قال فولوديمير إن فيكتوريا كانت تتحدث الروسية وليس الأوكرانية، ما يعني أنها لم تكن وحدها. تحدث إلى « فوربيدن ستوريز » في مقابلة من كريفي ريه، المدينة الصغيرة في شرق أوكرانيا حيث لا يزال يعيش على أصوات الصواريخ الروسية التي تطلق من وراء الحدود مع روسيا. يقول فولوديمير: « لقد وعدتني بالعودة إلى الوطن في شتنبر ».
في المحادثة القصيرة التي تلت ذلك، شجع فولوديمير وزوجته فيكا على تناول الطعام. وأكدت فيكا لوالديها أنها ستفعل ذلك؛ ثم ودعتهما. وعندما حاول فولوديمير معاودة الاتصال بالرقم، تلقى رداً آلياً.
وبحسب يفجينيا كابالكينا، محامية العائلة، فإن المكالمة كانت نتيجة مفاوضات « رفيعة المستوى » بين الجانبين الروسي والأوكراني. وبالنسبة للعائلة، بدا أن المكالمة كانت تنذر بقرب إطلاق سراح فيكا.
وقالت مديرتها موساييفا إنها تحدثت مع صحفي أجنبي علم من مصادر استخباراتية أن فيكا سيطلق سراحها في عملية تبادل الأسرى القادمة المقررة في منتصف شتنبر. ولكن بعد ذلك بأسبوعين، عندما عادت حافلة محملة بأسرى الحرب الأوكرانيين إلى كييف، لم تكن فيكا من بينهم.
ومع مرور الأيام، وصولا إلى شهر أكتوبر، بدأ الأمل بالتلاشي. هل يمكن أن تكون فيكا قد اختفت مرة أخرى؟
وفي أكتوبر، تلقى فولوديمير رسالة بالبريد الإلكتروني من وزارة الدفاع الروسية. وبلغة رسمية مقتضبة، كان فحوى الرسالة وفاة ابنته في الأسر الروسي، وتاريخ الوفاة المذكور: 19 شتنبر 2024.
الرسالة الرسمية الروسية التي تعلن وفاة فيكتوريا لوالديها في أيلول/سبتمبر 2024.
في الوقت الحالي، قد تكون القرائن الوحيدة حول سبب وتوقيت وفاتها مكتوبة على الجثة نفسها، وفي همسات المعتقلين السابقين.
عند عودتها، كانت جثة فيكتوريا في حالة يرثى لها؛ فقد جُمِّدت وحُنِّطت. وكانت الكدمات على الرقبة متوافقة مع احتمال وجود كسر في عظمة اللامي، وهو كسر نادر يرتبط عادة بالخنق، بحسب مصدر مطلع على التحقيق الرسمي.
امتنع المحققون الأوكرانيون -حتى تاريخ النشر- عن تقييم سبب الوفاة. ويرجع ذلك، وفقاً للمصدر نفسه، إلى أن جثة فيكا أُعيدت بعد إزالة أعضاء منها، بما في ذلك أجزاء من الدماغ والحنجرة ومقلة العينين، ما يُشير إلى محاولة محتملة لإخفاء سبب الوفاة.
هل يمكن أن تكون فيكا قد خُنقت حتى الموت؟ هل حدث نزيف في دماغها؟ هل حدث خطأ ما في طريق التبادل، أم أن هذه الإصابات قديمة؟
وبحسب مصادر متعددة، تم إخراج فيكتوريا من زنزانتها في 8 شتنبر، أي قبل نحو أسبوعين من تاريخ الوفاة الرسمي. ولكن حتى الآن، لم تتمكن النيابة العامة ولا « فوربيدن ستوريز » من تحديد ما حدث خلال تلك الفترة.
ولم يستجب أي من المسؤولين الروس الذين طلبنا منهم التعليق على طلباتنا حول ما ورد في هذا التحقيق، وهم الكرملين، وجهاز الأمن الفيدرالي، ودائرة السجون الفيدرالية، بالإضافة إلى العديد من كبار المسؤولين في تاغانروغ.
يتذكر المعتقل السابق في تاغانروغ الذي التقى فيكا ذلك اليوم: « بمساعدة سجينة أخرى، سقطت عندما كان من المفترض أن يقوموا بتبادلها ». « بعد ذلك، جاء أحد ضباط الأمن، وقال إن الصحفية لم تصل إلى عملية التبادل وأن الخطأ خطأها ».
ولا يزال فولوديمير روشينا، والد فيكا، متمسكا بالأمل. بينما لا تزال عائلتها ومحاميها ينتظرون إجراء تحليل ثانٍ للحمض النووي، بالإضافة إلى فحوص الطب الشرعي الأخرى.
ويقول: « ما زلت لا أعرف ماذا حدث لها، ولماذا لم يتم إدراجها في عملية التبادل في 13 شتنبر 2024 ». ويضيف: « طوال هذا الوقت تدعمني عائلتي، ونحن نصلي من أجل فيكا ونعتقد أن كل شيء سيكون على ما يرام ».