لا ينسى اليهود من وقف إلى جوارهم ومن وقف ضدهم، فالتاريخ لديهم ليس مجرد أحداث، بل ذاكرة ممتدة تُبنى عليها السياسات والمواقف. ومن بين أهم المحطات التاريخية التي تبرز ذلك، الدور الذي لعبه كورش الكبير، ملك فارس، في دعم اليهود خلال مرحلة السبي البابلي في القرن السادس قبل الميلاد.بعد أن أسقط البابليون بقيادة نبوخذ نصر مملكة يهوذا وسبوا اليهود إلى بابل عام 586 ق.
اليوم، وبعد أكثر من 2500 عام، يبدو أن الدور الفارسي لم يتغير، لكن هذه المرة في ثوب نظام الملالي، الذي يؤدي دوراً محورياً في تهيئة المنطقة لمشروع مملكة داوود أو الشرق الأوسط الجديد.
لم يكن وصول الخميني إلى حكم إيران وليد ثورة شعبية خالصة، بل كان نتاج عملية تجهيز دقيقة أشرفت عليها الاستخبارات الغربية. فبعد أن دعم شاه إيران محمد رضا بهلوي مصر في حرب أكتوبر 1973، قررت القوى الكبرى استبداله بنظام أكثر قدرة على أداء دور مزدوج في المنطقة: خلق العدو الظاهري لإسرائيل، وفي نفس الوقت، تنفيذ مخططات التقسيم والهيمنة من خلال الصراعات الطائفية والمذهبية.
لم يكن اختيار الملالي عبثياً، بل جاء ضمن نفس المنهجية التي جُهِّزت بها جماعة الإخوان المسلمين، حيث تم تدريب الطرفين ليكونا أدوات تغيير الهوية الدينية والثقافية في المنطقة، كلٌّ بطريقته. فالإخوان ركّزوا على اختراق المجتمعات السنية ونشر أفكار تؤدي إلى التفكيك الداخلي، بينما ركّز الملالي على الطائفية وزرع كيانات مسلحة تدين لهم بالولاء.
كما أن بعض الصحف الإيرانية في بدايات الثورة نشرت تقارير تصف الخميني بأنه "العميل"، مشيرةً إلى كيفية إعداده في الخارج ليكون رأس الحربة في تغيير النظام. ورغم رفعه لشعارات معادية للغرب، إلا أن الممارسات التي تبناها نظامه أدت إلى تحقيق أهداف القوى الكبرى في إعادة رسم خريطة النفوذ في المنطقة، وهو ما بدا جليًا في تحركات إيران الإقليمية وتدخلاتها في دول الجوار.
أدت إيران خلال العقود الماضية دورها في نشر الفوضى، لكن كما يحدث دائماً مع الأدوات المؤقتة، يأتي وقت التخلص منها بعد انتهاء المهمة. واليوم، نرى كيف يتم التضييق على أدوات إيران في العراق ولبنان وسوريا وغزة، حيث تتسارع عمليات تصفية النفوذ الإيراني أو تحجيمه، ضمن مخطط إعادة رسم خريطة النفوذ الإقليمي.
لكن رغم ذلك، فإن الصهيونية العالمية لا تريد القضاء على إيران نهائياً، بل تسعى للإبقاء عليها ضمن حدود معينة، تمنحها بعض فتات النفوذ في ظل وجود مملكة داوود المزعومة. فوجود نظام الملالي بحكم ديني يمنح شرعية دينية ليهودية الدولة في إطار الحكم التوراتي، ويخلق توازنًا يخدم المشروع الصهيوني في المنطقة. كما أن إيران، بحكم موقعها وتأثيرها، تُعد البوابة الأهم لتمدد هذه المملكة في آسيا، مما يجعل استمرارها ضرورياً، لكن تحت السيطرة.
إلى جانب ذلك، فإن الإبقاء على إيران كقوة إقليمية مسيطرة يخدم هدفاً آخر بالغ الأهمية، وهو منع أي دولة أخرى في المنطقة من الطموح إلى لعب دور مماثل. فوجود إيران كقوة مهيمنة، مشغولة بصراعاتها الطائفية والتمدد في الدول المجاورة، يعرقل أي إمكانية لظهور قوة إقليمية منافسة، سواء في الخليج أو في العالم العربي.
الأهم من ذلك، أن بقاء إيران قوية يخدم مشروع مقاومة أي نهوض مصري محتمل. فمصر تاريخياً هي القوة الحقيقية في المنطقة، وأي استعادة لدورها القيادي يشكل تهديداً مباشراً للمخططات الغربية والصهيونية. لذا، يتم استخدام إيران كذريعة لإبقاء المنطقة في حالة استنزاف مستمر، تمنع أي دولة - وعلى رأسها مصر - من تحقيق الاستقرار اللازم للنهوض كقوة مستقلة ذات تأثير حقيقي.
قد يبدو الخطاب الإعلامي بين إيران وأمريكا وإسرائيل حاداً، لكن في الواقع، هذا مجرد ديكور سياسي. فإيران ليست العدو الحقيقي للغرب، بل أداة أساسية في تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد.ولعلّ أكبر خدماتها لهذا المخطط هي إجبار دول الخليج على الارتماء في أحضان أمريكا عبر تهديدها المستمر، وتمهيد الطريق لنقل الحماية الأمريكية من الخليج إلى إسرائيل تحت مظلة ما يسمى السلام الإبراهيمي، وتحقيق التقسيم الطائفي والجغرافي في المنطقة، مما يسهل السيطرة عليها لعقود قادمة.
إيران ليست دولة مستقلة في قراراتها، بل أداة تم تصميمها بعناية لإعادة تشكيل المنطقة. وكما كانت فارس القديمة خادمة للمشروع اليهودي في مرحلة السبي البابلي، فإن إيران الحديثة تلعب الدور نفسه في تجهيز الأرض لمملكة داوود المزعومة، حيث تقوم بوظيفة البعبع الذي يخيف الجميع، بينما تُستخدم لتمهيد الطريق لشرق أوسط جديد، تكون فيه إسرائيل القوة المركزية، وإيران الشريك المخادع في إدارة المشهد، بينما تظل القوى العربية مكبلة وممنوعة من أي طموح إقليمي أو دور حقيقي في رسم مستقبل المنطقة.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: إيران جمال رشدي مملکة داوود فی المنطقة
إقرأ أيضاً:
مغادرة أولى رحلات المستفيدين من مبادرة “طريق مكة” من مملكة ماليزيا متجهة إلى المملكة عبر صالة المبادرة في مطار كوالالمبور الدولي
المناطق_واس
غادرت أولى رحلات المستفيدين من مبادرة “طريق مكة” من مملكة ماليزيا اليوم، إلى المملكة عبر صالة المبادرة في مطار كوالالمبور الدولي، متجهة إلى مطار الأمير محمد بن عبدالعزيز الدولي بمنطقة المدينة المنورة، بحضور وزير الشؤون الدينية بمملكة ماليزيا الدكتور محمد نعيم بن مختار.
وتهدف مبادرة “طريق مكة” إلى تقديم خدمات ذات جودة عالية لضيوف الرحمن من الدول المستفيدة منها، باستقبالهم وإنهاء إجراءاتهم في بلدانهم بسهولة ويسر، بدءًا من أخذ الخصائص الحيوية وإصدار تأشيرة الحج إلكترونيًّا، مرورًا بإنهاء إجراءات الجوازات في مطار بلد المغادرة، بعد التحقق من توافر الاشتراطات الصحية، وترميز الأمتعة وفرزها وفق ترتيبات النقل والسكن في المملكة، والانتقال مباشرة إلى الحافلات لإيصالهم إلى مقار إقامتهم في منطقتي مكة المكرمة والمدينة المنورة، بمسارات مخصصة، في حين تتولى الجهات الشريكة إيصال أمتعتهم إليها.
أخبار قد تهمك وزير الصناعة والثروة المعدنية: متانة العلاقات الإستراتيجية بين المملكة ومصر ركيزة لنجاح التكامل الصناعي 28 أبريل 2025 - 11:40 مساءً المملكة تشارك في الدورة الرابعة لمجموعة خبراء الأمم المتحدة للأسماء الجغرافية (UNGEGN) في نيويورك 28 أبريل 2025 - 11:24 مساءًيُذكر أن وزارة الداخلية تنفذ المبادرة في عامها السابع بالتعاون مع وزارات “الخارجية، والصحة، والحج والعمرة، والإعلام”، والهيئة العامة للطيران المدني وهيئة الزكاة والضريبة والجمارك، والهيئة السعودية للبيانات والذكاء الاصطناعي “سدايا”، والهيئة العامة للأوقاف، وبرنامج خدمة ضيوف الرحمن، والمديرية العامة للجوازات.