(1)
ها هو شهر رمضان يلملم أوراقه الأخيرة، ليترك مكانه لزائر كريم آخر، هو العيد، وما أدراك ما العيد، إنه الأيام الثلاثة الأكثر بذخا لدى «بعض» المسلمين، الذين تفـيض موائدهم عن حاجة نصف سكان الأرض، بينما يتضور الكثير الآخر منهم جوعا، وظمأ، يعيشون دون طعام، يأكلون الفتات، ويشربون ماء البحر، ويموتون عطشا، وبردا، صائمون قبل رمضان وبعده، لم يعودوا يفرّقون بين الأيام، ولا يهتمون بالوقت، ولا ينظرون إلى السماء ليعرفوا فـي أي شهر (عربيّ) هم، إنه التناقض المريع الذي يعيشه المسلمون، التشرذم المقيت الذي يحيونه، الإحساس المعدوم الذي افتقدوه بالآخر، يرون، ويسمعون، ويقرأون عن حرب إبادة إخوانهم فـي «غزة» ولا يلتفتون إليهم، بل أصبح بعض العرب أكثر قسوة من عدوهم، يؤيدونه، ويمدونه بالمال والسلاح، ليقضي على «أخوانهم»، تماما كما هي قصة «قابيل وهابيل» الأزلية، لقد أصبحت شعائر الله مجرد عادات، وتقاليد لدى الكثيرين، لا يحرك فـيهم ضميرا، ولا نخوة، ولا رجولة، ولا إنسانية، وتمر عليهم آية «.
(2)
بينما يحتفل الناس بالعيد، بين أهاليهم، هناك من هم يعملون من أجل أن ينعم المواطنون بالراحة، والأمان، والرفاهية أحيانا، هناك رجال الأمن (الشرطة والجيش) الذين يؤمنون بواجبهم الوطني المقدس، والذين يحرسون هذا الوطن، ومن سكن على أرضه، لينعم كل مواطن ومقيم بالهدوء، والسلام، والطمأنينة.
تحية لأولئك الأطباء والممرضين، والمناوبين من رجال الإعلام، والبلديات، وغيرهم من المرابطين على رؤوس أعمالهم، فـي مثل هذه الأيام التي ينتظرها كل فرد، ليعيش بهجة أول أيام العيد مع أهله، وذويه يشاركهم المتعة، والفرحة، ويعيّد على أولاده، وأسرته، وأهله، هؤلاء الذين يضحون بأوقاتهم السعيدة، من أجل الوطن، يستحقون منا كل إجلال، وإكبار.
(3)
فـي المستشفـيات أولئك الذين أنهكهم المرض، وفتّ عضدهم السقم، والذين يعاونون على فراش المشفى، ينتظرون زيارة من ولد، أو زوج، أو قريب، أو بعيد، ينظرون إلى الممرات، وعيونهم مشرعة على أبواب العنابر، علّهم يرون من يخفف عنهم، ويشاركهم فرحته، ويفتح لهم أبواب الأمل، ويعيد إليهم روح التفاؤل، ويرفع من روحهم المعنوية أيام العيد، ويصبّرهم على معاناتهم، مرضى مزمنون، وأمراض فتاكة، ووقت طويل بين الثانية، والثانية، إنهم يستحقون منا بعض الوقت، لزيارتهم، والتخفـيف من معاناتهم، والوقوف معهم أيام العيد.
(4)
هناك النزلاء فـي السجن، الذين يبكون حرقة على ما فرطوا فـي حق أنفسهم، وأسرهم، يحسبون الثواني، والدقائق، ويتلهفون للحظة التي يرون فـيها نور الحرية، أولئك الذين يدفعون ثمن أفعال لم يحسبوا لها حسابا، والذين ضاعت زهرة شبابهم وهم بين جدران السجن، بين حاضر مؤلم، ومستقبل معتم، يغمضون أعينهم كي يروا العالم من جديد، ويفتحون قلوبهم كي يشعروا ببعض الحياة التي تنتظرهم.
هؤلاء يستحقون منا أن نتعاطف معهم، وننتظر فرجهم، ونخفف عنهم، ونسأل الله أن يفرّج كربهم، فتحية لهم، وتحية لرجال الأمن فـي السجون الذين تخلصوا من عقدة «السجين والسجان»، والذين يخففون من معاناتهم، ويتفهمون ظروفهم، ويعايشون تحولاتهم، فلهم كل الأجر، والثناء، والتحية.
(5)
تحية لكل هؤلاء، لكل أم تنتظر ولدها، لكل أب يعمل من أجل أسرته، لكل مغترب ذهب ليؤدي واجبه فـي الخارج، لكل دارس فـي بلاد الدنيا يسعى ليعلي اسم وطنه.. تحية لكل هؤلاء فـي العيد السعيد.. تذكروهم، ولا تنسوهم.
وكل عيد والجميع مؤتلفـين، متآلفـين، يحتفلون مع أحبائهم بسعادة ومحبة.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
“معتقلات الموت”….انتصارات الجيش السوداني تكشف المزيد من فظاعات مليشيا الدعم السريع
” كنا نفقد يومياً أكثر من 50 أسير، ولم نستطع أن نمارس دورنا كأطباء في علاج المرضى”، بهذه العبارات انتشر فيديو الأسير المفرج عنه من الأسر في منطقة جبل أولياء جنوبي العاصمة السودانية الخرطوم دكتور عبد الباقي أحمد محمود، وهو يروي المأساة الإنسانية التي عاشها آلآف المحتجزين قسرياً في سجون مليشيا الدعم السريع بولاية الخرطوم قبل تحريرها بواسطة الجيش السوداني.
وبواصل الدكتور عبد الباقي سرده للقصة الحزينة : “كنا محرومين من أداء العبادات، كما حرمنا من العلاج ولم نستطع أن نمارس حقنا كأطباء محتجزين في إنقاذ المرضى الذين يعانون.”
وتابع: “مليشيا الدعم السريع كانوا ينتظرون وفاة عدد من المرضى ليلقوا حتفهم، وكانوا يدفنون الجثث في مجاري وفي حفر، هذه هي المعاناة التي شهدنها كنا نفقد يوميا مابين 50 إلى 60 أسيراِ.”
ويؤكد عبد الباقي بأن هدف مليشيا الدعم السريع بعد أن ضيق الجيش عليها الخناق هو “نقل الأسرى إلى دارفور لإستعبادنا وكانوا يستخدموننا كعمال لرفع الأسلحة والذخيرة الثقيلة.”
واستطرد :” للأسف هذا ماحدث والحمد لله رب العالمين بانتصار القوات المسلحة ودخولها إلى جبل أولياء انقذتنا، هذا النصر إنقاذ لكرامة السودانيين.”
وكشف عبد الباقي عن أخذ مليشيا الدعم السريع عقب هروبها عبر جسر جبل أولياء عدداِ من الضباط وعلى رأسهم ضابطين رفيعين في الحرس الجهموري و 100 ضابط أخرين إلى دارفور، مضيفا بالقول: “هناك أكثر من ألفي أسير مفقود
ومجهولي المصير ولا ندري عنهم شيئا.”
وبدأ الجيش السوداني صباح اليوم (الجمعة) في نقل عدد من المحتجزين الذين تم إطلاق سراحهم من جبل أولياء إلى مدينة القطينة بولاية النيل الأبيض، ويقدر عدد المفرج عنهم بأكثر من 4 آلاف شخص.
وفي مدينة بورتسودان التقينا برئيس إتحاد ألعاب القوى السوداني وعضو اللجنة الأولمبية السودانية، المعز عباس عقب الإفراج عنه من سجون مليشيا الدعم السريع قبل فترة، وقال المعز لموقع “المحقق” الإخباري: “لا يمكن وصف مايحدث داخل معتقلات مليشيا الدعم السريع سوى أنه مأساة إنسانية، لقد كنا مئات داخل بدروم لا تتوفر فيه حتى مكان قضاء الحاجة.”
سلوك المليشيا
من جانبه قال رئيس تحالف سودان العدالة “تسع” بحر إدريس أبو قردة للمحقق: “الحالة السيئة التي ظهر بها المعتقلون من قبل الميليشيا والمختفون قسريا والأسرى، ليست سلوكاً مستغرباِ من هذه الميليشيا، فسلوك الميليشيا على مدى عقدين من الزمان هو ذاته، وقد رأيتم ما حدث في مدينة الجنينة بولاية غرب دارفور، بدفن الناس أحياء وارتكاب جرائم إبادة جماعية في حق قبيلة المساليت بشكل كامل.”
وزاد بالقول: “ورأيتم انتهاكات الإبادة الجماعية التي حدثت في عدد من قرى ولاية الجزيرة في ود النورة والسريحة، وكل هذه المناطق، بالإضافة إلى فظائع الحاويات التي حرق فيها أعداد غير محصورة من القتلى، و وجد فيها حرق لعدد من المفقودين حتى الان غير معروفين.”
وأشار أبو قردة إلى أن المرحلة القادمة سوف تكشف فظائع كثيرة، موضحاً: “هذه الفظائع المرتكبة من هذه الميليشيا سلوك تعودنا عليه بعد ارتكابها الفظائع في دارفور قبل حوالي عشرين عاما.”
من جانبه قال الخبير القانوني والدستوري دكتور عبدالله درف للمحقق: “شاهدنا الجرائم المروعة التي ارتكبتها هذه الميليشيا في مواجهة المواطنين، والعدد الكبير من الأسرى الذين شاهدناهم بعد خروجهم معتقلات هذه الميليشيا، ونحن كمهتمين بالشأن الانساني كنا نتابع موضوع المعتقلين المدنيين بطرف هذه الميليشيا، وكانت لدينا معلومات أن هناك أكثر من 46 مقر اعتقال في ولاية الخرطوم.”
وأضاف: “استهدفت هذه الميليشيا المواطنين العزل، وارتكبت في مواجهتهم جرائم متعددة من قتل واختفاء قسري والذي يشمل الاعتقال والاحتجاز وتقييد الحرية، وهذه تصنف كجرائم حرب وجرائم ضد الانسانية وفقاً لاتفاقية جنيف 1949، التي تنص على حماية جميع الأشخاص المدنيين في زمن الحرب، وكذلك البروتوكولات الملحقة بهذه الاتفاقية، أيضا الإتفاقية الدولية لحماية الأشخاص المدنيين من الاختفاء القسري لعام 2006، والقانون الدولي الإنساني يجرم مثل هذه الجرائم التي ترتكب في مواجهة المواطنين العزل.”
وزاد درف بالقول: “شاهدنا هؤلاء المواطنين في معتقلات الميليشيا في ظروف سيئة جدا، لا تتوفر فيها أدنى متطلبات الحياة ، من الناحية المتعلقة بالغذاء و الصحة والرعاية الصحية و البيئة التي كان يحتجز فيها هؤلاء المدنيين مما أدى إلى وفاة أعداد كبيرة جدا من هؤلاء المدنيين، وهذه جريمة تصنف كجريمة حرب، وجريمة ضد الانسانية.”
واستطرد: “شاهدنا هذه المعاناة والمآسي التي عاشها هؤلاء المعتقلين من المواطنين العزل وأيضا المعاناة التي كابدها ذوو هؤلاء المعتقلين، لم تكن هناك أي فرصة للتواصل مع هؤلاء المعتقلين من قبل ذويهم ولم يكونوا يعلمون عن مكان اعتقالهم شيئا، كان اختفاءً قسرياً متعمداً ويستهدف المواطنين على أساس عرقي، كانت جريمة نكراء.”
إجراءات قانونية
وأكد مولانا درف بأنهم سيعملون على ملاحقة المجرمين، مضيفا: “نحن الآن نعمل على توثيق هذه الجرائم بغرض إتخاذ الاجراءات القانونية في مواجهة هؤلاء البرابرة الجدد، نحمد الله سبحانه وتعالى على فك أسر هؤلاء المحتجزين قسريا.”
وأشار إلى أن عدد المعتقلين والمختفين قسريا يتجاوز 8 ألف في ولاية الخرطوم بخلاف من توفوا داخل أماكن الاحتجاز، وزاد بالقول : “هذه الجرائم التي ارتكبتها هذه الميليشيا في مواجهة هؤلاء المواطنين العزل لن تمر دون عقاب ولن تمر دون أن نقتص من هؤلاء المجرمين باذن الله سبحانه وتعالى.”
تدويل المأساة
من جانبه قال رئيس منظمة محامو الكرامة والعدالة د.هاني تاج السر للمحقق: “الحالة البائسة التي وجد بها الأسرى تدل على أن المليشيا لا تحترم اتفاقية جنيف الثالثة والرابعة والتي حظرت المعاملة القاسية واللإنسانية والمهينة للأسرى، وكذلك تضمنته البروتوكولات الإضافية الأول والثاني ومنعت المعاملة المهينة للمحتجزين”.
وتابع :” الحالة التي وجد بها الأسرى تدل علي انتهاك صريح لاتفاقية حقوق الإنسان لسنة 1966م.والتي حظرت التعذيب والتجويع وكافة أشكال المعاملة القاسية، يجب تدويل قضية الانتهاكات الحقوقية وتكثيف الإعلام حولها حتي تعلم جميع المنظمات الحقوقية وحشية هذه المليشيا”.
هذا وعلم موقع “المحقق” الإخباري أن اللجنة الوطنية المعنية بالجرائم المرتكبة خلال الحرب، والتي يرأسها النائب العام لجمهوية السودان، شرعت في أخذ الترتيبات الخاصة بتوثيق المزيد من الجرائم المرتكبة بواسطة مليشيا الدعم السريع في المعتقلات السرية من تعذيب وسخرة وقتل على الهوية وانتهاك لكافة أشكال حقوق الإنسان.
بورتسودان – المحقق – طلال إسماعيل
إنضم لقناة النيلين على واتساب