جريدة الرؤية العمانية:
2025-03-29@19:02:07 GMT

سياسات أمريكا في التعامل مع الدول

تاريخ النشر: 26th, March 2025 GMT

سياسات أمريكا في التعامل مع الدول

 

يوسف الجهضمي

 

في عالم السياسة الدولية، لا مكان للعاطفة أو الالتزام الدائم. فالتحالفات ليست سوى أدوات تُستخدم ما دامت تُحقق المصلحة، وعندما تنتفي الحاجة إليها، تُرمى جانبًا دون تردد. والسياسة الأمريكية تمثل النموذج الأبرز لهذا المنطق؛ إذ إنها لا تعترف بوجود أصدقاء دائمين أو أعداء دائمين؛ بل تحكمها قاعدة واحدة: "المصلحة أولًا وأخيرًا".

تاريخيًا، لا يوجد حليف واحد للولايات المتحدة استطاع أن يضمن ولاءها إلى الأبد، بغض النظر عن الخدمات التي قدمها أو التضحيات التي بذلها من أجلها. اليوم، قد يكون النظام الحاكم في بلد ما "حليفًا استراتيجيًا"، لكن غدًا قد يصبح "عائقًا" يجب التخلص منه. هذه العقلية لم تتغير منذ نشوء الولايات المتحدة كقوة عظمى؛ بل ترسخت مع مرور الزمن وأصبحت السمة الأبرز لسياستها الخارجية.

والحديث عن هذه المسألة يصبح أكثر إلحاحًا، خاصة في ظل التقلبات السريعة التي يشهدها العالم العربي، حيث تتغير التحالفات وتتبدل الولاءات وفقًا لما تمليه المصلحة الأمريكية.

منطق الغدر الأمريكي: لماذا لا تدوم الصداقات؟

إذا كان هناك شيء واحد ثابت في السياسة الأمريكية، فهو "عدم الثبات"؛ بمعنى أن واشنطن لا تمنح أي ضمانات دائمة لحلفائها، بل تتعامل معهم كأدوات لتحقيق أهدافها الاستراتيجية. وعندما تنتهي الحاجة إليهم، يتم التخلص منهم أو استبدالهم بآخرين.

الولايات المتحدة لا تعتمد فقط على قوتها العسكرية والاقتصادية؛ بل تستفيد من قدرتها على بناء تحالفات مؤقتة، ثم التخلي عنها عندما يحين الوقت المناسب. هذا النهج قائم على عدة أسس:

البراغماتية المطلقة: لا مجال للعواطف أو الالتزامات الأخلاقية، بل المصلحة هي الحكم الوحيد. التغيرات الجيوسياسية: العالم متغير، والمصالح تتبدل. ما كان مهمًا بالأمس قد يصبح غير ضروري اليوم. القوة الأمريكية المطلقة: واشنطن تضمن أنها تستطيع استبدال أي حليف دون أن تتعرض لخطر كبير، نظرًا لهيمنتها على الاقتصاد والسياسة العالمية. عدم الثقة في الحلفاء: حتى أقرب الحلفاء يُنظر إليهم بعين الشك، لأن الولاءات يمكن أن تتغير.

وهناك أمثلة تاريخية على الغدر الأمريكي، منها:

شاه إيران محمد رضا بهلوي (1979)؛ حيث كان الشاه يُعد "حليفًا ذهبيًا" للولايات المتحدة في الشرق الأوسط. قدم لها النفط، ودعمها سياسيًا وعسكريًا، وحمى مصالحها لعقود. لكن عندما اندلعت الثورة الإسلامية في إيران، أدارت له واشنطن ظهرها ورفضت حتى استقباله للعلاج، مما أدى إلى انهيار نظامه وصعود الجمهورية الإسلامية، التي تحولت إلى عدو لدود لأمريكا نفسها. صدام حسين (2003)؛ ففي الثمانينيات، كان الرئيس العراقي الراحل صدام حسين أداة أمريكية في حربه ضد إيران؛ حيث حصل على دعم عسكري واستخباراتي ضخم. لكن بعد انتهاء الحرب، بدأ يميل إلى الاستقلالية، وبدأ يشكل تهديدًا للمصالح الأمريكية في المنطقة. فجاء الغزو الأمريكي في 2003، بذريعة امتلاكه أسلحة دمار شامل، وهي كذبة اعترف بها الأمريكيون لاحقًا. حسني مبارك (2011)؛ كان الرئيس المصري الراحل حسني مبارك واحدًا من أقوى الحلفاء مع الولايات المتحدة، خاصة في ملف السلام مع إسرائيل. لكنه اكتشف في لحظة واحدة أن ولاءه لم يشفع له عندما اندلعت ثورة 25 يناير. واشنطن لم تدعمه، بل ضغطت عليه للتنحي، مما عجّل بسقوطه. الأكراد في سوريا (2019)؛ في الحرب ضد تنظيم داعش، اعتمدت أمريكا على القوات الكردية كحليف أساسي. لكن بعد انتهاء المعركة، تخلت عنهم وسمحت لتركيا بشن هجوم واسع عليهم، مما تسبب في كارثة إنسانية.

لكن.. كيف يمكن للدول التعامل مع هذا الواقع؟ مع فهم هذا المنطق، على الدول التي تعتمد على الدعم الأمريكي أن تدرك أن تحالفها مع واشنطن ليس مضمونًا، وعليها: تنويع التحالفات؛ إذ لا يجوز الاعتماد على أمريكا وحدها، بل يجب إقامة علاقات متوازنة مع قوى أخرى مثل الصين وروسيا وأوروبا. كما يتعين عليها بناء قوة ذاتية؛ لأن الدول التي تعتمد على نفسها تكون أقل عرضة للابتزاز الأمريكي. وكذلك عدم الانخداع بالشعارات؛ حيث إن أمريكا تتحدث دائمًا عن "الديمقراطية" و"حقوق الإنسان"، لكنها في النهاية تتحرك وفق مصالحها.

وأخيرًا.. السياسة الأمريكية قائمة على مبدأ "لا صداقات تدوم، ولا وفاء يستمر". من يكون صديقًا لواشنطن اليوم، قد يصبح عدوها غدًا. والتاريخ مليء بالشواهد على ذلك. ولذلك، فإنَّ الدول التي تريد الحفاظ على استقلالها وسيادتها يجب أن تتعامل مع الولايات المتحدة بواقعية، وأن تبني سياستها الخارجية على مبدأ "تحقيق التوازن" بدلًا من "الاعتماد الكامل".

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

عاجل: المواقع التي استهدفها الطيران الأمريكي مساء اليوم في صنعاء

قالت وسائل اعلام الحوثيين قبل قليل أن الضربات الامريكية مساء اليوم على صنعاء استهدفت بغارتين قاعدة الديلمي الجوية شمال العاصمة .

كما استهدف الطيران بـ3 غارات منطقة جربان بمديرية سنحان في صنعاء وغارتين على منطقة الجميمة بمديرية بني حشيش بصنعاء ايضا، وفق الحوثيين.

 

يتبع//

مقالات مشابهة

  • الدول التي اعلنت غدا رمضان
  • واشنطن بوست: حرب ترامب على الجامعات تضع الولايات المتحدة في خانة الاستبداد
  • الولايات المتحدة:برنامج المساعدات الخارجية لخدمة مصالح أمريكا
  • تعليق جديد من الولايات المتحدة على اعتقال إمام أوغلو
  • نائب الرئيس الأمريكي: جرينلاند ستكون أكثر أمنا تحت حكم الولايات المتحدة وليس الدنمارك
  • الرئيس الأمريكي: الولايات المتحدة تريد جرينلاند من أجل الأمن الدولي
  • “بلومبرغ”: الولايات المتحدة تعتمد على استيراد المعادن ومن الأفضل ألا تهدد الدول الصديقة
  • وزير الدفاع الأمريكي: واشنطن ونيودلهي يجب أن تتحدا لمواجهة التهديدات الصينية
  • شركات النفط الصخري الأمريكية تشن هجوماً عنيفاً على سياسات ترامب
  • عاجل: المواقع التي استهدفها الطيران الأمريكي مساء اليوم في صنعاء