هذا المقال بقلم الدبلوماسي التركي إردام أوزان*، سفير أنقرة السابق لدى الأردن، والآراء الواردة أدناه تعبر عن رأي الكاتب ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.

بعد أكثر من ثلاثة أشهر على حكم أحمد الشرع، لم يعد السؤال المطروح هو قدرته على الاستيلاء على السلطة، بل قدرته على الحكم. بدا صعوده السريع، الذي سهّله تقدم "هيئة تحرير الشام" العسكري نحو دمشق في ديسمبر/كانون الأول، وكأنه نقطة تحول في سوريا.

لكن الاحتفالات تراجعت أمام الصعوبات الاقتصادية والتشرذم الداخلي، وتزايد التساؤلات حول رؤيته لقيادة بلد عانى طويلًا من الديكتاتورية وحكم أمراء الحرب.

تواجه الإدارة الجديدة تحديات جمة. فالاقتصاد، الذي نهبه نظام البعث لعقود، وما تبعه من عقوبات، أعاق بشدة قدرة السوريين على العيش يوميًا. يتراوح راتب الموظف الحكومي اليوم بين 10 و50 دولارًا، بينما تحتاج أسرة مكونة من أربعة أفراد إلى 680 دولارًا كحد أدنى لتلبية احتياجاتها الأساسية.

لا يقتصر التحدي الأكبر الذي يواجهه الشرع على فرض سيطرته فحسب، بل يتلخص في إثبات اختلاف حكمه عمن سبقه. كان من المفترض أن يُحدث انتقاله من قائد مسلح إلى قائد مدني، والذي تجلى بخلعه زيه القتالي وتبنيه خطابًا شاملًا، نقلة نوعية. إلا أن الإجراءات التي تلت ذلك، بما في ذلك مؤتمر الحوار الوطني الذي عُقد على عجل، والذي تضمن بيانًا مُعدًّا مسبقًا، وإعلانًا دستوريًا يُحاكي النصوص الاستبدادية السابقة، اعتبرها الكثيرون نهجًا هشًا واستعراضيًا للحكم، بدلًا من أن تكون جهدًا صادقًا للإصلاح.

ويظل السؤال الأكبر قائما حول كيف يمكن لحركة مسلحة جهادية سابقة تعتمد على مقاتلين أجانب ومزيج من الجماعات المجزأة أن تشكل حلا للقضايا السورية الملحة.

يُبرز الاتفاق الأخير بين الحكومة المؤقتة و"قوات سوريا الديمقراطية" (SDF) بعض التناقضات. فبينما يبدو أن الاتفاق يُدمج مقاتلي "قسد" في إطار عسكري موحد، إلا أن غموض شروطه يثير تساؤلات أكثر من الإجابات. فهل سيتم استيعاب قوات "قسد"، أو دمجها، أم ستعمل كهياكل موازية تحت سلطة الشرع؟ في غياب الوضوح، يُخاطر هذا الاتفاق بتعميق الانقسام السوري بدلًا من حلّه.

بالنسبة للشرع، قد يكون الاتفاق أداة مهمة لتوسيع سلطته في الشمال الشرقي، وهو ثلثٌ متنازعٌ عليه من الأراضي. أما بالنسبة لقوات سوريا الديمقراطية، فيمكن اعتباره وثيقة تاريخية تضمن الحقوق الدستورية للأكراد، وتؤكد أنها الممثل الشرعي للمجتمع الكردي. وبناءً على المفاوضات المقبلة، قد يكون كلا التصورين مضللاً، مما يُؤجج المزيد من المواجهات ويُهدد التماسك الاجتماعي الهش في سوريا.

إلى جانب الأمن وترسيخ السلطة، لا يزال النسيج الاجتماعي السوري ممزقًا بشدة. سنوات من الهندسة الديموغرافية في ظل نظام الأسد، إلى جانب التوترات الطائفية والعرقية، جعلت أقليات مثل العلويين والأكراد والتركمان والدروز وغيرهم يتساءلون عن مكانتهم في النظام الجديد. أحداث اللاذقية التي وقعت في وقت سابق من الشهر الجاري، حيث ظهرت ادعاءات بأعمال انتقامية ضد العلويين، يجب أن تكون بمثابة جرس إنذار. إن إخفاقات الإدارة الجديدة في المستقبل في إرساء إطار للتعايش ستثير مخاوف من أن نسختها من سوريا قد لا تختلف كثيرًا عن نموذج الأسد، بل ستقدم وجهًا جديدًا فحسب. سيكون هذا أسوأ سيناريو للسوريين.

في 29 يناير/كانون الثاني، أعلن الرئيس المؤقت الشرع انتهاء الثورة، مُعلنًا "بناء الدولة" أولوية جديدة. وتُعدّ إعادة بناء هياكل الدولة، إلى جانب رؤية حوكمة، أمرًا بالغ الأهمية، لا سيما في بلدٍ صُمّم فيه إطار الحكم لدعم ديكتاتورية الأسد.

مع ذلك، يبدو بناء المجتمع أكثر إلحاحًا وأهمية، نظرًا لما واجهه السوريون من هندسة ديموغرافية قائمة على أسس عرقية وطائفية لعقود. سيُمكّن النسيج الاجتماعي والانسجام الداخلي القيادة من الاستمرار ما لم يكن الهدف هو نسخة مُجددة من نظام البعث.

تُبرز أحداث اللاذقية ومناطق أخرى في سوريا الأهمية الحاسمة لعملية انتقالية سليمة تُنفَّذ بكفاءة. ولا يُمكن المبالغة في أهمية هذه العملية الانتقالية، إذ تلعب دورًا محوريًا في ضمان استقرار وأمن البلاد في المستقبل. ولا بد من توافر عدة عناصر أساسية لتحقيق انتقال ناجح، بما في ذلك طيف واسع من التشاور والمأسسة.

يجب أن يكون الانتقال بنفس أهمية التدابير الأمنية لسبب جوهري: اكتساب الشرعية في نظر الشعب. فالشرعية هي حجر الزاوية لأي حكومة ناجحة، وتُكتسب من خلال حوكمة شفافة وخاضعة للمساءلة وشاملة. ويتمثل جوهر هذا الانتقال في إيصال الرؤية طويلة المدى للأمن والاستقرار إلى الشعب، مع الانخراط في الوقت نفسه في إعادة إعمار البلاد.

يجب على الإدارة الجديدة أن تُظهر التزامها بتلبية توقعات السوريين التي طال تجاهلها، وأن تُظهر قدرتها على قيادة البلاد نحو مستقبل أكثر إشراقًا. ويشمل ذلك معالجة مظالم الماضي، وتعزيز المصالحة، وضمان شعور جميع المواطنين بالحماية.

سيبقى من يسعون لزعزعة استقرار البلاد ولن يبقوا مكتوفي الأيدي. لن تكفي التدابير الأمنية وحدها للتغلب على هذه العوامل المفسدة. إن معالجة الأسباب الجذرية لعدم الاستقرار، كالصعوبات الاقتصادية، والتفاوت الاجتماعي، والحرمان السياسي، أمرٌ ضروري لبناء مجتمع أكثر مرونةً وتماسكًا.

في نهاية المطاف، سيعتمد نجاح المرحلة الانتقالية في سوريا على الجهود الجماعية لقادتها ومواطنيها وشركائها الدوليين. ومن خلال إعطاء الأولوية للتشاور والمأسسة وسيادة القانون، يمكن للإدارة الجديدة أن تمهد الطريق لمستقبل أكثر أمنًا واستقرارًا وازدهارًا لجميع السوريين. إنها رحلة مليئة بالتحديات، ولكن بالعزيمة والالتزام، يُمكن تجاوز العقبات وتحقيق السلام والاستقرار الدائمين في المنطقة.

خلال 4 أشهر تقريبًا، عزز الشرع سلطته. وفي الأشهر الأربعة المقبلة، عليه أن يثبت جدارته بالحكم. وفي حال فشله، تُواجه سوريا خطر الدخول في دوامة أخرى من عدم الاستقرار.

* نبذة عن الكاتب:

إردام أوزان دبلوماسي تركي متمرس يتمتع بخبرة 27 عامًا في الخدمة الدبلوماسية. وقد شغل العديد من المناصب البارزة، بما في ذلك منصبه الأخير كسفير لدى الأردن، بالإضافة إلى مناصب في الإمارات العربية المتحدة والنمسا وفرنسا ونيجيريا.

ولد في إزمير عام 1975، وتخرج بمرتبة الشرف من كلية العلوم السياسية بجامعة أنقرة. واكتسب معرفة واسعة بالمشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي في الشرق الأوسط، حيث قام بتحليل تعقيدات الصراعين السوري والفلسطيني، بما في ذلك جوانبهما الإنسانية وتداعياتهما الجيوسياسية.

كما شارك في العمليات الدبلوماسية المتعددة الأطراف، وتخصص في مجال حقوق الإنسان والتطورات السياسية الإقليمية. وتشمل مساهماته توصيات لتعزيز السلام والاستقرار من خلال الحوار والتفاوض بالتعاون مع المنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية. ويواصل حاليا دراساته عن الشرق الأوسط بينما يعمل مستشارا.

سوريانشر الأربعاء، 26 مارس / آذار 2025تابعونا عبرسياسة الخصوصيةشروط الخدمةملفات تعريف الارتباطخيارات الإعلاناتCNN الاقتصاديةمن نحنالأرشيف© 2025 Cable News Network. A Warner Bros. Discovery Company. All Rights Reserved.

المصدر: CNN Arabic

كلمات دلالية: بما فی ذلک فی سوریا

إقرأ أيضاً:

سوريا: اشتباكات جرمانا سببها الإساءة للنبي

أفادت وزارة الداخلية السورية، في بيان عبر "تليجرام" أن الاشتباكات المسلحة التي حدثت في جرمانا بريف دمشق كانت بسبب انتشار مقطع صوتي يتضمن الإساءة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم.

اقرأ ايضاًسوريا..قتلى ومصابون باشتباكات مسلحة في جرمانا بينهم عناصر في الأمن العام

وقالت الوزارة في البيان: "في ظل الأحداث الراهنة، وعلى خلفية انتشار مقطع صوتي يتضمن إساءةً لمقام النبي الكريم محمد عليه الصلاة والسلام، وما تلاه من تحريض وخطاب كراهية على مواقع التواصل الاجتماعي، شهدت منطقة جرمانا اشتباكات متقطعة بين مجموعات لمسلحين، بعضهم من خارج المنطقة وبعضهم الآخر من داخلها، وقد أسفرت هذه الاشتباكات عن وقوع قتلى وجرحى، من بينهم عناصر من قوى الأمن المنتشرة في المنطقة".

وأضافت: "وعلى إثر ذلك، توجهت وحدات من قوى الأمن العام مدعومة بقوات من وزارة الدفاع لفض الاشتباك وحماية الأهالي والحفاظ على السلم المجتمعي. كما تم فرض طوق أمني حول المنطقة لمنع تكرار أي حوادث مشابهة".

وأكدت الوزارة حرصها على ملاحقة المتورطين ومحاسبتهم وفق القانون، مع استمرار التحقيقات لكشف هوية صاحب المقطع الصوتي المسيء للنبي محمد عليه الصلاة والسلام. مشددةً على أنها لن نتساهل في تقديم كل من ساهم في إثارة الفوضى وتقويض الاستقرار إلى العدالة.

اقرأ ايضاًوزارة الداخلية السورية تدين الإساءة للنبي وأجهزة الأمن تلاحق الفاعل

© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com)

سيف الزعبي

قانوني وكاتب حاصل على درجة البكالوريوس في الحقوق، وأحضر حالياً لدرجة الماجستير في القانون الجزائي، انضممت لأسرة البوابة عام 2023 حيث أعمل كمحرر مختص بتغطية الشؤون المحلية والإقليمية والدولية.

الأحدثترند سوريا: اشتباكات جرمانا سببها الإساءة للنبي أسعار العملات المشفرة مقابل الدولار آرسنال على بعد خطوتين من كتابة التاريخ في دوري الأبطال وزارة الداخلية السورية تدين الإساءة للنبي وأجهزة الأمن تلاحق الفاعل أنشيلوتي يودع ريال مدريد ويقترب من قيادة البرازيل Loading content ... الاشتراك اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن إشترك الآن Arabic Footer Menu عن البوابة أعلن معنا اشترك معنا حل مشكلة فنية الشكاوى والتصحيحات تواصل معنا شروط الاستخدام تلقيمات (RSS) Social media links FB Linkedin Twitter YouTube

اشترك في النشرة الإخبارية لدينا للحصول على تحديثات حصرية والمحتوى المحسن

اشترك الآن

© 2000 - 2025 البوابة (www.albawaba.com) Arabic social media links FB Linkedin Twitter

مقالات مشابهة

  • المبعوث الأممي بيدرسون يندد بهجمات إسرائيل على سوريا
  • تحليل لـCNN: إيران تغازل ترامب بفرصة الـتريليون دولار.. لكن هل يُثري الاتفاق النووي أمريكا؟
  • جهاز الأمن العام السوري: اعتقلنا عددا من المسلحين الخارجين عن القانون في عمليات تمشيط في "أشرفية صحنايا"
  • سوريا.. مقتل 11 شخصا إثر الاشتباكات الدائرة في صحنايا
  • سوريا.. ملاحقة المتورطين في أحداث جرمانا
  • مقتل أكثر من 12 في اشتباكات طائفية في سوريا
  • سوريا: اشتباكات جرمانا سببها الإساءة للنبي
  • عبدالقيوم: اقتراحنا بنقل الحكومة والمصرف المركزي وإدارات الأمن لسرت يحتاج إلى قرار شجاع
  • مفاجآت من دمشق.. ستاتزمان يكشف أسرار لقاءه مع الشرع وفرص التحول في سوريا
  • أحمد الشرع يحذر قسد: “نرفض الإدارة الذاتية في سوريا”