رمضان بين كفتي ميزان
تاريخ النشر: 26th, March 2025 GMT
نعيمة السعدية
شهر رمضان تتويج إلهي، وتنوير رباني؛ ففيه تتوق النفس إلى تزكيتها بنقاء. هلَّ علينا بالبِشر والسعد والهناء؛ ليمنحنا مرتبة الأتقياء السعداء. هو عنوان العطاء جاءنا لنمضي إلى خير الجزاء بما تناله أرواحنا الخواء المتعطشة إلى روحانية عصماء؛ ليملأ ذواتنا عبقًا ونماءً وثناءً؛ فأهلًا به بين رَوح السكينة والصفاء.
شهرٌ جميلٌ بديعٌ رفيعٌ أقره رب جليلٌ كريمٌ عظيمٌ؛ حيث قال الله تعالى: "شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الْهُدَىٰ وَالْفُرْقَانِ ۚ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ۖ وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ۗ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَىٰ مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ" (البقرة: 185).
الصيام زمهرير النفس وجنتها؛ فلنستمتع بالزمهرير، ولنطلب الجنة بإيمان قوي نشحذ منه الهمم؛ لنُحقق الأهداف السامية والغايات النبيلة التي تصبو إليها نفوسنا؛ فهذه عبادة لله يعدها من أسمى العبادات التي فرضها علينا، وفي ذلك قال الله عز وجل: " كل عمل ابن آدم له إلا الصيام، فإنه لي وأنا أجزي به، والصيام جنة، فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث، ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله؛ فليقل: إني امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله يوم القيامة من ريح المسك. للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه".
إن أيام رمضان من أجمل أيام حياتنا، وأروع أوقاتنا ترسم الفرحة على محيانا شكلًا ونبعًا وصدقًا، وترسل البهجة إلى أفئدتنا فتحًا وحبا وصدحًا؛ فما أحلاها من لحظات يعطر شذاها سماء الجَنان.
لرمضان رونق فريد بين ثنايا الشهور، وزخرفة متفردة بين طيات الدهور، وقيمة عظيمة يتضوع عبيرها بين فحوى السطور، والقلب عاشق له يرسل أمنياته في حضن دعواته طالبًا إلى رب كريم تحقيقها ولو بعد حين؛ فأي فيض من الكرم الجميل يناله المسلم في هذا الشهر الفضيل؟!
هو متعة المؤمن التي تسعد حياته وتزهر يومياته في كل زمان ومكان، وفي كل وقتٍ وآنٍ. له معانٍ زُخرفت بأروع النقوش الإسلامية منها ما نورده بين ألفاظ القلوب وأحداق العيون؛ فعلينا البحث عن معانيه كي نصوغها بأسنى الحروف وتصوغنا بأرقى شعور؛ لذا على الصائم أن يشمر عن سواعد الجهاد؛ ليتحقق له ما بين الكاف والنون.
إنه راية الإسلام، وغاية المرام. فيه ترتاح الهمم وتزول الغمم. شهر السكينة والشكيمة والرخاء والزهاء، وهو جنة الإيمان والإحسان؛ فلننعم فيه بنفحات الصيام؛ ليعطينا طيب الإعطاء، ويمنحنا خير النماء، ويكرمنا فضل الجلاء، ويروينا عذب الرواء، وعلينا أن نسعى إليه وكلنا رجاء نرتقي به إلى حد السماء، ونتعلم منه أجدر قصص السخاء، وأعظم سير الإخاء؛ لننال أسمى مراتب الأجر والجزاء.
ليالٍ تمضي، وأيام تنقضي، ولحظات تنتهي. إنها أوقات لها في الروح نفحة باردة، وهي في القلب مهجة خالصة. ومن يوم إلى آخر نجد أيام هذا الشهر الفضيل تنساب من بين أيدينا كانسياب الماء العذب بين ضفاف الأنهار. جميلة هي في منظرها ومرآها، وعميقة هي في مقصدها ومرماها.
أطل علينا شهر من أجمل الشهور، وأقبل يحمل البشارة للمجدين، ويفتح أبواب الرجاء للساعين؛ فطوبى لمَن جد فيه الخُطى بالإكثار من الطاعات، والغبطة لمَن جاهد نفسه بالتقرب إلى الله بألوان القربات، وها هي أيامه قد مضت مسرعة، وها نحن قد وصلنا إلى آخر الشهر، وقد أتت العشر الأواخر من الشهر الفضيل تعلن وداعًا طويلًا إلى سنة مقبلة بخيرها وشرها.
ومع حيرة الفراق والوداع نتساءل: هل استقبلناه كما ينبغي؟ وهل استضفناه خير استضافة؟ وهل سنودعه أفضل وداع؟
إننا قد خططنا كثيرًا لهذه الأيام المباركة الماضية من رمضان، ورسمناها بأجمل الرسوم لكننا لا ندري إن كنا قد لوناها بألوان براقة أم لا؟
تساؤلات تحيرنا لكننا لا نستطيع الإجابة عنها؛ لأننا لا ندرك ذلك لكننا نعي جيدًا أنه يجب علينا السعي الحثيث في هذه الأيام الميمونة إلى خير الأعمال الصالحة اقتداءً برسولنا الكريم الذي كان يجتهد في هذه الأيام أيما اجتهاد؛ فقد كان رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- إذا دخلت العشر أحيا الليل، وأيقظ أهله، وشد المئزر؛ لذا ينبغي لنا أن نجتهد ونبذل قصارى جهدنا مقتدين برسول الأمة الأعظم قدر استطاعتنا مودعين رمضان خير وداع لا سيما أن الأيام العشر هي قبس يشع نورًا مُشرقًا تهتدي به القلوب في مفترق الدروب؛ فإذا كنَّا لم نحسن الاستقبال؛ فهيا بنا نُحسن الوداع.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
أمين الفتوى للفنان حمزة العيلي: لا يجب عليك الصيام وأنت قادم من السعودية
تساءل الفنان حمزة العيلي، حول حكم الصيام لشخص يسافر غدا من المملكة العربية السعودية إلى مصر، في حين أن غدا عيد الفطر في السعودية والمتمم لشهر رمضان في مصر.
ونشر الفنان حمزة العيلي، سؤاله على فيس بوك (أنا مسافر من السعودية بكره بمشيئة الله وهيكون عيد، وسفري الظهر على مصر، هوصل ألاقى الدنيا صيام، أفطر ولا أصوم؟
وأجاب الدكتور هشام ربيع، أمين الفتوى في دار الإفتاء المصرية، على الفنان حمزة العيلي، منوها أنَّه إذا بدأ المكلَّف الصيام في مصر طبقًا لتحديد أول شهر رمضان فيها ثم سافر إلى بلدٍ آخر اختلف العيد فيه مع مصر فالأصل أن يتبع أهل تلك البلد في رؤية هلال شوال إلا في حالتين:
الأولى: أن تخالف هذه الرؤية الحساب الفلكي القطعي، أو تجعل شهر رمضان يزيد عن ثلاثين أو يقل عن تسعة وعشرين يومًا. فإذا رُؤِي مثلًا هلالُ شوال في مصر ولم يُرَ في البلد الأخرى أو بالعكس مع كون الرؤيتين داخلتين في نطاق الإمكان الفلكيِّ ومع صحة عدد أيام الشهر، فإن الصائم يتبع حينئذٍ هلال البلد الذي هو فيها صيامًا أو إفطارًا.
أمَّا إن كانت البلد التي سافر إليها لا تُبالي بالحساب القطعي بل خالفَتْه في إمكان الرؤية أو استحالتها، أو كان الصائم بحيث لو تابعها لزاد على ثلاثين أو نقص عن تسعة وعشرين فلا يجوز له حينئذٍ متابعتها في الإفطار أو الصوم الزائد أو الناقص قطعًا.
وتابع أمين الفتوى: حضرتك ما دمتَ هتسافر بعد الفجر مِن السعودية وتصل لمصر، فأنت صمتَ ما هو واجب عليك 29 يوم، ولا يجب عليك صوم هذا اليوم مع أهل مصر، لكن النصيحة هي أن تُمْسِك عن الأكل والشرب بقية اليوم مراعاة لمشاعر مَن حولك.