العودة لصناعة الأكاذيب الرخيصة (1- 2)
تاريخ النشر: 26th, March 2025 GMT
د. محمد بن عوض المشيخي **
القيادة العُمانية من النماذج النادرة في هذا العالم المترامي الأطراف التي نجحت في كسب ثقة العالم من الشرق إلى الغرب وقبل ذلك كله جيران الجنب في الإقليم؛ فهي تنطلق من مبادئ وقيم التَّسامح والسلام وحسن الجوار وإطفاء الحرائق ونبذ الحروب العبثية بين الدول، وقبل ذلك كله عدم التدخل في شؤون الغير، إلّا بالتي هي أحسن.
لا توجد أجندة سرية في السياسة العُمانية الخارجية منها والداخلية؛ فهي عبارة عن كتاب مفتوح للجميع، العدو قبل الصديق، وهذا عكس ما هو قائم في دهاليز عالم سياسة والقوة الغاشمة والاستحواذ على مقدرات الآخرين وحقوقهم، والتي جرت العادة أن تنطلق من البرجماتية المادية الميكافيلية بالدرجة الأولى التي تقوم على قاعدة الغاية تبرر الوسيلة، حسبما ورد في كتاب "الأمير"، بحيث تحركها المصالح والتحالفات الدولية التي تهدف إلى السيطرة على الغير، وذلك من خلال الأطماع والخلافات بين الشعوب. وهناك من يجتمع في الغرف المُغلقة لتنفيذ المؤامرات وتوزيع الأدوار الخاسرة لقلب أنظمة الحكم وتوسيع رقعة الحروب العبثية والعمل على الاقتتال بين أبناء المجتمع الواحد؛ وكذلك نشر الدعاية السوداء والفتن في كل زاوية من زوايا هذا الكون.
لكن العالم من أقصاه إلى أقصاه يدرك بالفعل أن هناك دولة واحدة اسمها "عُمان" في هذا الكوكب هي استثناء؛ لكونها تميَّزت عبر العقود بنهجها الرشيد وحكمتها المعهودة التي تنطلق من المبدأ المعروف "لا ضرر ولا ضرار". ومن هنا أصبحت مواقف السلطنة ومبادئها وقيمها الفريدة تُدرَّس في أعرق الجامعات وتحظى بالاحترام، ويتقلد سلاطينها أعلى جوائز السلام وأرفع الأوسمة في الساحة الدولية من المراكز المتخصصة بحفظ السلام العالمي، وكذلك من قادة العالم من امريكا غربًا إلى سنغافورة شرقًا؛ مرورًا بالقارة الأوروبية. والعُماني عند ما يطوف العالم يُشار له بالبنان وتنحني له الرؤوس تقديرًا واحترامًا لبلده العظيم واخلاقه التي أصبحت مدرسة يتعلم منها الآخرون حسن السلوك. وهذا ما نجده في حضورنا للمؤتمرات ومرورنا عبر مطارات العالم، وهذا بالطبع ليس بغريب على عُمان التي تشرَّفت بثناء الرسول الكريم صلى الله غليه وسلم على مكارم أخلاق شعبها منذ أكثر من 14 قرنًا من الزمن.
وعلى الرغم من هذا الإرث التاريخي العريق والحاضر المشرق، تظهر بين وقت وآخر بعض الأقلام المأجورة الرخيصة، وكذلك القليل من المطبوعات الصفراء التي تنشُر الدعاية والشائعات المدفوعة الثمن مُقدمًا على أنها أخبار صحيحة، مقابل من يدفع أكثر؛ حيث مع الأيام فقدت مصداقيتها لعدم التزامها بالمعايير الإعلامية المعروفة كالصدق والتوازن والموضوعية. وعدد هؤلاء النابحين على قارعة الطريق الذين يستهدفون هذه القلعة الشامخة والحصينة بأبنائها المخلصين ورجالها الاوفياء؛ لا يتجاوز أصابع اليد الواحدة، وتأثيرهم لا يتخطى محيطهم المظلم بصناعة الكذب والافتراء. وتتلخص مضامين هذه الرسائل المسمومة والتي تصنف بأنها دعاية رمادية تخاطب العواطف والغرائز، وليس العقل والمنطق، بأن سلطنة عُمان تغض النظر عن تهريب السلاح الايراني إلى الأراضي العُمانية، خاصة من منفذ المزيونة الحدودي ثم إلى اليمن؛ حيث يزعم هؤلاء الذين ظهروا من جديد بالتزامن مع ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الثانية التي اعلن فيها التهديد والوعيد للجميع؛ بهدف الابتزاز والحصول على صفقات مليارية لرفد الولايات المتحدة بمزيد من الأموال، بداية بجيران الولايات المتحدة مثل كندا والمكسيك وبنما، مرورًا بدول الإقليم مثل إيران واليمن، وصولًا إلى الصين وكوريا الشمالية. ومن المؤسف حقًا أن نجد من يكرر تلك المزاعم مرة ثانية على الرغم من البراهين والأدلة التي كشفنا عنها عام 2019 في مقال بعنوان "كيف تصنع الحروب الإلكترونية الكذب؟"؛ إذ إن جماعة "أنصار الله" لا يحتاجون في الأصل لتهريب الأسلحة عبر طرف ثالث، وذلك للأسباب الآتية:
1. معظم الأسلحة التي تستخدم حاليًا في قصف الكيان الصهيوني في فلسطين المحتلة وكذلك استهداف السفن العابرة لباب المندب والمتجهة لإسرائيل؛ هي صناعة محلية في المصانع العسكرية بصنعاء وصعدة، والقليل منها تم استيراده من الجمهورية الإسلامية الايرانية.
2. اعترفت إيران بتقديم بعض الأسلحة المتطورة عبر السفن العابرة إلى الشواطئ اليمنية المفتوحة، ولا نجد أي صعوبة تُذكر من وصولها إلى جماعة أنصار الله لكونهم مسيطرين مع الاساطيل الايرانية على مناطق واسعة في بحر العرب وخليج عدن والبحر الأحمر، وبالتالي لا يحتاجون في الأصل للتهريب المزعوم.
3. أتذكر قبل عدة سنوات أنه انتشرت مزاعم وأكاذيب بأن منفذ صرفيت العُماني استُخدم لتهريب المدافع والصواريخ العابرة للقارات إلى اليمن، ولكن هذه المرة جاء نفي تلك المزاعم ودحضها من الحكومة اليمنية الشرعية من خلال محافظ المهرة القريبة من المنفذ العُماني في ذلك الوقت وهو راجح باكريت، مؤكدًا عبر تلفزيون أبوظبي الرسمي أن منفذ صرفيت لا يحتمل مرور الشاحنات الكبيرة في الاصل.
وفي الختام.. يجب أن يُدرك الجميع أن علاقة سلطنة عُمان بمختلف الكيانات السياسية في اليمن- بداية بالحكومة الشرعية التي تحظى بعلاقات طيبة مع الحكومة العُمانية، وصولًا الى جماعة أنصار الله الذين يعتبرون من المكونات السياسية الأساسية للشعب اليمني- تهدف بالدرجة الأولى إلى تحقيق السلام العادل في الجار الشقيق، الذي يُعد الحديقة الخلفية لأمن الخليج والجزيرة العربية، وقبل ذلك كله حقن دماء الشعب اليمني. وسنُوضِّح في المقال المقبل الهدف الاسمى من مد الجسور بين الاشقاء في اليمن وجيران الجنب في طهران.
** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
"ملتقى التنقل الجوي الحضري" يناقش تطوير جودة الحياة في المدن العُمانية
◄ إطلاق منطقة تجريبية وطنية لاختبار تطبيقات وتقنيات "AAM"
◄ استعراض تصورات إطلاق 5 مشاريع تجريبية في النقل واللوجستيات والأمن
الرؤية- سارة العبرية
تصوير- راشد الكندي
نظمت وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات، الإثنين، وبالشراكة مع شركة العنقاء لتكنولوجيات الفضاء وشركة GUAMobility، ملتقى التنقل الجوي الحضري عُمان 2025، الذي يستمر لمدة يومين، بمشاركة واسعة من الجهات الحكومية والخاصة والجهات الأكاديمية والمؤسسات الدولية العاملة في مجال الطيران والفضاء والتكنولوجيا المتقدمة.
ويسعى الملتقى إلى إطلاق حوار استراتيجي ومهني حول تطوير منظومة التنقل الجوي الحضري (AAM) في السلطنة، كأحد المكونات الجديدة لمنظومة النقل المتكاملة، والارتقاء بالابتكار والتوظيف وتحسين جودة الحياة في المدن العُمانية، كما يهدف إلى تشكيل نواة أولى لمنظومة التنقل الجوي الحضري AAM الوطنية من خلال مشاركة الجهات المعنية وتوحيد الرؤى حول أولويات الاستثمار والبنية التحتية والتنظيم وإعداد برنامج للتجربة الحية، واستكشاف الفرص الاستثمارية في هذا القطاع الناشئ، وتطوير منتجات وخدمات تنقل متقدمة، إلى جانب صياغة التوجهات الكبرى للاستراتيجية الوطنية للتنقل الجوي، بما يشمل الإطار التنظيمي والتقني والاقتصادي، بالإضافة إلى تعزيز ترشيح سلطنة عُمان لاستضافة ملتقى AAM العالمي التابع لمنظمة الطيران المدني الدولي (ICAO) عام 2026.
وفي افتتاح الملتقى، قال المهندس عوض بن سالم السديري مدير عام مساعد بمركز عُمان للوجستيات بوزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات: "إن هذا الحدث يشكل منصة استراتيجية وطنية وإقليمية مهمة، تُسلّط الضوء على أحد أكثر القطاعات الواعدة نموًا وابتكارًا، وهو قطاع التنقل الجوي الحضري المتقدم (AAM)، والذي يركز على استخدام الدرونزوالتكس الطائر لنقل الأشخاص والبضائع داخل المدن لارتفاع أقل من 1000 قدم وذلك لتخفيف الزحام بطريقة ذكية ومستدامة، والذي يشكّل جزءًا أساسيًا من تطلعات سلطنة عمان نحو نقل حضري ذكي ومستدام، يواكب أهداف رؤية عُمان 2040 والاستراتيجية اللوجستية 2040.
وأضاف: "يعمل مركز عُمان للوجستيات على استقطاب التقنيات الحديثة في مجال النقل ومواكبة التطور الذي يحدث في القطاع اللوجستي". وفي تصريح لـ"الرؤية"، قال المهندس عبد الله بن علي البوسعيدي مدير عام اللوجستيات بوزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات: "الملتقى هو نقطة انطلاق حقيقية نحو المستقبل تكون فيه سلطنة عُمان في طليعة دول المنطقة في مجال النقل الجوي الحضري المتقدم، مدفوعة بإرادة وطنية، وشراكات مثمرة، ورؤية واضحة المعالم، مشيرا إلى أن الأفكار التي ستُطرح والحوارات التي ستُدار والمخرجات التي ستُبنى عليها، ستكون حجر الأساس لمرحلة جديدة من الابتكار والتحول المستدام".
وأشار البوسعيدي إلى أن مشاركة مختلف الجهات الوطنية والدولية في هذا الحدث تؤكد أن الهدف لا يقتصر على الحوار فقط؛ بل يمتد إلى صياغة استراتيجية وطنية متعددة القطاعات لقطاع التنقل الجوي الحضري المتقدم، وتعزيز الاستثمار وتحفيز الابتكار وفتح آفاق جديدة لريادة الأعمال في هذا المجال، إضافة إلى تطوير بنية أساسية متكاملة ذكية وآمنة، تستجيب لاحتياجات المستقبل، وتمكين الشباب العماني وبناء قدرات وطنية منافسة عالميًا في مجالات الطيران، والاتصالات، والذكاء الاصطناعي. وأضاف البوسعيدي: "ستتولى هيئة الطيران المدني (CAA)، بصفتها الجهة المنظمة والمسؤولة عن تنظيم المجال الجوي، قيادة ملف التشريعات والتنظيمات ذات الصلة بالتنقل الجوي الحضري، بالتنسيق مع وزارة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات ووزارة الإسكان والتخطيط العمراني والجهات المعنية، لضمان جاهزية الإطار القانوني والتشغيلي لهذه المنظومة الجديدة".
ويضم الملتقى مجموعة من الجلسات الحوارية والتخصصية تغطي محاور متنوعة تشمل: الحوكمة والتنظيم، والبنية التحتية للموانئ الجوية الحضرية (Vertiports)، وإدارة المجال الجوي والطيران على الارتفاعات المنخفضة، ونماذج التمويل والاستثمار، والأمن والسلامة السيبرانية والجوية، والاستخدامات المتعددة للتنقل الجوي (ركاب، بضائع، خدمات طبية، طوارئ)، وبناء القدرات والوظائف المستقبلية والتدريب المهني.
ومن المؤمل أن تخرج هذه الجلسات بتوصيات وممارسات لوضع اللبنات الأساسية لهذا القطاع الواعد، وتقديم رؤى واقعية حول كيفية تكييف التكنولوجيا الحديثة مع خصوصية المشهد الحضري العماني، بالشكل الذي يخدم المجتمع والاقتصاد والبيئة.
وتُخطط مجموعة من الشركات بالتنسيق مع الوزارة لإطلاق منطقة تجريبية وطنية (Geozone) مخصصة لاختبار تطبيقات وتقنيات AAM في بيئة آمنة وواقعية، بهدف تمكين المؤسسات البحثية والشركات الناشئة من تطوير حلولها داخل السلطنة.
ويشهد الملتقى عرض التصورات الخاصة بإطلاق خمسة مشاريع تجريبية في الملتقى تشمل: النقل الحضري بين المدن، والشحن والخدمات اللوجستية الجوية، والإسعاف والخدمات الطبية الطارئة، والأمن والمراقبة الجوية، وتطوير الحاضنات الوطنية للابتكار.
كما سيتم الإعلان عن مخرجات الملتقى وتوصياته التنفيذية ضمن فعاليات "اليوم اللوجستي"، الذي يُعقد بعد غد الأربعاء بحضور ممثلين عن الحكومة والمستثمرين والخبراء الدوليين، وذلك تمهيدًا لإطلاق الخطة التنفيذية الوطنية لمنظومة قطاع التنقل الجوي AAM.