قرر قاضي محكمة الصلح الجزائية، الأحد، حبس رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو في قضية الفساد. وبناء على هذا القرار، قامت وزارة الداخلية بتعليق عمل إمام أوغلو كرئيس لبلدية إسطنبول حتى يصدر القرار النهائي في حقه بعد محاكمته. وكانت جامعة إسطنبول قررت قبل ذلك إلغاء شهادة إمام أوغلو الجامعية، بسبب وجود تلاعب وتزوير في انتقاله من جامعة غير معترف بها في جمهورية قبرص الشمالية التركية إلى كلية إدارة الأعمال في جامعة إسطنبول.
المؤيدون لإمام أوغلو يدّعون بأن القضايا المرفوعة ضده سياسية وتهدف إلى إقصائه عن الترشح لرئاسة الجمهورية، كما يقولون إن التهم الموجهة إليه مبنية على إفادات شهود سريين فقط. ولكنهم ينسون أن مرشح حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو، خرج أمام الكاميرات قبيل الانتخابات الرئاسية الأخيرة مع إمام أوغلو ورئيس بلدية أنقرة منصور ياواش، ليعلن أنهما سيكونان نائبي رئيس الجمهورية في حال فاز في الانتخابات، ولكن أردوغان هزمهم مجتمعين في صناديق الاقتراع. وإضافةً إلى ذلك، لو كان الهدف هو إقصاء إمام أوغلو عن الترشح لرئاسة الجمهورية، كما يقولون، لكان إلغاء شهادته الجامعية يكفي لذلك، دون الحاجة إلى محاكمته بتهمة الفساد ودعم الإرهاب.
اعتقد بأن انتماءه إلى حزب الشعب الجمهوري يوفر له نوعا من الحصانة، وحاول أن يعزز تلك الحصانة من خلال إعلان ترشحه المبكر للانتخابات الرئاسية، وظن أن الضغوط الشعبية وردة فعل أرستقراطية إسطنبول والدول الغربية ستمنع القضاء من محاسبته ومعاقبته
هناك شهود سريون قدموا إفاداتهم إلى المدعي العام أثناء التحقيقات، وهذا إجراء قضائي قانوني لحماية الشهود وأفراد أسرهم من التهديد والابتزاز، ويتم الكشف عن أسماء هؤلاء الشهود في المراحل المتقدمة للمحاكمة. كما أن القضاء لا يلتفت إلى إفادات الشهود إن لم تكن مدعومة بأدلة قوية. ويتجاهل هؤلاء الذين يطعنون في نزاهة القضاء أن هناك شهودا آخرين ليسوا سريين ممن ابتزَّهم إمام أوغلو ورجاله، وأن هناك تقارير رسمية لهيئة التحقيق في الجرائم المالية (ماساك) تكشف عن حجم الفساد بكل تفاصيله وتسجيلات صوتية تدل على أعمال المعتقلين غير القانونية. ويتجاهلون أيضا أن معظم الشكاوى والأدلة جاءت من المنتمين إلى حزب الشعب الجمهوري، وأن التحقيق في المؤتمر العام الأخير للحزب، على سبيل المثال، بدأ بناء على تصريحات كليتشدار أوغلو التي قال فيها إن عملية التصويت في المؤتمر شهدت تلاعبا وشراء ذمم.
وفي الحقيقة، قصة فساد إمام أوغلو لم تبدأ في بلدية إسطنبول، بل هي تمتد إلى رئاسة إمام أوغلو لبلدية قضاء بيليك دوزو في إسطنبول وما قبلها. وتمت محاكمة إمام أوغلو قبل أكثر من عقدين بتهمة الفساد، وكان هناك شاهد سري يدلي بشهادات ضده، ولما اتضح أن الشاهد السري هو عمه علي إمام أوغلو، مارست العائلة ضغوطا عليه ما أدّى إلى انتحاره. كما أن هناك صحفيا لفت الانتباه قبل تسع سنوات إلى انتقال إمام أوغلو إلى جامعة إسطنبول بطريقة غير قانونية، وهدَّده والد إمام أوغلو، ما دفع الصحفي إلى رفع شكوى ضده، إلا أنه توفي فجأة قبيل بدء المحاكمة.
التحاق إمام أوغلو بجامعة إسطنبول بشكل غير قانوني واضح كوضوح الشمس، كما أن حجم الفساد في بلدية إسطنبول كبير للغاية لا يمكن إخفاؤه أو تجاهله على الإطلاق. وبغض النظر عن البعد القانوني لتلك القضايا، فإن البعد الأخلاقي يجب أن لا يتم تجاهله، بل هو الأهم، وهو التهديد الحقيقي الذي يشكل خطرا كبيرا على مستقبل البلاد. إذ لا يعقل أن يخرج آلاف من الشباب إلى الشوارع، لا للدفاع عن الحرية والكرامة والديمقراطية والعدالة والقيم الإنسانية، بل عن النصب والاختلاس والبلطجة والتلاعب والابتزاز والفساد، كما أن الشخص المتهم بارتكاب كل تلك الجرائم كان عليه أن يقدم استقالته، بدلا من محاولة تضليل الرأي العام وإثارة الفوضى في الشارع. ولو كان إمام أوغلو يحترم نفسه لاعتذر إلى داعميه واختفى عن الأنظار بعد إلغاء شهادته لثبوت التلاعب والتزوير.
إمام أوغلو وكل من حوله يعرفون جيدا أنه ارتكب كل تلك المخالفات التي لم يكن ممكنا أن تبقى خافية بلا معاقبة. وبالتالي، يطرح هذا السؤال نفسه: "من أين استمدّ إمام أوغلو جرأته حين كان يرتكب جرائم التلاعب والفساد وشراء الذمم ودعم الإرهاب؟"، والجواب أنه منذ صغره تعوَّد على الحصول على كل ما يريده بفضل أموال والده وارتباطاته السياسية، قضايا إمام أوغلو تمنح حزب الشعب الجمهوري فرصة ثمينة ليطهر صفوفه ويبني خططه السياسية على أسس سليمة، إن أحسن استغلالها، إلا أنه احتمال ضئيل للغاية. وما زال الحزب يعاني من الصراع الداخليكما حدث في التحاقه بجامعة أهلية في جمهورية قبرص الشمالية التركية ثم انتقاله إلى جامعة إسطنبول، علما أن الذي لعب دورا هاما في ذاك الانتقال كان رئيس البرلمان التركي آنذاك نجم الدين قارادومان.
الأدلة والشواهد تشير إلى أن إمام أوغلو كان يفعل في بلدية بيليك دوزو حين كان رئيسها كل ما فعله في بلدية إسطنبول. وبعبارة أخرى، نقل تجربته في الفساد من بلدية بيليك دوزو إلى بلدية إسطنبول، ولكن حجم الفساد توسع بشكل غير مسبوق نظرا لتطور طموحاته. كما أنه اعتقد بأن انتماءه إلى حزب الشعب الجمهوري يوفر له نوعا من الحصانة، وحاول أن يعزز تلك الحصانة من خلال إعلان ترشحه المبكر للانتخابات الرئاسية، وظن أن الضغوط الشعبية وردة فعل أرستقراطية إسطنبول والدول الغربية ستمنع القضاء من محاسبته ومعاقبته.
قضايا إمام أوغلو تمنح حزب الشعب الجمهوري فرصة ثمينة ليطهر صفوفه ويبني خططه السياسية على أسس سليمة، إن أحسن استغلالها، إلا أنه احتمال ضئيل للغاية. وما زال الحزب يعاني من الصراع الداخلي، في ظل ارتياح كل من رئيسه السابق كمال كليتشدار أوغلو، ورئيسه الحالي أوزغور أوزل، ورئيس بلدية أنقرة منصور ياواش، من خروج إمام أوغلو من المعادلة، رغم تظاهرهم بأنهم متضامنون مع إمام أوغلو، أملا في الحصول على أصوات محبي هذا الأخير. كما أن هناك آخرين، مثل مرشح الحزب الأسبق لرئاسة الجمهورية محرم إينجه، يحاولون الدخول على الخط ليأخذوا نصيبهم من الكعكة.
x.com/ismail_yasa
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه الفساد إمام أوغلو الشعب الجمهوري تركيا فساد الشعب الجمهوري إمام أوغلو مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة مقالات سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة حزب الشعب الجمهوری بلدیة إسطنبول جامعة إسطنبول إمام أوغلو فی بلدیة أن هناک کما أن
إقرأ أيضاً: