دمشق-سانا

تشكل طقوس رمضان والعيد جزءاً واحداً في العالمين العربي والإسلامي، فالناس تصوم هذا الشهر وتكرسه للعبادات، لتحتفل في نهايته بأداء هذه الفريضة الدينية.

ولا تخرج الطقوس التي يمارسها السوريون في التعامل مع هاتين المناسبتين عن ذلك، ولكنها تتشابه وتتباين بين محافظة وأخرى، وفقاً للموروث الاجتماعي والواقع السكاني، والتي بقي بعضها وتراجع الآخر جراء الواقع المعيشي ولا سيما في السنوات الأخيرة.

درعا… توزيع طعام العنايا على نساء العائلة

ففي محافظة درعا يتحدث يوسف العلي، معلم مدرسة، عن عادة “طعمة العنايا” أو “طعمة رمضان”: حيث يوزع رجال كل أسرة وجبات الطعام من اللحوم والدجاج على النساء في العائلة، ولا سيما للأخت والعمة والخالة، بهدف زيادة صلة القرابة والرحم بين الأهل والأقرباء.

ومن العادات التي عرفها أهل درعا في الشهر الفضيل وعيد الفطر يذكر العلي بعضها، مثل الاجتماع في أول يوم برمضان وبالعيد في بيت كبير العائلة من أب أو أخ أو جد، كما يحرص أبناء درعا على عادة السكبة أو الطعمة أي تبادل الطعام والحلويات التي يصنعونها في بيوتهم كالمزنرة والزقاريط، كما يحبذ أبناء حوران أن يطهوا في أول أيام العيد المليحي الحوراني والأوزي الدرعاوي، ولو أن بعضاً من هذه الأطباق تراجع حضورها في السنوات الأخيرة جراء الأحوال المعيشية.

ومن عادات أهلنا في حوران ألا يمر العيد إلا وتكون الخصومات انفضت بين الأهل والجيران وأبناء الحي أو القرية، حيث يذهب وفد من الرجال إلى كلا طرفي الخصومة، ويسعى إلى حلها بعد دخولهم إلى منزل المتخاصمين.

حماة… مركز الإخبار بموعد رمضان والعيد

ومن حماة يوضح وليد السقا، موظف متقاعد أن هذه المدينة تفردت بأنها ظلت قرابة نصف قرن تعتمد على شخص واحد في التماس هلال رمضان والعيد، وهو الراحل أحمد نعسان الأحدب أبو عزو الذي كان إسكافياً، وكان يقف نهاية شهري شعبان ورمضان على الجانب الغربي من قلعة حماة لمشاهدة الهلال، حتى أصبح مصدراً معتمداً على مستوى العالمين العربي والإسلامي.

وللحمويين في رمضان والعيد شغف كبير بالحلويات مثل الكنافة والقشطلية وحلاوة الجبن، إضافة إلى المشروبات، حيث كانوا يميلون لتحضيرها بالبيت ولكن ذلك تراجع حالياً لصالح شرائها من الباعة، ومن أشهر هذه المشروبات، العرقسوس والخشاف وشراب الورد والتوت.

ومن عادات الحمويين في رمضان وعيد الفطر زيارة قلعة المدينة بعد صلاة التراويح وفي أمسيات العيد، حيث تنتشر حولها المنتزهات الشعبية لتناول القهوة والنرجيلة.

الحسكة تتزين لرمضان والعيد

أما في مدينة الحسكة فتزدحم مع نهاية شهر رمضان الأسواق بشكل مضاعف يتكاثر الباعة المتجولين، وتصدح الأصوات بالنداءات المتنوعة، وغالباً ما تكون النساء هن المسؤولات عن صناعة طعام وضيافة العيد، والتي تبدأ بوقت مبكر، ومن أشهر هذه الأطباق السمبوسك والكبب العربية، والشاكرية والباميا تحضران بقوة ودائماً الصدارة للحوم بأنواعها ولكن يعاني كثيرون من عبء إحضارها جراء غلاء أسعارها.

وفي الحسكة أيضاً يكون التكافل الاجتماعي بأعلى صورة خلال هذا الشهر الفضيل عبر الزيارات العائلية التي تبدأ بعد صلاة التراويح، والاجتماع على وجبة السحور الأساسية التي تحتوي على التمر الممزوج بالسمن العربي والجبن واللبنة والبيض.

دير الزور… أهل الثرود والكليجة

وفي دير الزور يبين ياسر الحسن، موظف، أن الناس بعد أن تكون بدأت شهر صيامها بالبياض، أي تكون الطبخة الأولى باللبن، واعتادت تناول التمر والبيض بالسمن البلدي في سحورها، تشرع مع اقتراب نهاية شهر الصيام بتبادل العزائم والتي تكون الصدارة في أطباقها لأكلة الثرود، كما توزع الحلويات الديرية مثل الكليجة، حيث تجتمع نساء الحي ويتساعدن في صنعها في سهرات رمضان بعد الإفطار.

أبناء دمشق يحزنون لفراق رمضان

وفي العاصمة دمشق يرى أمين الحبال، تاجر، أن العادات لا تختلف عن باقي المحافظات، وفي الأيام الأواخر من رمضان تستعد العائلات الشامية لتحضير حلوى العيد، مثل (المعمول والسمبوسك الحلوة وخبز السرايا واللقيمات وكب كيك الكنافة وتمر محشو بالكريمة والمكسرات).

وفي أواخر شهر رمضان تنتشر في شوارع وأسواق دمشق الأناشيد الدينية التي تعبر عن لحظات فراق ووداع شهر الصوم، ومن هذه الأناشيد التي تقال في هذه المناسبة نشيدة مطلعها: (فودعوه ثم قولوا له: يا شهرنا قد آنستنا…) وتقال هذه النشيدة يومي الثامن والعشرين والتاسع والعشرين من الشهر الكريم.

طقوس رمضان والعيد عند السوريين التي وإن غاب أو تراجع بعضها، إلا أنها ما زالت تميز السوريين بطقوس دينية واحتفالية تعكس المحبة والتآخي والخير الذي يكرسه الشهر الفضيل.

المصدر: الوكالة العربية السورية للأنباء

كلمات دلالية: رمضان والعید

إقرأ أيضاً:

مشاهد رمضانية في ميزان النقد!

يعتبر النقد بمثابة الأداة السلوكية التي تقوم بتوجيه المجتمع، والنقد مهم سواء على الصعيد الشخصي أو المجتمعي، وتتنامى أهمية النقد الذاتي، على الصعيد الشخصي وفاعليته بمدى توظيف الشخص لنتائجه في الحياة العملية وهو ما قاله الكاتب أسامة اليماني في أحد مقالاته الإلكترونية، والذي يعتبر أن النقد هو استدراك للأخطاء وتصحيحها، والمباشرة في المضي بخطوات واثقة نحو مسار ناضج، وقويم، والغاية من النقد تقويم السلوك، والفكر، والارتقاء بمستوى الخدمة وتطويرها، وتصحيح المسار ورفع الفعالية بكل أبعادها.

إذن نحن نتفق معه على أننا كبشر بحاجة ماسة إلى النقد على الصعيد المجتمعي، وذلك بجعل النقد جزءا من مناهجنا التعليمية والتوجيهية في كل المستويات وأفرع الحياة بشكل عام.

إذن دعونا نسلط الضوء النقدي على ما يحدث في شهر رمضان الفضيل من خلال رصد بعض الظواهر التي أصبحت نمطا سلبيا يؤثر على روحانية الشهر الفضيل في كل عام.

في الحقيقة لم أستطع تحريك بوصلة الحديث نحو زاوية واحدة وأختصرها، بل ظهرت أمامي عدة زاويا جعلتني أسلط الضوء حول عدد منها، لعل في ذلك تنبيه وتذكير، ومراد خير ونصيحة محب لمجتمعه.

أولى الزوايا تبدأ لحظة انطلاق السباق الرمضاني في إنتاج المسلسلات والبرامج التلفزيونية والحصول على الكم الهائل من الإعلانات التجارية خلال بث الحلقات من خلال كم هائل من القنوات الفضائية على اعتبار أن هذا الشهر فرصة لتجمع العائلات وإشغال أوقاتهم دراميا دونا عن بقية أشهر السنة.

ولذا أصبحت المائدة الرمضانية «متخمة بالأعمال الدرامية» تدر ربحا وفيرا على شركات الإنتاج سواء كان مسلسلا دراميا تمتد حلقاته على مدار الشهر الفضيل، أو برامج المسابقات، أو برامج المقالب وغيرها من الإنتاج التلفزيوني السنوي الذي يغذي خارطة البث التلفزيوني على مدار الساعة.

هناك مفارقة عجيبة تم رصدها هذا العام بشكل أكثر من غيره، فمن الملاحظ أن هناك حالة من التذمر والسخط لدى مجموعة كبيرة من المشاهدين لبعض المسلسلات التلفزيونية واتهامها بعدم ملامستها احتياجات المشاهد العربي في هذا الشهر المبارك، وبالتالي تجعل المشاهد لا يجد منها أي قيمة أخلاقية أو دينية، خصوصا وأن بعض المسلسلات -كما يصفها الجمهور- لا تتناسب مع حرمة الشهر الفضيل لاحتواء بعضها على المرادفات والمشاهد غير المناسبة، وأحيانا تتضمن بعض المسلسلات «عبارات خارجة» لا تليق بهذا الشهر الفضيل، ولكن العجب العجاب أن مثل هذه الملاحظات حول هذه المسلسلات بالذات «تحقق نسبة عالية» من المشاهدات اليومية، ترى ما هو السر في ذلك!.

الزاوية الثانية: أصبحت الكثير من الأسر تتحمل أعباء مالية كبيرة من أجل توفير مستلزمات المائدة الرمضانية العامرة بما لذ وطاب على مائدة الإفطار اليومي، والتي تضغط كثيرا على موارد الأسرة من الناحية المالية، فتكثر في هذا الشهر أصناف الطعام، وتنشط التجمعات العائلية والتي تسمى بـ«العزومات»، وقائمة من الأطباق اليومية يطول ذكرها، وللأسف هناك إسراف كبير في إعداد الطعام الذي تمتلئ به سلال المهملات.

من جهة ثانية، تلعب إعلانات الفطور في المطاعم والوجبات اليومية دورا في استقطاب الصائمين خلال الشهر الفضيل، فالإعلانات الترويجية تعج بها وسائل التواصل الاجتماعي والمنصات التفاعلية بشكل ملفت للنظر، فإفطار ليوم واحد في مطعم معين لعائلة واحدة مكونة من خمسة أفراد على سبيل المثال يكلف مبلغا ماليا كبيرا، علما بأن الإنسان بعد الإفطار يشعر بالشبع تلقائيا!.

الزاوية الثالثة والمحورية: وهي كثرة عدد المتسولين وزوار المنازل في شهر رمضان على وجه التحديد، وهي ظاهرة تحدث عنها الكثير من الناس ونبهت لها الجهات الرقابية والفرق المسؤولة عن مكافحة هذه الظاهرة، إلا أن هناك إصرارا واضحا على الاستمرار في « التسول».

من المؤسف حقا أن نقول بكل أمانة إنه لاتزال هذه الظاهرة تشكل مظهرا غير حضاري أو ديني لواجهة الوطن، وأمام العطاء المتواصل، جعل من «التسول» مهنة معتمدة يمتهنها بعض الناس، تؤذي الآخرين وتسبب لهم الحرج، بينما يغنم المتسولون أموالا طائلة، فمن خلال أسبوع واحد يجمع بعض المتسولين مئات الريالات، أما الحصيلة في نهاية الشهر الفضيل فتصل إلى آلاف الريالات وربما يتم استخدامها وتوجيهها إلى أمكان خطرة!

جميعنا يدرك قيمة وأهمية الإنفاق والصدقات وتقديم المساعدات، لكن مع هذا الخلط ما بين «المحتاج والمحتال» يضيع الثواب، ويبخس المحتاج المتعفف عن التسول، وأيضا الأموال التي تمنح كصدقة أو مساعدة لا توجه إلى مستحقيها بل تضيِّع على المحتاجين حقا من حقوقهم الإنسانية، وهذا أمر محزن للغاية.

إن تعمد استيقاف الناس في الطرقات، واستعطاف المصلين في فناء المساجد والجوامع، وطرق الأبواب على الآمنين فيها، أصبح مصدر إزعاج يومي، وأمرا ملفتا للنظر، ويعطي انطباعا سيئا عن المجتمع الذي نحن نسيجه.

الزاوية الرابعة: بعض الشباب حتى هذه اللحظة لا يدركون قيمة المحافظة على الصلاة في المساجد، وأيضا لا يستغلون أوقات رمضان في قراءة القرآن أو القيام بأي أعمال تعود عليهم بالنفع والفائدة، بل أصبح رمضان يمثل لهم شهر السهر والنوم والكسل وهذه نقطة بالغة الأهمية يجب درؤها واستغلال رمضان بالأعمال الصالحة، فرمضان شهر الطاعات والعمل والنشاط وليس عكس ما نراه من بعض الشباب الذين يقلبون ليلهم نهارها ونهارهم ليلا، ولله الحمد هذا العام كانت الأجواء الرمضانية جميلة.

أخيرا نسأل الله تعالى أن يتقبل منا صالحات الأعمال، وأن يعيد علينا هذا الشهر الفضيل وطننا الغالي يرفل بالأمن والأمان.

مقالات مشابهة

  • الحصيني: الحسابات الفلكية تشير إلى أن رمضان 29 يومًا والعيد الأحد
  • عبدالعزيز الحصيني: الحسابات تظهر بداية شهر رمضان ناقصة والعيد غدًا الأحد
  • أهالي محافظة درعا يحافظون على طقوس العيد المتوارثة
  • ترمز للفرح والكرم… بالحلويات والمكسرات يستقبل أهالي حماة العيد
  • مشاهد رمضانية في ميزان النقد!
  • هل يحتكر شهر رمضان روحانيتنا؟
  • «الأزهري» و«جمعة» يتفقدان إحدى الخيم الرمضانية التي تنظمها الأوقاف بالتعاون مع مصر الخير
  • عائلة معتصم تعيش طقوس رمضان في الضفة الغربية وسط الدمار
  • تراث وأصالة.. البشوت تتربع على عرش أزياء العيد في الشرقية
  • فلسفة العيد التي علينا البحث عنها