بين تاريخين قراءة في رواية «ج» للكاتب عبدالله الزماي
تاريخ النشر: 26th, March 2025 GMT
تقدم رواية «ج» للدكتور عبدالله الزماي والصادرة عن دار رشم، تجربة سردية تتجاوز البعد الشخصي لتلامس موضوعات أوسع، مثل الذاكرة الجمعية، والهوية القروية، والتفاوت الاجتماعي، حيث تشكل القصة الإطار وسيطًا يعكس تناقضات الحياة، وقد أشار جيرالد برنس إلى أن «القصة الإطار ليست مجرد تقنية شكلية، بل هي وسيلة لخلق تعددية في المنظور السردي، مما يسمح بتقديم رؤية أعقد للحدث الروائي».
يُبنى العمل على فكرة القصة الإطار، حيث تسرد الرواية رغبة المؤلف في كتابة عمل تاريخي حول نشأة المملكة العربية السعودية. غير أن هذه النية تتحول إلى انشغال بأحداث أخرى، حين يجد نفسه أمام ما يصفه بــ«الرواية الجاهزة»، والمتمثلة في مجموعة من الأوراق والمذكرات التي كتبها أخوان، هما محمد وعبدالله، واللذان عاشا في قرية صغيرة تدعى «جيم». تعتمد بنية الرواية على التناوب في السرد بين الأخوين، مما يشي باقتناع السارد بأن التاريخ والنشأة لا ينفك عن الجماعة الاجتماعية وتحولاتها، إذ تتداخل الرؤى والمشاعر بين الشخصيتين الرئيسيتين، وهو ما يمنح الرواية بعدًا نفسيًا واجتماعيًا يعزز عمقها الدرامي ويعيد التأمل في مفهوم التاريخ الذي يتشكل عبر معادلة المكان وشخوصه وتقلبات الزمن.
يبدأ السرد بفصل يحمل عنوان «محمد»، وهو مستلهم من مذكراته الشخصية، حيث يتناول فيه يوم «البسطة» في قرية «جيم»، وهو اليوم الذي تفضل فيه النساء الخروج والسير في الأماكن العامة، وإن أتيحت لهن الفرصة، استقلال العربات. يركز السرد في هذه المرحلة على تصوير الحياة اليومية في القرية من خلال منظور الطفل محمد وقد أتصور أنها بديل عن «الرواية التاريخية» إذ يتحول البطل إلى نموذج مصغر لعين تدرك المكان تاريخًا ونشأة وحلمًا. يبدأ التاريخ بإدراك الطفل لما حوله ومحاولاته لتكوين مجموعة من العلاقات الاجتماعية؛ فيبدأ السرد بأقربها وهي علاقته بأخيه عبدالله، فيستعرض لحظات الطفولة التي تجمعهما، مما يعكس طبيعة الروابط الأسرية في البيئة القروية على مستوى مباشر، كما يعكس رغبة الفرد في توطيد علاقته بالجماعة أو فهم مراحل تشكلها. وتقوم تفاصيل الحياة في القرية بعرض قوانين هذا المشترك التاريخي حيث تظهر التقاليد والعادات الحاكمة للسلوكيات العامة، مثل أعراف السير في الشوارع، وارتياد السوق، وطبيعة التعامل مع النزاعات الاجتماعية.
مع تطور وعي محمد، يبدأ في إدراك أن «المدينة» تمثل عالمًا مختلفًا عن قريته الصغيرة، حيث إنها مقصد المرضى والمسجونين والمتوفين، فضلاً عن امتلاكها سراديب خفية تجعلها عالمًا مخيفًا وغير مألوف مقارنةً بالقرية. وأجد من خلال هذا التباين، انكشافا لمفهوم التحول المكاني في الوعي الفردي، إذ إن خروج الطفل من حيزه المحدود ومقارنته بعوالم أخرى يولّد لديه إدراكًا جديدًا لموقع قريته في سياق أوسع ربما يمثل إدراك الإنسان لوجوده وماهيته وسط هذا العالم. وهذا ما يتقاطع مع رؤية ميشيل دي سيرتو عندما يقول: «المكان ليس مجرد فضاء جغرافي، بل مجموعة من العلاقات المتبادلة بين الأفراد الذين يقطنونه، ويُعاد تشكيله وفقًا لخبراتهم ورؤاهم الخاصة».
تتناوب البطولة بين محمد وعبدالله، مما يتيح استعراض تفاصيل الحياة من زاويتين مختلفتين تسمح علاقتهما الأخوية بتدعيم فكرة الفوارق الفردية الإدراكية للجماعة الواحدة؛ خاصة حين يتسم السرد بدفقة شعورية مكثفة، حيث تتجلى مشاعر النمو والتنافس والحميمية والمحبة بين الأخوين في سياق الإحساس بالمسؤولية لدى الأخ الأكبر محمد تجاه عبدالله، وشعور الأخير بامتياز أخيه الكبير، مما يخلق توازنًا دقيقًا في العلاقة بينهما مع إتاحة فرصة تقبل تباين الوعي لدى أفراد الجماعة الواحدة، حيث يتداخل الشعور بالمحبة مع مشاعر التنافس الطفولي. لا يغفل النص إبراز علاقة الأخوين بعائلتهما، مما يرسّخ صورة العائلة بوصفها كيانًا أساسيًا يورث عددًا من القيم والسلوكيات الاجتماعية والنفسية التي يرى فيليب أرييه فيها «العلاقة بين الأشقاء في النصوص الأدبية تعكس طبيعة التكوين الاجتماعي، حيث تُمثل الأسرة فضاءً لبناء الهوية والتجربة الشعورية». وتستميل معها إعادة النظر في التاريخ المتوارث للشعوب الذي يشكل بدوره دافعًا اجتماعيًا على مستوى أصغر متمثلًا في الأخوين.
مع تقدم السرد، تنمو معرفتنا بالمكان «جيم» بالتوازي مع نمو وعي البطلين، خاصة عند خروجهما من حيز القرية الضيق ومقارنتها بقرية «جويم»، التي تبدو لهما أكبر حجمًا وأكثر حداثة. هذا التباين بين القريتين يعكس اختلاف درجات التطور الاجتماعي والعمراني بين المناطق الريفية، كما يمثل على مستوى آخر الدهشة التي تجتاح الإنسان حين ينتقل من محيط آمن خاص محدود وضيق إلى مساحة أرحب تمثل الآخر الحضاري. ويسلط عبدالله الضوء على كيفية تأريخ الأحداث في قريته من خلال الذكريات والمواقف التي حدثت لأفرادها، وهو ما يشير إلى دور الحكي الشعبي والتاريخ الشفوي في تشكيل الذاكرة الجمعية. ووفقًا لما يؤكده بول ريكور فإن «الذاكرة ليست مجرد استرجاع للوقائع، بل هي إعادة بناء مستمرة تتأثر بالسياق الاجتماعي والتجربة الفردية». سيثري السرد سياقه الاجتماعي بعدد من الأحداث الخاصة وفي سياق ذلك يتناول حادثة مقتل «غازي» على يد «زيد»، حيث اتُّهم الأول بالتلصص واستراق النظر إلى «حوش الحريم» في بيت «آل زيد». يعكس هذا الحدث طبيعة القيم الأخلاقية السائدة في المجتمع، التي تشكل مفهوم «الشرف» كحجر الأساس في العلاقات الاجتماعية، وغالبًا ما يكون مصحوبًا بعواقب قاسية تصل إلى حد القتل والثأر. وتعيدنا هذه التفصيلات إلى إدراكنا لقوانين الحضارة التي لا تتشكل سوى عبر تقنين مجموعة من الأعراف الأولى تماما كما حدث خلال هذه الحادثة. فتقدم الرواية نقدًا ضمنيًا للبنية الاجتماعية التي تحكمها الأعراف والتقاليد المتوارثة، حيث تبرز القصة كيف يتم تأويل الأفعال والممارسات في ضوء معايير صارمة.
هكذا يتجلى عالم الطفولة في الرواية بوصفه مرآة تعكس موقع القرية ضمن محيطها الأوسع، ويصبح بديلا لفكرة «التاريخية» مستعرضا الفوارق الاقتصادية والاجتماعية داخل الجماعة الواحدة كنموذج مصغر للعالم الأكبر. فبينما يعتمد الأطفال القرويون على ابتكار ألعابهم من المهملات والأدوات البسيطة، فإن «علي» ابن الخالة القادم من الرياض يظهر كنموذج للحياة الأكثر تطورًا، حيث يجلب معه ألعابًا حديثة تعكس تطور الحياة في المدينة مقارنةً بالريف. يعكس هذا التباين الفجوة بين أنماط الحياة المختلفة، كما أنه يُبرز شعور الأطفال القرويين بالانبهار وربما الإحباط عند مواجهة أشكال الحياة الحديثة. وتؤكد ماري لور رايان أن «السرد من منظور الطفل لا يهدف إلى إعادة إنتاج الواقع فقط، بل يسهم في خلق نوع من الإدراك التأويلي الذي يعيد صياغة الحدث وفق حساسية خاصة».
تنتهي الرواية بخاتمة تُفسر وجود الحكاية، حيث يتحدث محمد عن الدافع وراء كتابة هذه الأوراق، مشيرًا إلى رؤيته لأخيه عبدالله وهو يكتب، وعدم رغبته في الاطلاع على ما يكتبه خشية اكتشاف شيء يؤذيه، مما يشير إلى العلاقة المعقدة بين الكتابة والذاكرة، حيث تصبح الكتابة وسيلة لإعادة بناء التجربة ومراجعتها، لكنها في الوقت ذاته تحمل خطر المواجهة مع الماضي. ويأتي بعد ذلك «أبو فهد»، ليعثر على مذكرات الطفلين داخل منزل اشتراه في القرية ليتمم القصة الإطار ويبررها، ويتخذ من تعليقه ما يؤكد صدق المنظور الطفولي، مع الإشارة إلى أن بعض مجريات الأحداث قد لا تكون واضحة تمامًا للأطفال، كما يحدث تمامًا في تناول التاريخ الأكبر أحيانًا.
د. زينب محمد عبد الحميد ناقدة ومترجمة
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: مجموعة من
إقرأ أيضاً:
منح ميدالية الاستحقاق من الدرجة الثانية لـ 102 مواطنٍ ومقيمٍ لتبرعهم بالدم 50 مرة
صدرت موافقة خادم الحرمين الشريفين على منح ميدالية الاستحقاق من الدرجة الثانية لـ 102 مواطنٍ ومقيمٍ؛ لتبرعهم بالدم 50 مرة، وفيما يلي أسماء المتبرعين الممنوحين ميدالية الاستحقاق:
محمد بن إبراهيم بن عبدالله السياري، المقدم/ أحمد بن ملفي بن مبارك العتيبي، الوكيل رقيب متقاعد/ أحمد بن عباد بن حمد الشمري، يوسف بن حجي بن عبدالله الهاشم السيد، نايف بن عبدالله بن صالح الضحيان، هلال بن عيد بن عاطي العمراني، خالد بن رزق بن فارس الروضان، عبدالرحمن بن صالح بن ناصر العليان، ماجد بن ناصر بن إبراهيم الرشود، جعفر بن علي بن محمد الشواكر، طارق بن عبدالله بن حمزه الوهيبي، سليمان بن عبداللطيف بن داود الجعيلي، عبدالرحمن بن محمد بن عبدالرحمن السعيدان، سلمان بن محمد بن علي السحيلي، سلمان بن سعيد بن خضر الزهراني، ماجد بن ناصر بن زيد القحيز، باسم بن ياسين بن محمد الغدير، فهد ابن عبدالرحمن ابن محمد الجناحي، فهد بن عادل بن حسين العامر، علي بن طاهر بن أحمد العيسى، وليد بن سليمان بن إبراهيم الوهيب، ياسر بن يوسف بن حسن الفوز، محمد بن إبراهيم بن عبدالرحمن العومي، علي بن محمد بن علي مسرحي، النقيب الطبيب/فهد بن محمد بن سلطان الفراوي، الرائد/ ظافر بن ناصر بن عوظه ال زمام، عبدالرحمن بن خالد بن عبدالعزيز العثمان، الرائد الفني/ يوسف بن بديع بن سعود البديع، المقدم/ أحمد بن محمد بن سبيت السبيت، الوكيل الرقيب/ فيصل بن حسين بن إبراهيم عسيري، المهندس/ محمد بن عبدالعزيز بن سالم التركي، حسين ابن علي ابن حسين الصالح، علي بن فالح بن ملحق العتيبي، عيناء بنت أحمد بن عتيق الغامدي، غازي بن جمعه بن غازي الخيبري، فايز بن معصوم بن محمد باز، أحمد بن سالمين بن ناصر بن شملان، نواف بن عبدالله بن إبراهيم بن دايل، نواف بن سلمان بن عبدالعزيز الربيع، محمد بن عبدالعزيز بن محمد العيسى، سلطان بن محمد بن مهدي البقمي، الرقيب/ عبدالكريم بن ضيف الله بن مصلح النفيعي، المقدم/ فارس بن فهد بن علي الدغيثر، الرقيب أول/ عثمان بن محمد بن علي الشهري، سعد بن عيد بن عبدالهادي الهاجري، الوكيل الرقيب/ سعيد بن أبو طالب بن سعيد المعشي، محمد بن عبدالرحمن بن أحمد عيسى، العريف/ نصار بن عبيد بن بيوض الذيابي، الوكيل الرقيب/ ناصر بن حسين بن أحمد الجويهر، الوكيل الرقيب/ إبراهيم بن هلال بن إبراهيم العصيمي، العميد/ فهد بن محمد بن راشد الغفيلي، محمد بن داود بن سليمان العسافي، الوكيل الرقيب/ عبدالله بن حسن بن رشود الدوسري، بدر بن محمد بن أحمد حجازي، خالد بن عبدالرحمن بن علي الهمش، نايف بن فايز بن سعيد الشهري، الرئيس رقباء/ محمد بن عبدالرحمن بن محمد الزهراني، مهدي بن سالم بن علي ال سوار، الرقيب/ عون بن محمد بن ابن عبدالله السهلي، فريد بن عبدالعزيز بن حمد الحسيني، عبدالله بن محمد بن حمود الشهري، فرحان بن وليد بن إسماعيل البوعينين، لمياء بنت عثمان بن أحمد التويجري، محمد بن اكليفيخ عايض الهاجري، محمد بن ناصر بن علي الجمعه، بندر بن ناصر بن محمد بن سند، تركي بن فيصل بن محمد قباني، الرقيب/ فايز بن سعد بن مشخص المطيري، تركي بن صالح بن عبدالعزيز العقيل، بندر بن عايد بن فرحان الشراري، عبدالرحمن بن عبدالله بن محمود مفتي، متعب بن عزو بن محمد العنزي، الرقيب/ ماجد بن مردود بن ميس العنزي، مسفر بن حمد بن محمد القحطاني، محمد انس عبدالكريم السمك، غالب بن عايض بن سافر العتيبي، عبدالله بن محمد بن عبدالوهاب مجثل، المقدم/ بدر بن سلطان بن هادي الشمري، محسن بن محمد بن علي النجراني، عبدالحكيم بن سعد بن عبدالرحمن البريدي، المقدم/ محمد بن عقاب بن عقاس بن محياء، عبدالرحمن بن سليمان بن عبدالله اليوسف، المقدم/ خالد بن محمد بن جريس الجريس، محمد بن تركي بن حمد الحمد، سعد بن خليفة بن أحمد العمر، حمدو حسين أحمد النبهان، تسنيم زاهد حسين، محمد يامن البساتنه، أحمد عبدالواحد مهبوب الحميري، نصر أحمد لاذقاني، مراد غالب حزام المجيدي، هاشم نعيم الزعيم، جمال محمد نبيل شلبي، ماجد علي محمد العليمي، ماهر حكمت شوقي الأرناؤط، عصام إبراهيم عامر أحمد عيسى، خالد خاطر أبو النعاج، عصام عبدالله عبدالحميد حسن حجو، مبخوت عبدالله صالح باقطيان، محمد عزالدين شرايرة، شادي عبدالرحمن المشهراوي، ماجد عمر سنجاب.