بين المصالح وملء الفراغ.. ألمانيا تقود حراكا أوروبيا نحو دمشق
تاريخ النشر: 26th, March 2025 GMT
في خطوة لافتة، زارت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك مع نائب رئيس البرلمان الأوروبي آرمين لاشيت، يوم 20 مارس/آذار الجاري، دمشق والتقت أثناءها الرئيسَ أحمد الشرع ووزير الخارجية أسعد الشيباني، أكدت خلالها دعم سوريا.
كما شهدت الزيارة إعادة فتح السفارة الألمانية في دمشق بعد 13 عاماً على إغلاقها، وتعيين المبعوث الألماني إلى سوريا شتيفان شنيك قائما بأعمال السفارة إلى حين تعيين سفير لاحقا.
وتعد هذه الزيارة الثانية من بيربوك إلى دمشق بعد زيارتها الأولى مع وزير الخارجية الفرنسي في 3 يناير/كانون الثاني الماضي، والتي شكلت في حينها محاولة استكشاف هوية الإدارة الجديدة ومدى قدرتها على أن تأمين الاستقرار بعد سقوط نظام الأسد.
ولم تخل الزيارة أيضا، في حينها من رسائل حازمة وجهتها إلى دمشق، أكدت فيها على ضرورة حماية الأقليات واستعادة الأمن، وربطت رفع العقوبات بمدى التزام دمشق بمسار الانتقال السياسي ومشاركة كافة مكونات الشعب السوري في الحكومة.
نناقش في هذا التقرير السياقات المحلية والإقليمية لهذه التحركات الأوروبية والدلالات الإستراتيجية والسياسية لها، والأهداف التي يتوخاها الأوروبيون من مسار التقارب مع دمشق.
إعلان توقيت التحركات الأوروبيةتعكس خطوة افتتاح السفارة الألمانية في دمشق رغبة الأوروبيين في الانفتاح على الإدارة الجديدة في سوريا، خاصة وأن هذه الخطوة جاءت عقب سلسلة من التطورات المحلية والإقليمية التي شكّلت ملامح المشهد السياسي السوري في المرحلة الانتقالية.
بدأت تلك التطورات بانعقاد مؤتمر النصر في 30 يناير/كانون الثاني الماضي، والذي شهد تعيين أحمد الشرع رئيساً للمرحلة الانتقالية، ثم تبعه مؤتمر الحوار الوطني في 25 فبراير/شباط، وفي 6 مارس/آذار تمكنت دمشق من إجهاض محاولة فلول نظام الأسد مع أطراف إقليمية الانقلاب على الإدارة الجديدة في الساحل السوري واستدعاء التدخل الخارجي وتفجير الصراع الطائفي.
وجاءت زيارة الوزيرة الألمانية أيضا، بعد توقيع الرئيس الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية "قسد" مظلوم عبدي، في 10 مارس/آذار اتفاقاً يقضي بدمج قسد ضمن الحكومة السورية.
وقد أشادت بيربوك أثناء الزيارة بالاتفاق الذي جاء بعد أسبوع من إصدار الإعلان الدستوري في 13 مارس/آذار، ما عزز الثقة الألمانية والأوروبية في مسار المرحلة الانتقالية وخطواتها والتي يبدو أن الاتحاد الأوروبي يقابلها بمزيد من خطوات الانفتاح على دمشق بناء على مبدأ خطوة مقابل خطوة.
وكان الاتحاد الأوروبي، قد أعلن في 24 فبراير/شباط الماضي تعليقَه العقوبات المتعلقة بقطاعات الطاقة والبنوك والنقل لتخفيف المعاناة عن الشعب السوري.
كما تأتي الزيارة بعد 3 أيام من تعهد الاتحاد الأوروبي في مؤتمر بروكسل للمانحين الذي عقد 17 مارس/آذار بتقديم 2.5 مليار يورو لدعم السوريين داخل سوريا وفي المنطقة في عامي 2025 و2026. كما تعهدت ألمانيا وحدها بتقديم مساعدة جديدة لسوريا بقيمة 300 مليون يورو.
إعلانوليست محاولات روسيا لاستعادة علاقاتها مع دمشق والمحاولات الإيرانية لزعزعة الاستقرار في سوريا بمعزل عن الزيارة وأهدافها.
أهداف الانفتاح الألماني والأوروبيتهدف التحركات الأوروبية والألمانية في مساعي الانفتاح المتصاعد تجاه دمشق إلى تحقيق المصالح الأوروبية على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية، في ظل تقييم غربي عام يتمسك بانطواء المرحلة الانتقالية في سوريا على فرصة إستراتيجية لإعادة رسم خريطة التوازنات في المنطقة واستعادة أوروبا دورَها الفاعل في محيطها القريب.
استعادة النفوذ الأوروبي في الجوارتعبر المساعي الأوروبية بقيادة ألمانيا للانفتاح والتقارب مع سوريا عن رغبة في استعادة دور فاعل بعد سنوات طويلة سبقت الثورة السورية، شهدت فشلا أوروبيا في استمالة دمشق إلى المعسكر الغربي.
كما يأتي هذا الانخراط كرد فعل على الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة، مما دفع أوروبا إلى التعامل مباشرة مع الإدارة الجديدة في سوريا لضمان مصالحها.
ويتصل هذا التحرك بسياق أوسع يتعلق بالإستراتيجية الدفاعية الأوروبية الجديدة طويلة الأمد، وتقوم في بعض تفاصيلها على عدم ترك الساحة السورية مجددا لروسيا وإيران، إضافة إلى تأمين الحدود البحرية مع دول حوض المتوسط.
تقوم هذه الإستراتيجية على تعزيز القدرات الدفاعية، وعقد التحالفات، وإحياء نفوذ أوروبا في محيطها الحيوي الذي تشكل سوريا جزءا منه، خصوصًا بعد التحديات التي واجهتها القارة بسبب سياسات ترامب السلبية تجاه أمن القارة الأوروبية، والتهديد الروسي الدائم لأمن القارة، ومنع ظهور تنظيم داعش من جديد في المنطقة، وهذا ما يجعل من سوريا ركيزة أساسية في الإستراتيجية الأوروبية.
يبدو أن موسكو تقرأ التحركات الأوروبية جيدا، خصوصاً بعد تصريحات بيربوك قبل زيارتها الأولى إلى دمشق، والتي طالبت الأخيرة بإخراج القوات الروسية من سوريا، ما دفع الرئيس بوتين إلى إرسال رسالة للرئيس الشرع في نفس اليوم الذي وصلت فيه بيربوك إلى دمشق في زيارتها الثانية.
إعلانعبر بوتين في رسالته عن دعمه جهودَ الحكومة الرامية إلى استقرار الوضع في البلاد واستعداد موسكو للتعاون مع دمشق، وذلك بعد التصريحات الروسية السلبية تجاه دمشق في مجلس الأمن الدولي على خلفية أحداث الساحل، وقيام موسكو بدور سلبي فيها من خلال استقبال فلول النظام في قاعدة حميميم.
في ظل التنافس مع روسيا، التي تسعى للحفاظ على قواعدها العسكرية، وتركيا، التي تدعم الحكومة السورية، يبدو أن ألمانيا ترغب في أن تكون جزءاً من تشكيل المستقبل السوري بدلاً من تركه للقوى الإقليمية فقط.
إبعاد إيرانمع تصاعد التوتر بين الولايات المتحدة وإيران في المنطقة ترفض ألمانيا والاتحاد الأوروبي محاولات إيران استعادة نفوذها في سوريا عبر تجميع فلول النظام السابق وإعادة إنتاج أذرعها، خاصة في الساحل السوري على البحر المتوسط.
وقد وجهت الوزيرة الألمانية الاتهام المباشر لإيران بكونها أحد الأطراف الأساسية التي تقوم بانتهاك السيادة السورية والوقوف وراء الأحداث الأخيرة في الساحل.
استقرار يسمح بعودة اللاجئينتستقبل ألمانيا العدد الأكبر من اللاجئين السوريين في الاتحاد الأوروبي، حيث بلغ عددهم نحو 973 ألف سوري في نهاية عام 2023.
ومن الواضح، أن الدعم الألماني والأوروبي السياسي والاقتصادي لدمشق يهدف إلى المساهمة في بناء استقرار مستدام يسمح بعودة اللاجئين، أو على الأقل عدم تصدير المزيد منهم، بتخفيف العقوبات تدريجيا، وتقديم المساعدات الإنسانية وإعادة إعمار سوريا، ودعم عملية سياسية شاملة لكل مكونات الشعب السوري.
وفي هذا الإطار أعلنت وزارة الداخلية الألمانية في 18 فبراير/شباط الماضي، أنها لا تزال تعمل على وضع حل "لتمكين السوريين من القيام برحلات قصيرة الأمد إلى وطنهم دون فقدان وضع الحماية الخاصة بهم من أجل تقييم الوضع هناك استعدادا لعودة طوعية دائمة".
إن موقع سوريا على طريق الحرير التاريخي، يعطيها أهمية كبيرة بالنسبة للاتحاد الأوروبي.
كما أن التحرك الأوروبي للبحث عن بديل للغاز الروسي، وكذلك الغاز الأميركي مرتفع التكلفة، ربما يعزز رغبة أوروبا بالتحديد في البحث عن موطئ قدم لها في سوريا، خصوصاً، أن المياه الإقليمية السورية تحتوي مخزونا كبيرا بحسب دراسات فنية، لكنه لم يتم التنقيب فيها عن الغاز بعد.
وقد تُقدم الحكومة السورية على إلغاء اتفاقية التنقيب عن الغاز مع روسيا التي وقعت عام 2013 في حال حصلت دمشق على عرض من ألمانيا التي تمتلك تكنولوجيا متطورة في التنقيب والاستخراج للغاز، وفي هذا السياق يمكن، أن نشهد إحياء اتفاقية الشراكة الأوروبية السورية التي جمدها النظام السابق عام 2009.
تمثل الخطوات الألمانية والأوروبية تجاه دمشق نقطة تحول في العلاقات السوريةـ الأوروبية، مدفوعة بمصالح إستراتيجية تشمل محاولة ملء الفراغ الأميركي السلبي تجاه سوريا، وقطع الطريق على محاولات روسيا العودة للاستفراد بنفوذها ومواجهة المحاولات الإيرانية لزعزعة الاستقرار بعد خسارتها الإستراتيجية بسقوط نظام الأسد.
ويبدو، أن العلاقات الأوروبية مع إدارة الرئيس الشرع تطورت تدريجياً منذ ديسمبر/كانون الأول الماضي، حيث تعززت الثقة الأوروبية بدمشق بعد عدد من الخطوات التي خطتها سوريا، مثل الحوار الوطني والاتفاق على دمج قسد في الحكومة.
شكلت أزمة الساحل تحدياً كبيراً للعلاقة، إلا أن مبادرة الشرع لتشكيل لجنة تحقيق وطنية وهيئة للحفاظ على السلم الأهلي والتصرف بمسؤولية وشفافية، واعتقاد الاتحاد الأوروبي بوجود أياد إيرانية فجرت الأحداث في الساحل سيساهم بتجاوزه، وهو ما حمل الاتحاد الأوروبي على تحميل مسؤولية ما حصل فلول نظام الأسد.
وتظهر إعادة فتح السفارة الألمانية، التي أغلقت في 2012، ثقة أولية في استقرار الإدارة الجديدة وقدرتها على قيادة مرحلة انتقالية، مع إشارة إلى استعداد أوروبي لدعم هذا التحول، وهو يشكل في مضمونه اعترافا سياسيا بالإدارة الانتقالية للرئيس الشرع.
إعلانتعتبر ألمانيا اليوم الدولة الأقوى في الاتحاد الأوروبي بقيادة مستشارها الجديد، فريدريش مرتس. وإذا اتخذت خطوات سياسية متقدمة تجاه سوريا، فإن ذلك يعني أن أوروبا ستلحق بها، ويمكن أن تتتابع الدول الأوروبية في فتح سفاراتها بدمشق واستعادة نشاط علاقاتها الدبلوماسية مع سوريا.
تمتلك سوريا فرصة مهمة لإعادة تشكيل علاقاتها وتوازناتها مع الدول الأوروبية، مما يمكن أن يسرع من عملية التعافي في البلاد ويفتح الأبواب أمام الانتقال من مسار الدعم الإنساني إلى مسار إعادة الإعمار الذي يتوقف عليه إنجاز الملفات الأخرى، أبرزها تشكيل حكومة شاملة والبدء بمسار العدالة الانتقالية وصولا إلى تهيئة الأوضاع لعودة اللاجئين.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حريات رمضان الاتحاد الأوروبی الحکومة السوریة الإدارة الجدیدة الألمانیة فی فی المنطقة نظام الأسد مارس آذار فی الساحل إلى دمشق فی سوریا
إقرأ أيضاً:
سوريا: الحكومة الجديدة تضم وجوها قديمة وأقليات.. ما هي رسالة الشرع؟
(CNN)-- أدت الحكومة الانتقالية السورية الجديدة اليمين الدستورية، السبت، بعد قرابة أربعة أشهر من إزاحة عائلة الأسد عن السلطة، في الوقت الذي تعمل فيه السلطات الجديدة في دمشق على إعادة الاستقرار إلى البلاد التي مزقتها الحرب.
وتُعد هذه الحكومة، التي تضم 23 عضوا، والمختلطة دينيا وعرقيا، الأولى في الفترة الانتقالية التي من المقرر أن تستمر لمدة 5 سنوات في البلاد، وتحل محل الحكومة المؤقتة التي تم تشكيلها بعد وقت قصير من إزاحة الرئيس المخلوع بشار الأسد عن السلطة في أوائل ديسمبر/كانون الأول الماضي.
ولا يوجد رئيس لمجلس الوزراء في الحكومة الجديدة، إذ أنه وفقا للدستور المؤقت الذي وقعه رئيس الإدارة السورية المؤقتة، أحمد الشرع في وقت سابق من هذا الشهر، سيكون للحكومة أمين عام.
وتضم الحكومة التي تم الإعلان عنها قبل عيد الفطر، الذي يبدأ في سوريا، الاثنين، وجوها جديدة باستثناء وزيري الخارجية والدفاع. وقد احتفظا بالمناصب التي كانا يشغلانها في الحكومة المؤقتة. ووزير الداخلية السوري الجديد أنس خطاب كان رئيسا للاستخبارات في الحكومة السابقة. وقال الشرع في كلمة بمناسبة تشكيل الحكومة: "تشكيل حكومة جديدة اليوم هو إعلان عن إرادتنا المشتركة لبناء دولة جديدة".
وقال وزير الدفاع مرهف أبو قصرة إن هدفه الرئيسي سيكون بناء جيش محترف "من الشعب وللشعب".
ولم تشمل الحكومة عناصر من قوات سوريا الديمقراطية "قسد" المدعومة من الولايات المتحدة والتي يقودها الأكراد، أو الإدارة المدنية المستقلة في شمال شرق سوريا. وكان الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية، مظلوم عبدي، قد وقّعا على اتفاق تاريخي في وقت سابق من هذا الشهر في دمشق، ينص على وقف إطلاق نار على مستوى البلاد ودمج القوات الكردية المدعومة من الولايات المتحدة في الجيش السوري.
ومن بين الوزراء الجدد الذين أُعلن عن أسمائهم في وقت متأخر من ليلة السبت، هند قبوات، وهي ناشطة مسيحية عارضت الأسد منذ بدء الصراع في مارس/آذار 2011. وقد تم تعيين قبوات وزيرة للشؤون الاجتماعية والعمل.
وهناك وزير آخر هو رائد الصالح، الذي ترأس لسنوات الدفاع المدني السوري، المعروف أيضا باسم الخوذ البيضاء، وتم تعيينه وزيرا للكوارث الطارئة. في حين تم تعيين محمد تركو، وهو كردي سوري مقيم في دمشق، وزيرا للتربية والتعليم.
وتم تعيين محمد البشير، الذي ترأس الحكومة السورية المؤقتة بعد سقوط الأسد، وزيرا للطاقة، وستكون مهمته الرئيسية إعادة تأهيل قطاعي الكهرباء والنفط اللذين تضررا بشدة خلال النزاع.
وتتمثل المهمة الرئيسية للحكومة الجديدة في محاولة إنهاء الحرب وتحقيق الاستقرار في البلاد التي شهدت اشتباكات وعمليات قتل انتقامية في وقت سابق من هذا الشهر في المنطقة الساحلية التي تسكنها الأقلية العلوية. وقد خلف العنف أكثر من ألف قتيل، معظمهم من العلويين والذين ينحدر منهم بشار الأسد.
ومعظم الجماعات السورية التي تدير البلاد الآن من السنة، لكن وجود أعضاء من الأقليات، بما فيهم امرأة واحدة وأعضاء من الأقليات بما في ذلك العلويين هو رسالة من الشرع إلى الدول الغربية التي طالبت بأن تكون النساء والأقليات جزءًا من العملية السياسية في سوريا. ويهدف الإعلان عن حكومة مختلطة دينيا إلى محاولة إقناع الدول الغربية برفع العقوبات الاقتصادية الخانقة التي فُرضت على نظام الأسد منذ أكثر من عقد من الزمن. وتقول الأمم المتحدة إن 90% من السوريين تحت خط الفقر، بينما يواجه الملايين نقصا في المساعدات الغذائية نتيجة الحرب.
وقبل ساعات من إعلان الحكومة، حذرت وزارة الخارجية الأمريكية المواطنين الأمريكيين من تزايد احتمالات وقوع هجمات خلال عطلة عيد الفطر، وقالت إنها قد تستهدف سفارات ومنظمات دولية ومؤسسات عامة سورية في دمشق. وأضافت أن أساليب الهجوم يمكن أن تشمل، على سبيل المثال لا الحصر، مهاجمين فرديين أو مسلحين أو استخدام العبوات الناسفة.