في بلادنا العربية، وفي العالم الذي وصف لعقود بالعالم الثالث، نشأنا وترعرعنا على أن كل شيء يدور حول شخص واحد لا غير: الرئيس أو الملك أو الأمير أو السلطان.
سواء في الإعلام كله أو في تصريحات المسؤولين من أصغرهم إلى أكبرهم.. لا يُذكر اسمه إلا مسبوقا دائما أو ملحوقا بأن لا شيء أنجز إلا بفضله، ولا شيء سيُشرع فيه إلا بأمره، لا سياسة حكيمة إلا ما يسطّره، ولا تعليمات وجيهة إلا ما يسديها، لا يوجد عهد مزدهر إلا عهده، سيئ وتعيس ما كان قبله، رائع وجميل عهده، لا أخيار إلا مؤيدوه ولا أشرار إلا معارضوه، لا أحد أحرص منه على مصلحة البلاد ولا أحد أفضل منه لقيادتها.
المشكل ليس هنا، فقد طبّعت أغلب الشعوب مع هذا المزاج الذي لا يختفي مع ذهاب القائد حتى يعود من جديد مع خليفته وهكذا. المشكل أن هذا «المرض العضال» انتقل اليوم إلى أهم دولة في العالم مع الرئيس دونالد تـرامب الذي عاد إلى البيت الأبيض وقد تورّمت «الأنا» عنده أكثر مما شهدناه في عهدته الأولى.
يزداد المشكل تعقيدا أيضا حين ترى أن الرئيس لم يعد وحده في مدح نفسه بمناسبة وبدون مناسبة، بل جاء أيضا من «يستثمر» في ذلك ويغذّيه بعد ما أدرك أن الرجل يطرب له، وبناء عليه يُكرم المرءَ أو يهينه. بدا ذلك باحتشام لدى بعض المسؤولين الأجانب، درءا لشر قد يلحق ببلادهم إن هم عادوه، لكنه تجلى بوضوح مع سياسيين مختلفين ووزراء ومسؤولين أمريكيين من مستويات مختلفة. بعضهم من مخضرمي الحزب الجمهوري ونوابه وسيناتوراته والبعض الآخر ممن جاءت به أهواء ترامب بلا تاريخ سياسي ولا تجربة. التقى نفخ ترامب في نفسه، الذي لا يتوقف على مدار الساعة، مع نفخ هؤلاء في بلد يفترض أنه بلد مؤسسات من يأتي على قمتها عبر صناديق الاقتراع إنما جاء للخدمة العامة لمرحلة محددة، وبالتالي فلا داعي لتأليه أو منّه هو على الناس أن صار رئيسهم.
«تـرامب أقوى رجل عرفته في حياتي» هكذا قال المبعوث الأمريكي إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف في مقابلة صحافية أخيرة له، لكنه لم يكن الوحيد ممّن بات يدرج الثناء على الرئيس في بداية كلامه أو وسطه أو نهايته، حتى تحوّل الأمر إلى لازمة لا مفر منها.
المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، قد تكون معذورة، بحكم وظيفتها، في الإشارة إلى الرئيس «في الطالعة والنازلة» حتى وهي تتحدث عما هو معروف عن السياسة الأمريكية بالضرورة لعقود كالقول إن الرئيس تـرامب «لا يتردد في الدفاع عن حليفة الولايات المتحدة، إسرائيل».
وزير الدفاع الأمريكي، بيت هيغسيث، في رسالته إلى القوات المسلحة بمناسبة استلامه مهامه أكد «التزامه بتنفيذ المهمة التي كلفه بها الرئيس دونالد ترامب وهي أين وضع أمريكا أولاً وتحقيق السلام من خلال القوة». ربما لم يجد هيغسيث، الميجور السابق في الجيش والمذيع في «فوكس نيوز» قبل تعيينه، ما يعبّر به عن امتنانه لمن عيّنه في أخطر منصب في إدارته سوى كلمات المديح هذه بعد أن وجد نفسه، رغم قلة خبرته، في منصب كهذا على رأس وزارة تقدر ميزانيتها بـ 850 مليار دولار سنويا وتوظّف نحو ثلاثة ملايين بين عسكري وجندي احتياطي ومدني.
وحتى حين أرادت المتحدثة باسم وزارة الخارجية تامي بروس الرد على ما نشرته «سي أن أن» عن أن شخصية ويتكوف طغت على شخصية مارك روبيو وزير الخارجية حتى بدا أنه هو وزير الخارجية الحقيقي، لم تجد ما تقوله في بيانها سوى أن «فرضيتكم خاطئة. لدى الوزير روبيو والمبعوث الخاص ويتكوف علاقة رائعة، وهما يعملان معًا لدفع أجندة الرئيس ترامب».
إذا كل شيء يبدأ من تـرامب ويعود إليه، ولا مانع من جمل المديح ولم لا بعض التزلّف كالذي أبداه نائب الرئيس جي دي فانس في الجلسة الصاخبة في البيت الأبيض مع الرئيس الأوكراني حين تدخل متطوّعا لتقريع زيلنسكي لأنه لم يتوجه إلى الرئيس بعبارات الشكر والعرفان اللازمة لدعم بلاده في حربها مع روسيا.
طبعا ما كان لكل هؤلاء وغيرهم أن يقولوا ما قالوه لولا إدراكهم التام أن ذلك يلقى هوى عند الرجل فيزيده خيلاء، خاصة عندما يجلس في مكتبه البيضاوي وقد تحلّق به الجميع وكأنهم حراسه الشخصيون، لكن الأمر لم يخل مع ذلك ممن يواجهونه بكل شجاعة مثل جانيت ميلز حاكمة ولاية ماين التي أصبحت جملتها التي قالتها في وجهه «نلتقي في المحكمة» على كل لسان. الأمر لم يخل كذلك من طرافة فالكوميدي الأمريكي إيلون جولد، الذي اشتهر ببراعته في تقليد تـرامب، تخيّله وهو يفتخر بأن الله سبحانه وتعالى خلق هذا الكون في ستة أيام بينما هو قادر على خلقه في أربعة أيام!! فيما قال طفل فلسطيني من غزة ساخرا مما قاله تـرامب عن ترحيل أهلها: قبل تـرامب جاء رجل اسمه فرعون، قال أنا ربكم الأعلى، وفي النهاية طلع ما يعرف يسبح!!
(القدس العربي)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات قضايا وآراء كاريكاتير بورتريه البيت الأبيض ترامب امريكا البيت الأبيض ترامب مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات مقالات سياسة مقالات سياسة سياسة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة قضايا وآراء أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة
إقرأ أيضاً:
هل زكاة الفطر لا تجب على الذي عليه دين؟.. دار الإفتاء تجيب
أجابت دار الإفتاء المصرية، عن سؤال يقول سائله: "هل الدَّين يمنع وجوب زكاة الفطر؟"، موضحة حكم الشرع في إخراج زكاة الفطر لمن عليه دين.
أفادت دار الإفتاء، عبر موقعها الإلكتروني، بأن زكاة الفطر واجبة على الصغير والكبير والذكر والأنثى، ولا يمنع الدَّين من وجوبها على المكلف ما دام أنه يمتلك ما يزيد عن قوته وقوت عياله ممن تجب عليه نفقتهم يوم العيد وليلته.
وأضافت دار الإفتاء أن زكاة الفطر فيها من التزكية للصائم، والطُّهْرة له، وجبر نقصان ثواب الصيام، والرفق بالفقراء، وإغنائهم عن السؤال في مناسبة العيد، وجبر خواطرهم، وإدخال السرور عليهم، في يوم يُسر فيه المسلمون، وهذا هو ما ذهب إليه جمهور الفقهاء.
قيمة زكاة الفطرأكدت دار الإفتاء أن أخذ القيمة في زكاة الفطر أقره الرسول صلى الله عليه وسلم كما في حديث معاذ رضي الله عنه السابق، كما عمل ذلك جماعة من الصحابة والتابعين كما ذكرنا سابقا.
كذلك هناك ما يدل على اعتبار النبي صلى الله عليه وسلم للقيمة فقد غاير بين القدر الواجب من الأصناف المنصوص عليها، فجعل من التمر والشعير صاعا، ومن البر نصف صاع كما ورد في رواية صحيحة وأخذ بها عدد من الصحابة وذلك لكونه أثمن الأجناس في عصره.
وتابعت دار الإفتاء: ثم إن ترْكُ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأمرٍ ما لا يدلُّ على عدم جواز فعله، وهذا هو الذي يعبِّر عنه الأصوليون بقولهم: "الترك ليس بحجة"، وهو أمر متفق عليه بين علماء المسلمين سلفًا وخلفًا.
آخر موعد لإخراج زكاة الفطرأكدت دار الإفتاء أن زكاة الفطر يجوز شرعًا إخراجها منذ بداية شهر رمضان وحتى قبل صلاة عيد الفطر، مشيرة إلى أنه يجوز إخراجها نقدًا بدلًا من الحبوب، تسهيلًا على الفقراء في تلبية احتياجاتهم، موضحة أن الفتوى مستقرة على جواز ذلك.
وذكرت الإفتاء أن تأخير إخراج زكاة الفطر إلى ما بعد صلاة العيد وحتى غروب شمس يوم العيد جائز، لكن تأخيرها لما بعد ذلك دون عذر يُعد حرامًا شرعًا، ويؤثم فاعله.
وأضافت أن الزكاة لا تجب على من تُوفي قبل غروب شمس آخر يوم من رمضان، ويجوز إخراجها في غير بلد المُزكِّي، وإن كان الأفضل إخراجها في بلده متى وُجد المستحقون لها.
وفيما يتعلق بأفضل وقت لإخراجها، أكدت دار الإفتاء أن من وُلد له طفل قبل غروب شمس آخر يوم من رمضان وجب عليه إخراج الزكاة عنه، وأنها تُصرف إلى الأصناف الثمانية المحددة في الشرع، ويُخرجها المسلم عن نفسه وعمن يعولهم من زوجة وأبناء.
وشددت الإفتاء على أن من لم يخرجها تظل في ذمته حتى يؤديها، مؤكدة أن إخراجها قبل صلاة العيد هو الأفضل وفقًا للسُّنة النبوية.
على من تجب زكاة الفطر؟أكد الدكتور محمود الطحان، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أنه لا تجب زكاة الفطر إلا على من أدرك غروب شمس ليلة عيد الفطر وهو على قيد الحياة.
وأوضح أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، خلال فتوى له، أنه إذا توفي الشخص قبل غروب شمس آخر يوم من رمضان، فلا تجب عليه زكاة الفطر، حتى وإن أُخرجت عنه، فإنها تُعد صدقة وليست زكاة واجبة، أما إذا أدرك ليلة العيد ثم توفي قبل إخراجها، فيجوز لأقاربه أو ورثته إخراجها عنه، باعتبارها دَينًا في ذمته.
وأشار إلى أن من نسي إخراجها قبل وفاته، فيمكن لأبنائه أو أقاربه إخراجها نيابة عنه، تحقيقًا للمقصد الشرعي، وهو تطهير الصائم مما قد يكون شاب صيامه من لغو أو تقصير، وإدخال السرور على الفقراء والمحتاجين.