المراقبة الرقمية تحمي الأطفال من المحتوى الضار
تاريخ النشر: 26th, March 2025 GMT
دبي: سومية سعد
أكد المشاركون في المجلس الرمضاني الذي نظمته «الخليج» بمنزل المرحوم محمد سعيد الملا، ضرورة تقييد وصول الأطفال والمراهقين إلى مواقع التواصل الاجتماعي، إما بفرض قيود قانونية تحظر إنشاء حسابات لمن هم دون السن القانونية، وإما بتشديد الرقابة الأسرية والتوعية بأهمية الاستخدام المسؤول لهذه المواقع.
وطالبوا في المجلس الذي جاء بعنوان «مواقع التواصل الاجتماعي وأمن الأسرة» بالحفاظ على تماسك الأسرة، في ظل تأثير مواقع التواصل، وتحقيق التوازن بين الحياة الرقمية والواقعية، عبر التواصل المفتوح والتوجيه المستمر من الآباء.
رأى المشاركون في المجلس الذي أدارته منال الجوهري من شرطة دبي، أن مواقع التواصل الاجتماعي أداة قوية لها فوائد كثيرة، لكنها قد تحمل مخاطر تهدد الأسرة والأبناء إذا لم يتم استخدامها بحذر، لذلك، من الضروري اتباع استراتيجيات لحماية الأطفال والمراهقين من المحتوى الضار والتنمر الإلكتروني، لضمان بيئة رقمية آمنة وصحية لهم.
استهلت المجلس عائشة الملا، عضو المجلس الوطني الاتحادي السابق، مؤكدة أن مواقع التواصل أصبحت أداة مؤثرة في تشكيل الأبناء، ومع تزايد تأثيرها السلبي، تتزايد المطالبات بوضع قيود صارمة على استخدامها من قبل الأطفال والمراهقين الذين تقل أعمارهم عن 18 عاماً، كونها تشكل تهديداً للصحة النفسية والسلوكية، خاصة فيما يتعلق بالإدمان الرقمي، وتدني تقدير الذات بسبب المقارنات الاجتماعية، والتعرض لمحتوى غير ملائم.
وأضافت أنه في ظل هذه التحديات، تقع المسؤولية على عاتق الحكومات وشركات التكنولوجيا والأسر، وذلك ضمن بيئة رقمية آمنة توازن بين حرية الوصول إلى المعلومات وحماية النشء من سلبيات مواقع التواصل.
إبعاد الأبناء
أوضحت المحامية علياء العامري، ضرورة إبعاد الأبناء عن مواقع التواصل التي أصبحت تستهلك أوقاتهم بشكل كبير، متسببة في إبعادهم عن العادات والتقاليد الأسرية، وأكدت أن هذه المنصات لم تعد مجرد أدوات للتواصل والترفيه، بل تحولت إلى بيئة خصبة لنشر السلوكيات السلبية التي قد تؤثر على الأجيال الناشئة.
واستعرضت عدداً من القضايا التي تأثرت فيها الأسر بسبب هذه المواقع، من بينها قضية صادمة تتعلق بأم لجأت إلى المحاماة بعد اكتشافها أن ابنتها قامت بسرقة أشياء ثمينة من المنزل لشراء المخدرات، وأوضحت الأم أنها لم تكن تعلم أن ابنتها تعاني الإدمان، لكن بعد البحث تبين أنها تعرفت إلى مجموعة مشبوهة عبر مواقع التواصل، كانوا يوفرون لها المخدرات بطريقة غير متوقعة، حيث كانوا يستخدمون الطائرات المسيّرة «الدرون» لإيصال المواد الممنوعة إلى شرفة غرفتها من دون أن يلاحظ أحد.
وأكدت أن هذه الحادثة تعكس جانباً خطيراً من تأثير مواقع التواصل على الشباب، خاصة عندما تُستغل لجذبهم إلى دوائر خطيرة من الانحراف والإدمان. ودعت إلى فرض قيود صارمة على استخدام الأطفال والمراهقين لهذه المواقع، وتكثيف الرقابة الأسرية.
أثر مواقع التواصل الاجتماعي
قالت أمينة إبراهيم، إن مواقع التواصل الاجتماعي تشكل تحدياً جديداً للعلاقات الأسرية، حيث يمكن أن تؤثر على الترابط العائلي. فمن ناحية، تتيح للأسر البقاء على تواصل مستمر، خاصة في ظل تباعد المسافات والانشغالات اليومية، لكن من ناحية أخرى، قد تؤدي إلى ضعف التفاعل المباشر بين أفراد الأسرة، مما قد يسبب تفككاً اجتماعياً داخل البيت.
فيما قالت مروة آل رحمة، إن مواقع التواصل الاجتماعي تسهم في التأثير على القيم والتقاليد من خلال تعريض الأبناء لمحتويات قد لا تتناسب مع العادات المجتمعية، إضافة إلى خطر الإدمان الرقمي الذي يؤثر على الأداء الدراسي والنشاط الاجتماعي. ومن بين المخاطر البارزة أيضاً الاستغلال الإلكتروني الذي قد يتعرض له الأطفال والمراهقون عبر تواصلهم مع أشخاص مجهولين، إلى جانب إمكانية وصولهم إلى محتويات غير لائقة تؤثر على سلوكياتهم وتوجهاتهم، وشددت على تفعيل أدوات الرقابة الأبوية في الأجهزة والتطبيقات، وتحديد أوقات محددة لاستخدام مواقع التواصل لتجنب الإدمان الرقمي.
أما أسماء المهيري، فطالبت بتحقيق توازن بين الاستخدام الواعي لمواقع التواصل والحفاظ على التفاعل الحقيقي داخل الأسرة، بوضع ضوابط لاستخدامها ومتابعة الأنشطة الرقمية للأطفال دون التعدي على خصوصيتهم لضمان عدم تواصلهم مع أشخاص مجهولين قد يشكلون خطراً عليهم، حيث يجب تعليم الأبناء عدم مشاركة معلوماتهم الشخصية والتفاعل بحذر مع المحتوى والمنشورات.
توعية الأبناء
قالت فاطمة بوغنيم، إنه يجب أن يتحدث الأهل مع أبنائهم عن التحديات التي قد يواجهونها عبر الإنترنت، مثل المحتوى غير المناسب والتواصل مع الغرباء، والتنمر الإلكتروني، ومن المهم أيضاً أن يكون الآباء قدوة في استخدام التكنولوجيا بطريقة متوازنة.
بينما تحدثت نادرة العوضي، عن أهمية المراقبة الذكية التي لا تعني التطفل أو انتهاك الخصوصية، بل تهدف لضمان بيئة آمنة للأبناء خلال تصفحهم الإنترنت، ويمكن تحقيق ذلك بوضع قواعد واضحة لاستخدام الأجهزة الذكية، وتحديد نوعية المحتوى الذي يمكن متابعته، كما يفضل متابعة أنشطة الأبناء على الإنترنت بطريقة غير مباشرة، والتأكد من عدم تواصلهم مع أشخاص مجهولين.
وأكدت أن التربية الرقمية تتطلب تعاوناً مشتركاً بين الأهل والمدارس والمجتمع لضمان بيئة آمنة تمكن الأبناء من الاستفادة من الإنترنت دون التعرض لمخاطرة.
الوازع الديني
ترى نوال الشوهي، أن الوازع الديني أحد الأسس التي تساعد في توجيه الأبناء نحو الاستخدام الصحيح والمسؤول لمواقع التواصل الاجتماعي، حيث يغرس فيهم القيم الأخلاقية والمبادئ التي تحميهم من الوقوع في المخاطر المرتبطة بالعالم الرقمي، وعندما يكون الأبناء مدركين لحدود الأخلاق المستمدة من تعاليم الدين، فإن ذلك يساهم في ضبط سلوكهم ويجعلهم أكثر وعياً بتجنب المحتويات غير اللائقة.
وأضافت أن التربية على المبادئ الدينية بطريقة إيجابية، تمكن من غرس الرقابة الذاتية في نفوس الأبناء، وتعلمهم أن الله يراهم في كل زمان ومكان، مما يجعلهم أكثر التزاماً بالقيم الصحيحة حتى في غياب الرقابة الأبوية المباشرة، كما أن التوجيه الديني يساعد الأبناء على التفاعل مع الآخرين بأخلاق حسنة، واحترام الخصوصية، والامتناع عن نشر الإشاعات أو المحتويات المسيئة.
الجرائم الرقمية
قالت صفاء علي النزر، إن التشريعات والقوانين الصارمة تعمل على الحد من الجرائم الرقمية، مثل الاختراقات الإلكترونية والتشهير، والابتزاز ونشر الأخبار الكاذبة، حيث أصدرت الدولة قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية الذي يتضمن عقوبات مشددة على أي انتهاك يتعلق باستخدام الإنترنت بطرق غير قانونية، بهدف الحفاظ على الأمن الرقمي وحماية الأفراد من المخاطر الإلكترونية.
وفيما يخص قوانين مكافحة التشهير والابتزاز الإلكتروني، فقد فُرضت عقوبات صارمة على أي شخص يستخدم الإنترنت للإساءة إلى الآخرين، سواء بنشر معلومات شخصية من دون إذن، أو نشر صور وفيديوهات بهدف الإساءة، أو تهديد الأفراد بنشر محتويات قد تضر بسمعتهم. وتتراوح العقوبات بين الغرامات المالية والسجن.
ولفتت إلى أن الجهات المعنية مثل الهيئة العامة لتنظيم قطاع الاتصالات والحكومة الرقمية، وشرطة دبي، ومجلس الأمن السيبراني، تلعب دوراً كبيراً في التوعية بمخاطر الجرائم الإلكترونية وحماية الأسرة من هذه التهديدات، وتقوم بإطلاق حملات توعوية، إضافة إلى توفير منصات إلكترونية للإبلاغ عن الجرائم الإلكترونية بسهولة وسرعة، كما يتم التعاون مع المؤسسات التعليمية لنشر ثقافة الأمن الرقمي بين الطلاب.
تباعد الأسرة
أكدت مريم علي، ضرورة أن يتخذ الوالدان خطوات عملية لتعزيز التواصل المباشر مع أبنائهما بتخصيص وقت يومي للتفاعل بعيداً عن الأجهزة الرقمية، مثل تنظيم جلسات عائلية أو أنشطة مشتركة، كما يجب تحديد حدود واضحة لاستخدام الإنترنت، وتخصيص أوقات للتفاعل الأسري والأنشطة الحياتية. علاوة على ذلك، ينبغي وضع قواعد لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي في المنزل، مثل عدم استخدام الأجهزة أثناء الطعام أو في أوقات النوم.
المصدر: صحيفة الخليج
كلمات دلالية: فيديوهات شهر رمضان الأطفال الخليج مواقع التواصل الاجتماعی الأطفال والمراهقین
إقرأ أيضاً:
العاب أطفال غزة مستوحاة من الواقع الذي يعيشونه
يتسلى أطفال غزة في معسكر خيام النازحين بتأدية مشاهد القصف وترديد أغاني الحرب وقد تظل الصدمات والذكريات عالقة في أذهان الصغار لا سيما أولئك الذين فقدوا ذويهم أمام أعينهم
قال سليمان لمجموعة من الأطفال القريبين من عمره “ما رأيكم نلعب لعبة القصف”، وبصوت صاخب هتف جميعهم “هيا نلعب”، وركضوا سوياً نحو ساحة فارغة خلف خيام معسكر النازحين في محافظة رفح أقصى جنوب قطاع غزة.
بدأ سليمان في توزيع الأدوار على أربعة أطفال تجمعوا حوله ويرغبون في اللعب معه، وأخذ يشرح لهم اللعبة “ورد وفداء وأية سيبنين بيتاً من التراب وسيمثلن أنهن أمهات فلسطينيات، أما سعيد سيمثل أنه جندي إسرائيلي، وأنا سأكون الطيار الذي يقود طائرة حربية”.
اعترض سعيد على السيناريو الذي وضعه صديقه سليمان وقال “لن أشارك بدور جندي، هذا شيء غير لطيف، لا أحب أن أكون كذلك”، صمت قليلاً وضع أصبع السبابة على فمه وقال “أممم ما رأيك أن أكون مقاتلاً فلسطينياً، هذا أفضل”.
وافق الأطفال على اللعبة، فانشغلت البنات في بناء بيت من الرمل، وأخذن بأيديهن يجمعن كومة من التراب ويصنعن منها ما يشبه منزلاً، وانهمكن في سرد تفاصيل الخوف بينهن من الجيش الإسرائيلي وما ينفذه من عمليات عسكرية في غزة.
فيما كان سليمان يرفع ذراعه الأيمن ويبسط يده كأنها طائرة ويحلق في الهواء، ويصدر بفمه صوتاً يشبه ضجيج محرك المقاتلات الحربية الإسرائيلية، ويقول ببراءة “سأدمر هذا المنزل على رؤوس ساكنيه”.
ما إن انتهت البنات من بناء منزلهن، حلق سليمان كأنه طائرة وأطلق شظية صاروخ إسرائيلي كان قد وجدها بالقرب من معسكر خيام النازحين، نحو البيت الرملي لتدميره، وأصدر صوت انفجار ضخم “بوووووف”، ثم ضحك بصوت عال.
وأخذت البنات الأطفال يبكين ويولولن على منزلهن، كأنهن أمهات حقاً، لكن بسرعة قطع هذا المشهد سعيد الذي وعدهن بإطلاق رشقة صاروخية صوب الطائرة إذا ما مرت من جديد.
ضحك الأطفال وضحكت أمهاتهن من خلفهن، إذ تجمعن للاطمئنان على صغارهن، وركض كل واحد منهم لحضن والدته. تقول الأم غدير عمار “ليس غريباً ما يفعله الأطفال، إنهم يحاكون واقع حياتهم، هذا ما يشاهدونه يومياً في غزة، وهذا ما يسمعون أهاليهم يتحدثون فيه”.
وتضيف “تأثر الأطفال بشكل كبير من واقع الحرب، هذه الألعاب لم تكن في قاموس تسلية ولهو الصغار، لكنهم ابتكروها حديثاً، إنه أمر محزن وسيئ أن تخزن ذكريات أليمة في عقل هؤلاء الأطفال، من حقهم أن يعيشوا بأمان، لكن لا حول لنا ولا قوة”.
أغاني المراجيح
اصطحبت الأم غدير جميع الأطفال، ومشت رويداً رويداً إلى أحد زوايا معسكر الخيام، صوب رجل جلب “المراجيح” لتسلية الصغار، وطلبت منهم عدم تكرار لعبة “القصف” والتركيز على ألعاب تناسب عمرهم وقضاء وقتهم على الأرجوحة.
أخبرت غدير صاحب اللعبة همساً ما كان يفعله الأطفال، وأوصته بأن يحرص على جعلهم يلعبون ألعاباً تناسب عمرهم، وبطبيعة الحال أبدى العم عاصف موافقته، لكنه أوضح للأم أنها حال كل الصغار في غزة الذين يؤدون مشهداً مصغراً عما يعيشوه.
على الأرجوحة البدائية والقديمة أخذ الأطفال يلهون وهم يحلقون في الهواء، ويرددون أغنية تقليدية “طيري وهدي يا حمامة، ع بلاد غزة يا حمامة، وغزة حزينة يا حمامة، وعلى عرق التينة يا حمامة، دمروا بيتنا يا حمامة، ونمنا في الشارع يا حمامة، ونفسنا تخلص الحرب يا حمامة”.
ضحك العم عاصف من غناء الأطفال، وقال “يبدو أنهم متأثرون كثيراً، لا مفر من ذلك، فهذا واقع سيئ يبشر بمستقبل صعب لهؤلاء الأطفال ومعنوياتهم حتماً محطمة”.
تقول متخصصة في الصحة النفسية للأطفال عبير جمعة “يعيش أطفال غزة في حالة من الرعب المستمر، ويعانون من أعراض الصدمة الشديدة، إضافة إلى خطر الموت والإصابة، وجميعهم يفقدون الأمان”.
وتضيف “بدأت تظهر على الأطفال أعراض صدمة خطيرة مثل التشنجات والتبول اللاإرادي والخوف والسلوك العدواني والعصبية والتشبث الشديد بوالديهم، هذا يعني وصولهم لمرحلة متأخرة من الصدمة النفسية الشديدة”.
وعن ألعاب الأطفال التي باتت تستوحى من واقع حياتهم، توضح جمعة أن ذاكرة الأطفال تحفظ أي شيء يمر على العين وتسمعه الأذن، ولذا فإن ما يعيشه الصغار يترجم عن طريق ألعابهم، وهذا أمر متوقع، ربما يحسب في إطار التفريغ النفسي، لكن من المؤكد يعد دليلاً على الجروح النفسية العميقة التي يعيشها القاصرون.
وتشير جمعة إلى أن ما شاهدته من ألعاب أطفال يؤكد لها أن التعافي من الصدمات والكوارث النفسية لدى الأطفال سيكون صعباً ويستغرق وقتاً طويلاً، وربما تظل بعض الذكريات عالقة في أذهان الصغار بخاصة الذين فقدوا ذويهم أمام أعينهم.