موقع 24:
2025-03-26@07:04:08 GMT

الفن لغة التسامح والتعايش

تاريخ النشر: 25th, March 2025 GMT

الفن لغة التسامح والتعايش

شرُفتُ بحضور محاضرة فكرية متميّزة في مجلس محمد بن زايد، حملت عنوان “التسامح والتعايش في الفكر الإسلامي”، شارك في تقديمها كل من د. شايع الوقيّان، ود. مشهد العلاّف، ود. فاطمة الدهماني.

جاءت المحاضرة ثرية في مضمونها، راقية في خطابها، حيث تجاوزت المفهوم السطحي للتسامح إلى تناول عميق يجمع بين المرجعية الفكرية والدينية، والرؤية الإنسانية الواسعة، مما أتاح للمستمع أن يرى في التسامح أكثر من مجرد فضيلة، بل أسلوبًا لبناء الإنسان والمجتمع.

استعرض المحاضرون كيف أن التعدد سنة كونية، وأن الاختلاف ليس تهديدًا، بل فرصة لفهم الذات عبر مرآة الآخر. واستشهدوا بالآية الكريمة: “لا إكراه في الدين”، للدلالة على أن التسامح في جوهره قائم على الحرية، والعقل، والاحترام. لكن اللحظة التي استوقفتني حقًا، ووسّعت أفق المحاضرة من الفكر إلى الشعور، هي حين تم التطرّق إلى الفن كجسر إنساني يجسّد معنى التسامح، بل ويُمارسه بطريقته الخاصة.

كان التحوّل في سياق النقاش لحظة فارقة بالنسبة لي، فقد كشف عن وجهٍ آخر للتسامح، لا يُبنى على الجدل ولا يُستدعى عبر الخطابات، بل يتجلى في لحظة صامتة نعيشها حين نخاطَب بجمال صادق يلمس وجداننا. هناك، حيث يتكلم الإبداع بما تعجز عنه الكلمات، تتوارى الحواجز، وتذوب الفروق، ويتقدّم الإنسان فينا على كل هويةٍ فرعية أو انتماءٍ ضيّق.

في هذا الأفق، لا يعود الانتماء للغة أو الدين أو الجغرافيا شرطًا للفهم أو التفاعل، فالصورة، واللحن، والقصيدة، تتجاوز هذه الحواجز، لتخاطب ما هو أعمق: إنسانيتنا المشتركة.
قد نأتي من ثقافات متباعدة، ونتحدث بألسن مختلفة، ونسكن أوطانًا متفرقة، لكننا حين نقف أمام لوحة تُحرّك فينا شعورًا غامضًا، أو نستمع إلى لحنٍ يوقظ فينا ذكرى قديمة، نُدرك فجأة أن هناك شيئًا واحدًا يوحّدنا، شيءٌ غير مرئي، لكنه حاضر بقوة: الفن.

فالفن يوحّدنا تحت مظلّة إنسانية واحدة، ويجمعنا على طاولة واحدة، لا نسأل فيها عن الأسماء أو الخلفيات، بل نشعر فيها بكل ما هو جميل ومشترك فينا كبشر: الشوق، الفرح، الحنين، التأمل، والرغبة في السلام.
وحين نُقبل على هذا الجمال بانفتاح القلب، لا نكون متذوّقين فحسب، بل نكون مشاركين في فعلٍ من أرقى أشكال التعايش، حيث نُصغي بعمق، ونتفاعل بإحساس، ونتعلّم، دون أن نشعر، كيف نكون أكثر رحابة، أكثر تسامحًا، وأكثر وعيًا بإنسانية الآخر.

وهكذا يصبح الفن ليس فقط أداة تعبير، بل وسيلة لترويض الذات، وتهذيب الرؤية، وتعليم القلب كيف يتسع للجميع، دون شروط، ودون حذر. هو المساحة التي نمارس فيها التسامح شعورًا حيًّا، لا مفهومًا نظريًا، ونعيشه كما نعيش الموسيقى أو الألوان أو الشعر… بتلقائية، وصدق، ودهشة.

ولعلّنا لا نجد وصفًا أبلغ لما يفعله الفن من قول الرسّام بابلو بيكاسو: “الفن يُزيل الغبار عن الروح.”
ذلك الغبار الذي يتراكم من الأحكام المسبقة، ومن توترات الحياة اليومية، ومن المسافات التي نضعها بيننا وبين الآخر. الفن لا يمنحنا متعة بصرية فحسب، بل يُطهّر أعماقنا من ثِقل الواقع، ويُعيد إلينا طهارة النظرة الأولى: تلك النظرة التي ترى الإنسان، لا صفته.
وحين نتأمل لوحة، أو نستمع إلى موسيقى تمسّ أرواحنا، نُصبح أكثر استعدادًا للقبول، أكثر قابلية للتفاهم، وأقرب إلى لحظة التسامح الحقيقية، التي لا تُملى علينا بل تنبع منا.

ويضيف الفيلسوف جاك مارتيان رؤيةً مكملة حين يقول: "الفن الحقيقي يُعبّر عن الكائن الإنساني في جوهره، ويكشف عن وحدة الإنسان رغم اختلاف مظاهره.” ليست هذه مجرّد عبارة فلسفية، بل رؤية تُلخّص دور الفن في كشف الجوهر الواحد الذي يسكن خلف التعدّد الظاهري. إن الفن يُزيل القشور، ويأخذنا إلى نقطة التقاء داخلية، حيث لا أسماء ولا أعراق ولا لغات، بل نبض مشترك يربطنا كبشر.
وكلما تعمّقنا في الفن، ازددنا فهمًا للآخر، لا من خلال ما يقوله، بل عبر ما يشعر به، وما يُخفيه أحيانًا خلف صمته.

إن مجلس محمد بن زايد، من خلال فسحه لهذا النوع من الحوار، يُثبت أن التسامح لا يُبنى بالخطاب وحده، بل يحتاج إلى الأدب، إلى الفن، إلى المساحات الوجدانية التي تُهذّب النفس وتُنعش العقل. فالتعايش لا يكون فقط بقبول وجود الآخر، بل بفهمه، والإحساس به، والانفتاح عليه بصدق.

وفي النهاية، الفن هو اليد التي تُمدّ حين تعجز الكلمات، وهو الصدى الذي يسمعه القلب حين يضيق صدر العالم. وعندما نمنح الفن مكانًا في خطاب التسامح، فإننا لا نُزيّنه، بل نُعمّقه. وعندها فقط، يصبح التسامح ليس مجاملة اجتماعية، بل أسلوب حياة، وثقافة راسخة، ومشروع إنساني دائم.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: وقف الأب رمضان 2025 عام المجتمع اتفاق غزة إيران وإسرائيل غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية مجلس محمد بن زايد الإمارات

إقرأ أيضاً:

جلسة حوارية: التسامح الإماراتي نموذج عالمي مُتوارث

رأس الخيمة - عدنان عكاشة

أكدت جلسة حوارية بعنوان «التسامح وعام المُجتمع»، نظمها مركز هيئة الهلال الأحمر الإماراتي برأس الخيمة، بمُناسبة يوم زايد للعمل الإنساني، أن التسامح الإماراتي نموذج عالمي رائد وهو ليس وليد اليوم، بل موروث شعبي وثقافة مُتوارثة عن الآباء والأجداد.
حضر الجلسة، راشد الكعبي، مدير مركز الهلال الأحمر برأس الخيمة، وأحمد الشحي، العضو السابق في المجلس الوطني الاتحادي ود. خالد الشحّي، المدير التنفيذي لقطاع السكك الحديدية في شركة الاتحاد للقطارات وجاسم الدبل، مدير إدارة مراكز الشباب وتحدث فيها المستشار راشد النعيمي، من وزارة التسامح والتعايش ومريم الشحي، مديرة مفوضية مرشدات رأس الخيمة، وأدارتها مريم الكاس، سفيرة الهوية الوطنية.
تناول راشد النعيمي، ثقافة التسامح الإماراتي، التي تتجلى في القدرة على الحوار بثقة وهدوء، مع الاستناد على إنجازات الدولة ومكتسباتها في مختلف المجالات ومن أهمها أن الإمارات هي الأولى في الأمن والأمان والنمو الاقتصادي وما حظيت به الدولة من اختيار الشعوب كوُجهة أولى للعيش والعمل وهي مؤشرات حية على قيمة التسامح في الإمارات.
وأكد النعيمي أن الدولة تعمل على تعزيز قيم التسامح بين الموظفين وكافة الشرائح الاجتماعية ودعم دور المؤسسات والجهات الحكومية في مجال التسامح في المجتمع وإطلاق مبادرات حكومية للتسامح، أن 66 جهة انضمت للمبادرة الوطنية (الحُكومة حاضنة للتسامح)، فيما أطلقت لجان التسامح في تلك المؤسسات والجهات الحكومية 1659 مبادرة للتسامح حتى الآن وتم تأهيل أكثر من 1800 «فارس تسامح» ضمن مبادرة فرسان التسامح.
نجاح عالمي
قال النعيمي: إن ربنا، رزقنا قيادةً حكيمة، تسعى لأن يكون مجتمع الدولة أكثر مجتمع ازدهاراً في العالم، والإمارات، ممثلةً بوزارة التسامح، أطلقت برنامجاً لنقل تجارب التسامح الإماراتي إلى العالم، استفادت منه 24 دولة حول العالم، حتى الآن.
قالت مريم الشحي، نفخر بأننا أبناء الإمارات ونحن نحظى بهدية ربانية وعلينا أن ننقل للعالم صورة وقيم والدنا الشيخ زايد، طيب الله ثراه وأن نحترم ديننا وقيادتنا ووطننا، مؤكدةً أن الإمارات مركز إشعاع حضاري في العالم.
فيما اعتبرت مريم الكاس، أننا مطالبون بأن نزرع في أبنائنا قيمة التسامح، ليس بالكلام فقط، بل بالتطبيق العملي والسلوك والإنسان يتعلم بالمحاكاة والتقليد ولابد أن نكون قدوةً لأبنائنا.

مقالات مشابهة

  • “حِمَى”.. حملة لتشجيع ثقافة الاستضافة والتعايش الآمن
  • مبعوثات «حكماء المسلمين» ينشرن قيم التسامح والتعايش حول العالم خلال رمضان
  • أمين كنيسة القيامة: "القدس ما زالت مهد التسامح والوحدة بين الأديان"
  • ليست صور السيلفي أو المكالمات.. أبل تزود ساعتها الذكية بكاميرات لهذا السبب
  • رسالة من المحبة والتعايش بين الأديان.. الراهب ثاؤفيلس الأورشليمي يشارك في إفطار الصائمين
  • بوريطة يجدد للمبعوث الأممي إلى الصحراء تنامي الدعم الدولي للحكم الذاتي وتجمد العالم الآخر
  • بسرعة شحن طلقة.. إليك أحدث باور بانك بأعلى الإمكانيات
  • الإبداع.. جسر إنساني يعيد تشكيل الجمال
  • جلسة حوارية: التسامح الإماراتي نموذج عالمي مُتوارث