موقع 24:
2025-05-02@09:04:24 GMT

الفن لغة التسامح والتعايش

تاريخ النشر: 25th, March 2025 GMT

الفن لغة التسامح والتعايش

شرُفتُ بحضور محاضرة فكرية متميّزة في مجلس محمد بن زايد، حملت عنوان “التسامح والتعايش في الفكر الإسلامي”، شارك في تقديمها كل من د. شايع الوقيّان، ود. مشهد العلاّف، ود. فاطمة الدهماني.

جاءت المحاضرة ثرية في مضمونها، راقية في خطابها، حيث تجاوزت المفهوم السطحي للتسامح إلى تناول عميق يجمع بين المرجعية الفكرية والدينية، والرؤية الإنسانية الواسعة، مما أتاح للمستمع أن يرى في التسامح أكثر من مجرد فضيلة، بل أسلوبًا لبناء الإنسان والمجتمع.

استعرض المحاضرون كيف أن التعدد سنة كونية، وأن الاختلاف ليس تهديدًا، بل فرصة لفهم الذات عبر مرآة الآخر. واستشهدوا بالآية الكريمة: “لا إكراه في الدين”، للدلالة على أن التسامح في جوهره قائم على الحرية، والعقل، والاحترام. لكن اللحظة التي استوقفتني حقًا، ووسّعت أفق المحاضرة من الفكر إلى الشعور، هي حين تم التطرّق إلى الفن كجسر إنساني يجسّد معنى التسامح، بل ويُمارسه بطريقته الخاصة.

كان التحوّل في سياق النقاش لحظة فارقة بالنسبة لي، فقد كشف عن وجهٍ آخر للتسامح، لا يُبنى على الجدل ولا يُستدعى عبر الخطابات، بل يتجلى في لحظة صامتة نعيشها حين نخاطَب بجمال صادق يلمس وجداننا. هناك، حيث يتكلم الإبداع بما تعجز عنه الكلمات، تتوارى الحواجز، وتذوب الفروق، ويتقدّم الإنسان فينا على كل هويةٍ فرعية أو انتماءٍ ضيّق.

في هذا الأفق، لا يعود الانتماء للغة أو الدين أو الجغرافيا شرطًا للفهم أو التفاعل، فالصورة، واللحن، والقصيدة، تتجاوز هذه الحواجز، لتخاطب ما هو أعمق: إنسانيتنا المشتركة.
قد نأتي من ثقافات متباعدة، ونتحدث بألسن مختلفة، ونسكن أوطانًا متفرقة، لكننا حين نقف أمام لوحة تُحرّك فينا شعورًا غامضًا، أو نستمع إلى لحنٍ يوقظ فينا ذكرى قديمة، نُدرك فجأة أن هناك شيئًا واحدًا يوحّدنا، شيءٌ غير مرئي، لكنه حاضر بقوة: الفن.

فالفن يوحّدنا تحت مظلّة إنسانية واحدة، ويجمعنا على طاولة واحدة، لا نسأل فيها عن الأسماء أو الخلفيات، بل نشعر فيها بكل ما هو جميل ومشترك فينا كبشر: الشوق، الفرح، الحنين، التأمل، والرغبة في السلام.
وحين نُقبل على هذا الجمال بانفتاح القلب، لا نكون متذوّقين فحسب، بل نكون مشاركين في فعلٍ من أرقى أشكال التعايش، حيث نُصغي بعمق، ونتفاعل بإحساس، ونتعلّم، دون أن نشعر، كيف نكون أكثر رحابة، أكثر تسامحًا، وأكثر وعيًا بإنسانية الآخر.

وهكذا يصبح الفن ليس فقط أداة تعبير، بل وسيلة لترويض الذات، وتهذيب الرؤية، وتعليم القلب كيف يتسع للجميع، دون شروط، ودون حذر. هو المساحة التي نمارس فيها التسامح شعورًا حيًّا، لا مفهومًا نظريًا، ونعيشه كما نعيش الموسيقى أو الألوان أو الشعر… بتلقائية، وصدق، ودهشة.

ولعلّنا لا نجد وصفًا أبلغ لما يفعله الفن من قول الرسّام بابلو بيكاسو: “الفن يُزيل الغبار عن الروح.”
ذلك الغبار الذي يتراكم من الأحكام المسبقة، ومن توترات الحياة اليومية، ومن المسافات التي نضعها بيننا وبين الآخر. الفن لا يمنحنا متعة بصرية فحسب، بل يُطهّر أعماقنا من ثِقل الواقع، ويُعيد إلينا طهارة النظرة الأولى: تلك النظرة التي ترى الإنسان، لا صفته.
وحين نتأمل لوحة، أو نستمع إلى موسيقى تمسّ أرواحنا، نُصبح أكثر استعدادًا للقبول، أكثر قابلية للتفاهم، وأقرب إلى لحظة التسامح الحقيقية، التي لا تُملى علينا بل تنبع منا.

ويضيف الفيلسوف جاك مارتيان رؤيةً مكملة حين يقول: "الفن الحقيقي يُعبّر عن الكائن الإنساني في جوهره، ويكشف عن وحدة الإنسان رغم اختلاف مظاهره.” ليست هذه مجرّد عبارة فلسفية، بل رؤية تُلخّص دور الفن في كشف الجوهر الواحد الذي يسكن خلف التعدّد الظاهري. إن الفن يُزيل القشور، ويأخذنا إلى نقطة التقاء داخلية، حيث لا أسماء ولا أعراق ولا لغات، بل نبض مشترك يربطنا كبشر.
وكلما تعمّقنا في الفن، ازددنا فهمًا للآخر، لا من خلال ما يقوله، بل عبر ما يشعر به، وما يُخفيه أحيانًا خلف صمته.

إن مجلس محمد بن زايد، من خلال فسحه لهذا النوع من الحوار، يُثبت أن التسامح لا يُبنى بالخطاب وحده، بل يحتاج إلى الأدب، إلى الفن، إلى المساحات الوجدانية التي تُهذّب النفس وتُنعش العقل. فالتعايش لا يكون فقط بقبول وجود الآخر، بل بفهمه، والإحساس به، والانفتاح عليه بصدق.

وفي النهاية، الفن هو اليد التي تُمدّ حين تعجز الكلمات، وهو الصدى الذي يسمعه القلب حين يضيق صدر العالم. وعندما نمنح الفن مكانًا في خطاب التسامح، فإننا لا نُزيّنه، بل نُعمّقه. وعندها فقط، يصبح التسامح ليس مجاملة اجتماعية، بل أسلوب حياة، وثقافة راسخة، ومشروع إنساني دائم.

المصدر: موقع 24

كلمات دلالية: وقف الأب رمضان 2025 عام المجتمع اتفاق غزة إيران وإسرائيل غزة وإسرائيل الإمارات الحرب الأوكرانية مجلس محمد بن زايد الإمارات

إقرأ أيضاً:

عامر الشيخ: نؤكد على عدم التسامح أو التهاون مع الإساءة للمقدسات الدينية وعلى رأسها الرسول الكريم.

2025-04-30Hassan Nasrسابق عامر الشيخ: الأمن العام اعتقل عددا من الخارجين عن القانون في أشرفية صحنايا، ولا بد من حصر السلاح بيد الدولة.التالي عامر الشيخ: نحن على مسافة واحدة من جميع أبناء سوريا والحفاظ على الأمن مسؤولية الجميع. انظر ايضاًعامر الشيخ: نحن على مسافة واحدة من جميع أبناء سوريا والحفاظ على الأمن مسؤولية الجميع.

آخر الأخبار 2025-04-30محافظ ريف دمشق السيد عامر الشيخ خلال مؤتمر صحفي: مجموعات خارجة عن القانون تسللت إلى الأراضي الزراعية في منطقة أشرفية صحنايا، واستهدفت كل تحرك مدني أو أمني، ما أسفر عن سقوط شهداء وجرحى من المدنيين ومن عناصر قوات الأمن العام. 2025-04-30منظمة ‏Global Justice‏ ‏تكرم في دمشق سفير الولايات المتحدة الأمريكية ‏لشؤون جرائم الحرب ستيفن راب ‏ 2025-04-30الوزيرة قبوات تناقش خلال اتصال هاتفي مع وزيرة الخارجية السويدية ‏تداعيات العقوبات المفروضة على الشعب السوري ‏ 2025-04-30جمعية “سور” في حلب تُنظم محاضرتين علميتين حول العمارة التقليدية في منارة حلب القديمة 2025-04-30وزير التربية والتعليم‏ يؤكد أهمية تعزيز بيئة مدرسية آمنة تدعم السلم الأهلي 2025-04-30وزير الأوقاف يبحث مع وفد مجلس الكنائس العالمي سبل تعزيز السلم الأهلي ‏والحوار الديني 2025-04-30وفد وزارة الاتصالات إلى الدوحة يزور بريد قطر ويطلع على تجربته ‏الناجحة ‏ 2025-04-30وزير العدل يلتقي وفداً من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين 2025-04-30تركيب منظومة طاقة شمسية في فرع الهجرة والجوازات بحماة 2025-04-30حماية المستهلك في حمص تجري اختباراً لاختيار مراقبين تموينيين

صور من سورية منوعات تطبيق موبايل يوصل صوت الصم للحصول على خدمات الإسعاف 2025-04-27 صفائح لعضلة القلب من الخلايا الجذعية… خطوة نحو العلاج الأول من نوعه في العالم 2025-04-17فرص عمل وزارة التجارة الداخلية تنظم مسابقة لاختيار مشرفي مخابز في اللاذقية 2025-02-12 جامعة حلب تعلن عن حاجتها لمحاضرين من حملة الإجازات الجامعية بأنواعها كافة 2025-01-23
مواقع صديقة أسعار العملات رسائل سانا هيئة التحرير اتصل بنا للإعلان على موقعنا
Powered by sana | Designed by team to develop the softwarethemetf © Copyright 2025, All Rights Reserved

مقالات مشابهة

  • توتنهام.. «الوجه الآخر» في «يوروبا ليج»!
  • مسلمو فيتنام.. أقلية جذورها تاريخية وشعارها التسامح
  • بنكيران: النقابات مرتزقة و موخاريق باع وشرا فينا
  • وزير التسامح: مبادرات «أبوظبي للسلم» تخاطب بالحكمة
  • سكرتير الأديان في بوينس آيرس: المملكة نموذج عالمي في التسامح والاعتدال
  • سكرتير الأديان في بوينس آيرس: المملكة نموذج عالمي في التسامح
  • عامر الشيخ: نؤكد على عدم التسامح أو التهاون مع الإساءة للمقدسات الدينية وعلى رأسها الرسول الكريم.
  • سفير كازاخستان: نقدر جهود شيخ الأزهر في نشر صحيح الدين وترسيخ ثقافة الأخوة والتعايش
  • البديري .. القوة الناعمة أداة استراتيجية للانتقال من التطرف إلى التسامح
  • النيابة العامة في دبي تطلق خطة شاملة لمبادرة الصُلح خير