غزة- في ظل الحرب المستمرة على غزة، كان مراسل قناة الجزيرة مباشر حسام شبات صوتا قويا يروي معاناة شعبه في لحظات الخطر، موجها كاميرته نحو ما تحاول إسرائيل إخفاءه.

شاب في ريعان شبابه، اختار أن يكون في مقدمة المشهد الإعلامي، يوثق كل لحظة قصف وكل قطرة دم، ليكشف للعالم ما تعيشه غزة، وقبل استشهاده، ترك وصية تم تناقلها بشكل واسع عبر شبكات التواصل الاجتماعي، طلب فيها بوضوح أن تستمر تغطية معاناة سكان قطاع غزة، وكتب فيها "إذا كنتم تقرؤون هذا، فهذا يعني أنني قُتلت، على الأرجح مستهدفا على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي".

وتابع "على مدار الـ18 شهرا الماضية، كرّست كل لحظة من حياتي لشعبي، وثّقت الأهوال في شمال غزة دقيقة بدقيقة، مصمما على أن أُظهر للعالم الحقيقة التي حاولوا دفنها".

وأردف "نمت على الأرصفة، وفي المدارس، وفي الخيام، أينما استطعت، كان كل يوم معركة من أجل البقاء، تحملت الجوع لشهور، ومع ذلك لم أفارق شعبي أبدا، الآن، أخيرا استرحت، وهو أمر لم أعرفه خلال الـ18 شهرا الماضية".

وطلب في وصيته "أسألكم الآن: لا تتوقفوا عن الحديث عن غزة، لا تدعوا العالم يُشيح بنظره عنها، استمروا في النضال، واستمروا في رواية قصصنا، حتى تتحرر فلسطين" خاتما وصيته بالتوقيع: "للمرة الأخيرة، حسام شبات، من شمال غزة".

إعلان مسألة وقت

ولد حسام شبات في العاشر من أكتوبر/تشرين الأول 2001 في بلدة بيت حانون شمال قطاع غزة، ونشأ وسط عائلة عريقة، ودرس الصحافة في الكلية الجامعية للعلوم التطبيقية بغزة.

بدأ شبات عمله الصحفي منذ صغره، ففي عام 2016، وحينما كان يبلغ من العمر 14 عاما فقط، أنشأ منصة "إعلام بيت حانون" على شبكات التواصل الاجتماعي، للحديث عن بلدته ونقل مشاكلها، بحسب شقيقه صلاح، الذي يضيف للجزيرة نت "منذ صغره، كان أخي عاشقا للصحافة، وكان مبادرا يسعى لإثبات نفسه، وبعد دراسته للإعلام في الجامعة بدأ بالعمل مع وكالات أنباء محلية".

وخلال الحرب، التي بدأت إسرائيل بشنها على القطاع في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، عمل حسام مراسلا "متعاونا" مع العديد من وكالات الأنباء العالمية، والفضائيات العربية، إلى أن استقر مراسلا لقناة الجزيرة مباشر.

ويشير شقيقه إلى أن حسام كان "على يقين أنه سوف يستشهد"، وأضاف "بعد التهديدات التي تلقاها من الاحتلال، كان يعلم أن الاحتلال سوف يستهدفه قريبا، وأصبحنا نحن عائلته على يقين بأن استشهاده مسألة وقت، لكننا نحمد الله على كل حال".

وفي معرض حديثه عن صفاته الشخصية، يقول شقيقه صلاح إنه كان "كريما للغاية، وهذه من أبرز صفاته، حتى في لحظاته الأخيرة، كان يفكر بالآخرين، إذ كان من ضمن وصاياه لنا: ديروا بالكم على الناس، وقبل أن يستشهد بقليل، كان يوصينا بإحضار دواء لأحد المرضى"، وأكمل "كان حسام بارا بوالديه وبإخوته جميعا، لم يكن مجرد صحفي، بل كان إنسانا يحمل هموم الناس في قلبه".

قريقع: حسام (يمين) لامس بكاميرته وصوته أوجاع الناس وكان منسجما مع معاناتهم (مواقع التواصل) قرب الناس

يتحدث مراسل قناة الجزيرة في غزة محمد قريقع عن زميله الشهيد حسام شبات قائلا "عرفتُ حسام منذ بداية الحرب، رغم أن مسيرته الصحفية كانت قصيرة، إذ لم يتجاوز عمره 23 عاما، فإنها كانت مؤثرة للغاية".

إعلان

وأضاف "استطاع الشهيد أن يصل إلى العالم العربي والدولي من خلال المقاطع المصورة التي كان يلتقطها لحظة القصف الإسرائيلي، وفي اللحظات الأولى للنزوح والانتهاكات الإسرائيلية".

"حسام لامس بكاميرته وصوته أوجاع الناس الموجودين في مراكز الإيواء والخيام، وكان منسجما مع معاناتهم تماما، وهذا ما صنع له قاعدة شعبية ليست بسيطة" يقول عنه قريقع، "كان مع المواطن أينما كان، لحظة نزوحه، ولحظة تعرضه للقصف الإسرائيلي، ولحظة مواجهته للموت، أنجز الكثير من المواد الإعلامية التي بُثت على منصته في إنستغرام وعلى قناة الجزيرة مباشر".

شغف حسام بالصحافة بدأ منذ كان عمره 14 عاما (مواقع التواصل)

وتابع "كان يزود العالم بالكثير من المواد الإعلامية، وهذا إنجاز كبير للفلسطينيين كافة، لأنه أظهر معاناتهم في وقت كانت فيه إسرائيل تمنع دخول الصحفيين الأجانب لتغطية الأحداث، سدّ حسام هذا الفراغ، وكان بمثابة عين العالم داخل غزة".

وأشار قريقع إلى أن حسام تعرض للكثير من الأخطار خلال عمله، لكنه نجا منها، ومع ذلك "لم يتراجع أبدا، شجاعته لا مثيل لها، كان بلا منافس في جرأته، ودائما يكون أول الواصلين إلى مواقع القصف، يوثّق اللحظات الأولى للعدوان".

وختم بالقول إن "حسام كان ينظر للعمل الصحفي كرسالة وليس كمهنة، لم يكتفِ برصد أوجاع الناس، بل كان يقف معهم إنسانيًا، يساعدهم في نقل جالونات المياه، وحمل أمتعتهم، ويؤمن أن هذه رسالة شعب مظلوم أكثر من كونها مجرد وظيفة".

الصحفي يوسف فارس (يمين): جمع حسام بين الشجاعة والبراءة (مواقع التواصل) بطل اللحظة الأولى

بدوره، يتحدث صديقه الصحفي يوسف فارس عن لحظاتهم الأخيرة معا ومسيرته، مشيرا إلى أنه يمتلك "شجاعة تصل إلى حد التهور، وبساطة تقترب من براءة الأطفال".

ويقول فارس للجزيرة نت "حسام كان بريئا جدا، بقلب وملامح وتصرفات طفل كبير، لكنه كان مندفعا حد الشجاعة المفرطة، كنا دائما نطلب منه كبح جماح اندفاعه، لكنه لم يكن يعرف الخوف، في أكثر من مرة، كان يصل إلى الحدث في اللحظة التي يسقط فيها الصاروخ الثاني، وكان على وشك الاستشهاد عدة مرات، لكنه لم يتوقف".

شعبية حسام كانت واسعة رغم صغر سنه بسبب قربه من الناس (مواقع التواصل)

وتابع "كان محبوبا جدا من زملائه، فكنا كعائلة، وكنا نرجوه أن يحافظ على نفسه، لكنه كان شغوفا بمهنة الصحافة لدرجة الجنون، فقد وجد فيها روحه، كنا ننسحب خوفا عند اشتداد القصف، لكنه كان يتقدم للتغطية، وكان هذا الأمر يخيفنا على حياته".

وأكمل "رغم سنه الصغير، ورغم محدودية تجربته الصحفية، فإنه حفر لنفسه مكانة مهمة، جميع الجهات التي عمل معها سابقا لم تكن تستطيع التفريط به، لأنه كان يملأ فراغا لا يستطيع أحد سواه ملأه، وهو خانة اللحظة الأولى والصورة الأولى".

إعلان

ويتابع "إذا كان هناك نازحون، يكون حسام بينهم، وإذا كان هناك مصابون، يكون وسطهم، وإذا خرجت سيارة دفاع مدني، يكون معهم".

وختم فارس حديثه عن صديقه بالقول "الله حبا حسام بقبول كبير بين الناس رغم بساطته وعفويته، لأنه كان يشبههم، كان يشبه الأرض وناسها وأهلها".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حريات الجزیرة مباشر مواقع التواصل حسام شبات حسام کان إلى أن کان من

إقرأ أيضاً:

وزيرة قطرية تعلق على استشهاد صحفي من غزة.. انتقدت الصمت الدولي

علّقت وزيرة التعليم القطرية لولوة الخاطر، على استشهاد الصحفي حسام شبات مراسل قناة الجزيرة مباشر في شمال غزة، عقب قصف طائرات الاحتلال لسيارته التي كان يستقلها.

وقالت الخاطر في تغريدة عبر منصة "إكس": "حسام شبات صحفي شاب من غزة، استشهد على يد الاحتلال الإسرائيلي، جريمته كانت الصحافة"، منتقدة في الوقت ذاته الصمت الدولي أمام جرائم قتل الصحفيين الفلسطينيين.

وأضافت الخاطر أنه "لن ترى قادة العالم يتحدون من أجل حرية التعبير كما حدث في حالة شارلي إيبدو. ببساطة لأن الضحية فلسطيني والمجرمة هي إسرائيل (..)، الدولة المقدسة لا يمكن لقادة العالم انتقادها".

Hussam Shabbat, a young journalist from Gaza, just got killed by Israeli occupation, his #CRIME was #JOURNALISM.

You will not see world leaders rally for freedom of speech like in #CharlieHebdo simply because the victim is Palestinian and the criminal is Israel; the sacred… https://t.co/BAAJjCxDrE pic.twitter.com/UXxlsM36Zg

— لولوة الخاطر Lolwah Alkhater (@Lolwah_Alkhater) March 24, 2025
يشار إلى أن صحيفة "شارلي إيبدو" الفرنسة الساخرة، نشرت رسوما كاريكاتيرية ناقدة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم.

وفي ختام تغريدتها، قالت الخاطر: "عسى أن ترقد روحك وأرواح العشرات من الصحفيين الفلسطينيين الذين قُتلوا في سلام".

واستشهد الصحفي الفلسطيني الشاب حسام شبات، أمس الاثنين، في غارة إسرائيلية على مدينة غزة، ليلحق بزميله محمد منصور الذي استشهد قبله بساعات.

وكان حسام شبات، مراسل قناة الجزيرة مباشر، الصحفي رقم 208 الذي يقتله الاحتلال الإسرائيلي في غزة منذ بدء العدوان.



وبعد استشهاده، نشر الحساب الرسمي لشبات في "إكس"، وصية كان قد كتبها، وطلب نشرها في حال استشهد.

وقال شبات في وصيته: "إذا كنت تقرأ هذا الآن، فاعلم أنني قد استشهدت -على الأرجح استُهدفت- على يد قوات الاحتلال الإسرائيلي. حين بدأ كل هذا، كنت في الحادية والعشرين من عمري فقط، طالبًا جامعيًا أحمل أحلامًا كأي شاب آخر".

وأضاف: "على مدى الثمانية عشر شهرًا الماضية، كرّست كل لحظة من حياتي لشعبي. وثّقت الرعب في شمال غزة دقيقةً بدقيقة، مصمّمًا على إظهار الحقيقة للعالم، تلك الحقيقة التي سعوا لدفنها. نمت على الأرصفة، في المدارس، في الخيام، في أي مكان أستطيع. كان كل يوم معركةً من أجل البقاء".

وتابع: "عانيت الجوع لأشهر، لكنني لم أغادر جانب شعبي أبدًا. والله، لقد أديت واجبي كصحفي. خاطرْت بكل شيء لأجل نقل الحقيقة، والآن، أخيرًا، وجدت الراحة! وهي ما لم أعرفه طوال الثمانية عشر شهرًا الماضية. فعلت كل هذا لأنني أؤمن بالقضية الفلسطينية".

وأضاف: "أؤمن أن هذه الأرض لنا، وأنه كان شرف حياتي الأعظم أن أموت دفاعًا عنها وخدمةً لشعبها. أطلب منكم الآن: لا تتوقفوا عن الحديث عن غزة".

وفي رسالة إلى زملائه الإعلاميين والناشطين، قال شبات: "لا تسمحوا للعالم أن يُشيح بنظره. استمروا في النضال، وواصلوا رواية حكاياتنا — حتى تتحرر فلسطين".

وختم وصيته بجملة "للمرة الأخيرة، حسام شبات، من شمال غزة"، علما أنه من الصحفيين القلائل الذين بقوا في شمال غزة رغم الحصار والعدوان الوحشي طيلة الشهور الماضية.

مقالات مشابهة

  • وزيرة قطرية تعلق على استشهاد صحفي من غزة.. انتقدت الصمت الدولي
  • إسرائيل: الصحافي حسام شبات كان قناصاً لحماس
  • بعد اغتيال حسام شبات.. ارتفاع حصيلة الشهداء الصحفيين في غزة
  • الجزيرة تدين اغتيال الاحتلال حسام شبات مراسل الجزيرة مباشر بغزة
  • تفاعل واسع مع اغتيال الاحتلال للصحفيين.. كتم صوت غزة (شاهد)
  • وصية مؤثرة للصحفي حسام شبات قبل استشهاده.. أخيرا وجدت الراحة
  • حسام شبات ومحمد منصور.. مقتل صحفيين فلسطينيين بغارات إسرائيلية على غزة
  • بعد استهداف سيارته.. استشهاد الصحفي الفلسطيني حسام شبات في غزة
  • استشهاد الصحفي حسام شبات المتعاون مع قناة الجزيرة مباشر