صحيفة صدى:
2025-05-03@00:02:14 GMT

ولاتنسوا الفضل بينكم

تاريخ النشر: 25th, March 2025 GMT

ولاتنسوا الفضل بينكم

جبلت الحياة الدنيا على كبد، قال الله تعالى في الآية الكريمة “لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي كَبَدٍ”، وهذه الآية تشير إلى خلق الإنسان ومعاناته في الحياة. فالدنيا لا يمكن أن تصفو لأحد على هذه الأرض، فكل إنسان تعتريه الأسقام والتحديات والشقاق. عندما تتأمل الأنبياء والصالحين، تجد أن الحياة لم تصفُ لهم، لكنهم حولوا كدرها إلى طريقٍ للنجاح.

الإنسان بطبعه يعيش مع الآخرين، وهذه سنة الله في أرضه، فلا يمكن أن يعيش البشر فرادى. فالتعاون والمشاركة تجعل الحياة تشاركية بين البشر، سواء عبر الزواج أو الأسرة أو البيع والشراء وغيرها من نماذج التفاعل الاجتماعي. ومع تلك المشاركة، تتطلع النفس البشرية دوماً للرفعة والنجاح، ولكن يعتريها أحياناً شيء من الغيرة والرغبة في الانتقام وحب السلطة، حتى ولو كان ذلك على حساب الآخرين. ومن لم يستطع كبح جماح تلك الأخلاق الضعيفة، فإنها تتحول إلى أذية للغير.

البشر بطبعهم يميلون للتشارك والتعاون وتقديم المعروف والفضل بينهم. فالأب متفضلاً على أبنائه، والزوجان بينهما فضائل جمة، والموظف كذلك يكون بينه وبين مدراءه من الفضل، والأصدقاء بينهم من المعاريف والفضائل الشيء الكثير، فالبشر عموماً في تعاملاتهم يتبادلون المعروف والفضائل وهذه سنة الحياة، فلا يمكن أن يعيش إنسان على هذه الأرض ولم يتفضل عليه أحد بشيء، حتى وإن كانت شربة من ماء ومع تلك الأفضال والمعاريف، عندما يتعلق الحق بالنفس من مال أو أمور دنيا، قد تُنسى تلك الفضائل ويرتفع صوت الانتقام، حتى وإن كان الانتقام زائفًا. فالنفس عندما تتشوه وتظهر أنيابها، قد تصاب بالعمى عن الحق، حتى وإن كان من أمامها يتضرر بها، فهي ترى ما يرضي شيطانها وتحرق الأخضر واليابس، فلا يردعها دينٌ ولا وعظٌ ولا عقل، فتتشوق للانتقام وتعد له العدة، حتى وإن طال أثره فرداً أو أمةً بأكملها وهذا ما نجده ظاهراً عندما تدخل أروقة المحاكم العدلية وتطالع المتخاصمين، تجد العدائية بينهم وقد وصلت إلى الهجران والكذب انتقاماً للنفس وقد يكون بينهم من الفضائل والمعارف سنوات طويلة، وإنك لتعجب من وقوف الإخوة في المحاكم أو الزوجين أو الأصدقاء، حيث يبدأ كل منهما يكشر عن أنيابه عن خصمه وكأن لم يكن بينهما فضل، وفي غير المحاكم قد يكون من صحبك لسنوات ثم تفرقوا لأجل دنيا لم يرعوا الفضل بينهم.

انظر إلى قصة حاطب بن أبي بلتعة عندما أراد أن يُخبر قريش بخطط النبي محمد صلى الله عليه وسلم لفتح مكة. بعد أن عزم النبي على فتح مكة، أرسل حاطب بن أبي بلتعة رسالة إلى قريش ليُخبرهم عن خطط النبي. كان حاطب قد أسلم وعاش في المدينة ولكنه كان لديه عائلة في مكة، فخشي على مصيرهم. علم النبي محمد صلى الله عليه وسلم بأمر حاطب من الله، فاستدعى علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وأرسلهما إلى مكة للبحث عن الرسالة. وعندما وصلا إلى هناك، التقيا امرأة كانت لديها الكتاب الذي أرسله حاطب إلى قريش وسلمت الرسالة. بعد ذلك، عاد علي والزبير إلى النبي وأخبراه بما حدث. استدعى النبي حاطب وسأله عن سبب فعلته. اعتذر حاطب وأوضح أنه لم يكن يريد الخيانة بل كان يريد حماية عائلته، عندما سمع عمر بن الخطاب بما فعله حاطب، استشاط غضباً وقال للنبي: “يا رسول الله، دعني أضرب عنق هذا المتهم!” ولكن النبي صلى الله عليه وسلم رد عليه قائلاً: “إنه قد شهد بدرًا، وما يدريك لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم.” لم ينس النبي صلى الله عليه وسلم فضل حاطب بن أبي بلتعة في غزوة بدر، وهذا الدرس النبوي يقودنا إلى ألا ننسى كل صاحب ذي فضل.

يجب أن نتعمق في اللحظة الحاضرة ونتحلى بالحكمة عند اتخاذ الأحكام، وألا نغفل عن الشكر والامتنان لمن كان له فضل علينا. كما ينبغي علينا أن نفكر جيداً قبل إصدار الأحكام، إذ من الضروري أن ننظر إلى ما قدمه الآخرون من فضلٍ يمحو به أخطاءهم وزلاتهم. يجب علينا أيضاً أن نكبح جماح النفس البشرية عن الانتقام ونحكم عقولنا، ونسعى لبناء علاقات قائمة على الاحترام والتقدير.

علاوة على ذلك، من المهم أن نكون واعين لمشاعر الآخرين ونتجنب الإساءة لهم في أحلك الأوقات. نستطيع استلهام الدروس من قصص الأنبياء والصالحين، والعمل على تعزيز قيم التعاون والتسامح في مجتمعاتنا. نسأل الله أن يرزقنا الحلم والصبر، وأن نكون من الذين يتذكرون الفضل، فيصبحوا مثالاً للعدل والرحمة في كل تعاملاتهم.

المصدر: صحيفة صدى

كلمات دلالية: صلى الله علیه وسلم حتى وإن بن أبی

إقرأ أيضاً:

الجندي: الصحابة لم يترددوا في سؤال النبي ﷺ عن طبيعة أقواله وأفعاله

أكد الشيخ خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، خلال حلقة مميزة من برنامجه «لعلهم يفقهون» على قناة DMC بعنوان «حوار الأجيال»، على الوعي الديني العميق والجرأة المؤدبة التي تميز بها الصحابة رضوان الله عليهم في طلب العلم والمعرفة.


وأوضح الشيخ الجندي أن الصحابة لم يترددوا في سؤال النبي محمد ﷺ عن طبيعة أقواله وأفعاله، سواء كانت وحيًا من الله أم اجتهادًا شخصيًا منه، مشيرًا إلى أن الإسلام لم ينه عن السؤال بل شجع عليه ضمن إطار الأدب وحسن النية للفهم والتعلم.

واستشهد الجندي بموقف الصحابي الحباب بن المنذر في غزوة بدر، الذي سأل النبي ﷺ بأدب عن موقع الجيش، ليتبين أنه كان رأيًا ومكيدة، مما دفع الحباب لاقتراح موقع استراتيجي أفضل، وهو ما يوضح وعي الصحابة بضرورة التمييز بين الوحي الإلهي والاجتهاد البشري.


كما ذكر الجندي موقف الصحابي كعب بن مالك عندما بشره النبي ﷺ بقبول توبته، حيث سأله كعب: "أمنك أم من الله؟"، ليؤكد النبي ﷺ أنها من الله، مما يدل على حرص الصحابة على التثبت من مصدر المعلومات حتى في لحظات الفرح.


وأشار الشيخ الجندي إلى أن هذه النماذج تبين أن الصحابة لم يكونوا يسلمون تسليمًا أعمى، بل كانوا يتحققون ويميزون بين الوحي والرأي النبوي الشريف، مع الحفاظ على كامل الاحترام والإيمان.


واختتم الجندي حديثه بالتأكيد على أهمية معرفة متى نسأل ومتى نسلم، موضحًا أن النبي ﷺ كان في بعض الأحيان يجتهد، وأن التمييز بين الوحي والاجتهاد ضروري للفهم الصحيح للدين والامتثال لأوامر الله ورسوله.
 

طباعة شارك خالد الجندي برنامج الجندي الشئون الاسلامية

مقالات مشابهة

  • أذكار المساء كما ورد عن النبي.. رددها واغتنم ثوابها
  • فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة
  • سنن ليلة الجمعة الثابتة .. 8 أمور أوصى بها النبي
  • في عيد العمال.. كيف حث سيدنا النبي على إعطاء حقوقهم؟
  • من أنوار الصلاة والسلام على سيدنا محمّد صلى الله عليه وسلّم
  • دلّنا عليها النبي.. 4 أعمال عظيمة ثوابها وأجرها مثل الحج والعمرة
  • دعاء النبي عند الضيق الشديد.. ردده وقت اليأس والإحباط
  • الجندي: الصحابة لم يترددوا في سؤال النبي ﷺ عن طبيعة أقواله وأفعاله
  • أذكار المساء مكتوبة كما كان النبي يرددها.. لا تفوت أجرها
  • ما حكم تطليق زوجتي إرضاء لأمي وأخواتي لكثرة المشاكل بينهم؟.. الإفتاء تجيب